أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الخديعـــة المؤقتـــة ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

قررت أن أكتب إليك بعد تردد دام لأكثر من عشر سنوات نظرا لعدم اكتمال أحداث قصتي وقتئذ‏,‏ لكن اطلاعي علي أحداث مشكلة الحبل المقطوع التي تشكو صاحبتها من جحود وجفاء ابنتها التي سافرت مع أبيها لدولة أجنبية بعد انقضاء فترة حضانتها هي وشقيقها‏,‏ حسم هذا التردد في داخلي حيث أن تفاصيل تلك المشكلة تكاد تكون تكرارا لمأساة حياتي‏.‏

فأنا رجل أبلغ من العمر‏52‏ عاما‏,‏ تطوعت بالجيش بعد عامين من نكسة‏1967,‏ وكنت وقتها في السابعة عشرة من عمري في الصف الثاني الثانوي برغم اعتراض أمي وأبي ـ رحمهما الله ـ وأشقائي الجامعيين الذين يكبرونني جميعا‏,‏ ومنهم اثنان من حملة الدكتوراه‏,‏ وقد صقلتني الحياة العسكر‏4‏ية وعرفت الرجولة الحقة وتحمل المسئولية والالتزام في سن مبكرة‏,‏ وشاركت في عمليات العبور الخاصة إبان حرب الاستنزاف ثم واجهت الأعداء في معركة استرداد الكرامة عام‏1973,‏ ولملمت أشلاء شهدائنا وواريت جثثهم التراب

وكأن القدر كتب لي كل هذه الظروف القاسية ليشتد عودي لمواجهة مستقبل أشد قسوة‏,‏ وبعد أن وضعت الحرب أوزارها‏,‏ قررت استكمال دراستي فالتحقت بأحد المعاهد الليلية وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير وانتسبت لكلية الآداب‏,‏ وبرغم رومانسيتي المفرطة ورغبتي في أن أعيش قصة حب خالدة مع من أرتبط بها لتكون زوجتي وحبيبتي وصديقتي وأمي البديلة بعد وفاة أمي ـ رحمها الله‏,

‏ إلا أنني انصرفت بكل اهتماماتي إلي الانتهاء من دراستي‏,‏ وكنت أفرغ مشاعري وأحاسيسي نحو الجنس الآخر في قصائد شعرية أكتبها بيني وبين نفسي لمن يرق قلبي لها‏,‏ وتخرجت في الكلية واستقلت من الجيش لأبدأ حياتي المدنية مدرسا للغة الانجليزية وأنا في التاسعة والعشرين من عمري‏,‏ وشهد الجميع من موجهين ومديرين وطلاب بتميزي ونجاحي في عملي‏,‏

ثم تزوجت زواجا تقليديا لمدة سبع سنوات انتهي دون حصولي علي لقب أب‏,‏ واضطررت إلي إنهائه‏,‏ وبعد عام ونصف العام من الطلاق تزوجت بمن خفق قلبي لها وتوسمت فيها الزوجة الملائمة برغم مؤهلها المتوسط‏,‏ وبرغم نشأتها في بيئة لا تتفق سلوكياتها مع سلوكيات بيئتي وأسرتي‏,‏ وقد تزوجتها أملا في أن تكون رغبتها في تكوين أسرة سعيدة واستمتاعها بالحياة مع من اختارته هي أكبر دافع لها للتأقلم والتغير نحو الأفضل لها ولي ولأطفالنا المنتظرين‏,‏

وبعد نحو عام رزقنا الله بطفلة جميلة شقراء أقرب إلي الدمي منها للأطفال‏,‏ وحان وقت تولي زوجتي لأعباء مسئولياتها كأم‏,‏ فهالني أسلوب تربيتها لطفلتنا والعناية بها وبنظافتها الشخصية‏,‏ بدأت بالنصح والتوجيه ثم الضجر والتبرم فالانفعال والثورة‏,‏ وكلما توهمت أنني قطعت شوطا في مرحلة تغيرها المأمول نحو الأفضل اكتشفت أنني أجري وراء سراب‏,‏ ثم رزقنا بطفل آخر شبيه بشقيقته وقلت لنفسي ولزوجتي أن الحمد لله الذي رزقنا الذكر والأنثي وشقة جميلة مجهزة بكل الأجهزة المنزلية الحديثة وفي حي من الأحياء الراقية نوعا ما بإحدي المدن الساحلية وسيارة حديثة‏,‏ ولا يبقي لنا إلا تحمل مسئولياتنا كأب وأم لتربية أبنائنا‏,‏ ولكن هيهات‏..‏

