“علي العفيفي”، مواليد محافظة الغربية بقرية “ميت حبيش” القبلية التابعة لمركز طنطا، أن والده كان يعمل “مأذون” لتلك القرية، اهتم به منذ الصغر، وأقدم على مراعاته وتربيته بالتعليم الأزهري حتى يكون خلفًا له، ولكن منذ أن كان طفلًا بالمدرسة الابتدائية، بدأ سرقة سندوتشات وأقلام وأغراض أصدقائه، خاصة “إسماعيل ابن العمدة” على حد قوله،
ثم بعد ذلك قطع علاقته بالتعليم نهائيًا في الصف الأول الإعدادي، وبمرور الوقت أصبح شابًا وامتهن جرائم السرقة فصارت “تجري فى دمه”،غير قادرًا على الحياة دون ممارسة السرقة ومهارة خفة اليد والنصب، مما جعل والده يستاء منه ويستخدم ضده أساليب عقاب مختلفة، بعد أن كان يحلم له بمستقبل باهر وليس كمسجل خلف الأسوار، فحاول عرضه على أطباء نفسيين وعدد من المشايخ الذي طلب منهم “اللص التائب” أن يطبقوا حد السرقة عليه، ولكنهم جميعًا رفضوا، وطالبوه أن يقترب من الله ويقوى إيمانه.
“ارتكب 5 آلاف جريمة سرقة، دون أن تلوث صحيفته الجنائية”
يسرد “عفيفي” بداية مشواره مع السرقات وعالم الإجرام، فان أول سرقة قام بها بعد أن أصبح شابًا، كانت خارج قريته، فكانت بقرية تسمى “نواج” التابعة لمحافظة الغربية، والتي كانت حصيلة سرقتها 170 جنيه من عدد من المحال، ليبدأ منها رحلة طويلة في عالم الإجرام فقام بزيارات متكررة إلى المنوفية والشرقية وغيرها من المحافظات المختلفة بهدف السرقة، وأقسم بأنه نفذ أكثر من 5 ألاف عملية سرقة خلال 13 عام، لم يتم تسجيل عملية سرقة واحدة في صحيفته الجنائية ولم يتم حبسه على ذمة قضية منهم،
بالرغم من أنه ضُبط لمرات قليلة أثناء السرقة، ولكن كان في كل مرة يجيد استخدام أساليب استعطاف ضباط الشرطة والمجني عليهم للتصالح والتنازل عن القضايا، قائلا: “كنت حرامي ذكي، وبعمل عبيط لما أتمسك”، ولم يلجأ إلى مساعدة أي شخص لإتمام عملية منهم، مؤكدًا أن أكبر عملية سرقة كانت حصيلتها مبلغ يتخطي 30 ألف جنيه، فكان يسرق في اليوم الواحد 3 أو 4 محلات، مما جعله يشتهر وسط أبناء قريته فأطلقوا عليه “علي صاروخ”، لبراعته في السرقة دون أن يترك خلفه دليلًا واحدًا يدينه.
“طبقت حد الله على نفسي تحت عجلات القطار”
يضيف أنه في عام 2009، صحا ضميره وعرف أن ما فعله كان دون وعي وقد يكون تسبب في ظلم أشخاص كثيرين بل كان سببًا في قطع عيش أشخاص كثيرة، فقرر التوبة ولكنه لم يستطع فقام بالسرقة لمرة أخرى فعلم وقتها أن ما يفعله هو شيئًا لا إرادي، مؤكدًا أن السرقة كانت بالنسبة له مرض أو عادة تستهويه، ليس لها علاقة بظروفه المادية، التي يعتبرها عادية ويصفها بالمستورة،
كحال العديد من أبناء قريته، وبعد محاولات الأطباء النفسيين في علاجه التي باءت بالفشل، فكر كثيرًا واتخذ قرارًا آخر هو تطبيق شرع الله، مستعينًا بقول الله تعالي:
“وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”
مبررًا لنفسه أن ما سيقوم به ما هو إلا العدل في حق الناس وحق نفسه، وبجوار قضبان السكة الحديد، أتكئ على بطنه ومد يده اليسرى وهو ينطق الشهادتين، حتى عبر فوقها قطار الساعة التاسعة والنصف مساءً، فظل يصرخ أمام بيوت أهل القرية والدم ينزف من يديه الذي قطعت، فطلبوا له الإسعاف متوجهًا إلى المستشفى الذي ظل بها 4 أيام حتى تماثل الشفاء،
خرج بيد واحدة، ولكنها أسابيع قليلة وعاد بعدها “عفيفي” إلى السرقة مرة أخرى، فالأمر بدا له أسهل من السابق، فلا يخطر ببال أحد أنه يستطيع السرقة بيد واحدة، إلى أن قرر بتر يده الأخرى قبل ثورة يناير بأيام قليلة، ليبتُر معها قدرته على السرقة.
يصف “عفيفي” حالته بعد مرور أربعة أشهر بعد قطع يديه الإثنين معتمدًا على نفسه في أكله ولبسه، عكس ما كان يعتمد على والدته في مساعدته ذلك فور خروجه من المستشفى في بداية حادثته، وأصبح قادرًا على تعلم استخدام الكمبيوتر والكتابة علي الكيبورد الأمر الذي كان صعب عليه في بداية الأمر بعد فقدان يديه الاثنين،
مشيرًا إلى أنه لا يغيب عن مجلسه يوميًا بجوار قضبان محطة السكة الحديد بالقرية متذكرا ما حدث له، حيث ما زال أبناء القرية يتداولون قصته، ما بين موعظة وحكمة يصبونها في عقول الأطفال، وبين حدث كونه غريب يُضحك بعضهم ويبكي الآخر، بين من يرى أسباب الحادثة من جانب كونها مرض نفسي لا أكثر، وآخر يراها طريقا صحيحا سليما لا غبار عليه في التوبة لمن يستطيع إليه سبيلًا، بينهم جميعا، خاصة عندما تكون قصته تحتوي على كيفية أن يكون الإنسان حاكما ومتهما وقاضيا وجلادا على نفسه.
يؤكد انه لم يشعر بالندم مطلقًا على ما فعله، بالعكس كونه سعيد جدا بنفسه، بعد أن تاب عن السرقات، رغم كونه يمر على بعض المحلات الخالية التي يتم سرقتها بسهولة ولكن تغيرت حياته بعد فقدان يديه والتقرب إلى الله بالصلاة والدعاء، وسعيه وراء الخير متمنيًا “أن الحرامية الكبار اللى بيسرقونا يتوبوا” على حد قوله، متحديًا “أي شخص يفعل ما فعله”.