أجمل رسائل بريد الجمعة

طائر الأحزان ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

ربما تتصور يا سيدي أن مشكلتي هينة بالقياس إلى المآسي الأخرى التى تنشرها ، لكنى أؤكد لك أنها مشكلة حياتي التى لا أعرف كيف أواجهها أو أحتملها ، فأنا سيدة فى السابعة والثلاثين تزوجت لمدة 3 سنوات متقطعة و لم أسترح فى زواجي لأسباب تتعلق بزوجي و لا يد لى فيها .. و قد انتهى الأمر بيننا بأن طلقنى غيابيا ولم يعطني حقوقي ولم أطالبه بشىء وانطوت هذه الصفحة بخيرها وشرها من حياتي إلى الأبد ورجعت إلى بيت أبى ..

فبدأت متاعبي التى مازالت مستمرة إلى الآن فنحن 6 شقيقات وولد واحد تزوجت منا خمس وعدت أنا بفشلي إلى بيت أبى ، ولم يكن به حينذاك سوى أخي الذى يصغرني بخمس سنوات وأختي التى تصغرني بسبعة أعوام ، ولقد كان من الممكن أن تكون حياتي بينهم هادئة تعوضني عن مرارة الإحساس بالفشل .. لكن ذلك لم يحدث لسبب مهم هو أن أمي سيدة مضيافة خلقها الله سبحانه وتعالى تعشق الضيوف وتحب ” الونس ” والزحمة ،

لهذا فباب شقتها مفتوح كل يوم ككازينو الانشراح من التاسعة صباحا حتى الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل ، وفى أي وقت لابد أن تجد فى صالة الشقة ضيوفا بأولادهم إلى جانب بعض شقيقاتي المتزوجات الأربع وأزواجهن وأولادهن وأهل أزواجهن ، والكل يتكلمون بصوت عال ويحكون ، وأعود أنا من عملي مرهقة كل يوم فأجد صالة ” الكازينو ” كاملة العدد بالرجال والسيدات والجيران والأطفال .. فأدخل حجرتي التى أتقاسمها مع أختي .. وهكذا بلا انقطاع ولا أجازة فى يوم من الأيام .. ولم أحتمل كل هذا الضجيج فأصابتني حالة من الضيق النفسي أصبحت معها لا أريد أن أرى أحدا أو أسمع أحدا ،

وأصبحت أعود من عملي فأسرع بالاختباء فى غرفتي وأظل بها حتى موعد خروجي للعمل فى الصباح التالي ، وبعد معاناة نفسية طويلة قررت أن أغير هذا الوضع مهما كانت العواقب . وتركز حلمي البرىء فى أن أستطيع أن أبنى فوق سطح البيت الذى نعيش فيه ويملكه أبى أربعة جدران لها سقف وباب أستطيع أن أغلقه على نفسي ، لكن ذلك سوف يستغرق سنوات وسنوات وأنا لا أستطيع احتمال حياتي أكثر من ذلك يوما آخر فماذا أفعل ؟

لقد بحثت عن عمل مسائي يتضمن المأوى فوجدت عملا إضافيا كمشرفة ليلية فى إحدى دور الرعاية واسترحت لانفرادي بنفسي فى حجرة صغيرة مفروشة بالموكيت وأقبلت على عملي الصباحي فى وظيفتي وعملي المسائي بكل حماس ونشاط وبدأت أدخر كل قرش أستطيع ادخاره لكي أحقق حلمي الجرىء ..

