من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا زوج السيدة كاتبة رسالة “الثمن الغالي” التى تحذر فيها من أن زمن بكاء المرأة على خيانة زوجها لعهد الوفاء لها ، وزواجه من غيرها قد انتهى ، وأن المرأة لا ينبغي لها أن تقبل الأمر الواقع، إذا تزوج غيرها ، ولا أن تصبر عليها، ولا ان تعيش على ذكرى الخيانة بعد طلاقها منه، لأن المرأة تستطيع – كما تقول وكما فعلت- أن تحب وتتزوج مرة أخرى، ولو كانت فى الستين.
ولست أريد أن أظلم كاتبة الرسالة، فأجزم أنها زوجتي السابقة، لأن قصص الحياة كثيرا ما تتشابه، ولكن هذا لايعنينى كثيرا ، لأنى لم أكتب هذه الرسالة دفاعا عن نفسي، ولا ردا على رسالتها ، وإنما كتبتها لكل زوجة تحرص على زوجها، ولا يسعدها أن تفاجأ بزوجها يهرب من “جنتها” إلى “جحيم”أمرأة أخرى، أو حجر “حية رقطاء” كما تقول كاتبة الرسالة عن زوجتي الحالية.
وعلى أية حال .. فإنى لم أعجب لرسالتها ولكنى عجبت أشد العجب لعبارة واحدة فيها كتبتها، وهى تتحدث عن قصة زواجنا فقالت ” ومضت بنا رحلة الحياة آمنة وسعيدة “، وقد دفعتني هذه العبارة لأن أسرد عليك جوانب قليلة جدا من هذه الحياة ” الآمنة السعيدة ” التى عشتها معها ، فما يقرب من عشرين عاما التى عشتها معها فإن الأيام التى تصالحنا خلالها ، وكنا فيها على وفاق ، إذا جمعتها الآن فإنها بحساب الزمن لا تكمل أكثر من عام ، أو عام ونصف العام على أكثر تقدير.
أما باقي الرحلة ” الآمنة “… فقد كان كله خصاما وعنادا ، ولقد عيرتني زوجتي السابقة فى بداية حياتي معها بقلة دخلي ، مع أننى قد تزوجت بكل الإمكانيات ، وكانت لى سيارة ، ورغم ذلك فقد تطاولت على بأنني لست رجلا، لأننى لست قادرا على تلبية كل رغباتها ، وقد عاشت معي عشرين عاما ساخطة على حياتها، وكل حركة ، وكل إشارة قد تحرق دمها فجأة فتغضب ، وإذا غضبت لم يفارقها الغضب قبل أسبوع على الأقل ، وبعد أن أكون قد كللت من استرضائها والاعتذار إليها ، أيا كان سبب الغضب ، كما تطاولت على عائلتي ، ابتداء من والدي يرحمه الله إلى شقيقاتي جميعا ، حتى قاطعني الجميع ، وإن كنت حرصت على أن أصلهم في السر ، وعلى ألا ينقطع برى بأهلي رغما عنها .
وكنت فى بداية حياتنا ، أتلهف أن أسمع منها كلمة رقيقة ، أو كلمة مشاركة فى فرحى أو حزني وتعبي ، فلم أجد منها إلا الرغبة فى إسعاد نفسها فقط ، لأنها محور الكون بالنسبة إليها ، ويعلم الله أننى لم أدخر جهدا ولا مالا فى محاولة إسعادها و إرضائها. ومع ذلك لم تكن تدوم السعادة مهما فعلت ، إلا ساعات أو أياما على أكثر تقدير ، ثم يصدر عنى تصرف كان يجب أن يصدر من وجهة نظرها أيضا ، فتنقلب ملامحها، وتغضب ، وتنفجر البراكين فى بيتنا الآمن السعيد ، وأحاول أن أعرف سبب ثورة البركان بكل وسيلة ، فلا أعرفه إلا بعد أيام ، وأحيانا بعد أسابيع !
