أجمل رسائل بريد الجمعةقضايا وأراء

الرداء الابيض ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا فتاة في العشرين من عمري أكتب لك هذه الرسالة نيابة عن سيدة اعتبرها مثل أمي وأعرف ان كلماتك ستكون البلسم الشافي لها باذن الله أما هذه السيدة فهي مثل كثيرات غيرها من الأمهات الطيبات..غير انها تختلف عن كثيرات منهن في انها تعيش مع رجل لو قلت عنه انه قاسي القلب لظلمته..لأنه بلا قلب من الأصل, ولأنها زوجته وأم ابنائه فقد أختصها بالقدر الأكبر من هذه القسوه وتحملت هي صابرة حياتها معه لكي ترحم ابناءها وتحميهم من غوائل الحياة.

ومنذ فترة ليست طويلة مرضت ابنتها الكبري التي تبلغ من العمر23 عاما وكان مرضها بالقلب يتطلب الراحة والرحمة والهدوء.. لكنه بسبب اهمال علاجها ساءت الحالة فنتج عنه تضخم القلب والرئة وارتشاح في الرئة والساق والكلي.

وقد تحملت هذه الفتاة مرضها بصبر عجيب وتحملت تحذيرات الاطباء الباردة لها من انها لاتستطيع الزواج ولو تزوجت فلن تستطيع الانجاب لسوء حالتها وكان خطيبها هو الشيء الوحيد الذي يخفف عنها وقع هذه الكلمات القاسية علي فتاة في مقتبل العمر تحلم بارتداء ثوب الزفاف كغيرها من الفتيات وبدأت الفتاة رحلتها القاسية مع المرض وتمكن منها الداء حتي اصبحت كالهيكل العظمي وأصبحت تقضي معظم ايامها في المستشفيات ومن حولها أمها واخواتها وخطيبها الانسان بكل معني الكلمة.

أما ابوها فلم تهتز له شعرة, لمرضها ومعاناتها ولم يذهب معها الي المستشفي مرة واحدة وكلما رجته امها وهي خائفة أن يذهب للمستشفي لرؤية ابنته وجبر خاطرها ولو أمام خطيبها..اجابها بانها تدعي المرض.. وانه لاوقت لديه لمثل هذه الدلع!

وحين كان المرض يشتد عليها وهي في البيت كانت آهاتها تمزق قلوب الجيران فيأتون الي الشقة ويتعاونون علي حملها من الدور السادس الي الدور الارضي لكي تذهب للمستشفي, أما والدها فيظل جالسا في الشرفة يدخن السجائر ويقرأ الجريدة في هدوء فاذا جاءت اليه زوجته ترجوه باكية أن ينقلهم الي المستشفي بسيارة الأجرة التي يملكها.. هز رأسه بالرفض وواصل القراءة والتدخين في سلام ويبحث الجيران عن سيارة تنقل الفتاة للمستشفي ويأتي خطيبها مهرولا الي المستشفي ويقف الي جوارها الي أن يخفف الله عنها بعض آلامها.

وكانت هذه الفتاة تحتاج الي ست انابيب للاكسوجين يوميا لكي تستطيع التنفس والبقاء علي قيد الحياة, وكانت أمها ينخلع قلبها خوفا من أن تفرغ الانابيب قبل ان يتوفر لها غيرها, وكم من مرة طلبت من زوجها ان يدفع ثمن انبوبة واحدة للاكسوجين لكي تتنفس ابنته فكان يرفض ذلك بكل قسوة فينفق خطيبها جزاه الله كل خير علي علاجها وعلي شراء انابيب الاكسوجين, بجانب ماتنفقه الفتاة نفسها من مرتبها البسيط وتتحمل آلامها في صبر ورضا وتصلي وهي نائمة وتستمع دائما الي شرائط القرآن الكريم وتدعو ربها في كل حين:

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري 

وكان جميع من حولها من الأم والاخوة والخطيب والجيران الطيبين يزورونها في المستشفي ويرثون لحالها ويعلمون ان ايامها في هذه الدنيا القاسية قليلة ماعدا الأب الذي زارها ذات مرة زيارة قصيرة وهي في أسوأ فتراتها فرجته ابنته وهي تبكي ان يبقي الي جوارها حتي ينفذ فيها سهم القضاء لأنها كما قالت له مستعطفه ـ تموت فاذا به يجيبها ببرود بان من يموت بالفعل لايعرف انه يموت ولايقول انه يحتضر كما تقول هي وبالتالي فان هذا كله تمثيل ودلع بنات لاوقت لديه لتحمله, ثم انصرف عنها بلا وداع, وقرب الفجر استنجدت به أمها لكي يأتي ويعيد ابنته الي بيتها لكي تحتضر هناك في سلام فرفض النزول من البيت والاستجابة للرجاء ولم يمض وقت طويل حتي كانت روح هذه الفتاة الطيبة قد صعدت إلي السماء, وكان آخر ماطلبته من أمها هو أن تتصدق بمرتبها عن الشهر الاخير من حياتها القصيرة..وبما تبرع لها به الجيران الطيبون للمساهمة في علاجها علي الفقراء ترحما عليها!

