من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا رجل نشأت في أسرة متوسطة الحال بين أب لا تعرف له الدنيا مثالاً في الطيبة والاحترام والهدوء وأم حنون رغم شخصيتها القوية الحازمة وكنت أنا واسطة العقد بين سبعة أبناء وبنات يكبرني شقيقان وشقيقة ويصغرني مثلهم, وقد كافح أبي لتعليمنا حتى حصلنا جميعا على المؤهلات العليا وحصل أصغرنا علي درجة الدكتوراه ..
أما أنا فقد كان من نصيبي أن حصلت علي بكالوريوس العلوم و دبلومتين في الدراسات العليا, بالإضافة إلى ليسانس الآداب , وقد شغلت بدراستي فلم التفت إلى الجنس الآخر طوال مرحلة التعليم, ثم تخرجت والتحقت بالخدمة العسكرية وخرجت منها بعد خمس سنوات لإصابتي في حرب أكتوبر, وعقب تسريحي من الخدمة سافرت إلى إحدى الدول العربية وعملت بها خمس سنوات أخرى, ثم تلفت حولي فوجدتني في الرابعة والثلاثين من العمر ولم أخط بعد خطوة واحدة على طريق الزواج, فتكفلت أمي بالبحث عن عروس مناسبة لي ووكلتها في هذا الأمر, فخطبت لي جارة لنا خريجة إحدى الكليات النظرية وتتميز بالجمال الهادئ الوديع والأخلاق الرفيعة لكنها كانت مطلقة منذ بضعة شهور من جار آخر لنا قبل الدخول لأسباب لا أعرفها, ولم أشأ سؤالها عنها لكيلا أحرجها.
وتمت الخطبة بسلام وبعد فترة قصيرة تم عقد القران , على أن يتم الزفاف بعد عام آخر, وخلال الفترة بين القران والزفاف بدأت تتكشف لي بعض جوانب شخصيتها وبدأت أعرف أنها شديدة العصبية وشديدة العناد إلى الحد الذي يمكن معه أن تؤذي نفسها بعنادها, وبالرغم من ذلك لم أتوقف عند هذه الجوانب لإيماني بأن الكمال لله وحده, وإن لكل إنسان عيوبه ونواقصه مهما اجتهد لأن يكون كاملاً!..
وتم الزفاف وأمضينا “شهر الزفت” كما قالت هي عنه في شقتي بالمعمورة واكتشفت أنا خلال هذا الشهر بقية الجوانب الأخرى لشخصيتها والطباع السيئة فمن اليوم الأول لزواجنا لم أجد من جانبها الحب ولا الاحترام ولا التفاهم.وإنما وجدت لسانا لم أتخيل ما ينطق به من ألفاظ لم أسمعها من قبل في حياتي, وتعجبت للتناقض الفادح بين مظهرها الهادي.الرقيق وأسلوبها الناعم مع الناس جميعاً.وبين ما تتبدي عليه من شراسة ونفور وتمرد واستهانة بكل شئ .. وفحش في الألفاظ في تعاملها معي ..
فإذا زارنا أحد من أهلها أو أصدقائها. ظهرت الشخصية الرقيقة المهذبة لزوجتي طوال وجود الضيوف في بيتنا وتمتعت معهم بحسن المعاملة لفترة قصيرة حتى غبطني البعض منهم على هذا الملاك الهابط من السماء الذي تزوجته, وحتى أحببت أنا أن يزورنا أهلها وأصدقاؤها كل يوم لأستمتع في وجودهم بهذه الهدنة من العناء .. وما إن ينصرف الزوار حتى يتحول الملاك على الفور إلي شيطان ويظهر بوزها بشكل تلقائي بلا أي فاصل زمني بين الحالتين,ولا أسمع منها بعد ذلك إلا الألفاظ النابية!