فبدلا من أن تكون لهما نعم الأم التي أعطاها الإسلام الأفضلية علي الأب ثلاث مرات وأعتقد أن هذه الأفضلية مرهونة بحسن تربيتها وغرسها في نفوس أبنائها جذور التربية الصحيحة‏,‏ فللأسف لم يكن الطفلان البريئان إلا سلاحا في يد أم جاهلة بالدين والدنيا ولا هم لها ولاتتحقق سعادتها إلا بعقد حلقات استرجاع ذكريات طفولتها مع شقيقاتها الأربع وسرد قصص وأحداث مكررة سردت مئات المرات من قبل حتي حفظتها عن ظهر قلب‏,‏

أما طفلاها وأنا فلم نكن نشغل إلا حيزا ضئيلا مهملا في ظل دائرة اهتماماتها بأسرتها‏,‏ فلا تدري شيئا عن طفليها‏!!‏ ماذا أكلا وكيف يأكلان وما يقال لهما وما يقولان‏,‏ كيف يتصرفان‏,‏ ما يصح وما لا يصح‏,‏ بل إن الطفلين ضلا الطريق مرات ومرات لانشغال أمهما عنهما وعدم متابعتها لهما‏,‏ كما جرح ابني في ذقنه نتيجة تركه دون رقابة علي مقعد فسقط علي الأرض ووخزت إبرة الجراح ذقنه بغرزتين وعمره عام واحد‏,‏ كما أنه تناول حبوبا مسكنة للآلام ‏500‏ مللجم علي أنها حلوي وعمره عامان‏,‏ وترك بلا رقابة يعبث بسكين ليترك جرحا بفمه مازالت آثاره باقية حتي الآن وعمره عامان ونصف العام‏,‏

وباختصار فقد فشلت هذه السيدة في أن تكون زوجة فاضلة أو حتي أما رؤوما‏,‏ بل والأكثر من ذلك فشلت في تعليم أبنائها معني الحب والتسامح‏,‏ ولن أطيل عليك أكثر من ذلك بسرد تفاصيل يخجل قلمي من كتابتها‏,‏ فقد تصاعدت خلافاتنا واتسعت الهوة بيننا وأنذرتها بأنها إن لم تصلح من حالها وتكون نعم الزوجة ونعم الأم فلترحل وتتركني أربي أبنائي كما يحتم علي واجبي كأب شرقي‏,

‏ ولكن للأسف الشديد كان قانون الأحوال ـ الشخصية الذي يمنح الأم الحاضنة الحق في البقاء في سكن الزوجية ـ سلاحا في يد أم مشاكسة عنيدة توهمت أن هذين الطفلين سيظلان صغيرين إلي الأبد‏,‏ وبدلا من أن تعود لرشدها وتفيق من غيها ازدادت سوءا وكالت ألفاظ السباب لي ولأهلي‏,‏ ولم أضربها إلا بعد أن سبت أبي وأمي ـ رحمهما الله ـ بأقذع الشتائم‏,‏

رائج :   رائحة الحب ♥✿♥ رسالة من بريد الجمعة

وتخلل ذلك إلقائي عليها يمين الطلاق مرتين ثم أعيدها إلي عصمتي بعد بكائها وتدخل أشقائها الخمسة وتأكيدهم أنها نادمة علي ما فعلت وحفاظا علي وجود الطفلين ليتربيا بيننا‏,‏ وبعد التأكيد لي أنها ستتغير‏,‏ ولكن من شب علي شئ شاب عليه‏,‏ فشعرت باليأس وصبرت صبرا أشد مرارة من العلقم متحاملا علي نفسي وكابتا أحزاني وهمومي داخل نفسي حتي أصبت بارتفاع ضغط الدم لكيلا أترك الطفلين وهما صغيران لا يدركان ولا يفهمان أسباب الطلاق ويراودني الأمل بالرغم من كل ما حدث في أن تعود لي زوجتي يوما باكية نادمة حتي أشعر بأنوثتها التي فقدتها في عيني ومشاعري فأصفح عنها وننعم بحياتنا كأسرة سعيدة‏.‏

ثم وقعت بيني وبينها مشاجرة لا تمحي من ذاكرة أطفالي‏,‏ وتحدتني خلالها زوجتي المشاكسة العنيدة قائلة بالحرف الواحد‏:‏ إن كنت راجل وعندك كرامة طلقني‏,‏ وكما تفضلتم بالتعليق علي إحدي المشاكل المنشورة من قبل‏:‏ إن نهاية مؤلمة أفضل كثيرامن ألم بلا نهاية‏,‏ استعدت رباطة جأشي وطلقتها الطلاق الأخير بعد أن أعطيتها حقوقها وأكثر من حقوقها وأنهيت بذلك آلاما مريرة عانيت منها لعشر سنوات لتبدأ آلام طفلة في التاسعة والنصف وطفل في السابعة‏,‏ وبدعوي رعاية وحضانة الطفلين أخذت كل الأثاث وبعض الأجهزة المنزلية أمام سمعي وبصري‏.‏

واسودت الحياة أمام عيني فلقد وجدتني وأنا في الثامنة والأربعين من عمري وقد فقدت كل ما بنيته في شبابي وصحتي حتي الطفلين سأحرم منهما بضع سنوات أخري‏,‏ ففكرت في السفر لأمريكا خاصة أني أتحدث الانجليزية بطلاقة واستطعت الحصول علي تأشيرة لي لمدة عام ولأبنائي لمدة خمسة أعوام وقلت لنفسي فلأسافر وأجرب حظي إلي أن يكبر الأولاد‏.‏

في نيويورك أدركت أن نسيج المجتمعات الغربية قد يقبل أغرب أنواع البشر مهما كان شذوذهم‏,‏ ولكنه يلفظ الكسالي ومحدودي الطاقة والطموح‏,‏ فاشتغلت بمهن لم أتخيل أن أعمل بها يوما لكي أعيش‏,‏ فاشتغلت كعامل بناء وقمت بتوزيع الجرائد في المنازل وانزلقت قدمي علي الثلج وكسرت وأجريت لي عملية تركيب شريحة من الأبلاتين وأربعة مسامير ومكثت قدمي بالجبس ثلاثة أشهر‏,‏ ثم أجريت لي بعد ستة أشهر عملية أخري لنزع الشريحة والمسامير‏,‏ واشتغلت عاملا بمحطة بنزين حتي في أثناء وجود الشريحة والمسامير بقدمي ولمدة‏ 12‏ ساعة يوميا تحت قيظ الشمس صيفا في درجة حرارة أكثر من ‏40‏ مئوية وفي صقيع تصل برودته إلي عشر درجات مئوية تحت الصفر في الشتاء‏,‏

وحاولت مرارا وتكرارا الاتصال بابنتي وابني لأسمع صوتهما وأطمئن عليهما فكان التليفون يغلق في وجهي كل مرة ولم أستطع التحدث مع أبنائي إلا بعد عامين ونصف العام بعد أن أرسلت مبلغا من المال لأمهما التي استصدرت حكما غيابيا من المحكمة شهد فيها زورا اثنان من أزواج شقيقاتها لتظهرني أمام أبنائي بأنني امتنعت عن إرسال نفقات معيشتهما برغم أنني أرسلت أحد أقاربي بعد أسبوعين من سفري بمبلغ مالي توطئة لإرسال مبلغ شهري لهما غير أن أمهما رفضت التسلم وقتئذ لشروعها في رفع قضية نفقة حضانة ضدي‏,‏

