– من أيام الرئيس السيسي اتكلم عن مصنع “القومية للأسمنت” وقال نصاَ “متوسط مرتبات مصنع القومية للأسمنت اللي بيخسر من 12 – 14 ألف جنيه شهرياً، وكمان العمال عاوزين حوافز، طب مهو طبيعي يتوقف عن العمل!”
منطقي نسأل ازاي مصنع أسمنت يخسرمع ان عليه طلب عالي؟ وهل فعلا السبب هوا المرتبات؟ وليه الدولة قررت تتخلى عنه بينما أصلاً الرئيس قال كلامه وهوا بيفتتح مجمع أسمنت جديد في بني سويف تابع لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة؟!
دي الأسئلة اللي هنجاوبها في البوست ده.
إيه قصة المصنع ده؟
– الشركة القومية للأسمنت تأسست في عهد عبدالناصر سنة 1956.
– حالياً دي آخر شركة أسمنت تملكها الدولة، بعد ما تمت خصخصة باقي الشركات بعهد مبارك، وأغلبها اشتراها مستثمرين أجانب من المكسيك وانجلترا وفرنسا وايطاليا.
– الشركة كانت بتحقق أرباح لحد 2012، وأول خسائر بدأت تحققها كانت في 2013 خسرت 138 مليون جنيه.
ليه الشركة خسرت؟
خلينا هنا إحنا نسكت ونسيب الحكومة نفسها تتكلم!
البيان الرسمي لوزارة قطاع الأعمال عن الشركة قال إن الوزارة “رصدت مخالفات جسيمة للإدارات السابقة للشركة أهمها: إسناد التشغيل والصيانة لشركة أجنبية على الرغم من توفر الخبرة المحلية بما يكلف الشركة نحو 360 مليون جنيه سنويًا، بالإضافة إلى القصور الواضح فى عقد تطوير خطوط الإنتاج والذى لم يحدد معايير واشتراطات والتزامات الاستشارى والمقاول مما أدى إلى عدم تنفيذ التطوير بالشكل المطلوب، بل وإلى ارتفاع استهلاك الغاز بصورة كبيرة.
وقد أحالت الشركة فى 4/3/2018 تلك المخالفات إلى النيابة العامة للتحقيق”.
يعني ببساطة الأزمة الرئيسية أزمة إدارة بنص كلامهم.
– المفاجأة هنا بقى ان الشركة المنفذة للتطوير (المقاول) اللي بيان الوزارة بيتهمها، اللي وقع العقد ده كممثل للشركة هوا نفسه وزير قطاع الأعمال السابق خالد بدوي الي كان في منصبه لحد من شهرين!! (الصور 1، 2).
وقتها كان هوا مدير القطاع المالي بالشركة دي، شركة أسيك للتصنيع والمشروعات الصناعية، شركة تابعة لمجموعة القلعة المملوكة لرجل الأعمال أحمد هيكل وشركاه.
– شركة القومية للأسمنت عندها مشكلتين رئيسيتين هما سبب الخساير، أولاً مشاكل أسعار الطاقة من بعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بينما كل منافسيها زي لافارج الفرنسية والعربية للأسمنت وأسمنت سيناء..الخ تحولو لاستخدام الفحم الأرخص.
وثانياً مشاكل تخلفها التكنولوجي لعدم الاستثمار في تطوير الأفران والآلات.
– والحقيقة ان النمط ده شفناه متكرر في مصانع النسيج وغيرها من اللي اتخصخصت أو خسرت، البعض بيعتبره اهمال وسوء ادارة، والبعض بيشك في التعمد خاصة بوجود تضارب مصالح مع القطاع الخاص أو الأجنبي .. لكن الاكيد ان ده ملوش علاقة بمرتبات العمال.
إيه اللي حصل بالظبط في (التطوير)؟
– خطة التطوير دي المفروض كانت تنتهي فى خلال 6 شهور لكنها استمرت لحوالي 36 شهر، وكانت الأفران اللي تحت الصيانة متوقفة عن العمل والانتاج يعني خسائر أكتر.
– الخطة كلفت الشركة 1.2 مليار جنيه بدل 400 مليون كانت محطوطة فى الأول على انها التكاليف.
وبعد كل ده حسب بيان الوزارة بدل توفير استهلاك الغاز الأفران بقت بتستهلك أكتر، يعني تخسر أكتر مع كل طن تنتجه!