وصبرت على هذا البلاء لأنها كانت قد حملت خلال “شهر الزفت” من أول طلقة كما يقولون, ولم أشأ أن يأتي طفلنا الأول للحياة ونحن منفصلان,وليتني ما صبرت ولا تحملت ,فلقد مضى بيني وبينها الحياة في عناء شبه مستمر بلا راحة..ولا فترات سماح قصيرة..وعند كل خلاف تطلب مني الطلاق , وكأنها تطلب كوبا من الماء حتى بلغ بها الحال أن صارت تطلب الطلاق لأتفه الأسباب وتعلق به تحقيق أي رغبة لها مهما كانت بسيطة, فإذا أرادت أن تفعل شيئاً وتوجست من احتمال اعتراضي عليه طلبته مني على هذا النحو الغريب؟ أريد أن أحضر عيد ميلاد ابن أختي في الإسكندرية..فهل أسافر..أم تطلقني؟!
وهكذا علي مر سنوات هذا الزواج التعيس حتى أنني أستطيع أن أقول أنني لم أتذوق طعم السعادة مع هذه السيدة يوماً واحدا منذ ارتبطت بها.
ثم طلبت مني زوجتي بعد تسع سنوات من الزواج ورغم أنني أعمل بوظيفة محترمة أن تهاجر إلى كندا كما فعلت أخت لي منذ عشرين سنه, واستجبت لرغبتها بهدف رفع مستوى حياتنا إلي المستوى الذي تريده هي, وساعدتنا شقيقتي المقيمة هناك في إجراءات الهجرة, وحصلت على أجازة بدون مرتب من عملي بمصر وتركت وظيفتي وسافرت إلى المهجر..فكان أول ما فعتلة زوجتي بعد استقرارنا في حياتنا الجديدة هو أن قاطعت أختي هذه وطلبت مني ألا أزورها نهائياً! ..
لكني لم أستجب لرغبتها وأصررت ألا أقطع رحمها .. ثم حصلت بمساعدة زوج شقيقتي على عمل بسيط ولكنه شاق للغاية واستمررت في هذا العمل الشاق ثماني سنوات كاملة بغير يوم واحد للراحة, إلي أن جاء اليوم الذي كنت أتحسب له كثيراً, وحصلت على استغناء من هذا العمل وانضممت لطابور العاطلين,
وبدأت أحصل على تعويض البطالة الشهري, فلقد ثارت زوجتي حينذاك ثورة هائلة , ولم تكف عن العويل والصراخ ليلاً ونهاراً وهي تتهمني بالسلبية والكسل والفر ح بالبطالة وتزمجر في وجهي أنه بدل ليس كافياً ,وطلبت الطلاق للمرة الخمسين خلال سبعة عشر عاماً هي عمر هذا الزواج البائس وأصرت عليه, فطلقتها تاركاً ورائي ثلاثة أبناء ذكور يحتاجون لأبيهم أكبرهم في السادسة عشرة وأصغرهم في الثامنة, ومنزلا مؤثثاً وسيارة, وذهبت للإقامة لدى أختي بعد أن هددتني زوجتي بالشرطة إن لم أغادر البيت..
وما أدراك ما الشرطة في دولة المهجر وكيف تنتصر المرأة على طول الخط في مثل هذه الظروف , فآثرت السلامة وانتقلت للإقامة مع أختي وأفهمت أبنائي أن إقامتي لدى أختي مؤقتة إلى أن أستطيع الحصول على عمل.
وحرصت بعد ذلك على أن أرى أولادي بصفة منتظمة لأنني لا أستطيع العيش بدونهم وأصبحت أراهم يتمزقون أمامي ولا أعرف كيف أسعدهم وأنا غير مقيم معهم .أما أمهم فهي لا تهتز لها شعرة لبكاء ابني الصغير وهو يرجوني حين أزورهم أن أبيت معه في غرفته, ولا يرق قلبها لرجائه, ولا تتزحزح عن موقفها إلى أن أغادر البيت دامعاً وحزيناً, وهي الآن تتلقى معونة شهرية كافية من الحكومة باعتبارها “أما وحيدة” مسئولة عن إعالة أولادها..كما أنها مريضة بالقلب وقد أجريت لها جراحة لاستبدال صمام في قلبها منذ ثلاث سنوات وكنت أرعاها خلال هذه الفترة وأخدمها وأقوم عنها بكل شئون الأسرة وأعمال البيت وهي مقبلة على إجراء عملية قلب مفتوح جديدة بعد شهرين لأن الصمام الذي تم تركيبه قد توقف عن العمل.
