أجمل رسائل بريد الجمعة

الخوف من الماء ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب اليك بعد أن ترددت كثيرا, ولكن الله وحده يعلم لماذا امسكت بقلمي في تلك الليلة لأكتب إليك عن المعاناة التي أعانيها, فأنا رجل ابلغ من العمر 55 عاما, اعمل بمركز مرموق باحدي الجامعات المصرية ولي ابنة وحيدة لم اخرج من الدنيا إلا بها,

فهي كل شئ في حياتي ومنذ نعومة اظافرها حرصت أنا وزوجتي علي إخراجها للحياة إنسانة متعلمة مثقفة علي دراية كاملة بكل جوانب الحياة.. سلبياتها قبل إيجابياتها وكانت نعم الفتاة وبدأت تشب بين يدينا انا وامها فتاة جميلة وهبها الله من فضله حسنا وجمالا ورقة وثقافة وتفوقا ونبوغا وذكاء, ولا تتعجب عندما اذكر لك كل ذلك فإنها الحقيقة, وقد بدأت تنفوق في دراستها يوما بعد يوم الي ان التحقت بالجامعة وصارت من اوائل دفعتها, الي ان تم تعيينها معيدة بكليتها ولا أستطيع ان اصف لك سعادتي انا ووالدتها بها لما حققته لنا من فرحة بتفوقها ونبوغها وبراعتها في دراستها.

اما المشكلة التي أكتب إليك عنها فهي انها في بابك الاسبوعي( بريد الجمعة) من عشاق هذا الباب وتنتظر الاسبوع تلو الآخر لتشارك قراءك الفكر والرأي والاستطلاع علي مشاكلهم والمحاولة في حل بعضها والمؤسف والمؤلم انها بالرغم من تفوقها وذكائها ونبوغها قد اصبحت انسانة معقدة تكره الرجال بكل صنوفهم وأشكالهم وما أن تتحدث معها عن موضوع الزواج إلا وتثور علينا ثورة عارمة وكأنها تقذفنا بطلقات من الرصاص وتشكو لنا خيانة الرجال التي ليس لها أول من آخر, دائما تستشهد ببابك الاسبوعي وتقول ألم تقرأوا في بريد الجمعة عن فلان وماذا فعل بزوجته التي سارت معه مشوار الحياة بصعوباتها, وعندما بدأ يشم نفسه تمرد عليها وتركها ليتزوج من اخري.

وتبدأ تقص علينا كل ما تقرأه في بابك ففعلت معها كل ما بوسعها لأغير تفكيرها وهي تأبي النصح والارشاد ولا تصدق إلا ان الرجال خائنون, وعندما تحاول والدتها بأن تقول لها انظري لأبيك وتمني لنفسك رجلا مثله تقول انه عملة نادرة لا يوجد مثلها في هذا الزمن الصعب, وكلما تقدم لها عريس تسخر منه وتتحدث اليه بطريقة مهينة تشعره بأنه لم يأت ليتزوج, وإنما جاء ليشتري جارية تخدمه وتسهر علي راحته هو فقط وانه لا يحبها ولا جاء ليتزوجها, لأنه يحبها ولكنه جاء إليها لأنها فقط جميلة وذات قوام ممشوق وبالتالي فقد جاء ليشتري جسدا لا إنسانة وكلكم هكذا!

رائج :   السند المنهار ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ذلك ما تقوله ابنتي يا سيدي عن الرجال وخيانتهم ولا ادري ما السبب الحقيقي وراء ذلك وارجوك ألا يتطرق ذهنك الي اي شئ مهين لكرامتها, لأنها بالفعل الانسانة الجميلة المتدينة الحريصة علي ذكر الله وقراءة القرآن الكريم ولم تكن فتاة لاهية او مستهترة في يوم من الايام فلا أقول إنها خاضت تجربة مؤلمة مثلا سببت لها عقدة نفسية.