وكان آخر ماقالته لأمها الحزينة هو انها لن تسامح اباها أبدا علي مافعله بها ولا علي عدم تحمله لنفقات علاجها وتركها للغريب..أي لخطيبها لكي يتحمل نفقات العلاج دونه كما لن تسامحه ابدا علي رفضه البقاء الي جوارها في ساعاتها الاخيرة ورفضه الاستجابة لنداء أمها له أن يأتي الي المستشفي ليصطحبها الي البيت لتقضي به مابقي لها من عمر.

أما آخر كلماتها الحسيرة الأخري فهي انها كانت تتمني ككل فتاة في مثل عمرها أن ترتدي ثوب الزفاف الابيض وتسعد بحياتها مع من احبها واحبته.. لكن اارادة الله قد شاءت لها أن ترتدي بدلا منه رداء الرحيل الأبيض..وهذه هي اراده الله ولا راد لقضائه ولامعقب علي حكمه وهو الرحمن الرحيم. ورحلت هذه الفتاة الطيبة عن الدنيا في هدوء وبكتها أمها واخواتها وجيرانها الطيبون وخطيبها الانسان.

وفي مجلس العزاء في بيتها كانت الأم والاخوة والخطيب والجيران هم الذين يتقبلون العزاء فيها أما الأب الذي لا أجد له وصفا فقد كان جالسا أمام التليفزيون يتابع المسلسل اليومي ويدخن في هدوء غريب!
ولم يكتف هذا الرجل بالاساءة لابنته الراحلة وهي علي قيد الحياة..وانما أساء اليها أيضا وهي في رحاب الله..فقد جاء خطيبها لزيارة والدتها واخوته بعد العزاء فاذا بهذا الأب القاسي يقابله بجفاء ويطلب منه عدم العودة الي هذا البيت مرة أخري ويسأله: لماذا تجيء الآن وقد ماتت من كنت تأتي لرؤيتها؟

ولقد كنا نظن ان رحيل ابنته عن الحياة سوف يغير من بعض طباعه القاسية ويدفعه لان يرعي الله في أمها واخوتها من بعدها, ولكن فلم يتغير من طبعه شيء وهو الآن يواصل قسوته علي أخيها المريض بالسكر ويرفض الانفاق علي علاجه الذي ان لم يأخذه في موعده جاءته غيبوبة المرض ويواصل ايضا بلا رحمة قسوته علي امها فيسبها ويضربها..

وهي التي لاتجف دموعها علي أبنتها.. ومازالت لاتصدق أنها قد رحلت عنها فتنهض من نومها مفزوعة وهي تنادي علي ابنتها عسي ان تجيبها من عالم الغيب والشهادة لقد كتبت لك قصة هذه السيدة المعذبة لكي توجه اليها كلمة عزاء في ابنتها وتخفف عنها بكلماتك الحانية بعض احزانها .. كما كتبتها لك ايضا عسي ان تستطيع مساعدتها في زيارة بيت الله الحرام لعلها تجد هناك مايدخل السكينة الي قلبها ويعيد اليها بعض الطمأنينة, لأنها حتي اذا استطاعت تدبير نفقات العمرة من أهل الخير المحيطين بها ويعرفون مأساتها فان هذا الرجل الظالم لن يسمح لها بالسفر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رائج :   طفلك اليوم .. رائد أعمال المستقبل

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

ياالهي.. ألي هذا الحد قد تنزع الرحمة أحيانا من بعض القلوب؟
ان القتلة والسفاحين قد ترق قلوبهم في بعض الأحيان وتتحرك اشفاقا علي بعض البشر. فكيف خلت نفس هذا الرجل من كل لمسة شفقة أو رحمة بابنته الطيبة هذه؟
ومن أي نوع من الاحجار الصلدة قد قلبه فخلا من كل عطف علي ابنته وزوجته وابنائه؟

لقد قلت ذات مرة أن من الآباء من لايستحقون لقب الأب الجليل الذي يعني في جوهره العطف والعطاء والرحمة والمسئولية لكني لم اتصور حين كتبت ذلك ان يكون علي سطح الارض أب تحتضر ابنته العروس وترجوه البقاء إلي جوارها في لحظاتها الأخيرة أو اعادتها إلي بيتها لتقضي مابقي لها من ساعات فيه فيصم أذنيه عن ندائها ولاتتفجر في قلبه ولوكان من صخر يناييع الرحمة والعطف علي هذه الابنة المعذبة ففي أي زمن نعيش ياربي وإلي اين ينتهي بنا المصير؟

وماذا سيقول هذا الأب لمخالقه من يسأله عن ويعيه الغالية التي استودعه اياها كيف لم يترفق بها وهي هذين السماء اليه.. وكيف لم يرحم ضعفها وعذابها حين كانت في أشد الحاجة إليه وكيف تخلي عن مسئوليته عنها ورفض الانفاق علي علاجها وترك هذه المسئولية الانسانية لخطيبها الشهم وجيرانها الطيبين؟ لقد وادها هذا الرجل الفظ بقسوته وغلظته وجمود مشاعره فبأي جواب سوف يجيب ابنته يوم يكون الحساب( إذا الموءودة سئلت باي ذنب قتلت).