وكلما تدخل البعض للصلح بيننا وإعادة الشمل قالت لي أنها تكرهني وأنني لم أنفق عليها يوماً قرشاً واحداً , وأنني أرسل لأمي في مصر في حين ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع كما يقولون “مع أنني لم أكن أرسل لأمي سوى 200 دولار فقط في عيد الأم و200 دولار في عيد ميلادها أي 400دولار فقط في السنة ” في حين أن زوجتي هذه كانت تشتري الفستان ب 400 دولار في لحظة واحدة , كما كانت تغاضبني دائماً وتهجرني في الفراش بالشهور الطويلة.
وأخيراً وبعد كل ما جرى فلقد ذهبت إليها ورجوتها أن تعود الحياة بيننا كما كانت من أجل أبنائنا, مؤكداً لها أنني أسامحها في حقوقي التي أهدرتها ومستعد لنسيان كل شئ..فإذا بها تقول لي أنها قد استشارت شيخاً في المسجد الذي يؤمه المهاجرون, وقالت له أنها لم تكن زوجة صالحة, لأنها تكره زوجها وابتعدت عنه كثيراً ولم تكن تطيعه وكثيراً ما كانت تغضبه
وأن زوجها قد صبر على كل ذلك منها فهل إذا استغفرت ربها فيما فعلت يغفر لها الله؟..فأجابها الشيخ الفاضل بأنها إذا ندمت حقاً على ما فعلت وصح ندمها وصدقت توبتها فإن الله يغفر لها على ألا تعود للمعصية مرة أخرى. واستبشرت خيراً بهذه المقدمة الإيجابية غير أن ما قالته لي بعدها قد جاء مخالفاً لكل التوقعات..فقد قالت لي أنها قررت ألا ترجع إليّ حتى لا تغضب الله مرة أخرى, لأنها إذا رجعت إلي فستعود إلى سيرتها الأولى معي من جديد وتقع في المعصية التي قد تابت عنها واستغفرت الله منها!
فهل رأيت مثل هذا المنطق العجيب من قبل يا سيدي؟..إنني واثق الآن أنها لن ترجع إليّ كما أني أعرف جيداُ أنها لا تفكر في العودة لمصر نهائياً, فهل أتركها وأترك أبنائي معها في كندا وأرجع لمصر لأبدا حياتي من جديد مع سيدة فاضلة تعوضني سنوات الحرمان التي عشتها مع هذه السيدة خاصة أنني مازلت في الثالثة والخمسين من عمري..أم أبقي في البلد الذي ألعن اليوم الذي جئت إليه فيه لأن أبنائي مرتبطون بمراحل التعليم به ومستقرون فيه لكي أزورهم مرة كل ستة أشهر كما تسمح لي أمهم بذلك؟
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
تذكرت وأنا أقرأ حديثك عن التناقض الصارخ بين دماثة زوجتك ورقة طبعها ونعومتها مع الأهل والأصدقاء وبين جفائها معك وخشونتها وحدة طبعها وتجرئها عليك بالألفاظ النابية كلمات تلك الأغنية الأمريكية التي تصف زوجة من هذا النوع فتقول:
- ـ تبدو كالملاك
- ـ تمشي كالملاك
- ـ تتحدث كالملاك
- ـ لكنها شيطان رجيم!
والحق أن هذا الازدواج في الشخصية قائم بالفعل لدىي البعض رجالا ونساء فتراهم في حياتهم الاجتماعية أشخاصاً يتسمون بالجاذبية والرقة ودماثة الطبع والظرف والتسامح في التعامل مع الآخرين, ونسمع في نفس الوقت من شركاء حياتهم شكواهم المريرة من حدة طباعهم وجفائهم وافتقادهم العطف واللطف والدماثة وروح التسامح في تعاملهم مع شركائهم,فكأنهم بذلك يقدمون للغرباء دون الأهل الأقربين الجانب المضئ الجذاب من شخصياتهم_ ويختصون ذويهم_الأولي بعطفهم وتسامحهم ودماثتهم_بالجانب البدائي المنفر من شخصياتهم!
مع أن من يقدر على التعامل الرقيق المهذب مع الآخرين يقدر عليه أيضاً مع شركاء الحياة حتى ولو لم ينطو لهم على الحب كما هو الحال في قصتك مع زوجتك السابقة.
