تاريخ

الحرب العالمية الأولى .. الجزء الثالث || التوسع

أنت دولة قوية لا شك فى هذا .. العالم كله يشهد على قوة جيشك .. لكن فى المقابل أنت محاصر بين قوتين كل واحدة منهم لها إمبراطورية كبيرة تخصها .. و يتربص بك إمبراطورية أخرى و بدأت تجميع جيشها للهجوم عليك .. فماذا تفعل ؟

بكل تأكيد ستحاول نقل معركتك خارج الحدود أملاً فى تخفيف الضغط على جنودك و فى نفس الوقت تحقيق مكاسب خارجية تعود عليك بالنفع و تضعف عدوك .. و لكن حين تقرر ذلك القرار لابد لك من قياس موازين القوى .. فعدوتك هى صاحبة أكبر أسطول بحرى حربى فى العالم ذلك الوقت .. ألمانيا حقيقة لم تحسب ميزان القوى مع غريمتها بريطانيا حينها ..

ألمانيا كانت تخطو خطواتها الأولى كدولة مستعمرة و بعد 40 عاماً بلا حروب إستغلت تلك الفترة لتؤسس إمبراطورية خاصة بها .. و الإمبراطورية يلزمها موارد .. و الموارد موجودة فى المستعمرات .. قامت بإستعمار توجو و الكاميرون و ناميبيا و تنزانيا و غينيا الجديدة و ساموا و مكرونيزيا و فخرها الأكبر و مصدر من أهم مصادر تجارتها منطقة #تسنجتاو فى الصين .. فى المقابل بريطانيا تملك أكبر أسطول حربى فى العالم و الأكثر حداثة و مستعمراتها فى العالم كله و أكثر من أن تذكر خصوصاً مصدر قوتها الأكبر .. الهند ..

بسبب موقع ألمانيا و تقدم بريطانيا عليها بخطوة فإن أغلب أسطولها الحربى حوصر فى منطقته من قبل البحرية الملكية البريطانية التى زرعت الألغام و أرست أسطولها فى القنال الإنجليزى و معها تعطلت القوة البحرية الألمانية و لم يبق لها لحماية مستعمراتها إلا 17 سفينة أقواهم على الإطلاق كانت سفينتى شارنهوست و  إيمدن و بدلاً من أن تنقل ألمانيا صراعها خارج الحدود لتشتيت بريطانيا قامت بريطانيا عن طريق حلفاؤها اليابانيين بالهجوم على أهم مستعمراتها منطقة تسنجتاو و تبعتها بالاستيلاء على باقى مستعمراتها التى فى المحيط الهندى فلم يبقى للسفن الألمانية إلا الإبحار فى المحيطات و التزود بالوقود و المؤن من الدول التى على الحياد و إيقاع أكبر الخسائر الممكنة فى صفوف البحرية الملكية ..

بالتدريج تحول الأسطول الألمانى المتبقى إلى قراصنة يستولوا على السفن التجارية و إغراق السفن الحربية البريطانية الأقل حجماً و تجهيزاً منهم حتى تم الإيقاع بأخر سفينة من السرب الحربى الألمانى و إغراقها فى معركة فوكلاند على حدود الأرجنتين و بهذا خسرت ألمانيا معركتها البحرية خارج أوروبا و معها أصبح لزاماً عليها إستكمال الحرب على الأرض ..

رائج :   الامام ” ابن تيمية ” المفترى عليه .. الحقائق الغير منقوصة

لكن قابلها أيضاً صعوبة فى هذا بسبب قلة مستعمراتها فى الخارج ففى الوقت الذى جمعت فيه فرنسا 600 ألف مقاتل من مستعمراتها الإفريقية و جمعت بريطانيا 750 ألف مقاتل من الهند فقط كانت ألمانيا تهاجم فى كل مستعمراتها و خاض أفضل قائديها بول فون ليتو أطول رحلة إنسحاب عبر أحراش إفريقيا و أجهد ورائه كل قوات الحلفاء فى إفريقيا و أخيراً وصل برلين فى 1919 دون القبض عليه .. لكن إجمالاً خسرت ألمانيا معركتها الخارجية بخسائر مرعبة فخسرت كل أسطولها الحربى الذى كان خارج أراضيها و خسرت معه كل مستعمراتها بالخارج غير الخسائر البشرية بالطبع ..

