أجمل رسائل بريد الجمعة

الجوهرة الغالية ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا فتاة في التاسعة والعشرين من عمري, جميلة ومثقفة وانحدر من أسرة عريقة وأنا وحيدة أبي وأمي, ويعتبر أبي هو كبير عائلته وبيته هو البيت الكبير بالنسبة لبقية الأهل, ولأنني وحيدة فلقد نشأت مدللة بعض الشيء, وإن لم يكن ذلك التدليل الذي يفسد الطبع والخلق.. وإنما نشأت فقط وأنا أشعر بأنني جوهرة أبي وأمي بل وبقية العائلة.. ولقد لاحظت منذ طفولتي أن إحدي قريباتي الحميمات قد رزقت بزوج صعب المعاشرة ويسيء معاملتها.. وعلاقتها به متوترة معظم الأوقات, ففي كل فترة تقع مشاجرة حادة بينهما تهجره بعدها لفترة ويتدخل أبي وأمي لدي زوجها وتعود إليه من أجل الأبناء.

ولقد رويت لك عن هذه القريبة لأن لقصتها مع زوجها أثرا فيما سوف أرويه لك بعد ذلك عن نفسي, ذلك أنني منذ أن بلغت التاسعة عشرة من عمري بدأ جمالي يلفت الأنظار إلي وبدأ الخطاب يطرقون بابي.. وكنت أرفض فكرة الارتباط بحجة الدراسة ويؤيدني أبي في ذلك.

وبعد تخرجي بعام التقيت بشقيق إحدي صديقاتي وأعجبتني شخصيته وتقدم لخطبتي ورحبت به, لكن أبي وأمي وأفراد أسرتي ثاروا ضدي وأتهموني بسوء الاختيار وأكدوا لي أنه طامع في ليس أكثر, فسلمت لهم أمري ورفضت خطبته.وبعد فترة أخري تقدم لي قريب رحب به أهلي وتمت خطبتي له.. ومضت حوالي سنة علي الخطبة فوجدت نفسي لم أشعر تجاهه بالحب فأصررت علي فسخ الخطبة بالرغم من حزن أهلي لذلك..

وتكرر ذلك بنفس التفاصيل تقريبا من سن22 عاما إلي سن28 عاما, ففي كل عام خطبة سعيدة وخطيب جديد أرحب به في البداية, وأتخيل أنه الاختيار الأمثل, ثم قبل موعد الزفاف المتفق عليه بشهور أو أسابيع أتراجع عن إتمام الزواج وأفسخ الخطبة, وأصر علي ذلك مهما تكن الأحوال حتي بلغ عدد المرات التي خطبت فيها وتم فسخ الخطبة وإعادة الدبلة6 مرات.

رائج :   ابتسامة الرضا ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وقد تسألني عن أسباب ذلك فأقول لك إن اقترابي من مشاكل قريبتنا مع زوجها منذ كنت طفلة صغيرة قد غرس في قلبي الخوف من سوء الاختيار والاعتقاد بأن الزواج يكون قبر المرأة إذا لم تحسن اختيار زوجها.. لهذا فأنا أتردد في الحسم والاختيار واتساءل: هل هذا الإنسان هو الاختيار السليم لي أم لا.. كما أنني لم أتعود منذ الصغر علي اتخاذ القرارات, حيث كان أبي وأمي يتخذان القرارات لي ابتداء من نوع الدراسة إلي موعد الأكل إلي نوعية الملابس..

إلي اختيار الصديقات حتي أصبحت لا أستطيع أن أحدد ماذا أريد ولا ماهو المناسب لي.. وهكذا بلغ عدد خطباتي المفسوخة ستا, ثم حدث أن ذهبت مع صديقة لي إلي محل للمجوهرات لشراء هدية في عيد الأم, فالتقت صديقتي مصادفة بشخص عرفتني به وقالت لي إنه صديق شقيقها, وانصرف كل منا إلي حال سبيله. وفي اليوم التالي أبلغتني صديقتي أن هذا الشخص معجب بي ويريد أن يتقدم لخطبتي..

ولأنني كنت قد أعجبت به أنا أيضا فقد رحبت بذلك, وجاء لزيارتنا وحكي عن نفسه أنه مطلق وله طفل صغير يقيم مع والدته وأنه رجل عصامي بدأ حياته العملية من الصغر إلي أن أصبح رجل أعمال ناجحا إلخ. وبعد انصرافه أنفجر طوفان الغضب من جانب أبي وأمي وعمي, وأجمعوا علي أنه غير مناسب لي, غير أنني صارحتهم بتمسكي بهذا الرجل بالرغم من ظروفه, لأن كل إنسان قد يصادفه الفشل في حياته الزوجية, وكما أن البداية المتواضعة لا تعيب أحدا وتمسكت بموقفي إلي أن وافق أهلي وتم عقد القران.