غير أنني من ناحية أخرى لا أستطيع أن أعفيك من مسئوليتك عن الكثير من أسباب تعاستك بهذه الحياة الزوجية ,وهي مسئولية تبدأ منذ الأيام الأولى التي ارتبطت فيها بهذه السيدة ,فلقد قلت أنها كانت قد طلقت من زوجها الأول قبل الدخول حين ارتبطت بها وأنك قد تجاهلت السؤال عن أسباب طلاقها منه حرصاً على عدم إحراجها, فلعلك لو كنت قد تحريت عن هذه الأسباب لعرفت في الوقت المناسب جوانب شخصيتها الأخرى التي تكشفت لك بعد أن عقدت قرانك عليها.
ولربما كنت قد آثرت الانسحاب من هذا الارتباط قبل بدايته تجنبا لبدء حياة زوجية تحمل معها بذور فشلها من قبل البداية كما أنك_وهو الأهم_قد تعاميت عن قراءة المؤشرات المزعجة عصبيتها الشديدة..وعنادها القاتل_خلال العام الطويل الذي سبق إتمام الزفاف , ومن يتجاهل قراءة علامات الطريق لا يصل إلى الغاية المنشودة مهما طال به السير عليه..
وكانت النتيجة أن ارتبطت بمن لا تحبك..ولا تحسن عشرتك , ولا تخفي كراهيتها لك ولا تبذل أي جهد يذكر للتوافق معك..فإذا كان عذرك في رفضك للتخلص من زواجك منها في البداية هو أن زوجتك قد حملت خلال شهر العسل المرير معها, فأي عذر كان لك في تحمل الأذى منها, والصبر عليها خلال العام الذي سبق زفافك إليها!
إن كثيراً من أسباب شقائنا في الحياة هي..أننا لا نعرف كيف نقول في الوقت المناسب “وداعا” لما أحببناه وأردناه قبل أن يتمكن الداء منا ويتغلغل في دمائنا ويتحول لدينا إلى رغبة قهرية مذلة لا حيلة لنا معها!.. وأحسب أن هذا هو ما أصبح عليه حالك مع هذه السيدة بمجرد أن عقدت قرانك عليها ثم تزوجتها..وإلا فكيف يمكن أن تفسر احتمالك لكل هذا الهوان لأتفه الأسباب طوال سنوات زواجك بها!
..أو وهي تعلق تحقيق كل رغبة تبديها لك بالامتثال لها أو بطلاقها منك ولا خيار آخر سوي ذلك؟.. أو وهي تتمرد عليك ولا تطيع لك أمراً وتؤذي مشاعرك بالألفاظ النابية وتهجر فراشك بالشهور الطويلة؟..بل وبم تفسر أيضاً استجابتك لرغبتها في الهجرة إلى كندا ,وعلى غير رغبة منك ولغير سبب آخر ..سوي أنه وكالعادة ..إما هذا ..أو الطلاق!!
يا سيدي إننا نطالب الأزواج والزوجات بألا يستسهلوا الطلاق ولو شقوا ببعض أسباب التعاسة في حياتهم الخاصة حرصاً على سعادة الأبناء وتجنيا لآثار الانفصال السلبية عليهم .لكن ذلك لا يعني أبداً أن يعتمد أحد طرفي العلاقة الزوجية على حرص الطرف الآخر على مصلحة الأبناء فيستبيح كرامته الإنسانية ويذيقه مر الهوان..
ويصبر الآخر على ذلك إلى ما لا نهاية بدعوى سعادة الأبناء ذلك أن هذا الحرص على مصلحة الأبناء لابد أن يكون متبادلاً بين الطرفين وإلا تحول إلي سلاح باتر في يد أحدهما لإخضاع الآخر وإذلاله واستباحة حرماته دون حسيب ولا رقيب وأيا ما كان ما أنكرته عليك زوجتك خلال حياتك معها فلم يكن يحق لها أبداً أن تسئ معاملتك علي هذا النحو طوال سنوات الحرمان التي عشتها معها..
ومهما كان نبل دوافعك لاحتمال الحياة معها فلم يكن يجوز لك أنت أيضاً أن تقبل منها كل هذا الهوان وتصبر عليه إلي ما لا نهاية.
