أجمل رسائل بريد الجمعة

الشــــخص ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أرجو أن يتسع صدرك لي وأن أجد لديك ما أحتاج إليه من مشورة, فأنا فتاة متدينة ويشهد لي الجميع بأنني علي خلق, وأريد أن أحدثك عن شخص لا أعرفه علي المستوي الشخصي لكنني علي الرغم من ذلك قد كرهته كرها كبيرا,

ولكي أوضح لك الأمر فلابد أن أرجع إلي البداية, فقد تقدم هذا الرجل لطلب يد أمي وهي في العشرين من عمرها ووافق الأهل ورحبوا به, فتم زواجهما وبعدثلاث سنوات من الزواج والمعايرة لأمي بعدم انجابها أنجبت بنتا وسعدت بها لكن زوجها غضب لأن المولودة بنت وليست ولدا, ومضت الأيام وحملت أمي مرة أخري وأنجبت فجئت أنا إلي الحياة, وبدلا من أن يفرح بي أبي اعتبرني كارثة جديدة, لمجرد أنني بنت وازدادت خلافاته مع أمي, وبعد أقل من عام حملت أمي من جديد وتمني الجميع أن يكون المولود هذه المرة ذكرا, فإذا بها تضع البنت الثالثة وهي أختي الصغري,

وحين علم هذا الرجل الذي هو أبي بنوع المولود ترك أمي في المستشفي وأرسل إليها بورقة الطلاق.. وهجرها وهجرنا نهائيا فلم نعرف عنه شيئا منذ ذلك الحين, وتولي خالي المقيم معنا بنفس المحافظة المسئولية عن تنشئتنا ومساعدة أمي في نفقات المعيشة, ثم إزدادت أعباء الحياة عليه فأصر علي أن تتزوج أمي لتجد رجلا يتحمل مسئوليتها.. وتزوجت بالفعل من أحد أقاربنا, فكان هذا الزوج هو بداية الاستقرار الحقيقي في حياتنا, كما شاءت إرادة الله أن تحمل من زوجها بعد أقل من عام وأن تكون المفاجأة هي أن تضع ليس ولدا واحدا وإنما توءم من الذكور!

ومضت السنوات وتخرجت أختي الكبري في الجامعة وتقدم لها شاب ناجح وتزوجته.. وجاء علي الدور في الزواج لكني رفضته شكلا ومضمونا, وقلت للجميع أنني لن أتزوج ذات يوم, ورحبت بزواج أختي الصغري خريجة الآداب من شاب ممتاز وعلي خلق, وراحت أمي تؤجل إتمام زواجها علي أمل أن أرتبط بشاب وأتزوج قبلها, لكني تمسكت بموقفي. وبعد زواج أختي وجدت نفسي وحيدة, فراحت الأسئلة المحيرة تتردد داخلي:

رائج :   السؤال المهم ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

لماذا فعل بنا ذلك الشخص ما فعله بأمي وبنا نحن البنات الثلاث؟ وكيف هجرنا كل هذه السنين دون أن يخطر له أن يسأل عن بناته.. ويعرف ماذا فعلت الدنيا بهن.. وهل هو حي أم ميت؟ إنني أحمد الله علي ما نحن فيه من حال الآن, لكني أريد أن أعرف سببا واحدا لما فعله بنا هذا الشخص.. وقد زاد من غضبي أنني قرأت في كتاب لأحد كبار الأئمة أن الآية 46 من سورة النجم تقول:

(وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي, من نطفة إذا تمني)

وأن المقصود بذلك هو نطفة الرجل, وأن العلماء قد أعلنوا أن عنصري البشرية الذكر والأنثي موجودان في ماء الرجل وأن تحديد نوع المولود يأتي من جانب الرجل وليس للمرأة شأن فيه.

فأي عذر إذن لمثل هذا الرجل.. لقد أصبح لايمضي يوم من أيامي دون أن أدعو عليه.. وكثيرا ما تمنيت أن أشطب اسمه من أوراقي الرسمية.. وأكره أن يناديني أحد باسمه.. لكني بالرغم من كل ذلك أخشي الله.. وأخاف عاقبة عقوق الوالدين ولا أدري هل أنا مخطئة في حق هذا الرجل. وهل أستحق عقاب السماء علي عقوقه.. أم ماذا تري؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لقد عقك هذا الشخص قبل أن تعقيه أنت, ليس فقط لأنه قد تخلي عن زوجته وهي تعاني آلام النفاس في المستشفي عقب ولادتها لطفلتها الثالثة.. فأسرع بطلاقها قبل أن تسترد حتي عافيتها وترجع إلي بيتها, ولا لأنه قد عاقبها بهذا الطلاق الجائر علي أمر لا حيلة لها فيه, وإنما يتحمل هو مسئوليته الكاملة عنه, وإنما أيضا لأنه قد نكص عن تحمل مسئوليته الأنسانية والبدنية والأخلاقية عن بناتهالثلاث..