ووسط هذه الظروف تزوجت سيدة أمريكية مسلمة فاضلة وتحسنت ظروفي ومجالات عملي وكنت أتصل بأبنائي أسبوعيا لأطمئن عليهما وأرسل لهما مبلغا شهريا لنفقاتهما ودروسهما الخاصة‏,‏ بالإضافة للهدايا‏,‏ وكانت أمهما تثور عند كتابتي في الشيك الشهري المرسل مني بأن هذا المبلغ يدخل ضمن متجمد النفقة التي حكمت بها المحكمة‏,‏ وخلال محادثاتي التليفونية مع أبنائي أدركت أن هناك شيئا ما في نفسيهما ضدي فقررت النزول إلي مصر بمجرد تمكني من الحصول علي تصريح بالسفر‏.‏

ورجعت إلي مصر في أكتوبر ‏2003‏ يوم عيد ميلاد ابني الحادي عشر وبعد غيبة أربع سنوت فوجدت ابنتي وقد صارت آنسة جميلة في الصف الثالث الاعدادي وابني يودع مرحلة طفولته ويستعد لبدء مرحلة الصبا والمراهقة واستأجرت شقة مفروشة بجوار مدرستهما أقاما معي فيها‏,‏ وفجعت في مستوي ابنتي الدراسي وأيقنت بخبرة المدرس السابق أنها لن تنجح في دراستها في مثل هذه الظروف‏,‏ بل والأكثر من ذلك أدركت أن مطلقتي الفاضلة ـ سامحها الله ـ قد أفرغت كل طاقات الحقد والكراهية لديها ولدي أسرتها في قلوب وعقول ابني وابنتي تجاهي وصورتني في أعينهما بأنني الأب الذي تخلي عن أبنائه وأنني مجنون سافرت إلي أمريكا لألهو وأعبث وانني تزوجت هناك لأعيش حياتي وأنني نسيتهما ولن أعود لهما أبدا‏,‏ وغير ذلك مما يعف قلمي عن ذكره‏,‏

وفوجئت بأن آلاف الجنيهات التي كنت أرسلها لأبنائي علي مدي عام ونصف العام أنفقت في تجديد شقة زوجتي السابقة في بيت أسرتها وفي شراء أدوات منزلية لن يستفيد منها أبنائي ليقين أمهما بأنني أحب أبنائي وسأعود يوما لأضمهما لحضانتي ولم يحزنني ذلك بقدر ما أحزنني ذهاب ابنتي لمدرستها بزي العام الدراسي السابق وذهاب ابني لمدرسته أمام زملائه الذين يعلمون أن أباه يعمل بأمريكا بقميص ممزق من ظهره ومخاط باليد بلون مخالف للون القميص‏,‏

رائج :   السنوات الجميلة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

أما ما أبكاني أكثر فهو رؤية ابنتي وقد اكتسبت بعض سلوكيات وعادات أمها رغما عنها‏,‏ وهي العادات والسلوكيات التي كانت سببا جوهريا في خراب بيتي وتشريد أبنائي‏,‏ ولم أرد علي أبنائي بالقول‏,‏ بل أخرجت لهما جواز سفرهما ويحمل تأشيرتي دخول لأمريكا مازالتا صالحتين وقلت لهما أنني سآخذهما معي إن هما رغبا‏,‏ ورقص أبنائي طربا لسماعهم ذلك‏.‏

مكثت في مصر نحو الشهر أقوم بخدمة أبنائي من طهي وتقوم شقيقتي بغسل ملابسهما وأقوم أنا بكيها ولم تفكر أم أبنائي في أن تقوم بأعبائها ومسئولياتها تجاه أبنائها طوال هذه المدة ولو لمرة واحدة‏,‏ وعند سفر الأولاد معي أرسلت أمهما معهما ملابسهما في أكياس بلاستيك ولم يفتها احتجاز بعض الهدايا التي كنت أرسلتها لهما قبل نزولي من أمريكا‏.‏

وصلت وأبنائي إلي أمريكا لنبدأ مرحلة جديدة من حياتنا وانتظم أبنائي في دراستهم بعد أسبوعين وعدت أمارس عملي السابق كمدرس لأبنائي في أوقات راحتي المعدودة وأحيانا بالتليفون‏,‏ وبحمد الله تعالي أنهت ابنتي المرحلة الاعدادية بمجموع لا بأس به بل ومنحت شهادة تفوق وكان حفل تخرجها خاتمة لأحزاني السابقة‏,‏ أما ابني فكان في مصر في الصف الخامس الابتدائي‏,‏ حيث إنه ولد يوم ‏20‏ أكتوبر فلم يمكن إلحاقه بالسنة الأولي في الوقت المناسب‏,‏

وكانت صحيفة اتهاماتي في فترة غيابي تحمل إدانتي بمسئوليتي عن تخلفه عاما دراسيا عن أقرانه وكأنني أنا المسئول عن ولادته في هذا التاريخ‏,‏ وقد تم قبول ابني في أمريكا بالصف السادس ‏(‏ الموازي للصف الأول الإعدادي في مصر ‏)‏ برغم وصولنا في شهر نوفمبر من العام الماضي‏,‏ وبحمد الله وفضله نجح بتفوق هو أيضا‏,‏ وسينقل للصف السابع ‏(‏ الموازي للصف الثاني الاعدادي في مصر‏ ),‏ كما أننا والحمد لله نعيش في استقرار وأبذل كل جهدي لتعويض أبنائي عما عانياه من قبل‏,‏

أما زوجتي الأمريكية فرغم أنها تعمل ولا وقت فراغ لديها إلا أنها تقوم برعاية الابن والابنة وتعليمهما ما افتقداه في طفولتهما‏,‏ وفوجئت بأبنائي ينادونها بكلمة ماما من تلقاء أنفسهم وهي سعيدة جدا بهذه الكلمة منهما وبهما برغم ما تعانيه من آثار سوء تربيتهما السابقة‏,‏ ولا تملك حيال أي تصرف غير حضاري يصدر منهما لا سيما ابني إلا أن تقول بلغة عربية ركيكة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فنغرق جميعا في الضحك وننسي ما كان‏.‏

وسؤالي الآن للسيدة صاحبة رسالة الحبل المقطوع‏:‏ هل تتصورين يا سيدتي أن ابنتي التي تعيش معي الآن وتري كفاح ونجاح أبيها في الغربة يوما بعد يوم ستنسي اتخاذ أمها منها ومن شقيقها سلاحا للضغط علي أبيهما في فترة طفولتهما التي كانا فيها في أشد الاحتياج لها ولحنانها ورعايتها؟

هل سينسي الابنان اللذان تفتحت عيونهما علي أبيهما يعمل مدرسا ناجحا ويريان أباهما الآن يعمل كسائق ليموزين يبدأ عمله في الخامسة صباحا ويعود بعد منتصف الليل ليوفر لهما حياة كريمة في بلد نفقات المعيشة الشهرية فيه تصل إلي نحو عشرين ألف جنيه‏,‏ هل ستنسي ابنتي حمرة الخجل التي تكسو وجهها الآن وهي تسأل أباها وزوجته الأجنبية عن مسائل تعرفها في حياتها لأول مرة وكانت أجدر الناس بالاجابة عليها هي أمها التي أنجبتها؟ هل سينسي ابني تلك القصص والأكاذيب التي ظل يسمعها عن أبيه طوال أربع سنوات لترسم لأبيه في خياله الغض صورة مشوهة ملفقة من وحي خيال مريض لا يمت للواقع بصلة؟

وأخيرا إنني أكتب إليك الآن لا رغبة مني في إصلاح ما كان بيني وبين زوجتي السابقة أو تجريحا لها‏,‏ فقد قال الشرع كلمته وأصبح لكل منا طريق معاكس لطريق الآخر‏,‏ ولكنني أعرض قصتي بكل صدق لتكون درسا رادعا لكل زوجة وأم تتخذ أطفالها درعا بشرية تحمي بها سلوكياتها المعوجة‏,‏ فالصغار يكبرون مع الأيام ويفهمون‏,‏ بينما الكبار يصرون علي عدم فهم واستيعاب هذه الحقيقة‏.‏