ولقد حاولت معها فى سنواتنا الأولى معا الإصلاح بالحب والعتاب ، فلم تزدد إلا عنادا وغضبا ، وحاولت بهجرها داخل البيت فلم تبال ، ثم أصبحت بعد بضع سنوات لا انتظر منها حبا ولا مودة ، ولا أطمع إلا فى أن تبتعد عنى بأذاها فقط…وأصبحت أواجه براكين غضبها بالصمت والأعاصير تضطرب فى أعماقي وأكظمها ، لكي أعفى أبنائي من هذا النكد بقدر المستطاع.
وهى تقول فى رسالتها إنها تركت لى الأبناء ، عقابا لى على زواجي من غيرها ، حين تمسكت بالطلاق ، لكى أتحمل تبعات فعلتي الشنعاء ، والحقيقة أن مسئولية هؤلاء الأبناء ليست جديدة على ، لأنني تحملتها منذ كانوا أطفالا صغارا …
فقد كنت أنا الذى يوقظهم من نومهم فى الصباح ، ثم أعد لهم الإفطار ، وأعينهم على ارتداء ملابسهم ، وأعد لهم ساندوتشات المدرسة ، وأقوم بتوصيلهم وهى مازالت نائمة ، ثم أرجع بهم من المدرسة ظهرا أيضا لاستذكر لهم دروسهم فى ساعة راحتي من العمل ، لكى ترتاح حتى بعد عودتها من عملها ، وأرجع إلى عملي بعد الظهر ، وتبدأ هى العناية بهم ، وأعود ليلا لأجد التكشيرة الهائلة مستقرة على وجهها ، وأسألها عما بها فلا تجيب، حتى أصبحت من كثرة التكرار ، أرجع فى الليل وألقى عليها تحية المساء ولا أنتظر ردا منها ، ثم أتناول طعام عشائي وحدي وأدخل غرفة مكتبي ، التى أصبحت ملاذي الوحيد فى هذا البيت لأقرأ بعض الوقت.
وهكذا مضت حياتي معها عشرين عاما ، حتى كنت أناجى ربى وأقول له سبحانك ربى ، أعطيتني كل شئ من أسرة ومال ومركز وحب كل من عرفني ، فلماذا حرمتني يا رب مما أعطيته لغيري ، من “السكن” إلى زوجة ، أجد لديها المودة والرحمة ، فعشت مع زوجة لم أسكن إليها ولم تسكن إلى ، وفى سنواتنا الأخيرة معا ، أصبح دعائي لربى بعد أن تعبت ، ولم يعد بمقدوري أن أتحمل المزيد هو اللهم عوضني عنها بخير منها، إن لم يكن فى الدنيا ففى الآخرة ، وأنا الذى لم يرفع بصرة يوما على امرأة أجنبية عنه ، ولم أكن صاحب نزوة فى يوم من الأيام ، على كثرة ما حرمت منه كزوج ، وأنا فى عنفوان شبابي.
ومع أنى أعرف كراهيتك لما سوف أقوله لك … فلقد عوضني الله عنها بزوجة ، ترعى الله ، وترعى حقوق زوجها ، وعرفت لأول مرة فى حياتي نعمة السكن ، التى شرع الله الزواج من أجلها,أنا الآن أنظر إلى هذه ” الحية الرقطاء ” كما أسمتها زوجتي السابقة ، فأشكر ربى على ما أعطاني …فهى الزوجة التى إذا نظرت إليها سرتني ، وإذا أمرتها اطاعتنى ، وهى الزوجة التى لم أرها يوما ما ساخطة أو متذمرة … نعم إنها قد تكون أقل من زوجتي السابقة فى الجمال والعائلة ، ولكن شتان بين جمال الشكل ، وبين جمال الطبع والروح.
وأما أبنائي الصغار منها ، التى تقول زوجتي السابقة إنني أتحمل الآن عبثهم وهمهم فى مثل سني الآن ، فى حين تتنقل هى كالفراشة مع زوجها الجديد بين أنحاء الأرض فى رحلات سياحية خالية من الأعباء …أما أطفالي هؤلاء فهم ليسوا عبئا على من عاش حياته الدنيا ، التى تهون متاعبهم ، إلى جوار زوجة تهون على زوجها كل مصاعب الدنيا .