وبدأت رحلة الألف ميل خطوة خطوة .. فقمت بعد بيع شبكتي الذهبية بتنفيذ صبة الخرسانة لشقة صغيرة من حجرة وصالة لأجلس فى بيتي بهدوء وشهر وراء شهر استطعت أن أسدد آخر أقساط الشاب الذى قام بتشطيب الشقة ، واشتريت موقد بوتوجاز وسخانا بالتقسيط من أحد المعارض وأصبحت أعود من عملي كل يوم فأدخل إلى شقه أبى كاملة العدد كالعادة فأحيى الحاضرين وأسرع بالصعود إلى شقتي لأستمع بالهدوء والراحة ، وفى وقت الأصيل أدعو أبى وأمى لتناول الشاي معى وأسعد باستضافتهما فى ” بيتى ” بعض الوقت .
و اقترب موعد زواج أخى .. فإذا بأبي وأمى يقرران أن يتنازلا له عن شقتهما وهى من 3 غرف وصالة ليتزوج فيها ، وأن يقيما معى فى شقتي الصغير ذات الحجرة الواحدة والتى بنيتها بدمى وعرقي فى 6 سنوات طويلة ! و كدت أصاب بالجنون حين أدركت ذلك و أسرعت إلى شقيقاتي أستجير بهن وأيدننى جميعا فى أن هذا ظلم لى بعد أن سففت التراب فى بناء هذه الشقة لأخلو فيها لنفسي فى حين أن أخي لم يفعل شيئا فى حياته و لم يكافح يوما واحدا وقد فصل من الكلية و لم يكن يساعد أبى فى محله الذى يتكسب منه رزق الأسرة وعاتبت شقيقاتي أمي فبكت وسألتهن : و أين نذهب نحن !

رائج :   نصف القمر الأخر ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولم يكن هناك مفر من الإذعان وتزوج أخي فى شقة الأسرة بعد أن قدم له أبى المهر والغسالة الفول أوتوماتيك والسجاجيد الفاخرة والسخان ، وقدمت له أمي طقم الصيني الخاص بها والذى لم تفز إحدى بناتها بقطعة منه وأكثر من ذلك فقد سلمه أبى المحل الذى يتعيش منه ! فضلا عما خلفه لأبى من ديون لا حصر لها بسبب الزواج و كل شىء لأنه الولد .. ولا يصح كما تقول أمى وأبى أن يتعب فى شىء !

واستقر شقيقي فى المسكن الواسع وتنازلت لأبى و أمى عن الغرفة الوحيدة بشقتي و نمت على الكنبة فى الصالة .. و شيئا فشيئا بدأ الكازينو القديم يفتح أبوابه ويستقبل رواده من التاسعة صباحا حتى الثانية بعد منتصف الليل ، وإذا جاء إلينا ضيوف من خارج المدينة التى نعيش فيها ألحت عليهم أمى أن يمكثوا لدينا بضعة أيام ! فيبيت الجميع على الأرض و فوق الكنبة دون أن تفكر مرة فى أن تهدى بعض هؤلاء الضيوف لأخي فى شقته الواسعة حتى لا تعكر مزاجه ! لقد عدت إلى أسوأ مما كنت فيه قبل سنوات ..

فلقد كنت أعيش من قبل على أمل واحد هو الانفراد بنفسى .. و الآن لم يعد لدي حتى هذا الأمل .. و قد عدت للتشرد فى أيام عديدة حين أضيق بحياتي بين بيوت صديقاتي .. و عجزت عن مواصلة الدراسة بالمعهد حتى أنى أفكر فى تقديم اعتذار عن عدم دخول امتحان البكالوريوس هذا العام مع أن الدراسة هى الشىء الوحيد الجميل فى حياتى .. فماذا أفعل يا سيدي ؟ إنني أرجوك ألا تقل لى ” و بالوالدين إحسانا ” فهما لم يحسنا إلى مع الأسف ولا تذكرنى بما قاله الرسول صلى الله عليه و سلم عن الأم و الأب ، فالرسول أيضا هو الذى قال : اعدلوا بين أبنائكم ولو فى القبل ، وإنما أرجوك أن تقول لى شيئا يبرد من ناري .. فأبى يقول حين يأتي ذكرى .. ربنا يشفيها فهل أنا مريضة حقا ؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لا يا سيدتى لست مريضة ولا مغالية فى ضيقك بما فعل أبواك حين حرماك من خصوصيتك وهدوئك فى مسكنك الصغير الذى كافحت هذا الكفاح المرير لتحقيق حلمك فيه . ولا علاقة لذلك أبدا ببر الأبوين أو بحقوقهما على الأبناء ، إذ لو لم يكن لهما مأوى سوى مسكنك لما كان لك أن تتضررى من انتقالهما للإقامة معك حتى و لو دعيا إلى مسكنك كل يوم كل ضيوف الأرض ،

