من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أكتب إليك هذه القصة الحقيقية عن رجل عاش طوال عمره نبعا للحب والحنان والإخلاص, فما وجدته مرة واحدة يخطيء أو يتصرف أي تصرف يسيء إلي من حوله أو يجرح شعور إنسان حتي أبنائه ..
إنه زوجي الحبيب وهو إنسان عمره 48 عاما ومن أسرة طيبة فقيرة تحدي الفقر وتفوق في دراسته ومات والده في حادث وهو يؤدي عمله بالشركة المالية وتحمل الشاب الصغير أعباء الحياة, فكان يعمل وهو في المرحلة الثانوية ويدرس إلي ان حصل علي بكالوريوس التجارة ولظروف أسرته الفقيرة لم تتعلم أخته فساعدها وذاكر لها وألحقها بالصف الرابع الابتدائي وتحدي بها الفقر وضيق العيش, وعلمها حتي حصلت علي الشهادة الثانوية وتقدم لها مدرس ثانوي وتزوجها وسعدت معه كما كان له أخ آخر علمه أيضا ورعي أمه حق رعايته فكان يسهر علي راحتها وكانت دائمة الدعاء له وتحولت حياته بالتدريج من العسر إلي اليسر,
وانتقل من أحد بنوك القطاع العام إلي أحد البنوك الاستثمارية ثم انتقل إلي أحد البنوك الكبري بدولة عربية وفتح الله علينا فتحا مبينا, ولقد أنجبنا أربعة أبناء هم نعم الأبناء, فمنهم من في الطب وفي الألسن والصيدلة وجميعهم يصلون الفروض حاضرة ويحرصون علي صلاة الفجر وسماع القرآن وهذه أكبر نعمة أنعمها الله علينا وذلك لأن زوجي والحمد لله حفظ أخوته وأمه وتزوج معهم في شقة صغيرة بالرغم من أنني كنت من سكان القاهرة وانتقلنا إلي مدينة طنطا لنعيش مع أفراد أسرته التي أكن لهم كل الحب والتقدير وماتت أمه بعد3 سنوات من زواجنا, فكان نعم الأب ولم يفرط في اخوته وقرر أنأحصل علي اجازة بدون مرتب لرعايتهم بعد وفاة والدتهم فكنت لهم أيضا نعم الأم والأخت.
وتحول بيتنا الصغير الذي كنا نسكن فيه بالإيجار إلي بيت كبير خاص بنا, وأصبح لنا رصيد في البنك بفضل هذا الزوج الطيب الذي يكن لي الحب والتقدير ويقول لي دائما إنه يرجو أن يجمعنا الله في الجنة لأكون زوجته في الدنيا والآخرة.
إنني لا أستطيع أن أصف لك كرم أخلاقه في محيط الأسرة وخارجها فهو يعطي الحب لكل من حوله ويرعي الله في كل شيء ولا تأكل معه إلا الحلال, كما أنه إنسان رقيق القلب يبكي إذ كان هناك موقف مؤثر في تمثيلية فما بالك إذا واجهه في الواقع.. يساعد من يحتاج إلي مساعدته قبل أن يطلب منه ذلك وإذا وجد أسرة يتزوج أحد أبنائها يدفع مبلغا لو كانت تحتاجلذلك, أو يقوم بتوصيل العروس إلي بيتها في سيارته أو يذهب بمريض الي مستشفي أو عيادة,
وقد تعلمت منه الكثير وأحمد الله علي حياتي معه وقد حج بيت الله 6 مرات واعتمر أكثر ولا يخرج من فمه إلا الكلمة الطيبة ولا يسمع إلا ماهو طيب ويضحك كالطفل البريء ويدعو لنا وللناس جميعا أن يسود الحب بينهم, وأبنائي يحبونه حبا خرافيا وهو لا ينهر أحدا ولا يسب أحدا, وكان إلي وقت قريب جدا يعمل بأحد البنوك بالخارج وبإلحاح شديد مني ومن الأبناء اضطر لإنهاء التعاقد والعودة إلينا بالرغم من الدخل المادي المبهر لأن وجوده معنا أهم من كل كنوز الدنيا.