وده نفس الكلام اللي من شهرين قاله “مصدر مسئول بوزارة قطاع الأعمال” لم يذكر اسمه لجريدة المصري اليوم إن عملية التطوير كانت غير مجدية.
– كمان لو بصينا على أرقام الخساير هنلاقي أنه لحد قبل 2016 قبل قرار التعويم وزيادة أسعار الوقود كانت الشركة بتحقق خسائر قليلة نسبيا، يعني فى 2015 حققت 120 مليون جنيه خسائر، في حين إن بعد سنة واحدة حققت حوالي مليار جنيه خسائر يعني حوالي 10 أضعاف.
طيب هل فعلا العامل بيقبض 14 ألف جنيه زي ما الرئيس قال؟!
– خلينا أولأً نوضح ان بيان الوزارة كان قال ان متوسط الأجور 12 ألف، فجأة الرقم قفز على لسان الرئيس إلى 14 ألف!
– الحقيقة أنه الرقم ده هيكون مظبوط فعلا بحساب متوسط الأجور بكشف أجور كامل الشركة (الصورة 3)، لكن دي مغالطة لأنه بيشمل من أكبر لأصغر مرتب، ويشمل كمان بنود بعيدة تماما عن العمالة زي “بدل تمثيل وظائف عليا، بدل تفرغ للمهندسين، مكافآت حضور جلسات..الخ”.
– النائبة عن دايرة حلوان دينا عبدالعزيز قدمت طلب إحاطة في النقطة دي تحديداً، وقالت انها طلبت أكثر من مرة الاطلاع على جدول مرتبات العاملين ومحدش رد عليها! وبحسبة بسيطة مثلا لو عندنا شركة فيها 103 فرد، 3 منهم بيقبضوا مليون جنيه شهريا، و 100 بيقبضوا ألف جنيه بس، فهيطلع المتوسط الشهري للأجور هو 30 ألف جنيه، وبالتالي ده رقم وهمي.
– حسب اللجنة النقابية للمصنع مرتبات العمال الأساسية بين 2500 – 3500 جنيه، وحسب النائبة بانه بحساب الأجر الشامل الأجور2500 -5000 بحد أقصى .. ده بعض العمال كشوف مرتباتهم الاساسية لا تتعدى 1100 جنيه (الصور 4 ،5).
طيب والعمال كان إيه رد فعلهم؟ كانوا يهمهم يقبضوا بس ومش مهم المصنع؟
– العمال نظموا إعتصامات وإضرابات متكررة من 2014 لحد 2018، وكان أخرها إضراب في مارس اللي فات للاعتراض على قرار وقف الأفران عن العمل وطالبوا بتشغيل الأفران بالمازوت بدل الغاز زي ما حصل سابقاً قبل (التطوير)، رغم ان أجورهم مستمرة موقفتش، لكن كان يهمهم مصلحة واستمرار الشركة.
– ردود فعل المسؤولين كانت متضاربة جدا، مرة يقولوا أنهم بيدرسوا نقل المصنع للمنيا، ومرة يقولو مش هننقل، مرة يقولو هنبيع، وبعدين لا مفيش نية للبيع، لكن بعد كلام الرئيس السيسي قال وزير قطاع الأعمال انه تقرر خلاص قفل الشركة وتعويض العمال وبيع الأرض لتسديد الخساير.
– وفي البرلمان ما عدا نواب محددين قدموا طلبات احاطة، كان رد فعل رئيس البرلمان على الاضراب انه “زمن لوي الذراع انتهى”.
هل حد حاول يطرح حلول؟
– سنة 2015 سعيد عبدالمعطي مفوض الشركة قال احنا هنشتري طاحونة فحم لتوفير أسعار الطاقة مكان الغاز، لكن ده محصلش لحد النهاردة.
– عبدالمنعم الجمل رئيس النقابة العامة للعاملين بالبناء والأخشاب، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للتشييد والتعمير، قدم دراسة (في المصادر) للتحول لاستخدام المازوت بدل الغاز وساعتها كلفة الطاقة للطن الواحد هتقل من 600 جنيه إلى 350 جنيه، وبالتالي يحصل ربح في الطن 114 جنيه بدل ما كل طن حاليا يساوي خسارة.