رائج :   الورقة الصفراء !! .. رسالة من بريد الجمعة

فالبر بالوالدين يطالبنا فى هذه الحالة بألا نتردد لحظة فى التضحية براحتنا وخصوصيتنا من أجلهما حتى ولو ضقنا بذلك فى أعماقنا ، أما أن يضعا نفسيهما فى مثل هذا الوضع باختيارهما .. ولمجرد أن يحلا مشكلة ابنهما المفضل على حسابك ورغما عن إرادتك .. فهذا أمر آخر بكل تأكيد ..

إذ إننا حتى لو سلمنا لهما بحقهما فى أن يخصا أحد أبنائهما بأفضل عطائهما وهو ما ليس من حقهما فى أن يخصا أحد أبنائهما بأفضل عطائهما وهو ما ليس من حقهما شرعا ودينا فليس من العدل ولا من الإنسانية أن يهبا لأحد أبنائهما ” أفضل العطاء ” ، على حساب ” أتعس الأبناء ” الذين لم ينالوا منهما بعضه حين كانوا فى أشد الحاجة إليه . ولا من العدل أيضا أن يعطى الأبوان كل ما يملكان لأعز الأبناء ثم ينتظران من ” غير الأعزاء ” أن يتحملوا وحدهم كل المسئولية عنهم مع إعفاء ” المفضل ” فى نفس الوقت من كل تبعة أو مسئولية عنهما .
فالأمر بالعدل بين الأبناء مطلق وشامل .. من العطية إلى القبلة .. ولم يستثن حتى الابن العاق من حقه فى العطية و المساواة فى الحقوق رغم عقوقه لأن كل خطيئة حسابها على حدة .. لكن المؤسف حقا هو أن من يحيدون عن العدل و المساواة فى معاملة أبنائهم يطالبون عادة غير المميزين من أبنائهم بأن يقدموا دائما قرابين التضحية للابن ” المختار ” مصحوبة ” بابتهاجهم ” العرم باغتصابه لحقوقهم وربما كان أقل الأبناء جميعا رفقا وحنانا فى نفس الوقت بأبويه !

ولا عجب فى ذلك لأن ري الشجرة بماء الظلم والتمييز لا يمكن أن يثمر إلا ثمرة عجفاء مشوهة وليست سوية نفسيا و غير قادرة على العطاء المادي أو العاطفي لأقرب البشر إليه . وهل ينتظر الآباء ثمرة أفضل من ذلك من أبناء استحلوا لأنفسهم اغتصاب حقوق إخوتهم بدعوى أنها عطية لهم منهم و هم يعلمون جيدا بطلانها و حرمتها ما لم يستسمحوا شركاؤهم فيها وهم أخوتهم فيسمحون لهم بها بنفس راضية ودون أدنى ضغط أدبي أو نفسى أو حرج أو حياء ؟

إنها خطيئة متبادلة بين الآباء و بين أبنائهم المميزين وحساب كل طرف عنها مع ربه عسير ، و يكفيها إثما و بؤسا أنها تفسد صفاء العلاقات الأخوية وتنفث فيها فحيح الحقد والضغينة والمشاعر العدائية خلافا لما أرادها الله سبحانه وتعالى عليه من صفاء ومحبة وطهر . ألم يتخلص إخوة يوسف من أخيهم لمجرد أنهم قد توهموا أن أباهم يعقوب يؤثر بحبه وليس بعطاياه ؟

فما بالك إذن بما يفعله إيثار أحد الأبناء بالحب و التدليل وصكوك الغفران المفتوحة لكل خطاياه وأخطائه ، ثم ذلك كله بالعطايا و المزايا المادية التى تنعكس على حياة غيره من الإخوة بالعناء ؟

