قصص وعبر

التمثال .. قصة قصيرة

وقفت كعادتي أمام تمثال السيدة الفاتنة ، هكذا أطلق عليها المؤرخون .
أطلت النظر إليها ، كلما وقفت أمامها ، سرحت بخيالى أتذكر قصتها .
إسمها ( فاتن عسكر ) ، كانت تعيش فى القرن التاسع عشر ، من عائلة تركية ، كانت فاتن لمحة مجسدة من الجمال الذي أبدع الخالق العظيم . لا تملك و أنت تنظر إليها ، إلا أن تقول تبارك الخالق فيما خلق .
كانت ثرية ورثت ثروة ، عن زوجها وأبيها المتوفيان .

لم تنجب و ذلك لعيب خلقى ، ولم يكن الطب تطور مثل يومنا هذا ، لهذا وهبت حياتها للأطفال المشردين ، كانت تمتلك دار أيتام ، مجهز بكل وسائل الراحة آنذاك .

بالرغم من محاولتها إسعاد الأطفال ، و التخفيف عنهم ، فى محاولة منها لتعويضهم فقدان ذويهم ، إلا أنها فشلت تماما ، فى إخفاء لمحة الحزن الواضحة على ملامحها .. خادمتها الوحيدة ، كانت تقسم أنها تسمع صوت بكائها كثيرا ، وهى تناجى الله فى صلاتها ، لعله يمن عليها بطفل ، كل هذا قبل أن يتوفى زوجها . 
رفضت كل من تقدم للزواج منها ، بعد موت زوجها ، لأنها تعلم أن الجميع يطمع فى ثروتها ، و لذلك أغلقت قلبها .

ذات يوم تعرفت على شخص ، و بعد مرور عدة شهور ، أحست بالراحة معه ، و بعد إلحاح فى طلب الزواج منها ، مع وعده بإسعادها ، و إستمرار الحب بينهما ، حتى أخر العمر .
أخيرا وافقت ، و تم الزواج و إستقر معها فى القصر ، و بعد مرور ستة أشهر على زواجهما ، بدأ القلق يتسرب إلى قلبها ..
لقد شعرت بحدوث شيء غامض ؟؟! أحست بشكوك حول زوجها .. أصبح كثير السهر ، كثير الأسفار 
إهتمامه بها بدأ يذبل ، حتى إختفى ..

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || عبر الزمن

إلى أن جاء اليوم ، الذى تأكدت من شكوكها .. أن زوجها كاذب .. فهو متزوج من امرأة أخرى ، و أنجب منها طفلان .. لم يخبرها عنهما شيئا .
إنتظرته ليلآ بعد أن أمضى سهرته ، و رجع إلى القصر ، و رائحة الخمر تفوح من فمه ، صارحته بما توصلت إليه ، توقعت أن يعتذر لها و يبرر لها موقفه ، لكنها فوجئت .. بشخص لم تعرفه و لم تألفه من قبل .. لقد صارحها بكل وقاحة ، بأنه تزوجها بسبب ثروتها فقط .. و أنه لا يحبها وما إلى ذلك من كلمات جارحة ، ظالمة . احتدت المناقشة بينهما ، فما كان منه الا أن هجم عليها و أبرحها ضرب .. ثم تركها تبكي وذهب للنوم فى غرفة أخرى .

عندما استيقظ ، لم يبالى بأنينها ، لم يحاول الاطمئنان عليها …. خرج و رجع ليلآ ، كعادته ، عندما رأته طلبت الطلاق منه . يومها ثار و هاج و ماج ، وانفعل عليها ، و تطاول عليها مجددا .. و ذكرها أنها عقيمة لا تنجب ..
يومها بكت .. كما لم تبكى من قبل ..

رائج :   ماليزيا .. موهبة الإعتماد على الذات || الجزء الأول

كررت طلبها فى طلب الطلاق ، مع وعد بكتابة فيلا تمتلكها بإسمه ، حتى يوافق على الطلاق .
لقد اشتد غضبه .. هجم عليها و أبرحها ضرب مرة أخرى ..
يومها أقسمت على الإنتقام منه .. و لكنه سخر منها .. و تركها و إنصرف .
عند الظهيرة بحثت عنها مخدومتها ، و لم تجد لها أثر فى القصر ..
ترى هل قتلها ؟؟! هل قام بإلقائها ، فى النهر ، الذى يطل عليه القصر ؟؟!
ترى أين إختفت ؟؟!

أخبرت الخادمة الشرطة ، بكل مخاوفها ، و تركت لهم مهمة البحث عنها ؟؟!
بحثت عنها الشرطة طويلآ ، لكن لم تجد لها أدنى أثر ..
لم تجد إلا ثوب ، تعرفته خادمتها ، و عليه أثار دماء …
تم القبض على زوجها ، و هو يقسم أنه لم يقتلها .. و أنه إنصرف متوجهآ إلى عمله بعد المشادة الكلامية بينهما ، ولا يعلم ماذا حدث لها ..

لم يستمع إليه القاضى ، و لم يصدقه أحد ، و تم الحكم عليه .. الإعدام شنقا …
تم تنفيذ الحكم ، و هو مازال يقسم أنه لم يقتلها ..
لكن هيهات .. لم يستمع إليه أحد ..
أما ( فاتن ) كانت قد أوصت بكل ثروتها للاعمال الخيرية ، على أن يبقى هذا القصر ، بكل ما يحويه من أثار و كنوز و تحف ، ملكا للدولة ، مع وضع شرط ألا يهدم القصر ابدآ .. 

هذه قصة ( فاتن عسكر ) كما ترويها خادمتها ، كما أن كل هذه الأقوال مسجلة فى تحقيقات النيابة ، و مذكراتها التي أحفظها عن ظهر قلب ، والتي كشفت النقاب عن الكثير ، من النقاط الغامضة فى حياتها ..
أطلت النظر إلى ( الفاتنة ) ، لم أشعر بمرور الوقت إلا عندما سمعت ، صوت يعلن أن المتحف ، سوف يغلق أبوابه خلال خمسة عشر دقيقة ، نظرت إلى الساعة ، فوجدتها تقترب من الخامسة عصرآ . 
لقد كنت أول من يضع قدمه عند إفتتاح المتحف ، فى العاشرة صباحآ ، و ها أنا أخر من يغادره ..
أخذت أتلفت يمينآ و يسارآ ، فلم أجد إلا شخص .. بمجرد سماعه بقرب موعد الإغلاق ، حتى غادر المتحف و بقيت وحدى ..
نظرت لها فى حنان ، و أنا أتمتم بصوت منخفض : 
_ أحبك يا ( فاتنتى ) . 
إقتربت أكثر من التمثال ، و أنا أهمس لها فى حب :
_ ياليتنى أستطيع مقابلتك ، حتى أخبرك ما فى قلبى ، من حب ..
_ عشق ..
_ غرام ..
_ اشوا .. احتفظ بها لك وحدك ..

رائج :   لاعب الشطرنج || د : أحمد خالد توفيق

خيل إلى أن التمثال يبتسم .. ثم سمعت صوت عذب ، لم أسمع مثله من قبل ، يهمس بكل عذوبة و دلال الأنثى :
_ أنا أيضا أحبك ، و أبادلك نفس الشعور ، و أنتظرك كل يوم لانظر إليك ..
_ سأنتظرك ليلآ لنخرج من هنا سويآ ، و نعيش معآ حتى أخر العمر ، يا حبيبى .

تمت بحمد الله .

مقالات ذات صلة