يندهش عامة الناس عندما يكتشفون أن إنجليزية الأطباء ليست جيدة إلى الحد الذي يعتقدونه، وأن الطبيب قد يقف أمام عناوين جريدة إنجليزية أو نص أدبي حائرًا عاجزًا عن الفهم. السبب الأول هو أن ما يتعامل معه الطبيب ليس اللغة الإنجليزية بالضبط، ولكن لغة أقرب إلى اللاتينية في معظمها ..
والسبب الثاني أننا اعتدنا ونحن طلبة طب أن نستخدم تلك الطريقة الغريبة التي أطلق عليها اسم تكنو آراب في مزج المصطلحات اللاتينية بالعربية، لتتكون تركيبات لغوية ممسوخة مثل: النرفات والدراجّات لجمع لفظتي nerve و drug بالترتيب ..
و حينما تخرجنا صرنا نستعمل ذات الطريقة على غرار (الجرح حيسبتك) أي أنه سيصير ملوثًا Septic .. لم أجد بعد الطبيب الذي لا يقول He is nauseating يريد القول إن المريض يشعر بغثيان، بينما معنى الجملة لغويًا أن المريض (يقرف).. دعك من تعبيرات مثل أن (المريضة جالها painful) بمعنى أنها تتألم .. ومعناها الحرفي أن المريضة جاءها مؤلم !.. دعك من النطق الذي يثير سخرية الأجانب لكلمات مثل Umbilicus و Jejunum, و Vagina .. فهذه أمور صارت لها قوة الدين ولا يجرؤ أحد على تغييرها.
الغريب أنك تدرك الخطأ لكنك مع الوقت تعتاده حتى لا تبدو متحذلقًا سخيفًا .. ثم تصير أنت نفسك مصدرًا لهذه اللغة وتنقلها لمن يأتي بعدك..
فيما بعد وجدت أن كل مهنة ابتكرت لنفسها هذه اللغة الخاصة بها.. كنا فيما مضى نسمع أن (الكتاوت) بايظ من كهربائي السيارات، وقد احتجت لوقت طويل حتى أعرف ان معناها هو الـ Cut-out أي قاطع الدائرة .. لكن هذا على قدر تعليم الرجل على كل حال فلا تثريب عليه..
أما انتشار الكمبيوتر في مصر فقد ولد لدى الشباب محموعة عجيبة من مصطلحات التكنو آراب.. مثلاًَ يقول لك الفتى في حماس إنه حيصطّب البرنامج .. وإن التصطيب خلص .. تستغرق نصف ساعة لتفهم أنه يتكلم عن Setup أي تنصيب البرنامج .. وقد صارحني مهندس الكمبيوتر من أنه يخشى أن الهارد بتاعي حيبيد (بتشديد الياء الأخيرة) فظللت قلقًا لأن الهارد حيبيد، ثم عرفت أنه يريد قول إن قرصي الصلب قد يمتلأ بالقطاعات التالفة .. هكذا أثريت العربية بفعل جديد هو (يبيد) بتشديد الياء بمعنى (يصير تالفًا) وهو مشتق طبعًا من Bad الإنجليزية ..
قال لي مهندس اتصالات إنني لا أستطيع عمل (داونلوت) لأن عندي (ترواجان)… فهمت فيما بعد أنني لا أستطيع عمل تحميل Download عبر الشبكة لأن عندي فيروس من نوع حصان طروادة Trojan.. لكنه مصر على نطق اللفظتين بالطريقة الخطأ..
يأتي رمضان فينهمك الشباب في فرمتة الهاردات .. أي انهم يقومون بعمل تهيئة Format للأقراص الصلبة لمسح ما عليها من أطنان الصور العارية .. ثم يأتي يوم 20 رمضان فينهمكون في البحث عمن لديه محموعة من تلك الصور لإنقاذ الموقف قبل العيد..
أما عن المحادثات عبر الإنترنت وهي بالوعة الوقت التي تنمو بنمو البطالة وبنفس المعدلات، فهي نشاط بشري لعين يقضي بأن تجلس أمام الشاشة تحدث أشخاصًا لا تعرف عنهم أي شيء سوى ما يقولون عن أنفسهم، وغالبًا ما تستعمل كوسيلة للتنفيس الجنسي من منطق أنه لا أحد يعرفك على الشبكة، وإللي يعرف خالي يقول له .. هكذا تخرج أكثر الدوافع كمونًا وكبتًا ..
ولهذا نسمع دائمًا عن قصة الحب المثلي التي تنشأ بين فتاتين ثم يتضح أنهما فتيان يضحك كل منهما على الآخر .. هذه المحادثات أوجدت لغة جديدة خاصة بها هي كتابة العامية بنفس الحروف اللاتينية بحيث يصير النص مستحيل القراءة، وتجد كلمات عجيبة على غرار:
Salamo 3alaikom و Besara7a لاحظ أن رقم 3 يدل على حرف العين، ورقم 7 يدل على الحاء، ورقم 2 هو الهمزة ..
لا أفهم السبب .. لماذا لا نستعمل الإنجليزية كما هي وبشكل دقيق واضح، أو نستعمل العربية الجميلة المحكمة ؟ .. لماذا لا نقول (تنصيب البرنامج) أو Program setup بدلاً من تلك اللغة الهجينة التي ليس لها أب شرعي ؟ .. اللغة التي لم تجعلنا عربًا ولم تجعلنا خواجات..
المشكلة في مصر عامة هي أن الناس لا تكون لكنها تعرف كيف تبدو .. أي مسئول يرى ازدحام مقاهي السايبر وعدد ساعات الإنترنت سوف يقول في فخر إن التكنولوجيا غزت مصر.. السؤال هنا هو ماذا يصنعون بهذه التكنولوجيا ؟…
أعتقد انك ستجد أن 5% فقط يستعملون الإنترنت للحصول على معلومات والباقي يستخدم في تحميل الأفلام والصور إياها والشات .. وهناك من يستخدمون الإنترنت مثل المحولجي الذي يتلقى أية رسالة فيرسلها لعشرين واحدًا قبل أن يتبين ما هي ..
قديمًا انتشرت تلك الورقة التي تحكي عن وصية حلم بها خادم مسجد الرسول (ص) وقرر أن يوزعها على الناس، فمن لم ينسخ تلك الورقة عشرين مرة ويوزعها على معارفه حدث له كذا وكذا .. علماء الدين قالوا إنه موضوع لا أساس له من الصحة ودعابة عملية قاسية جدًا.
اليوم يستخدم شبابنا الكمبيوتر لعمل الشيء ذاته .. تصلك رسالة بالبريد الالكتروني تخبرك أن وقعتك سودا بإذن الله لو لم ترسلها لثلاثين واحدًا أو تجرأت ومسحتها. هكذا تستخدم التكنولوجيا في خدمة الخرافة التي ليس لها أساس ديني.
هذه من استخدامات الإنترنت المصرية العبقرية كما ترى .. والحديث يطول على كل حال، لهذا نكتفي بهذا القدر اليوم قبل أن يهنج – بتشديد النون – جهاز الكمبيوتر مني !