أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الحياة السعيدة .. رسالة ن بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا سيدة في الثامنة والأربعين من عمري طلقت منذ إثنتي عشرة سنة نتيجة لتعدد علاقات زوجي النسائية التي تعدت حدود المغفرة بكثير وأصبحت المنازعات يومية بيننا فخرجت بعد أربع عشرة سنة ومعي ثلاث بنات كبراهن في الثانية عشرة‏,‏ والصغرى في السادسة من عمرها ورجعت للحياة في منزل أبي الذي يسكنه شقيقي الأصغر بعد زواجه وبقيت معه عدة أشهر حتى خلت شقة كان والدي رحمه الله يؤجرها مفروشة فاستقررت بها مع بناتي بعد موافقة أخي الأكبر وشقيقاتي‏.‏

وبدأت رحلة الحياة وأنا لا أملك سوى مرتبي ومبلغ بسيط يعطيه لي أخي ورفض زوجي السابق أن يعطيني أية نفقة مكتفيا بدفع مصاريف المدرسة الأجنبية التي ألحقنا بها البنات‏,‏ فاستعنت على مشقة الحياة ببيع بعض المشغولات  اليدوية التي أجيدها لاستعين بدخلها على مطالب البنات من دروس أو اشتراك في النادي وإلخ‏..‏ ورفضت أن أعمل فترة مسائية لكي أتفرغ لرعاية بناتي‏.‏

ومضت بنا الحياة في الصباح أصطحبهن إلى المدرسة وأطمئن على دخولهن إليها ثم أتجه لعملي وأعود بعد انتهائه لأصطحبهن وأتحدث إلى المدرسين لأعرف مستواهن الدراسي ثم نعود لمنزلنا لنستريح قليلا ثم نبدأ في مراجعة الدروس وكانت لي صديقة قديمة تسكن بالقرب مني تزوجت وأنجبت إبنة وحيدة في مثل سن إبنتي الكبرى وجارة أخرى لها ابنة في سن مماثلة فتصادقت البنات الثلاث وأصبحن لا يفترقن إلا فترة الدراسة

واستمرت بنا الحياة بحلوها ومرها حتى وصلت الابنة الكبرى إلى المرحلة الجامعية وحمدت الله كثيرا وكانت صديقتي تقوم باصطحاب البنات في عربتها للجامعة خوفا على ابنتها الوحيدة من المواصلات ثم تعود بعد انتهاء عملها إليهن وإذا تعذر ذلك اتصلت بوالدها ليقوم بالمهمة فاسترحت واتجهت إلى رعاية شقيقتيها‏.‏ ولحقت بها أختها الوسطى وبقيت الصغرى معي في مشوار الصباح والمساء وهي الآن في الصف الثاني الثانوي‏.‏

وفي السنة الثالثة الجامعية تعرفت ابنتي الكبرى بشاب يكبرها بخمس سنوات ولم ينته بعد من دراسته لغياب والديه بإحدى الدول العربية وزواج أشقائه وهجرتهم للخارج‏,‏ وعلمت إنها تلقاه وأعترفت لي بانها تحبه وتحدثت معها كثيرا بأن تلك هي تجربتها الأولى وأنها مندفعة لتعرف الحب الذي قرأت عنه وعليها التروي 

ولكنها فاجأتني بأنه يريد الارتباط بها لأنه سيسافر ليستكمل دراسته مع أخيه الأكبر في الخارج لكي يستطيع الاستقرار هناك وانها موافقة على ذلك وحاولت إقناعها بانها تستحق من هو أفضل منه ولكنها أصرت على موقفها فاستعنت بأخي الأصغر ليحاول معها ولكنها رفضت‏,‏ فطلبت والدها وحكيت له الأمر فجلس معها لساعات طويلة يناقشها بأن هناك شبابا كثيرين في مثل سنه قد أنهوا دراستهم وبدأوا حياتهم العملية

رائج :   أغبياء الروح || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

ولكن هيهات أن تقتنع فاتفق معها على أن تمتنع عن رؤيته وليسافر هو وينهي دراسته فإن نجح وأصرت عليه فلها ما تريد وإن فشل ألتزمت بأوامره وطلب مني أن أحذرها مما يحدث في الجامعة من حالات زواج بين الشباب وإلا ستكون نهايتها ونهايته‏.‏ فجمعتها وصديقاتها وتحدثنا في موضوع الزواج العرفي بين الطلبة