– كمان طالب الجمل بانه يتم تقييم شفاف وموضوعي لخساير الشركة من توقف المصنع، وخساير الشركة في فترة التشغيل، وتقارن بينهم، وتدرس كل الاختيارات بهدوء وموضوعية قبل التسرع بإعلان البيع والتصفية.
– ورغم ان الكلام عن الأضرار البيئية للمازوت أو الفحم منطقي جداً، لكن دي بتكون قواعد على الكل فمش منطقي ان الكلام ده يظهر بس للمصنع الحكومي الوحيد، بينما مصانع الأسمنت التانية كلها تم منحها التراخيص دي واشتغلت بيها، وبينما الحكومة أعلنت انها هتعمل أكبر محطة انتاج طاقة بالفحم في المنطقة.
ليه الجيش؟؟
– شيء مهم هو إن الجيش “جهاز مشروعات الخدمة الوطنية” هوا اللي عمل مجمع المصانع الجديد في مدينة بني سويف، وده المفروض يعتبر ملك الدولة لأن الجيش جهة حكومية برضه، وده شيء ممتاز ومهم، لكن ليه متمش دراسة ضخ الاستثمارات دي في الشركة القائمة ويتجاب لها آلات أحدث وادارة أكفأ؟ الرشادة والحوكمة وحسن الادارة الاقتصادية بتقول إيه هنا؟
وهل احنا أرباح المجمع الجديد هتدخل الموازنة العامة ولا داخلة موازنة الجيش المستقلة؟
– الرئيس السيسي قال كمان انه بالمصانع الجديدة “أنا مش هجيب حد من بيته، ولا هوفر لحد سكن، اللي عايز يشتغل أهلًا وسهلًا، وهنديله راتب كويس، لكن عايز تسكن على حساب حضرتك مش على حساب المصنع” .. ده شيء غريب لمصانع الأسمنت تحديدا اللي بالقانون بتقام بعيد عن الكتلة السكنية، وليها اشتراطات صحية للعمالة في الدنيا كلها، فحتى شركات القطاع الخاص كتير منها بيوفر مواصلات وسكن قريب ده لصالح الانتاج نفسه!
– وإلى أي مدى ممكن نشوف دور في العمالة للعساكر اللي بيقضوا خدمتهم زي ما بيحصل في مصانع ومزارع ونوادي القوات المسلحة وياخدوا أجور أقل بكتير؟
– وبنكرر سؤالنا عن أثر المنافسة غير العادلة دي على القطاع الخاص أو حتى الحكومي اللي لازم يدفع أجور أعلى، وكمان معندوش نفس اعفاءات الضرائب والجمارك وتسهيلات الاجراءات؟
– قصة الشركة القومية للأسمنت بتعكس بوضوح إن دور الإدارة سواء السياسية العامة أو التقنية المباشرة، سبب لخساير القطاع العام، سواء بنقص الكفاءة أو بالفساد.
– الحل لازم فيه جانب سياسي، وهنا نسأل فين نتايج التحقيقات عن مخالفات التطوير اللي اعترفت بيها الوزارة؟ مين اللي هيتحاسب؟ ليه الرئيس مجابش سيرة الجزء ده خالص واتكلم عن العمال بس؟
– والحل لازم يشمل يشمل تشغيل الكفاءات والرقابة على التعاقدات، وجزء رئيسي من ده هوا إشراك الموظفين والعمال عبر انتخابات نقابية نزيهة فى التخطيط وإتخاذ القرار فيما يتعلق بمصدر رزقهم .. وكمان الشفافية بنشر الموازنات (زي ما قلنا النائبة مقدرتش تشوف كشف مرتبات العمال).
– بشكل عام مبدأ مشاركة القطاع الخاص أو خصخصة بعض الممتلكات الحكومية له مزايا بالتأكيد، لكن ده لما بيحصل في دول تانية بنتايج ايجابية بيكون بشروط كفاءة ومنافسة عادلة وشفافية، لكن احنا في ظل تفشي الفساد وسوء الادارة الرهيب وصلنا إن الشركة دي مش مطروح تتخصخص أصلاً، مين المستثمر اللي هياخد شركة مديونة بمليارات وملهاش أي ميزة تنافسية، عشان كده بقى المطروح نسرح العمال ونبيع الأراضي وخلاص .. يعني حتى لو بنتكلم عن خصخصة كان مفروض تتعمل بكفاءة ومعرفة بدل الفشل المتكامل ده.