من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا زوجة أبلغ من العمر خمسين عاما وأم لبنتين أنهتا دراستهما الجامعية, وقد قضيت أكثر من نصف عمري مع زوج يستبيح الحرام ويتلذذ بما يسلبه من حقوق الغير, وهذا الزوج يشغل مركزا مرموقا في المجتمع, ومن عائلة محترمة يعرف أفرادها الفرق بين الحرام والحلال, إلا هو فإنه إذا رأى قرشا مع أحد راح يحوم حوله من قريب, ومن بعيد حتى يفوز به, وإذا ذهب لشراء شئ ما,
فلابد أن يسرق معه شيئا آخر ويجد لذة في أكل الحرام, وهو لا ينفق على بيته مليما واحدا, وطيلة فترة معيشتي معه لم ينفق مليما واحدا علي أو على بنتيه, وقمت أنا بجميع واجباته تجاه بيته وبنتيه من مأكل ومشرب وملبس, وتعليم من مرتبي, ولا يكتفي بذلك بل يعبث بحقائبنا فإن وجد جنيها واحدا يستولي عليه.
هوايته الوحيدة هي الاستيلاء على ما للغير من أشياء وبيعها وتحويلها إلى نقود يزيد بها أرصدته في البنك.
ويقضي أوقات فراغه في المرور على الفنادق لحضور الأفراح التي لا يمت بصلة لأصحابها, خاصة وقت افتتاح البوفيهات ليأكل ما لذ وطاب مع سرقة ما يمكن سرقته من مأكولات ليأكلها فيما بعد!
وإذا ذهب (وهذا نادر جدا) لشراء كيلو طماطم مثلا أو خيار فلابد أن يغافل البائع ليسرق أيا من المعروضات التي يعرضها بمحله, وإذا حضر أي عامل لإصلاح شئ ما بالمنزل فنحن جميعا نقف بجواره لحراسة العامل منه, حيث إنه لابد أن يسرق منه مفكا أو مفتاحا أو أي شئ من أدوات العامل.
وإذا حاولنا شراء أي شئ من الأشياء للترفيه عن أنفسنا ـ وحالتي المادية تسمح بذلك ـ يتشاجر معي شجارا عنيفا لأنه يريد لنا أن نحيا حياة الحرمان من كل شئ, بل إنه ـ وصدقني في ذلك ـ يهوى جمع أعقاب السجائر من الطفايات بالأماكن التي يوجد بها ليعيد تفريغها في ورقة بفرة ويلفها سجائر ويدخنها مرة أخرى, مع العلم أنه لم يشتر علبة سجائر واحدة في حياته.
كما أنه يقوم أحيانا بسرقة بعض الاشياء التي تخصنا ثم يقوم ببيعها ويستولي على ثمنها, ويضيفه إلى أرصدته في البنك.
وهو بخيل في كل شئ حتى في عواطفه تجاهي وتجاه بنتيه وتجاه أخوته, ولا يتأثر لمرض أقرب الناس إليه, لكنه إن فقد مليما واحدا لا ينام الليل.
إذا حدث واحتجنا إلى سباك مثلا أو كهربائي يحاول ــ بعد الإصلاح ــ ألا يعطيه أجره بالكامل أو أن يغالطه في الحساب ولا ينام الليل لأنه دفع نقودا للغير حتى ولو لم تكن من ماله, ويستيقظ ليلا ليعبث بصفيحة الزبالة فربما يعثر على شئ فيه منفعة ككيس بلاستيك فارغ أو أنبوبة قلم جاف فارغة أو زجاجة زيت فارغة, فيقوم بدسها وتخبئتها في أي مكان, وقد نعثر عليها عند قيامنا بتنظيف البيت.
ويفرح جدا إذا غالط بائعا في الحساب وهوايته الكبرى هي أكل الحرام أي الطعام المسروق.