وكيف انه حرام شرعا وقانونا لأنه بغير علم الولي وأنه يجلب الكثير من المشاكل فوعدتني بالالتزام بإتفاقها مع والدها على أن يسمح لها بمكالمته ولكني اكتشفت أنها تقابله وتخرج معه لأنه لم يسافر‏,‏ فثرت عليها واتهمتها بالكذب ومنعتها من الخروج إلا للجامعة وهددتها باني سأخبر أباها وسأتركها له كما طلب فاعتذرت ووعدتني بالا يتكرر ما حدث وأنها تهتم بدروسها وقد كان‏,‏

ونجحت في هذه السنة ثم وجدتها ذات يوم في حالة بكاء وإنهيار لأن هذا الشاب قد سافر بدون أن يخطرها‏,‏ ثم انقطعت أخباره وبعد فترة قصيرة أخرى وجدتها في حالة انهيار أشد وتعاني من صداع دائم وآلام بالمعدة ولا يستقر بها طعام واستشرت بعض اطباء فأخبروني بأنها حالة عصبية كرد فعل لضغوط أو أزمة نفسية فحاولت تهدئتها ومعرفة ماذا أصابها فأخبرتني بأنه قد أرسل لها من الخارج يخبرها بزواجه وإستقراره بالخارج ويتمنى لها حياة سعيدة واستمرت فترة الألم طويلا وانقطعت أخباره منذ ذلك اليوم من تسعة شهور وتحسنت حالة ابنتي بعدها وركزت اهتمامها في الدراسة ووعدتني أن تنهي السنتين الباقيتين بنجاح‏.‏

ومنذ أيام كنت أقوم بترتيب حجرتها فوجدت درجها الخاص وقد نسيته مفتوحا وهي مسرعة لتلحق بموعد الامتحان ولا أدري لماذا امتدت يدي لتفتحه‏,‏ وتعبث بداخله فوجدت بعض الأوراق الخاصة التي تدون بها تعليقاتها على زملاء الدراسة وصورا لبعض الفنانين وأوتوجرافات وألبومات صور وكنت قد شاهدتها من قبل ثم رأيت مظروفا أسفل الألبوم به بعض الأوراق فنظرت بداخله فإذا بي أرى ورقة كتب عليها بأن ابنتي قد تزوجت هذا الشاب عرفيا ولا توجد بها أية توقيعات

رائج :   الوجه الصحيح ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

وعرفت بانها كانت تقابله وقت الدراسة وان صديقاتها كن يوقعن أمام اسمها في السكشن حتى لا تحتسب غائبة وتحرم من الامتحان وصدمتني المفاجأة ولم أشعر إلا وأنا ألطم وجهي بشدة وأبكي ابنتي وأبكي حالي كيف حدث ذلك رغم أنني قد حذرتها منه‏.‏ ودخلت حجرتي وأغلقت بابها علي وأنا لا أصدق ولا استطيع أن أنظر إليها ولا استطيع التركيز في عمل ويكاد الرعب يشلني ويمنعني من النوم ما الذي فعلته لأجني هذه المصيبة‏.‏

والآن لا أعرف ماذا أفعل هل أواجه ابنتي بما عرفت وهي ستبدأ امتحانات نهاية العام خلال أيام وهل ستفيد  المواجهة في إصلاح شيء بعد فوات الأوان وما الذي نتج عن هذه المواجهة وماذا يكون رد فعلها إذا سقط عنها قناع الخجل مني‏.‏ هل أطلب والدها وأخبره بالحقيقة والموت أهون عندي من العذاب الذي سنلاقيه جميعا أنا وشقيقاتها منه ومن الندم على رد فعله معها‏.‏

وإذا سكت ماذا أفعل إذا تقدم لها شاب آخر هل أفضح ابنتي بنفسي وقد سترها الله‏.‏ هل أجلب العار لها ولأخواتها فيلازمهن طول العمر وهل تساعدني في إيجاد حل لمصيبتي هذه إني أرجوك لا تقس علي فأنا لم أقصر في حقها أو حق أخواتها وما كنت أنتظر هذا المصير لها أولي‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول (رد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع) ‏:‏

