فن الادارة ..قصص وعبرقضايا وأراءوعي

الصين .. تاريخ نهضة || الجزء الاول

بقلم الكاتب : أحمد كامل

2000 عام .. تلك هى الفترة التى قضتها الصين تحت نظام الحكم الإمبراطورى .. ذلك النظام الذى شهد بعض فترات الازدهار القليلة و الكثير من الخيبات و التراجع فالصين أمة لها تاريخ و حضارة لكن ذلك التاريخ و تلك الحضارة أخذوا فى التراجع حتى القرن العشرين و تحديداً عام 1911 .. فى ذلك العام سيتم الإطاحة بالنظام الإمبراطورى إلى الأبد ..

كعادة الثورات الشعبية فإنها تبدأ بإتحاد شعبى جارف لإنهاء حقبة ظالمة ثم يبدأ بعدها التنافس على من تؤول له السلطة .. فى حالة الصين لم يكن التنافس شريفاً .. الحزب القومي المحافظ و منافسة الحزب الشيوعى الصينى تحول الخلاف بينهما إلى تناحر و بدأت المناوشات بينهما تزداد حتى وصلت إلى حرباً أهلية .. فى نفس الوقت اندلعت شرارة الحرب الصينية اليابانية ثم تبعتها الحرب العالمية الثانية .. سيكون من السخف التفكير فى نمو الصين الإقتصادى فى ظل تلك الحروب والمجازر .. حتى تلك اللحظة لم يكن هناك أى مؤشر لنهضة الصين التي نراها اليوم ..

بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى استمرت الحرب الأهلية فى الصين حتى استطاعت الميليشيات الشيوعية المسلحة فى القضاء على أى مقاومة للحزب القومي المحافظ .. ماو تسى تونج زعيم الحزب أعلن تأسيس جمهورية الصين الشعبية و بدء مرحلة جديدة من النهضة الاقتصادية فى ظل شعارات الاشتراكية و الشيوعية .. مرحلة ستتميز بإنغلاق الصين على نفسها إعتماداً على المبادئ الشيوعية التي أرساها السيد تونج و عممها فى سائر البلاد .. الصناعات الثقيلة و بالأخص صناعة الحديد والصلب ستكون عماد الدولة لأكثر من عقدين من الزمان ..

الإهتمام بالصناعة و خاصة الحديد الصلب جعل كثيراً من المزارعين يقوموا بتغيير مهنتهم و يتحولوا إلى الصناعة وخاصة الثقيلة منها .. المردود المادي لها كان أعلى و دعم الدولة لها كان أكبر لذا كان تصرفهم بديهياً .. لا يجب علينا إهمال أننا نتحدث عن دولة تعداد شعبها تجاوز الـ 600 مليون نسمة يعاني معظمهم من الفقر المدقع .. تحول المزارعين أصاب النشاط الزراعى فى مقتل مما سبب فى نقص المحاصيل و بالتبعية بدأت بوادر حدوث مجاعة في البلاد .. الأزمة اضطرت الحزب الشيوعي للجوء للاستيراد من الخارج لعبور أزمة نقص المحاصيل الزراعية ..

رائج :   الفتح والغزو والإستعمار والإحتلال: نظرة عامة على لتحولات السياسية في العالم

اعترف قادة الحزب بخطأ الإجراءات التى اتبعوها فى تلك المرحلة مما أجبر ماو تسى تونج على التخلى عن كثير من سلطاته لبعض قادة الحزب الكبار على رأسهم دينج زياو بينج و الذى غير كثيراً من السياسات السابقة و قام بدعم القطاع الزراعى لتعديل الخلل فى ميزان السلع الإستراتيجية .. أقر السيد بينج حرية التملك للأراضي الزراعية .. سمح لحكام الولايات باتخاذ ما يرونه صالحاً فى ولاياتهم و بذلك خفف قبضة الدولة نسبياً عن الأنشطة الإقتصادية .. سمح هذا بتخفيف الروتين و أتاح مزيداً من القدرة على الإبداع ..

بالفعل نمت القطاعات المختلفة للإقتصاد الصينى و على الرغم من نسب نموها إلا أنها كانت تصطدم دائماً بعائق عدد السكان الكبير حيث كان لازال هناك عشرات الملايين من الشعب يعانى من الفقر المدقع و الطبقة المتوسطة تكاد لا تذكر ..

السيد  زياو بينج وضع الحجر الأول لنهضة الصين بالفعل لكن لازال هناك الكثير من الأمور يجب تعديلها ..

بدأت الصين بدءاً من عام 1968 و على مدار أكثر من عشر سنوات فى تجديد بنيتها التحتية مثل رصف الطرق و الإهتمام بالمنتجات الطاقاوية مثل البترول و الفحم مما أسهم فى عملية تنمية متسارعة خلال تلك الفترة و بالرغم من تخفيف القيود المركزية للحكومة الصينية إلا أن الحزب استمر مسيطراً على كل شيء فى الصين و لازال الانغلاق هو السمة الواضحة فى سياسات الصين .. كانت هناك حاجة ماسة لمواكبة التطور العالمى خاصة مع ازدياد حركة التجارة العالمية و إستهداف الصين كسوق بشري كبير .. تلك الحاجة ألهمت السيد بينج لإستغلالها بالتخلى عن السياسات الاشتراكية و الإنفتاح بالتدريج على العالم و الإندماج فى سياسته الرأسمالية الجديدة ..