وأما أبنائي الكبار من زوجتي السابقة ، فهم معى كل يوم ، وقد تفهموا الوضع ، ورضوا الآن وإن كانوا قد تأثروا فى البداية ، وأما زوجتي السابقة فلم أحاول يوما أن أجرح مشاعرها بإظهار سعادتي بزوجتي الجديدة أمامها ، وقد كنت أتمنى فعلا ألا تفارقني زوجتي السابقة ، ليس حبا فيها ، وإنما من أجل أولادي لكيلا أسبب لهم جرحا ، وأما سعادة زوجتي السابقة بزوجها الحالي ، فيعلم الله أننى لا أكره لها هذه السعادة ، ولا أحمل لها أي ضغينة أو حقدا ، والله سبحانه وتعالى هو القادر على إسعاد عباده ، حين يشاء ، وهو القائل جل شأنه “وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ” صدق الله العظيم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
ربما تكون العلاقة الزوجية ، هي العلاقة الإنسانية الوحيدة التى يندر أو يتعذر أن تتطابق رواية طرفيها عنها فى حالة الخلاف ، بل حتى أيضا فى حالة الوفاق !
فالعلاقة العاطفية يمكن إذا اختلف طرفاها أن يختلف تقدير احدهما عن الآخر بعض الشئ ، لأسباب الخلاف ، ولكنهما سوف يتفقان غالبا فى الوقائع الأساسية لما جرى بينهما ، فتحس حين تسمع لكليهما أنك تسمع القصة نفسها مع اختلاف طفيف فى بعض التفاصيل ، وربما يكون الأمر كذلك أيضا فى علاقة الصداقة أو علاقة الأخوة ، أما فى العلاقة الزوجية…فيندر حتى فى حالة الخلاف العابر ، أن تتطابق رواية طرفيها عنها أو حتى تتقارب !
ولا غرابة فى ذلك لأنها علاقة متشابكة ومتداخلة ومركبة ، ومختلطة بمشاعر إنسانية ، واعتبارات عائلية واجتماعية مختلفة ، ولأن كل طرف من طرفيها قد يميل غريزيا للرثاء لنفسه ، و اعتبار شخصه شهيدا ، أو مجنيا علية من الطرف الآخر ….ولعل فى قصة الرسول صلوات الله عليه وسلامه مع السيدة عائشة ، حين اختلفا فى بعض ما يختلف حوله الأزواج ، ما يؤكد ذلك ، فلقد احتكما إلى أبيها أبى بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد قبلت السيدة عائشة بأبيها حكما ، وهى كارهة ومتوجسة ، لأنه كما قالت للرسول الأمين : هذا رجل لن يحكم لى عليك !
ثم بدأ الرسول عليه السلام يروى الخلاف ، فإذا بالسيدة عائشة تقاطعه بغير وعى ، هاتفه : اقسط يا رسول الله! أي اعدل فى روايتك ، فانتفض أبو بكر مغضبا ، وضرب ابنته فشج أنفها ، وهو يقول لها متعجبا : ألرسول الله تقولين هذا ، و انزعج الرسول الكريم لما أصاب زوجته ، وفزع إليها يغسل جرحها ، ويحنو عليها ، وهو يقول لصاحبه حزينا وعاتبا : ما دعوناك لمثل هذا.
إذن نتصور اختلاف الرواية بين الزوجين على أي خلاف ينشأ بينهما من طبائع الأمور تماما كما يبدوا لنا نصف القمر المضئ مختلفا تماما عن النصف الآخر المظلم ، مع أنهما متماثلان فى الواقع..
لو لم يكن الأمر كذلك أنطقت الغريزة الأنثوية السيدة عائشة بما قالت لزوجها الكريم ، وهى تعرف أنه لا ينطق عن الهوى ، وأنه وليس مثله من يحرف روايته لينتصر لنفسه ، وإنما هى دائما إشكالية اختلاف زاوية الرؤية ، التى يرى منها كل طرف القصة ، ويرويها وفقا لذلك ، ولو كانت الروايات عما يجرى بين الأطراف المختلفة تتماثل وتتطابق فى كل أمور المعاملات الحياتية ، لما احتجنا إلى قضاء ، ولا إلى شهود عدول ينتصرون لطرف ، ويدينون طرفا أخر…
وللأديب الفرنسي ميشيل مونتانى كلمة حكيمة بهذا الشأن يقول فيها:
“قلما يتفق اثنان فى الحكم على أمر من الأمور اتفاقا تاما كاملا مهما تشابه رأياهما ، ولو أن حادثا قد حدث فى الطريق ، ورآه أشخاص مختلفون ، ثم طلب من كل منهم أن يصفه ، لاختلفوا فى تفاصيل المرئيات ، حتى ليظن المرء أن بعضهم يكذب عمدا، ولا كذب هناك فى الحقيقة ، وإنما يختلف نظر كل منهم للأمور عن نظر غيره بعض الاختلاف ، إلا إذا كان هناك إيحاء أو رغبة فى الاتفاق لمأرب ما !”