لقد كان إلم النفس اقسي عليها من آلام الجسد.
وكانت مرارة خزلان أبيها لها وتخليه عن علاجها ورفضه الوقوف بجوارها حتي في لحظاتها الأخيرة اشد بطشا بجسمها التخيل وعلة القلب وآلامها.
فبزي حق ينحو مثل هذا الرجل من عقاب القتل المعنوي لابنته في الارض قبل ان يلقي قصاصه العادل عنه في السماء؟
وكيف يقف القانون عاجزا عن محاسبة مثل هذا الرجل عن جريمة القتل المعنوي هذه؟
وألا من مخرج لدي فقهاء القانون لمحاسبة مثل هذا الرجل عما صنع بابنته؟ وعما يفعل الآن بابنه المريض بالسكر وزوجته المكلومة وابنائه الحائرين؟

ان هناك اشخاصا يكفي مجرد وجودهم في الحياة ولكي تتخفف الدنيا من بعض قبحها وقسوتها وعنائها وهناك اشخاص آخرون يكفي مجرد وجودهم في الحياة لكي تزداد مساحات العناء والظلم والقسوة فيها.
وهذا الرجل من هذا الصنف الأخير ولابد من وسيلة مشروعة لمحاسبته عما جناه علي ابنته ولرده عما يفعل الآن بابنه المريض وزوجته المفجوعة في ابنتها الراحلة وبقية ابنائه.

افتوني ايها الملأ من رجال القانون عما يمكن فعله مع هذا الرجل وارغامه به علي الرفق بزوجته وابنه المريض والتكفير عن جنايته علي ابنته.
لقد كان الفقيه شمس الدين محمد بن ابي بكر المعروف باسم ابن قيم الجوزية يقول في معرض الحديث عن قسوة القلوب ماضرب عبد بعقوبة اعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ويقول: خلقت النار لإذابة القلوب القاسية ويقول أبعد القلوب من الله القلب القاسي, ويقول: إذا قسا القلب قحطت العين, أي جفت من ماء الدمع وكل ذلك ينطبق علي هذا الرجل الذي اكبح جماح قلمي بصعويه شديدة لكيلا يصفه بما يستحقه من صفات فمن عجبة, بعد كل ذلك ان يكون كما تقولين في رسالتك ممن يقرأون الجريدة ويعرفون خط الاحرف.

فغلا افادته القراءة ولارفقت حاشية خطوب الحياه فبأي حق يسعي امثاله في الحياة ويزيدون من مساحة القبح والعناء فيها؟
ولمن سوف يرق قلبه إذا لم يكن قد رق لابنته الشابة وهي تتسمع انغام الرحيل أو لابنه الذي يعاني من مرض السكر شفاه الله منه أو لزوجته الحزينة علي ابنتها الراحلة؟

لقد اعتدت ان أناشد الازواج والزوجات ان يترفقوا بشركاء الحياه لكني لاأشعر باي رغبة في ان اناشد هذا الرجل في شيء أو اوجه اليه اي كلمة وبدلا من ذلك فاني- ولعلها المرة الأولي التي افعل فيها ذلك اقسم بالله العلي القدير الذي لا إله سواه انني سوف الاحق هذا الرجل بكل الوسائل القانونية المتاحة ان لم يترفق بزوجته ويسمح لها باداء العمرة علي نفقة بريد الأهرام مع مراعاة حقه عليها كزوج في ان يصحبها إلي هذه العمرة إذا شاء اكراما لها وليس له وتيسيرا عليها وليس عليه وكذلك ان لم يتحمل مسئوليته عن علاج ابنه أو يسمح لبريد الأهرام بتنظيم علاجه ورعايته إلي ان يكتب الله له الشفاء باذن الله.

فانتظري مني ايتها الانسة الطيبة كاتبة هذه الرسالة اتصالا قريبا لادعوك إلي زيارتي مع هذه السيدة الملكومة راجيا ان تصطحب معها تقارير ابنها الطيبة لترتيب مسألة علاجه واوراقها الشخصية اللازمة لاستصدار جواز سفر لها والله المستعان علي كل أمر عسير.

 

مقالات ذات صلة