إنني أناشد هؤلاء الزوجات باسم كل الأطفال ضحايا الخلافات الزوجية أن يتقين الله في فلذات أكبادهن وأن يقرأن القرآن الكريم ويحفظن آياته بدلا من حفظ نصوص قانون الأحوال الشخصية‏,‏ فالقانون متغير حسب أهواء ومصالح الناس وقرآن الله باق إلي أن يرث الله الأرض وما عليها‏..‏

كما أكتب إليك راجيا توجيه كلمة إلي ابنتي الحبيبة التي أصبحت من قرائك المنتظمين الآن لتوجيه النصح لها بما لكم من خبرة لكي تفهم واقعها الجديد لأني أحبها وأخشي عليها إن لم تقلع عما اكتسبته من سلوكيات غير حميدة مثل التشبث بالرأي والإلحاح وعدم اقتناعها بأنها خلقت أنثي لتكون زوجة مطيعة فيما لا يغضب الله ـ عز وجل ـ وأن تكرر مأساة كانت هي يوما ضحية لها‏,‏ علما بأنني أشجعها وشقيقها علي الاتصال بأمهما من وقت لآخر‏,‏ وأيضا علي تلقي اتصالات أمهما التليفونية شريطة ألا تتدخل في حياتنا الخاصة أو في أسلوب تربيتي لهما حتي لا تبوء محاولات إصلاحي لهما بالفشل‏,‏ وحتي لا أتحمل وزرها أو وزرهما‏.‏
والسلام عليكم ورحمة الله

رائج :   ثمرة الوفاء .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

نحن نسيء الظن أحيانا بقدرة الصغار علي فهم ما يجري حولهم‏,‏ ونتوهم أننا نستطيع خداعهم وإفساد مشاعرهم تجاه شركاء الحياة السابقين إلي الأبد‏..‏ ولا ندرك أن هؤلاء الصغار قد يتأثرون بالفعل بما نشحنهم به ضد الشركاء السابقين في بعض مراحل عمرهم‏,‏ لكنهم ما أن يبلغوا سن التمييز وتكتسب عقولهم بعض القدرة علي التفكير النقدي‏,‏ حتي يبدأوا في استرجاع ما قيل لهم في الماضي عن آبائهم أو أمهاتهم ويعيدوا تقييمه‏..‏

فيكتشفوا ما تعرضوا له من خداع‏,‏ فيشعر الأبناء بالمرارة القاتلة تجاه من خدعهم‏..‏ ويأسفون علي ما حملوه في بعض مراحلهم من مشاعر البغضاء أو اللوم للطرف الذي شحنوا ضده‏..‏ ولا يغفرون لمن استغل براءتهم ـ لايلام شريكه السابق أو مكايدته ـ جريمته في حقهم مهما يحاول تبريرها أو تفسيرها بمنطقه‏,‏

ولقد يفاجأ بعض من حرضوا أبناءهم وهم صغار ضد آبائهم أو أمهاتهم بهؤلاء الأبناء وقد تحولت مشاعرهم عنهم حين شبوا عن الطوق‏..,‏ ولقد يفاجأون بهم وقد أوقفوهم أمام محكمة الأبناء التي لا تغفر لأحد الأبوين شحنهم بالبغضاء ضد الآخر‏..‏ ولا حرمانهم لغير أسباب قهرية من النشأة الطبيعية بين أبوين يحدبان عليهم ويضعان سعادتهم ومصلحتهم فوق كل الاعتبارات‏,‏

ولقد نشرت منذ بضع سنوات رسالة من أم لابنة شابة وحيدة تشكو فيها مر الشكوي من ابنتها التي كرست حياتها لها بعد انفصالها عن أبيها وهي طفلة صغيرة‏,‏ ذلك أنها تحاكمها كل يوم بعد أن بلغت مرحلة الشباب وتلومها لانفصالها عن ابيها لأسباب تري الآن أنها لم تكن قهرية ولا كافية لحرمانها من حقها في النشأة الطبيعية بين أبويها‏,‏ فتسرف في لومها وتعذيبها بالاتهام والسؤال الدائم‏:‏ لماذا لم تحتمل حياتها مع أبيها لكي تحظي هي بالحياة العائلية المستقرة‏..‏