ولهذا فلقد قلت مرارا إنني لا أجلس مجلس القضاء من أحد ، لأنني إن فعلت ذلك ، فلا بد لى من سماع الطرفين معا ، والتحقق من صدق ما يرويه كل منهما ، قبل أن أحكم لأحدهما على الآخر ، وإننى إنما أقدم مشورتي لمن يطلبها منى ، على ضوء ما يعرضه على هو نفسه من وقائع فإن صدقني فلقد حصل على الرأي الصائب فى مشكلته ، أو ما أتصوره كذلك من وجهة نظري وفقا لاجتهادي المحدود ، وإن حجب عنى بعض جوانب الحقيقة ، فما حكمت له ، أو على الطرف الآخر ، حين صارحته برأيي ، وإنما حكمت على النموذج البشرى ، الذى صورته لى روايته ، وليس شخص بعينه .
وفى قصتك مع زوجتك السابقة إذا كانت حقا هى كاتبة الرسالة ، التى تتحدث عنها ، وليس غيرها ، لأن قصص الحياة تتشابه بالفعل كثيرا، فلقد روت لى قصة زواجك المفاجئ ، وأنت فى الثانية والخمسين من عمرك ، وهى فى الثامنة والأربعين من عمرها ، وبعد تخرج ابنكما الأكبر وابنتكما الوسطى ، ولم يبق بالتعليم الجامعي إلا الابن الأصغر ، وأنك تزوجت من فتاة لم يسبق لها الزواج عمرها 35 عاما ، وكيف فوجئت هى بهذا الزواج فى هذه المرحلة من عمرها ، وبعد أن شارفت سفينة الأسرة على بلوغ شاطئ الأمان ، وأية مقدمات … وبلا أية إشارة فى رسالتها إلى تعاستك الزوجية معها …أو خلافات سابقة بينكما.
وكيف أنك أردت منها أن تقبل بالأمر الواقع ، وتواصل الحياة معك حرصا على الأبناء ، وعلى شكل الأسرة الاجتماعي ، فلما رفضت ذلك ، وأصرت على الطلاق ، أملت أنت أن تظل بلا زواج ، عسى أن ترجع إليك بعد قليل ، وبعد أن يهدأ غضبها واستمرارك فى زواجك الجديد ، فلم تفعل هى ذلك أيضا ، وارتبطت بغيرك وتزوجته وسعدت بحياتها معه كما تقول ، وكتبت تقول إنها الآن لم تعد تشعر تجاهك بالحقد وإنما بالرثاء حين تراك ، وأنت تتحمل عبء أطفال صغار من زوجتك الجديد ، ومدارس ، وحضانة ، و استذكار دروس ، وعلاج لرضع صغار ، وأنت فى هذه المرحلة من عمرك.
هذا هو مضمون رسالتها ، التى أنهتها بتحذيرها الختامي للرجال من المرأة لن تعيش على ذكرى الخيانة إذا غدر بها زوجها وتزوج غيرها ، وهى فى مثل عمرها ، وأن الرجل ينبغي أن يتحمل تبعات أفعاله فى الحياة ، وألا يطالب زوجته الأولى بالتضحية ، أو قبول الأمر الواقع أو الصبر عليه ، حتى يرجع إلى نفسه !
وليس لى على رسالتها التحذيرية الأخيرة اعتراض ، لأني أؤمن فعلا بعدالة أن يتحمل كل إنسان تبعات اختياراته فى الحياة ، وألا يطالب أحدا بالتنازل عن بعض حقوقه له ، لكى يسعد هو بحياته ، وبالوضع الذى يراه – من وجهة نظره – أكثر تلبية لاحتياجاته العائلية والاجتماعية .
