أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الظالمون ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب إليك بعد متابعة طويلة للنشر في بريدكم ولم أتخيل للحظة أنه سيجيء اليوم الذي أكون فيه أنا صاحب المشكلة, إلا أن أعاصير الحياة لا تأتي أبدا بما تشتهي السفن. 

أنا ياسيدي رجل علي مشارف العقد السادس من عمري والأخ الأصغر لثلاثة اخوة, توفي أبونا منذ أكثر من 25 سنة كان يؤجر محلا كبيرا جدا في بلدتنا الساحلية في أشهر منطقة تجارية بالبلد وقبل ان يتوفي والدنا كان علي خلاف مع أخينا الأكبر, بينما كان أخي الثاني طيبا جدا لا يريد من حطام الدنيا شيئا,

وبلعبة ماكرة وقتها اقنعنا أنا وأخي والدنا ان يقوم بالتنازل عن حقه في استغلال المحل لي أنا وأخي الثاني حتي لا يأخذ أخونا الأكبر أي شيء, وأيضا فعلنا ذلك في البيت الملك خوفا أيضا من أن يأخذ أخونا كل شيء بعد وفاة أبي, وكان أخي الأكبر يسكن ببدروم المنزل الخاص بالعائلة ووعدنا أبونا أننا لن نخرجه من المنزل أبدا, فغير والدنا عقد ايجار المحل باسمنا أنا وأخي الثاني,

وباع لنا المنزل بيعا وشراء وسارت بنا الدنيا بعد وفاته ففتح الله علينا جدا نظرا لما نتصف به من سمعة طيبة في تجارتنا إلي ان كبرنا ورزقنا الولد وعلمناهم الصنعة, وارتفع مستوانا المادي جدا فبعنا شققنا ببيت العائلة وتركنا البدروم لأسرة أخينا الذي توفي بعد والدنا بخمسة أعوام بسبب الحسرة علي الظلم الذي ظلمناه له مع أبينا كما كان يردد دائما قبل وفاته,

وترك زوجته وطفلين لا يعولهما أي عائل وليس لهم أي مصدر رزق إلا معاش والدهما, وكان بالكاد يكفيهم وقد طالبنا هذان الطفلان بعد أن كبرا بحق والدهما الذي ظلم منا ومن أبينا ولم يجدا منا وقتها إلا الجفاء, وفي ذات مرة كنا نزورهما في العيد بعد انقطاع ثلاثة أعوام عن زيارتهما بسبب مشاغل الحياة وكنا نكتفي بمكالمة تليفونية كل عدة اشهر, أو كل عيد فقط,

فما كان من الشابين إلا ان طالبانا مرة أخري بحقهما ولم يجدا ألا ما وجدا سابقا من النكران الكامل منا بأحقيتهما فما كان منهما الا ان اعترفا أمامنا بأنهما ما صليا صلاة طوال عمرهما إلا ويقولان حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن ظلمونا اللهم أرنا فيهم انتقامك من الظالمين, ومنذ ذلك الحين لم ندخل بيتهما مرة أخري ولم نقابلهما إلا حينما مرض أخي وشريكي في البيت والمحل بالمرض الخبيث وفي نهاية مراحل هذا المرض طلب مني أخي أن أحضر أبني أخينا المظلومين لكي يسامحاه قبل ان يلقي الله

فما كان منهما الا ان حضرا وعند طلبه السماح منهما قالا له كيف نسامحك وأنت اخذت حق أبينا وأكلته بالباطل واستمتعت به أنت وأولادك ونحن لا نجد ما نؤجر به شقة لنتزوج فيها أو نجد حتي تكاليف الزواج وانت وأولادك تنعمون بحقنا ونحن محرومان منه وقالا له فلتقابل الله ولنختصمك أمامه, فهو لن يرضي الظلم لنا في الدنيا وسيرد لنا حقنا في الآخرة, وانهار أخي أمامهما لكي يسامحاه ولكنهما تركاه وخرجا, وبعدها بيومين مات ولم يسامحاه

واليوم أصبت أنا بنفس مرض أخي, وأرقد في المستشفي للعلاج ولكن مع فارق واحد, أنني أثناء حياتي خفت علي أولادي من الدنيا فكتبت لهم كل شيء فما كان منهم الا ان رموني في المستشفي منذ بداية مرضي ولم يسألوا عني حتي اليوم منذ أكثر من ستة أشهر, وطلبت من ابني أخي ان يسامحاني لانني لا أملك أن أعيد لهما حقهما الآن الا انهما رفضا وأصرا علي انهما سيختصمانني أنا وأخي أمام الله ليعيد لهما حقهما المسلوب في الدنيا ممن يشتركون معهما في نفس الدم والقرابة!!

أعرف جيدا انه حقهم ولا أستطيع فعل أي شيء الان وكل ما أرجوه منك ان تكتب لهما فهما حريصان جدا علي متابعة هذا الباب ان يسامحاني فأنا أخاف الله جدا وقد رأيت في مرضي هذا كل عذابات الدنيا, ونسيت النعيم الذي عشته بحقهما وعرفت ان الله حق وأن الظلم ظلمات يوم القيامة, أرجوك اكتب لهما ان يسامحاني قبل أن ألحق بأخي ولم يسامحاني!!
أرجو نشر هذه الرسالة ان لم يكن ليسامحاني فلأكون عظة يتعظ بها كل من تسول له نفسه أكل حق أي انسان.

رائج :   خدعوك فقالوا … الزوجة المصرية “نكدية”

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

سيدي.. كنت أتمني ان تطلب مني مناشدة أبنائك ان يعيدوا حق ابني عمومتهم اللذين استوليت عليه ظلما, ليس فقط خوفا من مواجهة الله وأنت من الظالمين, ولكن خوفا علي أبنائك الذين يأكلون مالا حراما ليس من حقهم, ومن مصير مظلم ومخيف ينتظرهم, وكنت أتمني أيضا ان تسألني عن وسيلة للتكفير عن ذنبك وإعادة ما استوليت عليه ظلما وعدوانا, ولكن فكرت فيما لا يكلفك شيئا, أن يسامحك من ظلمته, لا ياسيدي لا أستطيع ان أفعل ذلك, لأني لا أقبل أن أعين ظالما علي ظلمه, ولا أن أقسو علي أرملة ويتيمين عاشوا في قهر وذل وفقر في بدروم وهم يرون ظالميهم ينعمون بما لهم حق فيه, ولم يعتدوا عليكم بل كل ما فعلوا ان شكوكم الي العادل الذي لعن الظالمين ووعدهم بالويل والعذاب الأليم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.

سيدي.. لم يسع شقيقك وشريكك في الجرم الي التكفير عن خطئه ولم يحاول قبل مواجهة الله وقبل ان يذهب الي ظلمات يوم القيامة أن يصلح من جريمته ومات أمام عينيك, وبدلا من أن ترتدع وتسارع وأنت في كامل صحتك إلي إعادة ما استوليت عليه, أغرتك الدنيا وفتنتك بالمال فكتبت ما تملك لأولادك, فأصابك المرض, وانفض عنك من ظلمت من أجلهم, لتجني ثمار الحنظل الذي غرسته, فكيف للمال الحرام أن يثمر أولادا صالحين؟!

انها شجرة واحدة بدأت من والدك وامتدت اليك وإلي شقيقك الراحل وها هي تمتد إلي ابنائكما, وهم غافلون مغترون بشبابهم وما حصدت أياديهم وكأن الله أعمي أبصارهم, فلم يفطنوا إلي ما ألم بك وبعمهم الراحل, وواصلوا رحلتهم نحو المعصية ولا يدرون أن الله ليس بغافل عما يفعلون.

وإن كان لي أن أخاطب أحدا فإني أناشد أبناءك ان يعودوا إلي رشدهم فينقذوا والدهم وأنفسهم من عذاب آت لا ريب فيه, ويطهروا أموالهم ولن ينقص ذلك من رزقهم شيئا ويعلموا ان دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب, فهل يشترون الدنيا والاخرة بقليل من متاع الحياة؟!

أما أنت ياسيدي, فأدعوك وأنت علي فراش المرض أن تستعين بزوجتك وبمحام لتسأله وتعترف أمامه بحقوق أبناء أخيك الراحل, لعله يجد لك مخرجا قانونيا قبل ان تسد أمامك كل المخارج, ولعل الزوجة تنجح في جمع أولادك وأولاد أخيك الراحل أمامك لترجوهم أن يعيدوا الحق الي أصحابه رحمة بك وبشقيقك وبوالدك بهم, فإن تفعل لعل في ذلك أملا في رحمة الله, وإن لم تفعل فإليك هذا البيت للشاعر العربي هبة الله العباسي:

ياظالما نفسه بظلمي
لا تبك مما جنت يداك

مقالات ذات صلة

تعليق واحد