أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

نقطة الضوء ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

قرأت ببريد الجمعة رسالة (الخاتم الماسي) للأخت المهندسة الكريمة الأصيلة والتي تتساءل في رسالتها: هل كل من اغتنوا بعد فقر تغيروا كما تغير زوجها.. أو فعلوا كما يفعل زوجها الآن.. وهل المال شر أم خير؟
ولعل في رسالتي يا سيدي الفاضل ما يجيبها عن تساؤلها. 

أنا من قرية في أقاصى صعيد مصر، نشأت في أسرة فقيرة بل معدمة لا تجد قوت يومها.. وكان والدي الأمي رحمه الله يرغب في تعليمي ، والتحقت بالمدرسة الابتدائية بعد مرحلة (الإلزام) وكانت المدرسة الابتدائية تقع بالمركز الذي يبعد عن قريتي بحوالي 18 كيلو متراً، وبجنيه واحد فقط في الشهر كان علي أن أسكن وأعيش وأتعلم والبس، ولا اذهب لقريتي إلا مرة واحدة في الشهر توفيراً لنفقات السفر، وحصلت على الابتدائية بتفوق وبدأت اشق طريقي بعد دخول المدرسة الثانوية بإعطاء الدروس الخصوصية للتلاميذ الصغار لأكمل المشوار، وفكرت أن اقفز سنة من عمري التعليمي فدخلت امتحان شهادة الثقافة أيامها نظام (منازل) ونجحت بتفوق..

وسامح الله ناظر المدرسة يومها الذي رفض قيدي بالشهادة التوجيهية أي الثانوية الآن بحجة أن ليس لديه أماكن للتوجيهية ، فقد اضطرني ذلك للرحيل من الصعيد للإسكندرية للالتحاق بالتوجيهية في إحدى مدارسها، وسكنت في احد الأحياء الشعبية في الإسكندرية في حجرة فوق السطوح .. لها باب وشباك .. ولكن ليس لها باب أو شباك أي أن لها فتحتين للباب والشباك ولكن ليس بهما الباب والشباك الخشبيان، فاستعنت على سدهما بورق الكرتون، وعملت للغرفة باباً وشباكاً اتقاء لقسوة برد الشتاء..

ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. بل كان سقف الغرفة يتساقط منه الماء في الشتاء كالشلالات إلا من جزء قليل المساحة كنت أنام وأذاكر فيه، وكان طعامي في الوجبات الثلاث لا يزيد بأي حال من الأحوال على خمسة قروش، بل كانت تختصر كثيراً إلى وجبتين في اليوم، ولا يتعدى طعامي الجبن الأبيض والحلاوة الطحينية والفول والطعمية.. وكان لابد من أن استمر في أعطاء الدروس الخصوصية لأكسب رزقي.

رائج :   العتاب المر ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وواصلت الكفاح حتى حصلت على الشهادة التوجيهية والحمد لله ودخلت الجامعة وفيها واجهت مشكلة الملابس.. وسألت الجيران فدلوني على سوق الكانتو في حي العطارين، ذهبت إليه واشتريت بدلة كاملة ب 125 قرشاً وحذاء ب 15 قرشاً وقميصاً ب10 قروش ، أما رباط العنق(الكرافتة) فلم اشتراها لعدم معرفتي بفن ربطها،

وبدأت الدراسة في الجامعة صباحاً والتحقت في المساء بدبلوم الدراسات التكميلية لتخريج مدرسي الابتدائي بعد دراسة سنة دراسية واحدة، وأصبحت مدرساً بحوالي تسعة جنيهات أرسل لأهلي منها 5 جنيهات وأعيش بالباقي، لكن الجامعة كانت مصاريفها كبيرة لذلك كنت استعين عليها بالعمل في المصيف بأحد (الكازينوهات) البحرية.. اغسل الأطباق وأنظف ما يطلب منى، واشترى الأشياء اللازمة للعمل من السوق واعمل كل شيء يطلب منى خوفاً من الاستغناء عنى..

حتى تخرجت في الجامعة شاكراً المولى والتحقت بإحدى المصالح الحكومية بالقاهرة، وحين تسلمت أول راتب لي من الوظيفة كان أول ما فعلته هو تحقيق أمنية قديمة لي، وهى أن أتناول (الكباب) ودخلت احد مطاعم الكباب في القاهرة ونطقت بالكلمة التي كثيراً ما سمعت زملائي يتحدثون بها ولا اعرفها.. وحين سألني الجرسون عن الكمية المطلوبة لم اعرف فتصرف هو، ويومها عرفت لأول مرة أن الكباب لحم مشوي وليس نوعاً من الحلوى كما كنت أظن!

ومضت بنا الحياة..وتزوجت بإحدى الزميلات حيث كانت تعمل في إدارة أخرى وتسكن قريباً من الحي الذي أعيش فيه، وصدقني إنني لم أحادثها ولم اعرف اسمها بالكامل إلا عند الخطوبة وعقد القران، لكن الله أكرمني بها فهي سيدة فاضلة قاسمتني الحياة بحلوها ومرها، حتى شاءت إرادة المولى وسافرت للعمل بالخارج ومعي أولادي وعشت هناك أكثر من15 سنة حتى حصل أولادي على الثانوية العامة، وبعدها قررت العودة للوطن لأكون بجانب أولادي، بعد أن رزقني الله رزقاً طيباً حلالاً أزكية دائماً حتى زاد وزاد.