لو يعرف بعض الأبناء كم يجنون على أنفسهم وعلى ذويهم لترددوا ألف مرة قبل أن ينساقوا وراء أهوائهم إلى الهاوية التي يجرفون إليها معهم شاء أم أبي الأهل المهمومون بأمرهم‏!‏

ان من يقرأ تساؤلاتك أو على الأصح ولولتك الباكية الخانقة في ختام رسالتك قد يساوره الظن في أنك أنت التي ارتكبت هذه الجناية في حق نفسك مع أنك لست سوى ضحية لنزق ابنتك واندفاعها العاطفي في علاقتها بهذا الشاب وعدم استماعها لصوت العقل والحكمة في تحذيرك لها من التورط معه‏,‏ وإني لأرجو أن تقرأ هذه التساؤلات المرتجفة كل فتاة في مثل ظروف ابنتك لتعرف كم يشقى الآباء والأمهات بعثرات الأبناء واندفاعهم الأهوج‏.‏

ولقد استنفدت كل ما عندي من كلمات في التحذير من هذه الخدعة الآثمة وقلت مرارا إنها ليست  سوى غواية من جانب بعض الشبان الصغار لإقناع الفتيات بالتفريط في أنفسهن تحت شعار وهم الزواج العرفي الباطل شرعا لأنه يجري بين فتيات وفتيه صغار خارج نطاق الأسرة وبغير ولي‏,‏ ولا هدف له إلا استحلال ما لم يحله الله سبحانه وتعالى بهذا الزيف‏,‏ وأنه حتى لو اعتبره البعض مجرد عهد من الفتاة للفتى بان تكون له بعد التخرج والعمل‏,‏ ولم يستحل أحدهما الآخر اعتمادا عليه‏,‏ فان هذا العهد نفسه لا قيمة له من الناحية الشرعية ما لم يقره الأهل لأن الأمر كله يجري خارج نطاق الأسرة‏.‏

رائج :   خدعوك فقالوا … الزوجة المصرية “نكدية”

ولو كانت هناك جهة ما تستطيع ان تجري دراسة احصائية على حالات الزواج العرفي المزعوم الذي تم بين فتية وفتيات صغار خلال المرحلة الجامعية‏,‏ لكشفت لنا عن أن أكثر من‏95%‏ منها لم تؤد بالفعل إلى زيجات مشروعة بعد التخرج والعمل ‏..‏ وعن أنها لم تكن أبدا البداية الصحيحة للارتباط المشروع بعد التخرج‏,‏ وإنما تحول عنه الشبان بعد بضع سنوات

وتمنوا لضحاياهن حياة سعيدة مع غيرهم أو تحولت عنه بعض الفتيات أنفسهن بعد اكتمال نضجهن العاطفي والنفسي وتغير نظرتهن للأمور بعد فترة الاندفاع الجامح في البداية فما معنى هذا البلاء إذن ‏..‏ وكيف مازالت بعض الفتيات يقعن في شراكه بعد كل ما تكشف عنه من كوارث عائلية وأخلاقية ؟

يا سيدتي لا مفر من انتظار انتهاء ابنتك من أداء امتحانها ثم مواجهتها بما عرفت عنها واستكشاف المدى الذي تورطت فيه مع هذا الشاب المخادع‏..‏ فإذا كانت لم تتجاوز  حدود الأمان معه ‏..‏ فلتمزق الورقة اللعينة هذه ولينطق هو بكلمة الطلاق على البعد أو يرسلها إليها مكتوبة من الخارج‏,‏ وتطوي هذه الصفحة الكريهة من حياتها ‏..‏

أما إذا كان قد وقع ما تتحسبين له ‏..‏ فلا مفر من مواجهة الحقيقة مهما كانت قاسية ‏..‏ ولابد من أن تطالبه بأن يحول زواجه الوهمي منها إلى زواج رسمي ولو بتوكيل أحد أقاربه في ذلك‏,‏ ثم يطلقها بعد استصدار الوثيقة بأيام وبنفس التوكيل‏ ..‏ وليكن في ذلك درس قاس لها ولتتعامل مع نفسها بعد ذلك كمطلقة من زواج رسمي ‏..‏ ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

نشرت عام 2002

من أرشيف جريدة الأهرام

مقالات ذات صلة