ألمانيا الآن مجبرة على خوض معاركها على البر و لكن قواتها بالكاد تكفى لصد أى هجوم على جبهتيها الشرقية و الغربية و حليفتها الأكبر و صاحبة قرار الحرب أساساً الإمبراطورية النمساوية المجرية مشغولة بصربيا دون الإلتفات لها فأصبحت مجبرة على الإستعانة بحليف جديد .. حليف بينها و بينه علاقات قوية و أيضاً يتوفر بها سمة القوة .. الإمبراطورية العثمانية ..

رجل أوروبا المريض و الذى بدأ يدخل مرحلة الإحتضار يحتاج و بشدة يداً تساعده للوقوف على قدمه مرة أخرى .. يحتاج أن يستعيد مصر و ليبيا تحت سيطرته مرة أخرى .. يحتاج أن يزيح عدوه الأزلى #روسيا من طريقه .. العثمانيين كانوا تخلفوا كثيراً عن قرنائهم فى تحديث جيشهم .. أصبحوا متأخرين فى وسائل التدريب و بالتالى قوة عسكرية ضعيفة نسبياً مقارنة بقوات الحلفاء لذا كان هناك خطوات لابد و أن تتخذ فى حالة مشاركتها فى الحرب ..

  • أولاً : الدعوة للنفير العام للحرب أو بمعنى أخر الدعوة للجهاد لزيادة أعداد الجيش ..
  • ثانياً : تدريب تلك القوات عن طريق ألمانيا ..
  • ثالثاً : دعم تركيا بحوالى 5 مليون جنيه ذهبى لإعادة تأهيل الجيش ..

خطوات رأتها ألمانيا منطقية إن أرادت حليفاً قوياً .. النتيجة كانت جيش من 800 ألف جندى عثمانى يستعد ليحل محل ألمانيا فى الجبهة الشرقية و مهاجمة روسيا على أراضيها قبل أن تهاجم هى ألمانيا التى كانت لديها مشاكلها الخاصة فى مستعمراتها و جبهتها الغربية و بالتالى كانت صفقة رابحة لكل الأطراف .. هى إرتاحت من التفكير فى جبهة روسيا و فى المقابل العثمانيين حشدوا قواتهم على أمل القضاء على عدوها التاريخى و إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية من جديد .. فهل كانت الحسابات خاطئة ؟

رائج :   معركة القادسية ( هجريــ15ــة | ميـ636ــلادية )

رأت بريطانيا أن لكى تكسر شوكة الجيش العثمانى مبكراً عليك مفاجآتهم و أن تأتيهم ضربتك فى أخر موقع يتوقعوا أن تهاجمه .. إسطنبول أو القسطنطينية عاصمة الخلافة العثمانية و إن وقعت العاصمة .. إنتهى كل شيىء ..

وينستون تشرتشل قائد البحرية الملكية وافق على الفور و بحكم أن بريطانيا صاحبة اليد العليا فى البحر قررت خوض المعركة بحرياً و شاركتها فرنسا و ذلك عن طريق العبور من مضائق الدردنيل و لكن الإمبراطورية العثمانية كانت تؤمن عاصمتها بشكل جيد و كان لديها مدافع متطورة إلى حد ما و مكانها غير معلوم للأسطول المهاجم بالإضافة إلى الألغام المنتشرة فى مياه المضائق مما يجعلك تتوقع النتيجة الحتمية لذلك الأمر .. 3 سفن غرقت .. و 3 سفن تم شل حركتها .. و 4 سفن تم إصابتها .. و قتل 700 جندى .. خسارة فادحة لم يعهدها الأسطول الحربى الملكى و لا حتى الأسطول الفرنسى ..

لم ييأس الحلفاء فإحتلال إسطنبول كان يستحق مزيداً من التضحيات و قررت الهجوم برياً فى حملة عرفت تاريخياً بإسم حملة جاليبولى .. الخلافة العثمانية دفاعاتها البحرية كانت جيدة أما على البر فالأمر يحتاج لإعادة نظر .. قرر الحلفاء الهجوم برياً بمساعدة قوات الأنزاكس و هى قوات أسترالية نيوزلندية مشتركة ..