رائج :   الرد الصاعق ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وفى غربتي كنت دائم الصلة بأهلي أصل أرحامي خصوصاً ذوى القربى من الفقراء منهم.. حامداً شاكراً المولى في كل وقت، وقد سبق لي منذ سنوات شراء قطعة ارض بأحد الأماكن الراقية بالقاهرة، وقد بدأت فعلاً في استخراج الرخصة لبناء سكن لأولادي، لأن مشكلة المشاكل الآن إيجاد سكن للأبناء عندما يفكرون في الزواج بعد تخرجهم في الجامعة.

لقد أعطاني الله وزادني من نعمه إلا إنني مازلت اذكر الماضي بكل ما فيه وأحكى عنه دائما لأولادي. لكيلا تدور رؤوسهم.. ولكيلا يتعالوا على أحد لأن المال يذهب ويجيء.. ولأن الله خلقنا جميعاً من طين.. وهم والحمد لله متواضعون ومجتهدون في دراساتهم ويشاركونني الرأي في كل شيء.

وكلما جمعتنا رحلة إلى مكان من الأماكن الجميلة في بلادنا.. أو إلى الإسكندرية حيث أصبح لي شقة جميلة هناك.. وهفت نفوسهم إلى أكلة كباب في مطعم فذهبنا إليه.. تذكرت حكايتي معه.. وهممت بأن ارويها لأولادي على المائدة قاطعوني وصاحوا جميعاً قبل أن أتكلم ضاحكين: نعرف يا أبي .. إنك كنت تظن الكباب حلوى.. وإنك لم تأكله إلا بعد أن توظفت في الحكومة!

فاسكت مبتسماً متعجباً وشاكراً في أعماقي نعمة ربى.. وتمسك زوجتي بيدي مبتسمة متعاطفة.. سعيدة. إني أكتب هذه الكلمات للأخت كاتبة الرسالة لأقول لها كما قلت أنت لها أن عليها أن تواصل الكفاح مع زوجها لإفاقته من غيه، وإعادته إلى الأرض وإقناعه

ولكاتب هذه الرسالة أقول:_*له وثرائه، وأن عليها أن تقربه من الله لعله يشفيه من نفسه.. ويعيده إلى رشده.. والسلام عليكم ورحمة الله.

رائج :   العين الزائغة‏ !‏ .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

هنيئاً لك يا سيدي ما أعطتك الدنيا بعد العناء.. وأهمه في رأيي هو هذه الأسرة المتحابة التي يتبادل أفرادها الحب والإعجاب والاحترام.. إنها أكبر النعم يا سيدي وأفضلها ولتدع الله أن يحفظها عليكم، وأن يمتعك وأسرتك بالصحة التي بدونها لا يصبح للمال قيمة ولا في الثروة رجاء. لقد أكدته لي رسالتك يا سيدي ما أؤمن به دائماً من أن الخير دائماً من عند الله، وأن الشر دائماً من أنفسنا..

فلقد كانت ظروفك في مقتبل حياتك أقسى بكثير من ظروف زوج السيدة كاتبة رسالة “الخاتم الماسي” .. ثم جاءكما الثراء معاً بعد سنوات الاغتراب.. فأفسد حياته وشخصيته وسعادة أسرته وأظهر جوهره الرديء.. وجاءك مثله فأضاء حياتك واسعد أسرتك وأظهر جوهرك الأصيل.. أن النشأة البسيطة هي نفس النشأة البسيطة لكل منكما.. والمال هو نفس المال في الحالتين.. فلماذا اختلف تأثيره بينكما؟

لقد اختلف في رأيي باختلاف شخصيتكما.. وباختلاف فهم كل منكما لقيمة هذا الثراء الجديد، فلقد تصوره صاحب الخاتم الماسي نوعاً من العظمة لذاته الشخصية ومظهراً يتمثل في الخاتم الماسي والسيارة و البدلة الثمينة وتعالياً على الآخرين.. 

وعرفت أنت أنه نعمة طارئة قد تجيء وقد لا تجيء.. وأنه ليس المهم هو المال وإنما ما نفعله به.. وأنه لا يبقى للإنسان سوى خلقه ودوره في الحياة وصلاته بالأهل والبشر.. وحبه للآخرين وحب الآخرين له.. وكذلك يضرب الله الأمثال يا صديقي فشكراً لك على رسالتك (البهيجة) هذه على غيره العادة.. فلقد كانت نقطة ضوء لامعة.. وسط دياجير المشاكل التي قرأتها هذا الأسبوع. وما أحوجنا إلى مثلها من حين لأخر لنطلع على الجانب الخير من الدنيا الذي قد تخفيه عنا في أحيان كثيرة صعوبات الحياة.

مقالات ذات صلة