والسبب الذي اعتقده هو ما حفرته سنوات العمر في وجدانها من خلال متابعتها لبابك وقراءته واستحلفك بكل ما هو عزيز عندك ان تحاول معي أن توجه لها كلمة وتحثها علي طاعتنا في امر زواجها من اي انسان تري هي انه مناسب خاصة ان سنوات العمر تمضي ولن اعيش لها انا أو والدتها الي ما نهاية فتجد نفسها في آخر الطريق وحيدة شريدة لا تجد من يعينها علي صعوبات الحياة.

فهل تكون لي ذلك المعين الذي يساعدني علي انتشال ابنتي من تلك المحنة.. وهل حقا هي مريضة نفسيا وبحاجة للعلاج النفسي, وإن كان الامر كذلك فكيف اقنعها انا أو انت بالذهاب الي الطبيب الذي سيكون علي يديه الشفاء؟!

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

ليس هناك جنس خائن وجنس وفي, وإنما هناك اشخاص خائنون واشخاص اوفياء ونساء قاصرات الطرف مخلصات ونساء غير ذلك, والاغلبية العظمي دائما من كل جنس هم الأسوياء الأوفياء الذين يرعون حدود الله في حياتهم وينفرون من الغدر ويميلون للاستقرار والعيش في سلام. ولو لم يكن الأمر كذلك لتحولت الدنيا الي غابة تحيي ذكري سودوم وعامورا المدن الغابرة التي خسف الله بها الارض لفحش اهلها واستباحتهم لكل الآثام والمعاصي.

والشر الظاهر لا ينبغي له ان يحجب عنا الخير الكامن ولا ان يهز ايماننا بخيريج الحياة وسلامة تيارها العام بالرغم مما يبدو لنا في بعض الاحيان مخالفا لذلك, ذلك ان الشر مزعج بطبيعته وملفت للأنتباه في حين يمضي الخير في هدوء لا يكاد يشعر به أحد, لأنه لا يجتذب الانظار اليه وابنتك الذكية الجميلة ماكان لها ان تقع في خطأ التعميم فتحكم علي جنس بأكمله بالخيانة لمجرد بضع قصص قرأتها هنا أو هناك أو سمعت بها,

رائج :   قانون السماء ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

فلقد فاتها أنها انما تقرأ في النهاية بابا مخصصا للمشكلات الإنسانية ولن تعرض فيه غالبا سوي هموم البشر واحزانهم وشكاواهم من الغدر والخيانة وغوائل الايام وتصاريف القدر, ولا غرابة في ذلك لأن المهموم قد يجد الدافع القوي للإفضاء بهمومه للآخرين طلبا للمشاركة الوجدانية أو المشورة أو حتي لمجرد التخفف من الآلم المكتوم, في حين قد لا يجد السعداء ما يدفعهم للكتابة عن تجاربهم السعيدة في الحياة إلا في حالات نادرة.

فهل يعني ذلك ان كل البشر تعساء ومعذبون ويعانون جميعا من الفشل في الحياة الزوجية والشقاء والغدر والخيانة؟
إنها طبيعة الباب يا ابنتي هي التي تفرض ان تكون صور التعاسة فيه اكثر من صور السعادة.. وقصص الغدر والخيانة اكثر من قصص الوفاء والاخلاص, ولا يعني ذلك ابدا ان نستخلص منها الاحكام العامة ندين بها البشر جميعا, نأتي بعد ذلك الي قولها ان من جاء ليتزوجها إنما جاء ليشتري جارية وليس لأنه يحبها وردي علي ذلك انه في الزمن الذي كان فيه الفيلسوف ارسطو يقول

إن المرأة رجل ناقص لم يتم صنعه وان الذكر خلق ليحكم, والانثي خلقت لتكون محكومة, ورسالة الرجل ان يأمر ورسالة الزوجة ان تطيع,

في هذا الزمن نفسه, قال حاكم أثينا تمستكليس الاغريقي لابنه الصغير:

انت يا ولدي اقوي رجل في بلاد الاغريق, فسأله: لماذا ؟ فأجابه’ لأني احكم اثينا وامك تحكمني وانت تحكم امك إذن انت تحكم اثينا كلها!.