لهذا أكررها مرة أخرى إن إثم الموهوب له الذى يستحل قبول ما يعلم جيدا أن إخوته قد حرموا منه أو لم يعطوا مثله أو لم يسمحوا به راضين لا يقل شناعة إثم الواهب نفسه ، وليس العذر بالجهل بحرمة ذلك وبطلانه مقبولا من جانب كلا الطرفين لأن العدل والمساواة بين الأبناء فطرة لا تحتاج إلى تعليم ولا محاضرات دينية و لأن الواهب و الموهوب له يدركان دائما بالغريزة و الإحساس أنهما يفعلان ما يتحرجان من مواجهة باقي الإخوة به و يميلان عادة لتكتمه عنهم ، و لو كان أمرا لا شبهة فيه لما تكتماه أو حاولا ذلك و فى حالتك أنت فقد تعذر تكتمه لأنه واضح للعيان و لو أمكن ذلك لما تردد أبواك و أخوك فيه .

رائج :   ابتسامة الرضا ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

تسألينني بعد ذلك ماذا تفعلين وأكاد أجيبك صادقا إني لا أعرف حلا متاحا و ميسورا لمشكلتك فى المدى القريب .. فتكرار الحلم الجرىء مرة أخرى ضرب من المستحيل فى مثل ظروفك .. والمعجزة لا تتحقق دائما مرتين ، لكن لماذا لم يفكر أبواك وهما مشغولان بتدبير تكاليف زواج ابنهما المفضل – إلى حد الاستدانة – فى إضافة ” المسكن ” أيضا إلى شواغلهما ..

ولماذا لم يشركاك معهما فى تفكيرهما فلربما أسفر التفكير المشترك عن مشروع جديد لإضافة حجرة جديدة بحمام لمسكنك تستقلين بها ، و يمكن لها باب خارجي على السطح يحقق لك الخصوصية التى تفتقدينها ولو أدى ذلك إلى إضافة بعض الديون الجديدة إلى ديون الزواج ؟

وما داما لم يفعلا فلماذا لا يفكران فى ذلك الآن ولو تطلب تنفيذه سنوات أخرى .. ولماذا لا يشاركهما الابن العزيز المسئولية بدفع قسط شهري يسهم فى إضافة هذه الغرفة باعتباره أحد المسئولين بدفع قسط شهرى يسهم فى إضافة هذه الغرفة باعتباره أحد المسئولين الرئيسيين عن معاناتك ؟ إن ذلك لو تحقق قد يكون حلا لمشكلتك الحالية بعد فترة ملائمة .. لكنه ليس الحل النهائى لها .. فالحل النهائى لمشكلتك هو أن تبدئى حياة جديدة مرة أخرى يكون لك فيها زوج ومسكن مستقل واهتمامات جديدة تخفف عنك عناء الوحدة والغربة وسط الزحام .. وأيضا مرارة الإحساس بالفشل فى حياتك العائلية الأولى .. وذلك فى تقديرى من أهم أسباب عزلتك ونفورك من مجتمعك العائلي وزحامه وضيوفه وأطفاله ..

فالوحدة المزمنة كما قد تورث الإنسان حنينا دافقا للصحبة و الأهل و البشر ، قد تورثه فى حالات أخرى نفورا من الصحبة و عزلة و عجزا عن الاندماج فى العلاقات العائلية و الاجتماعية ، فتصبح فى هذه الحالة ” توحدا مع الذات ” و انفصالا عن الآخرين و ليست مجرد وحدة . فراجعى نفسك فى ذلك يا سيدتى ..

فأنت فى حاجة إلى استعادة قدرتك على الاندماج فى المجتمع العائلى مهما كانت تحفظاتك عليه ، ومع الحفاظ على القدر الصحى المأمون من الاستقلالية والخصوصية ، أما دراستك فهى ملجؤك الأخير للخروج من حالة الإحباط العام التى تعيشينها الآن ونصيحتى لك ألا تهمليها أبدا مهما كانت الأسباب وألا تعتذرى عن عدم دخولك امتحان هذا العام فأنت فى حاجة إلى المزيد و المزيد من الانشغال بالاهتمامات الجديدة و المفيدة و ليس العكس .. وشكرا .


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

Related Articles