رائج :   التجربة الآيسلندية || من إدمان المخدرات للوصول لكاس العالم

بعد أكثر من عشرين عاماً من التجارب الاقتصادية استطاعت الصين تكوين قاعدة صناعية و زراعية جيدة و بنية تحتية قوية تستطيع معها الصمود أمام الإنفتاح الإقتصادى المتوقع .. لو كانت الصين قررت فتح أسواقها أمام العالم الخارجى دون أن تمتلك قاعدة صناعية وزراعية وتجارية قوية ما كانت لتنجح نجاحها الحالى و لفازت عليها الدول الأكثر خبرة منها فى تلك المجالات بمنتجات أفضل وأسعار أرخص .. الصين بما ملكت من مقومات صارت جاهزة للمنافسة .. تم تخفيف القيود الحكومية على أغلب الأنشطة الاقتصادية.. تم إعادة صياغة القوانين بما يتناسب مع الوضع الاستثماري الجديد .. تم فتح الأبواب أمام الإستثمارات الأجنبية و وضعت ضوابط قانونية لها بحيث تضمن حقوق العمال و فى نفس الوقت تعود بالنفع على المستثمر و المجتمع ..

بالتوازى مع تلك المرحلة قامت الصين بتنمية مجتمعية فى عدة مجالات .. التعليم و الصحة و الزيادة السكانية كانت لها نصيب من الحملات الإعلانية لتوعية المجتمع بأهميتها .. خلال 10 أعوام من تطبيق تلك الإجراءات تضاعف الناتج المحلى الإجمالى من 149.54 مليار دولار عام 1978 عام بداية الإنفتاح الإقتصادى إلى 312.85 مليار دولار عام 1988 و بمعدلات نمو عالية جداً تراوحت من 5.17 % إلى 15.14 % .. فى تلك المرحلة كانت الصين تضع الأسس التى ستبنى عليها نهضتها القادمة ..

منذ بداية التسعينات من القرن الماضي بدأت الحكومة فى تطبيق خطط لطرق أبواب صناعية جديدة .. أنشطة مثل الأجهزة الكهربائية و الصناعات الإلكترونية لم تكن ضمن مخططاتها السابقة .. الآن الصين دخلت ذلك المجال معتمدة بالأساس على تقليد منتجات الدول المتقدمة .. مع الوقت ستدعم الحكومة ميزانية البحث العلمى الذى سيعود عليها بابتكارات تكنولوجية تؤهلها لمجاراة تلك الدول أو حتى التفوق عليها ..

استمرت سياسة الصين في دعم كل ما من شأنه رفع معدلات التصدير لديها فقامت بدراسة أسواق دول العالم الثالث لتحديد احتياجاتها فوجدت أن تلك الدول تميل أكثر للصناعات الاستهلاكية فقامت توجيه دفتها لدعم تلك الأنشطة حتى صارت الصين فى يومنا الحالى هى أكبر مصدر فى العالم ب 2.37 تريليون دولار ..

رائج :   10 صفات لابد أن يتحلى بها المدير المثالي

إذا قمنا بتحليل صادرات الصين سنجد أن أكبر 5 أقسام فيها كالآتى :

  • – الحاسبات الإلكترونية بنسبة 7.9 % بما يعادل 188 مليار دولار
  • – معدات البث التلفزيوني بنسبة 7.0 % بما يعادل 165 مليار دولار
  • – التليفونات المحمولة بنسبة 4.7 % بما يعادل 112 مليار دولار
  • – الشرائح الإليكترونية بنسبة 2.8 % بما يعادل 65.7 مليار دولار
  • – مستلزمات المكاتب بنسبة 1.9 % بما يعادل 45.4 مليار دولار

و هو ما يؤكد توجه الدولة منذ التسعينات و حتى الآن فى تركيز جهودها على المجالات التكنولوجية .. إضافة لما سبق فهى تنشط أيضاً فى مجال المنسوجات و الذى يعود عليها ب 243 مليار دولار سنوياً و أيضاً مجال المعادن و الذى يعود عليها ب 180 مليار دولار و إجمالاً من الممكن القول بأن الصين تصدر كل ما يمكن تصديره و تنوعها السلعي يناسب أكثر من 95 % من احتياجات البشر مثل المصنوعات البلاستيكية اليدوية مروراً والأحذية ولعب الأطفال و الالكترونيات و وصولاً إلى الصناعات الثقيلة مثل السيارات و السفن و القطارات و الطائرات و حتى المركبات الفضائية و هذا بخلاف أنها تقوم بالتصنيع بمختلف درجات الجودة وهو ما جعل الكرة الأرضية بكاملها سوقاً مستهدفاً لها ..

فى هذا الجزء تم التركيز على الشق التاريخى مروراً بالحرب العالمية الأولى و الثانية و دخول الصين عصر الصناعات الثقيلة قبل أن تطرق أبواب الإنفتاح الإقتصادى و تطبق معه الأسس الرأسمالية الحديثة مع تحليل لمفردات الصادرات الصينية ..

فى الجزء القادم سيتم التركيز على تحليل بند الواردات مع توضيح إمكانية تطبيق التجربة الصينية على الحالة المصرية و هل تستطيع مصر أن تستفيد من التجربة الصينية على اعتبار أنها تجربة طويلة المدى و مرت بحقب متعددة تأرجحت فيها بين ازدهار و انكسار ..

مقالات ذات صلة