وبعد عقده بشهر دعانا عمي إلي العشاء عنده وذهبت إليه مع خطيبي, فالتقينا هناك بأحد أقاربي البعيدين ولاحظت أن زوجي قد استاء لرؤيته وبعد انصرافنا طلب مني إلا أزور هذا القريب البعيد لأنه أحد منافسيه في السوق وعلاقته به متوترة, وتطورت المشادة بيننا فإذا به يهددني بالطلاق إن لم أمتثل لإرادته, فشعرت بالإهانة وعدم الأمان والتزمت الصمت حتي رجعت للبيت.

رائج :   التجربة العارضة .. رسالة من بريد الجمعة

وكتمت هذه الواقعة عن أهلي, لكيلا يجدون فيها دليلا علي صحة تقديرهم خاصة ان له سابقة طلاق من قبل.
وفي اليوم التالي زار بيتنا فلم أقابله بحجة المرض واتصل بي تليفونيا ليعتذر ويطلب مني نسيان ماحدث, لأنه خلاف عابر ولم يكن يقصد ماقاله وأنا لا أدري هل أخطأت الاختيار فأطلب منه أن يسرحني بإحسان وأتراجع عن هذا الارتباط خاصة ان أهلي إذا عرفوا بما حدث سيحبذون الانفصال.. أم تري هل أكمل مشروع الزواج وأتكتم ماحدث عن أهلي خاصة أنني أحبه, لكني فقط أخشي أن أكون مخطئة في اختياري بسبب هذا الموقف!

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

وماهو الذي حدث ياآنستي لكي تراجعي اختيارك وتتشككي فيه ؟ لقد قبلت بظروفه العائلية كمطلق وله طفل صغير, وبظروفه الاجتماعية كعصامي بدأ حياته من الصفر, ولم تتوقفي أمام ذلك بالرغم من تحفظات الأهل.. فماذا جد إذن لكي تعيدي النظر في الاختيار بعد عقد القران ؟ مجرد مشادة قصيرة حول أمر عابر اعتذر لك عنها وأكد أنه لم يكن يعني ماقاله لك خلالها ؟

ولماذا تعتبرين إشارته للطلاق إذا لم تمتثلي لإرادته في هذا الأمر العابر دليلا علي استسهاله للانفصال.. ولا تعتبرين في الوقت نفسه فسخك لست خطبات متتالية, دليلا أنصع علي استسهالك الأشد له ؟

لقد أحسنت تحليل بعض أسباب ترددك في الحسم والاختيار في مسألة الزواج بإرجاع ذلك إلي تخوفك القديم من ظهور شبح التعاسة الزوجية الذي اقتربت منه خلال الطفولة في حياتك, وإلي عدم اعتيادك اتخاذ القرارات في حياتك الشخصية اعتمادا في ذلك علي أبويك, وأريد أن أضيف إلي ذلك أن الاعتداد الزائد بالنفس في مثل ظروفك قد يجعل الاختيار صعبا أمام المرء في بعض الأحيان, لأن من يري نفسه جوهرة غالية لن يرضي لها بأقل من شهب السماء.. في حين قد يقبل من لا تغيب عنه حقائق الأمور بما هو ملائم له ولو لم يكن مبهرا في أعين الآخرين.

رائج :   هديــة الصــــلح ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

بالإضافة إلي أن التحسب الشديد للفشل قد يعجز الإنسان عن محاولة النجاح والخوف الزائد من التعاسة قد يحرم المرء من المخاطرة بطلب السعادة وبعض الحكماء يقولون ان الشيطان قد يغري الإنسان لكي يحرمه من فرص السعادة, بألا يقبل لنفسه مادون الحد الأقصي من الأشياء.. فتكون النتيجة أن يعجز عن الحصول عليه.. ويحرم نفسه في ذات الوقت من نيل المتاح له في حينه.

وأحسب أن هذا ماقد يؤول إليه حالك إذا استمررت في مسلسل التردد المرضي علي طريقة الأمير المعذب هاملت في إتمام ماتبدئينه من مشروعات الارتباط الي ما لا نهاية, خوفا من الفشل أو طلبا للأفضل! وسواء أكان اختيارك بشريك حياتك هو الاختيار الأمثل لك.. أو لم يكن فإن المؤكد في مثل ظروفك هذه هو أن مجرد الحسم والاختيار والإقدام علي التجربة وطلب السعادة والسعي إليها سواء حالفك التوفيق أن تخلي عنك لا قدر الله, هو أفضل في النهاية من ضياع العمر في التردد والخوف من الفشل,

فاحسمي أمرك ياآنستي وتجاوزي عن هواجسك ومخاوفك وشدة اعتدادك بنفسك, لكيلا تفسدي علي نفسك فرص السعادة والاستقرار, وثقي من بأنك لن تنالي الفوز في النهاية إلا إذا خضت المباراة وكافحت لإحراز النصر..
أما المتفرجون علي الحياة فإنهم قد ينجون من الخسارة فعلا, لكنهم لا يحرزون الفوز أبدا!

مقالات ذات صلة