فإذا كان هذا هو الحال قبل الميلاد والمرأة مهانة ومستضعفة في معظم انحاء العالم.
فكيف يكون الأمر الآن ؟!.

إن النفور من فكرة الجارية في علاقة الزواج تسيطر بالفعل علي اذهان قلة من الفتيات وتدفعهن للتحفز ضد الرجل.. لكنها معركة وهمية.. وفكرة خاطئة واحساس مغالي فيه بالذات قد لا يثمر إلا الشقاء وافتعال المعارك والصراعات وتقليل فرص السادة والأمان, لأن السعادة بين الزوجين مشتركة. والحدود محفوظة.. والحقوق كاملة لكل طرف.

رائج :   ألم الحقيقة‏‏ ! .. رسالة من بريد الجمعة

أما قولها ان من جاء إليها إنما جاء لجمالها وقوامها الممشوق وليس لأنه يحبها وبالتالي فهو يشتري جسدا لا إنسانة فردي عليه هو وكيف يتاح له ان يحبك ويثبت لك انه يرغبك لشخصيتك وروحك الطيبة ونفسك الجميلة, ولما تتح الفرصة له للاقتراب منك خلال فترة خطبة معقولة لكي تولد المشاعر بينكما ويحدث التراكم العاطفي الذي يدوم بين القلوب اكثر من اي شئ آخر.

ولماذا ننفر من حقائق الحياة المشروعة ونستنكرها, والدافع الحسي وباعتراف اكبر علماء النفس المعاصرين في الغرب من أهم دوافع الزواج الي جانب الدافع العاطفي والرغبة في رفقة الحياة والإنجاب وتكوين الأسرة.

لقد كان الحكيم الفرنسي لاروشفكو يقول: أنه خير لنا ان تظهر في ثوبنا الحقيقي من ان نزهو بثوب جميل مستعار.ولأن الأمر كذلك فلابد ان تسلمي بأن الدافع الحسي للزواج دافع مشروع ومفهوم ولا شئ فيه يدعو لإنكاره أو للتشكك في نيات صاحبه, فمن يطلبه انما يطلب العفاف والحياة النظيفة المستقيمة والاشباع العاطفي والانساني وكل ذلك لا علاقة له بشراء اي شيء ولا ينقص من قدرك لأن جمالك ليس في النهاية سوي عنصر الجذب المبدئي الذي يجتذب اليك طالب الزواج, ولا يكفي وحده ابدا لأن يجمع بين قلبين او يحقق لهما السعادة ونجاح الزواج واستقراره.. وإنما يتحقق ذلك فقط بالرغبة المشتركة في السعادة والاستقرار والامان, والمشاعر المتبادلة, والفهم المشترك والعشرة الطيبة.. واتحاد الأهداف.

وفي النهاية فإني اقول لكاتب هذه الرسالة ان ابنته ليست مريضة نفسيا ولا هي في حاجة الي علاج نفسي وانما فقط الي تعديل بعض مفاهيمها الخاطئة من خلال الحوار والمناقشة والتفكير العقلاني الهادئ, كما انها في حاجة ايضا الي التخلص من خوفها المرضي من النزول الي الماء خشية الغرق, لكيلا يحرمها هذا الخوف من خوض التجربة وممارسة السعادة.. وتحمل تبعات الاختيار, فالخوف من الماء لا يسمح لأحد بتعلم السباحة. وكذلك الخوف الشديد من التعاسة قد يضيع علي الإنسان فرص السعادة المتاحة.


لطفا .. قم بمشاركة هذا الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

Related Articles