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
تذكرت وأنا أقرأ شهادتك الغالية هذه في حق زوجك ماجاء في الآية الكريمة من سورة النحل من عمل صالحا من ذكر وأنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة وليجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون صدق الله العظيم.
فلقد جاء في بعض التفاسير ان الحياة الطيبة المشار إليها في هذه الآية هي الزوجة الصالحة بالنسبة للرجل.. والزوج الفاضل العطوف بالنسبة للمرأة, وان هذه الحياة الطيبة هي الحياة التي لا تنغيص فيها ويغمرها الرضا والقناعة والصبر علي آلام الحياة العابرة والشكر علي نعم الله فيها وان هذه الحياة الطيبة تتواصل للأبرار ويجزل الله سبحانه وتعالي لهم العطاء مضاعفا في الدار الآخرة.
وقمة رضا الإنسان عن حياته مع شريكه أن يتمني اطرادها إلي ما لا نهاية لها, ولقد جاء في المروريات أن الأزواج والزوجات الصالحين يحقق الله لهم رجاءهم في الجمع بينهم مرة أخري في العالم الأفضل ليواصلوا معا رحلة السعادة الأبدية, فعسي الله سبحانه وتعالي أن يحفظ عليك حياتك الهانئة مع شريكك.. ويجمع بينكما دائما في الدارين بإذن الله.
والحق أنه ليس هناك رجل كما يقول الكاتب الأمريكي دوك دومورني لا يستشعر الزهو الداخلي والحماس حين تشيد به زوجته وتقول إنها فخورة به وسعيدة بأنه زوجها, ومن أسرار السعادة الزوجية التي تغيب عن البعض أن تؤمن الزوجة بزوجها إيمانا كاملا وألا تكون لديها أي اعتراضات أو تحفظات علي شخصيته.. وأن تكن له قدرا كافيا من الإعجاب به وبمثالياته وأخلاقياته واسلوبه الخاص في التعامل مع الحياة.
ونفس الشيء بالنسبة للزوج تجاه زوجته.. ذلك أن إيمان كل شريك بالآخر وخلوه من التحفظات عليه يعينه علي استجلاء مزاياه.. والتعامل الأفضل معه واستخراج كل الجوانب المضيئة في أعماقه وشخصيته للاعتراف له بفضله.. ويعينه علي التجاوز عن بعض هناته العابرة علي طريقة الشاعر العربي الذي يقول:
فاق الفعل الذي ساء واحدا
جاءت سجاياه بألف شفيع
وعلماء النفس علي الناحية الأخري يقولون لنا إن الإنسان السوي يميل غالبا لأن ينهض بالثقة التي يضعها فيه من يهمه أمرهم. ويفضل عادة أن يكون عند حسن ظنهم به..
فإذا كان فيه مايعلم جيدا أنهم سينكرونه عليه إذا عرفوا بأمره وسمع منهم علي العكس من ذلك مايفيد اطراءهم له واستبعادهم لأن يكون أهلا لمثل ذلك.. لان نفسه في أعماقه علي أن قد خيب رجاءهم فيه ولربما دفعه ذلك للكف عما يقترفه سرا تحقيقا لحسن الظن به..
كلما لمس تقدير من حوله وحبهم له عمل جاهدا علي أن يستزيد من الفضل لينال المزيد من الحب والتقدير.. ونأي بنفسه عن كل مايخدش الصورة الجميلة التي يرونه فيها..
فهنيئا لك مرة أخري رفقته الطيبة لشريك العمر.. وإيمانك المطلق به وتقديرك لسجاياه.. ولاشك في أنه يبادلك نفس الحب والإيمان بكل تأكيد.