أما أنك لم تتزوج بغيرها من فراغ ، وإنما بعد صبر طويل على تعاستك الزوجية معها ، وأما إنك لم تكن ذات يوم صاحب نزوة ، ولا رجل مغامرات ، وإنما كان لك من شقائك الزوجي ما دفعك لأن تتزوج بغير زوجتك ، فليس لدى ما يحملني ألا أصدقك فى ذلك ، ولقد أعتدت أن أفترض الصدق فيمن يروى لى عن نفسه ، كما أنه لا يمكن أن تكون روايتك عن حياتك الزوجية الأولى من نسج الخيال ، فى كل تفاصيلها ، ولقد اختبرت صدقك حين رأيتك تعترف فى رسالتك ، بأنك كنت ترغب – رغم كل ذلك – فى ألا تفارق زوجتك الأولى ، من أجل مصلحة الأبناء ، ولكنها لم ترد ان تقدم لك ولأبنائها هذا العطاء.
إذا فهو اختلاف زاوية الرؤية مرة أخرى …. فزوجتك الأولى رغم كل ما جرى بينكما ، لم تكن لتتصور أن يدفعك إلى أحضان امرأة أخرى ، لأنها هى الأم و شريكة الحياة منذ البداية …الخ.
وأنت ترى أنك قد تجرعت ما فيه الكفاية ، وأن ذلك يعطيك الحق فى التماس السعادة لدى أخرى ، ولقد قلت لزوجتك الأولى فى ردى عليها ، أنها لو كانت قد اختارت الاستمرار من أجل الأبناء ، فلم يكن لأحد أن يلومها ، وأنه ليس لأحد أيضا أن يلومها على أنها لم تفعل انتصارا لكرامتها كامرأة ، فإن كان ثمة خطأ من جانبك فى القصة كلها ، ففى أنك قد أجريت حساباتك للزواج الجديد ، على أساس أن زوجتك الأولى ستقبل بالأمر الواقع ، وتستسلم له ، بعد أن تخمد ثورة البركان المألوفة ، وفى أنك قد رغبت فى ذلك بالفعل ، من أجل مصلحة الأبناء وحرصا عليهم ، وفى هذا فلقد أخطأت الحساب ، وأنت اعرف البشر بالطبيعة البركانية لزوجتك ، كما تروى عنها . كما وقعت أيضا فى الخطأ البشرى المتكرر ، الذى يتمثل دائما فى قول الإنسان لشركائه أو أعزائه أحيانا : لقد فعلت ما فعلت ، فاقبلوا بما حدث وتعذبوا به ، لكى أسعد أنا بالنيابة عنكم .
وما كنت فى حاجة للوقوع فى مثل هذا الخطأ ، مع كل ما ترويه عن تعاستك الزوجية طوال عشرين عاما ، وبعد أن عجزت كما تقول عن مزيد من الاحتمال ، وتقدم الأبناء فى مدارج العمر ، وتملكتك الرغبة فى السعادة الشخصية ، حتى تغلبت عندك على بقية الاعتبارات العائلية ، وإنما كنت فى حاجة إلى مواجهة أمينة مع زوجتك بأنك قد تجرعت ما يكفيك من كأس الشقاء معها ، وأنك عازم على الزواج من غيرها ، فهل تقبل بذلك ، أم تفضل الانفصال فى هدوء واحترام ، فلا يحق بعد ذلك ان يلوم إلا نفسه .
ولكنه قد جرى ما جرى على أية حال … وأصبح لكل منكما حياته الجديدة وسعادته الخاصة بعيدا عن الآخر … فلا معنى إذا لهذه المساجلة بينكما ، وليسعد كل منكما بحياته واختياره لما اختار …وإنى لأصدقك يا سيدي فى أنك لا تحمل أية ضغينة لزوجتك السابقة ، ولا تكره لها سعادتها مع زوجها الحالي ، وأشكرك على رسالتك المهذبة …وأرجو أن تكون قد أفدت بها حقا كل زوجة ، ولا يسعدها أن تفاجأ بهرب زوجها من “جنتها” إلى “جحيم”أمرأة أخرى !