ولكي تظهر أمام من يتقدم اليها طالبا يدها كفتاة من أسرة متماسكة وليست ابنة لسيدة مطلقة‏.‏ وأذكر أن هذه الأم قد ناشدتني في رسالتها أن أدعو هذه الابنة الشابة الي الرفق بها والكف عن لومها وإيلامها ومحاكمتها عن أسباب انفصالها عن أبيها قبل‏17‏ عاما‏,‏ مع أن هذه الأم لم تتزوج بعد أبيها ولقد أحسنت بالفعل رعاية ابنتها وقدمت لها كل ما تملك من حب وعطف ورعاية‏..‏ غير أن ذلك لم يكن كافيا من وجهة نظر الابنة للتسامح معها والتجاوز عما تعتبره هي جناية عليها‏,‏

ولعل هذه الأم قد أجهدت نفسها في إقناع الابنة بأسبابها للانفصال وحملت الأب المسئولية عنه فصدقتها الابنة وهي طفلة صغيرة وشعرت باللوم لأبيها‏,‏ فما أن اكتمل نضجها العقلي حتي راجعت كل ما قيل لها ورفضت منه ما لم تقتنع به وانتهت الي إدانة الأم بدلا من الأب وشعرت بالمرارة تجاهها‏,‏ وهذه هي خطورة خداع الصغار ومحاولة شحنهم أو استخدامهم كسلاح في المعركة مع شركاء الحياة الحاليين أو السابقين‏..‏ ذلك أنهم حين يكتشفون خديعتهم لا يتسامحون أبدا مع من خدعهم من الأبوين ولا يعفونه من اللوم‏,‏ ولقد تتحول ولاءاتهم من طرف إلي آخر فيخسر الطرف المحرض تعاطف أبنائه وقد كان يظن أنه قد فاز بمشاعرهم دون خصمه‏.‏

إنني أطالبك يا سيدي بألا تكرر خطأ زوجتك السابقة مع ابنيك هذين الآن‏,‏ وبألا تشوه رمز الأم في مخيلتهما‏..‏ وبأن تصدقهما القول دائما فيما ترويه لهما عن أمهما‏..‏ وحبذا لو تعففت عن الاساءة اليها حتي ولو جاءت هذه الاساءة في معرض الدفاع عن موقفك منها‏,‏ أو خلال محاولتك تقويم سلوكهما وعلاج أثر تقصير الأم في تربيتهما‏,‏ ولا تتصورا أنك بصمتك عن اخطائها وتجاوزاتها السابقة معك‏,‏ تضعف من موقفك أمام ابنائك‏..‏ فللصغار عقول تفكر وتتأمل ولو لم يكن الأمر كذلك لما رحب هذان الابنان بالانضمام إليك علي الفور حين عرضت عليهما ذلك‏,‏ ولما اقتنعا بحرصك عليهما وحبك لهما بعد كل ما قيل لهما عنك من أمهما‏.‏

فإذا كان الأمر كذلك فلتضف اذن الي احسانك الي ابنيك‏,‏ فضل الحفاظ علي رمز الأم في مخيلتهما‏..‏ والتجمل في ذكر أسباب الانفصال اذا سألاك عنها ولابد أن يسألاك ذات يوم‏,‏ والاكتفاء بإرجاع الطلاق الي عدم الوفاق واختلاف الطباع كما يفعل الفضلاء‏,‏ حرصا علي معنويات الابناء‏,‏ ورغبة منهم في إعانتهم علي أن يصبحوا أشخاصا أسوياء‏,‏ لا يعانون من أية اضطرابات نفسية‏.‏ ويتواصلون مع الحياة بسلاسة ويسر‏..‏ أما ابنتك الحبيبة فإني أرجو لها أن تكون دائما الابنة الرشيدة التي تملك القدرة علي التمييز بين الخطأ والصواب‏..‏ والتي تدرك أنه من كمال الشخصية أن تتسم بالمرونة والوعي وإدراك حقائق الحياة الأساسية والاستعداد الدائم للاقتناع بما يؤكد العقل صحته وصوابه‏.‏

مقالات ذات صلة