وكلما مرت الأيام ازداد قلقي على بنتي, وعلى مستقبلهما في سن الزواج, وكل منهما قلقة من سلوك هذا الأب الذي يهوى الحرام, إنني أرجو ألا تقول لي إنه يعاني من مرض السرقة, لأن المريض بهذا المرض لا يبخل على نفسه أو على غيره بشئ, وزوجي يريد أن يعيش على الحرام, ولا ينفق مليما واحدا فماذا أفعل معه خاصة وأن بنتي قلقتان جدا من هذا السلوك؟!.
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
أنت على حق يا سيدتي .. فزوجك لا يعاني من مرض السرقة لدوافع نفسية المعروف باسم الكلبتومانيا, لأن المريض بهذا المرض يسرق أشياء لا يحتاج إليها ــ ولقد يلقي بها في الطريق بعد ذلك أو يهديها للأصدقاء لينال قبولهم وحبهم له …
أو يتصدق بها على أول عابر سبيل فقير يصادفه, والمهم لديه هو ما يستشعره من الإثارة والخوف والإحساس بالمغامرة والتفوق والقدرة على خداع الغير .. وتحدي النظم السائدة, وهو يرتكب جريمته.
أما زوجك فإنه يعاني من مرضين أشد هولا من مرض السرقة القابل للعلاج النفسي, وهما مرض البخل ومرض ضعف أو انعدام الوازع الديني, وهذان المرضان لا علاج نفسيا لهما ما لم تنزل هداية السماء على المريض بضعف الوازع الديني وتخرجه من الظلمات إلى النور,
فالدافع المحرك لسلوك زوجك هو البخل الشديد المعيب, والرغبة في ألا ينفق مليما على احتياجاته أو احتياجات أسرته, وليست الدوافع النفسية. وتصرفه فيما يسرقه ــ ببيعه واضافة ثمنه إلى رصيده, وجمعه لأعقاب السجائر لكي يدخنها بدلا من الإنفاق على شراء السجائر .. وتوجعه لأي قرش يناله عامل عن عمله, ولو لم يكن من جيبه وسعيه لسرقة بعض أدواته عوضا عما يأخذه من أجر ومغالطته للباعة ..
كل ذلك يؤكد أن دوافعه لما يفعل هو البخل المرضي الشديد, وضعف الوازع الديني الذي ينهاه عن مد اليد لمال الغير, ولست أعرف في حدود معلوماتي علاجا نفسيا له, وكل ما نستطيعه مع هذه الحالة الشاذة هو أن نحاصر صاحبها بقدر الإمكان ونضيق عليه الخناق بحيث تتضاءل الفرص التي يمارس فيها شذوذه, مع تعويض عجزه النفسي عن الانفاق بالقيام بمسئولياته المادية نيابة عنه, كما تفعلين الآن..
ولا بأس بتقريعه بشدة في كل مرة تنكشف فيها إحدى ألاعيبه وتهديده بفضح أمره ذات يوم إن لم يقلع عما يفعل, بل ولا مانع عند الضرورة من تهديده بهراوة القانون التي تعاقب على السرقة مهما تكن تفاهتها, فلقد نهى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه عن الاستيلاء على أشياء الغير بغير إذن صاحبها حتى, ولو من باب المزاح, وقال ما معناه:
لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الجمل فتقطع يده, أي أنه يعاقب بالحد على سرقة الجليل من الأشياء والحقير منها على السواء, فكيف تطيب الحياة لزوجك هذا, وهو يرتكب هذه الجريمة المشينة كل حين باستمتاع شديد؟..
إنني أشاركك القلق على مستقبل ابنتيك في ظل هذا الأب الذي يسئ اليهما بسلوكه الشائن, ولا أملك لك إلا الدعاء إلي الله سبحانه وتعالى أن يخجل ذات يوم قريب مما يفعل ويكف أذاه عن ابنتيك إذا كان لا يستطيع ــ بخلا وتقتيرا ــ أن يحسن اليهما برعايتهما وتحمل مسئولياته المادية والاجتماعية عنهما, ولله الأمر من قبل ومن بعد.