رائج :   الرجل الثاني .. رسالة من بريد الجمعة

أيا كانت دوافعه للانفصال عن أمهن, فاختفي من عالمهن, وكأنما لم ينجبهن من صلبه ولا يعنيه من أمرهن شيئا, وهذه هي الجريمة التي لاتغتفر حقا ولا تقبل فيها أية أعذار أو مبررات. ذلك أن علاقة الزوج والزوجة قد تنفصم بالطلاق بغض النظر عن مسئولية الطرفين عن ذلك..

لكن علاقة الأب بابنائه أبدية لا تنفصم, ولا انفصام لها.. ولا يسقط الطلاق أو زواج الزوجة من آخر حقوق هؤلاء الأبناء علي أبيهم في الرعاية والحماية وتحمل المسئولية المادية والانسانية عنهم.. إذ لا يتخلي عن مثل هذه المسئولية سوي بعض الأنواع الدنيا من مملكة الحيوان كالضفاضع…

فهل يسعد أحد بأن يكون مثلها في هجرها لذريتها عقب خروجها للحياة مباشرة؟ إنك محقة يا آنستي في أن يخلو قلبك من أية عاطفة بنوية تجاه هذا الرجل, فالأبناء يجيئون إلي الحياة أوعية مجردة من المشاعر الانسانية.. فنسكب نحن فيها الحب والمشاعر برعايتنا لهم وحدبنا عليهم ونغرس فيهم القيم الدينية والأخلاقية. لهذا قيل بحق أن حقوق الآباء والأمهات علي ابنائهم لاتترتب عليهم لمجرد دورهم البيولوجي في انجابهم, وإنما برعايتهم لهم وتحمل مسئوليتهم وأداء دورهم الأخلاقي والديني معهم علي خير وجه.

غير أنه ليس من الصحة النفسية ولا من السلام النفسي بالرغم من كل ذلك أن تنطوي لأبيك المجهول تماما بالنسبة لك علي كل هذا القدر من الكره والحقد والضغينة.. ذلك أن معاناة المشاعر السلبية تجاه أي انسان تفسد علي المرء سلامه النفسي وتفسد عليه أوقاته وترهق جهازه العصبي.. وتخصم من قدرته علي الحب والعطاء للغير والتفاعل السليم مع الحياة.

رائج :   النظرات المحرومة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولعل اضطرابك أمام فكرة الزواج هو أحدي النتائج المدمرة لهذا الانشغال الشديد من جانبك بأمر أبيك الغائب عنك منذ عامك الأول وإحساسك المرير بالنقمة الشديدة عليه, والأفضل لك هو أن تنسي أمره تماما كما نسيكن, وأن تدعيه لخالقه ليحاسبه عما جنت يداه عليكن, وعن كل ما عانيتن في الحياة بسبب تخليه عنكن واختفائه عن دنياكن بلا رجعة. ومن يدري فلعله قد لقي بالفعل بعض ما يستحقه من هذا العقاب خلال رحلة حياته بعيدا عنكن.. ولعله قد رحل عن الحياة وسيواجه مصيره المحتوم في العالم الآخر.

فهل يستحق هذا الشخص أن تنشغلي به كل هذا الانشغال؟
وهل من العدل أن تمتد جنايته عليك بعد أن هيأ لكن الله من عوض لكن تخليه عنكن فتحرمك أيضا من حقك العادل في السعادة والزواج والحياة الطبيعية..

إنني أري لك أن تتخلصي من هواجسك بشأن الزواج وتصححي أفكارك المشوشة عنه, لأنه ليس كل الرجال أشباها ولا هم جميعا علي شاكلة هذا الشخص, وأقرب دليل علي ذلك هو زوج والدتك وزوجا شقيقتيك الذين سعدت بهم زوجاتهم … فلماذا تستبعدين أن تضع الحياة في طريقك شابا طيبا ومتفهما مثلهم؟


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة