قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الخلود

أخيرًا سيتوصل إلى السر ..
سر الخلود ..
عشر سنوات كاملة ، وهو يعمل ليل نهار ، ويجرى تجاربه بلا انقطاع ، منذ عثر على تلك البردية القديمة ، التي تحمل سر الخلود ..
معادلة كيميائية فرعونية ناقصة ، احتاجت منه عشر سنوات كاملة ، حتى توصل إلى إكمالها ..
مازال يذكر نص البردية القديمة:

“اشرب هذا المزيج يا بن الآلهة ، وسيمنحك الإله خلودًا”

ثم معادلة كيميائية احترق طرفها ، وتحتاج إلى دراسة طويلة لعلم الكيمياء الفرعوني ، واللغة الهيروغليفية ، وإلى عشرات ومئات التجارب والمحاولات ..
وهو يثق كثيرًا في كهنة الفراعنة ..
ما داموا يقولون إن المزيح يمنح الخلود ، فهو يمنحه ولا شك ..

راح يتابع غليان ذلك السائل الوردي ، في دورقه الشفاف / وقلبه يخفق في قوة ..
لقد اقترب موعد تحقيق الحلم ..
سيحصل على أكسير الخلود ..
وفجأة جال بخاطره ما لم ينتبه إليه طيلة السنوات العشر السابقة ..
لماذا لم يحصل أحد هؤلاء الفراعنة القدامى على الخلود ، ما داموا قد توصلوا إلى صنع إكسيره ؟! .

ضرب رأسه بكفه في قوة ، وهو يهتف:
ـ يالي من غبي .. لا ريب أنهم قد حصلوا على الخلود ، ولكنهم لن يكشفوا أمرهم أبدًا .. سيحتفظون بذلك سرًا .. من أدراني أنهم لا يعيشون بيننا الآن ، وأن أعمار بعضهم قد تبلغ آلاف السنين ..
ابتسم في ارتياح ، عندما بلغ هذه النقطة ..
بالتأكيد إنهم حولنا ، ولكنهم يخفون أمرهم ، ويحرصون على هذا ..

هو نفسه سيخفي السر بقدر استطاعته ، ولن يسمح لمخلوق بمعرفته ..

لقد حرص على هذا ، حتى أنه لم يسجل معادلته أبدًا ، بل احتفظ بها في المكان الوحيد ، الذي لا تتعرض فيه للسرقة أبدًا ..
في رأسه ..
في ذاكرته وحده ..
وخفق قلبه مرة أخرى في عنف ، عندما بدأ المزيج الوردي في الغليان ، وتحول لونه إلى البنفسجي ، فالأزرق ، ثم تصاعدت منه فقاعات ذهبية صغيرة ، انعكست عليها أضواء المعمل ، فبدت كعشرات الشموس السابحة في الفضاء ..
واختطف الدورق في لهفة ، وصب بعضه في كوب صغير ، وهو يهتف:
ـ لقد حصلت عليه .. حصلت على الخلود ..
وبلا تردد شرب السائل كله ..
وفجأة شعر بالتحول ..
تحول هائل قوي عنيف ..
واتسعت عيناه في رعب ..
وحاول أن يبلغ الدورق ، فارتطمت يده به ، وسقط يتحطم على أرض المعمل ..
وأدرك أخيرًا سر الخلود ..
أدركه بعد فوات الأوان ..
وراح الإكسير يعمل ، ويعمل ..

وفي الصباح التالي ، وعندما دلف عامل النظافة إلى المعمل ، كانت هناك سحب خفيفة تنتشر في جوه ، ففتح العامل النافذة لتهوية المكان ، وتطلع في حيرة إلى تمثال من الحجر ، يشبه العالم الذي يعمل في المعمل تمامًا ، وتساءل العامل عن سر وجود هذا التمثال ، المصنوع من حجر قوي كتماثيل الفراعنة ، ثم لم يلبث أن نفض دهشته وتساؤلاته ، وهو يغمغم:
ـ يا لجنون العلماء !! ..
ولم يتصور أبدًا أن هذا التمثال ، المصنوع من مادة خالدة ، غير قابلة للكسر ، كان ذات يوم ينبض بالحياة ..
حياة عالم قضى عشر سنوات من عمره يبحث عن الخلود ..
ونال ما سعى إليه ..

________________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ بدوية رقم 4)

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || العقاب

Related Articles