ولهذا فإني أجيبك على تساؤلك الأخير فأقول لك أنني لا أرى لك مكاناً في حياة هذه السيدة, لأنها كما تفعل للأسف بعض المطلقات في المهجر الآن, قد استغلت قوانين هذه البلاد ضدك, ورأت أنها تستطيع أن تتخلص من عشرة زوج لا تخفي كراهيتها له رغم صبره علي الهوان معها, وأن تفوز دونه ببيت الأسرة والأبناء وتحصل إلى جانب كل ذلك من الحكومة على إعانة شهرية كافية لحياتها باعتبارها أما وحيدة مسئولة عن رعاية أبنائها, وأن ترغم زوجها السابق على الرحيل من بيت الأسرة وتنفرد هي بحياتها وأبنائها دونه..فلا يكون لك,كما فهمت من رسالتك سوى حق الزيارة لأبنائك مرة كل ستة أشهر , فإذا كان الوضع كذلك فماذا يبقيك في موطن الأحزان ووجودك فيه بلا عمل ولا أمل في تحسن الأوضاع بينك وبين زوجتك السابقة ذات يوم بعيد أو قريب لن يمكنك ممارسة دورك كأب في حياة أبنائك ولماذا لا ترجع إلى بلدك وعملك وأهلك وتحتسب حياتك السابقة كلها عند خالقك وتأمل في أن يعوضك عنها بحياة جديدة سليمة مع سيدة أخري تسمح عنك بعض هذه الأحزان والآلام؟
إنك لو فعلت ذلك لربما سمحت لك ظروفك بأن تزور أبناءك كل عام أو كل عامين_ولربنا سعوا هم إليك وبحثوا عنك كما ينبغي للأبناء دائماً أن يستجيبوا للبوصلة الداخلية عندهم التي تتجه تلقائياً إلي آبائهم أو أمهاتهم البعيدين عنهم, كما أنك سوف تستطيع أن تتواصل معهم دائماً من بلدك عن طريق الهاتف والرسائل , وأن تشير عليهم بما تراه في صالحهم وترعاهم على البعد كما يفعل من تضرهم ظروف الحياة للغياب القهري عن أبنائهم..
ولا جدال في أن هذا ليس هو الوضع الأمثل لكنه الوضع المتاح الآن للأسف والذي يمثل الحد الأدنى المقبول من التواصل الإنساني بين أب وأبنائه,وما أكثر ما تضطرنا تصاريف القدر لأن نقبل بالحل المتاح ونرغم النفس علي الصبر عليه والاكتفاء به حين لا تسمح لنا أقدارنا لما هو أفضل منه,والمهم هو أن يعرف الإنسان دائماً متى يتوقف عن استجداء مشاعر الآخرين الذين يوصدون قلوبهم وأبواب رحمتهم دونه,ومتى يروض النفس علي التخلص من رغبتها القهرية فيمن لا يريدونه ولا يحفظون له حرمة ولا كرامة!
ذلك أننا إذا خسرنا الحب والأمان والاستقرار فليس أقل من ألا نسمح لأنفسنا بأن نخسر إلي جانب كل ذلك أيضاً الكرامة الإنسانية والأمل في تعويض السماء لنا عما خسرناه..والروائي الانجليزي وليم ثاكري “1811_1863” يقول لنا: إن بعض الرجال يخدمون النساء وهم راكعون_فإذا نهضوا ذهبوا!
بمعني أن بعض النساء قد يستعذبن إذلالهن لبعض الرجال لرغبتهم القهرية فيهن وإن بعض الرجال قد يستعذبون أيضاً إذلالهم لبعض النساء لنفس السبب,غير أن هذا الوضع السقيم ليس أبدياً كفكرة العذاب في الأساطير الإغريقية القديمة,ذلك أن هؤلاء المستذلين قد يتخلصون ذات يوم من ضعفهم مع معذبيهم فينهضون من كبوتهم أمامهم ويذهبون..فلا يرجعون مرة أخري إلي هذا الهوان..
وقديما قال إمام المتقين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
- احتج إلى من شئت تكن أسيره
- واستغن عمن شئت تكن نظيره
- وأحسن إلي من شئت تكن أميره !
مع تمنياتي لك بالسعادة والتعويض في حياتك الجديدة بإذن الله..