تم إنزالهم فى مكان لم يتوقعه العثمانيين و لا حتى القادة الألمان المشتركين معهم و بالتالى الهجوم عليهم من مكان غير جيد التأمين و بالفعل حين رآهم الجنود العثمانيين قادمين إليهم كانوا سيلوذون بالفرار نظراً لعدم وجود ذخائر كافية لصد الهجوم لولا وجود ضابط شاب وسط المجموعة المدافعة مصطفى كمال ..

نجح مصطفى كمال فى ربط جأش قواته و استطاع هزيمة قوات الحلفاء البرية و تلك المعركة أكسبته شهرته التى أهلته للحصول لاحقاً على لقب أتاتورك أو أبو الأتراك .. صنعت حملة جاليبولى من مصطفى كمال بطلاً و لا شك ..

3 أشهر من الحصار و الهجوم المتبادل كلفت الطرفين أكثر من ربع مليون قتيل و لكن و بسبب صعوبة الإقتحام و إنهيار معنويات جيش الحلفاء تم الإنسحاب فى 20 ديسمبر 1915 .. حملة جاليبولى كانت هزة كبرى لكبرياء جيش الحلفاء و أيضاً كانت دفعة معنوية كبيرة لرجل أوروبا المريض الذى رأى فى نفسه بعض التعافى ..

رائج :   تعرف على طاسة الخضة .. و سر شهرتها

ذلك التعافى الذى أدى لسلسلة إنتصارات على قوات الحلفاء و بالأخص بريطانيا التى وسعت نطاق هجماتها و حاولت النيل من كبرياء الإمبراطورية العثمانية فحاولوا الهجوم على بغداد و هى عاصمة لها ثقلها لدى العثمانيين عن طريق السير تشارلز تاونسيند و لكن قوات الجيش العثمانى السادس قابلتهم و أجبروهم على التراجع حتى مدينة الكوت على نهر دجلة فتم حصارهم حتى نفذت منهم المؤن و بدأوا فى إلتهام خيولهم ..

نفذت منهم الخيول و أصيبوا بالأنيميا و الدوزينتاريا و الإلتهاب الرئوى .. رفض الجنود الهنود أكل الخيول و بالتالى مات أغلبهم من الجوع و صمد الجنود الإنجليز أكثر و لكن ذلك لم يغنى عنهم مع طول فترة الحصار و كان لابد من حل ..

كان الحصار مذلاً لأبعد حد لبريطانيا و هى الإمبراطورية الكبيرة و لكن إلتهاب الأوضاع فى المستعمرات وقتها جعل هناك صعوبة فى تسوية ذلك الأمر و على الرغم من ذلك حاولت توصيل سفينة محملة بالمؤن إليهم .. سفينة تكفيهم حوالى شهرين و لكن تم إعتراضها من الجيش العثمانى و القبائل العربية ..

كان ذلك أخر أمل للسير تاونسيند و هو الرجل ذو السمعة القوية بالنسبة للإنجليز و خبر وقوعه فى الأسر قد ينال من عزيمة الجنود فى جبهات عده و هو ما كان بالفعل يريده الجيش العثمانى .. حاولوا التفاوض على إطلاق سراحه مقابل مليون جنيه إسترلينى و لكن تم الرفض و عليه إستمر الحصار حتى 29 إبريل 1916 أى بعد 146 يوماً من الحصار حتى إستسلم تشارلز تاونسيند و من بقى معه من الجنود ..

المملكة المتحدة حين علمت بمشاركة الإمبراطورية العثمانية فى الحرب ظنت أنها ستكون الحلقة الأضعف و أنها ستكون بوابتها لخلخلة تحالف الألمان و الأتراك و النمساويين و لكن و على غير المتوقع أغلب خسائرها فى الحرب كانت على يدها و ليست مجرد خسائر عادية بل كانت خسائر تضربها فى مكمن قوتها و مبعث فخرها .. نعم كانت الإمبراطورية العثمانية خير حليف حتى الآن .. و لكن هل ستستمر على هذا النهج ؟ و هل ستستمر بنفس قوتها حتى النهاية ؟

مقالات ذات صلة