من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا سيدة فى أوائل الخمسينات, تزوجت منذ 32 عاما ولى عدد من الأبناء كنت فى شبابي آية فى الجمال يتعجب لها الآخرون حتى كانوا إذا أرادوا أن يصفوا فتاه بالجمال قالوا عنها إنها جميله مثل فلانة
وبسبب جمالي هذا دللني الجميع وبدأ الخطاب يتهافتون علي منذ صباي وتمت خطبتي وأنا في بداية مرحله الأنوثة إلى ابن خالتي لكن أمي سامحها الله وقفت في طريق سعادتي معه لأنها كانت لا تحب أمه وانتهي الأمر بفسخ الخطبة ورحل ابن خالتي عن البلاد أما أنا فلقد تقدم لي زوجي الحالي ولم اشعر نحوه بأية عاطفة, ومع ذلك مضيت فى مشروع الزواج وأنا أمنى نفسي بأن أحبه بعد الزواج ..
وتزوجنا ولم تتغير مشاعري واستمرت حيادية تجاهه لا تنبض بالحب وانشغلت بعد ذلك فى تربية الأبناء ومشاكلهم وأمراضهم ومدارسهم.. فنسيت نفسي .. ومضت السنوات عاما بعد عام وكبر الأبناء فوجدت نفسي بعد الرحلة الطويلة أتوقف لأراجع حياتي وانظر إلى هذا الجبل الصامت الجالس إلى جواري وهو زوجي وأتساءل من هو .. ومن أنا .. وماذا جنيت من رحلة حياتي معه ؟
فلقد دفنت شبابي وأيامي كلها مع الزوج الذى لم يشعرني مرة واحدة بلمسة رقيقة أو يسمعني كلمة حب واحدة وتذكرت ابن خالتي الذى كان يتمنى لى الرضا لكي أرضى وندمت اشد الندم على أنني لم أدافع عن حبي دفاعا مستميتا وقتها .. ونظرت إلى أولادي فوجدتني اقسمهم إلى فريقين .. فريق مثلى يحبني وأحبه وفريق آخر مثل زوجي يدافع عنه ويحبه .. وكنت قد فقدت منذ سنوات احترامي لزوجي ولم أجد مانعا من ألا احترمه أيضا أمام أولاده وان أشعرهم دائما بأنني غير سعيدة مع أبيهم ,
فكان أفراد الفريق الأول الذى أحبه يسمعونني ويشاركونني مشاعري ويصبروني على ما أنا فيه .. أما أفراد الفريق الثاني الذى لا أحبه فكانوا يقولون لى دائما : حرام عليك ولماذا تزوجتيه إذا من البداية ولم يغصبك احد عليه … الخ ولا تتعجب يا سيدي حين أقول لك إنني لا أحب بعض أولادي فهذا هو الحال فعلا .. وأنا فعلا لا أحبهم ولا يهمني قربهم أو بعدهم عنى واشعر أنهم يبادلوننى نفس الشعور وأكثر !
واعترف لك أنني بتأثير حبي لبعض أبنائي دون البعض الآخر فإنني أفضل بعضهم على بعض فعلا بطريقة ملحوظة .. وأولادي الذين أحبهم يدللوني ويمدحوني دائما ومع إنني اشعر فى أحيان كثيرة بأنهم منافقون إلا إن هذا لا يغير من حبي تفضيلي لهم شيئا لان هذا النفاق يسعدني وأنا بحاجة إليه .. فى حين اشعر تجاه الفريق الذى لا أحبه بالجفاء والبعد وبأنهم لا يغفرون لى ما افعله بابيهم ..
أما زوجي فهو يشغل منصبا محترما ولا يهمه سوى أن يعمل حتى وهو فى سوأ حالاته الصحية كأنه لا يطيق الجلوس فى البيت معي وهو بصفة عامة يأكل ينام فقط واشعر أنه بلا مشاعر ولا أحاسيس والجميع يقولون عنه انه طيب القلب وحنون لكنه ليس الزوج الذى كنت أتمناه ولا أحب الجلوس معه طويلا كما انه عديم الشخصية معي وأنا الذى اسيره كيفما أشاء ولا ينفذ إلا أوامري ومع ذلك فإنني لا أحبه ولا يعجبني ولا ارغب فى المعيشة معه.. ولا أتمنى فى الوقت نفسه أن يطلقني إذ أين اذهب ومن يتحملني بعد هذه السنوات الطويلة ؟
وبسبب هذه الظروف المتداخلة اشعر بعدم حبه وبكره شديد لبعض أولادي واشعر بنفس الإحساس من ناحيتهم .. كما اشعر أن زوجي غير سعيد معى لكنه أفضل حالا منى لأنه راضى بما قسمه الله له وأنا لست راضية ولا سعيدة ودائما مبتلاة بمصائب عديدة مع أنى أصوم واصلي ولا أخون زوجي وأحافظ على ماله .. لقد سمعت بعض أبنائي من ( الفريق الآخر ) يقول لشقيقه عنى إنني مريضة نفسيا بمرض عدم الرضا وان الله لن يغفر لى أبدا ما افعله مع أبيهما وسوف يعاقبني فى السماء بسبب تفرقتي فى المعاملة بين أولادي . فهل هذا صحيح يا سيدى ؟
وهل أنا حقا مريضة نفسيا واحتاج لعلاج لدى طبيب نفسي ؟ وهل سيعاقبني الله حقا على حبي لبعض أولادي أكثر من البعض الآخر ؟ وكراهيتي او عدم حبي لبعضهم ؟ مع العلم بأن سيدنا يعقوب كان يفرق فى المعاملة بين أبنائه ؟
إنني أعيش فى جو عائلي كئيب ملئ بالمشاكل وكل ما أريده هو أن يلهمني الله الصبر على ما أصابني ويعوضني عنه خيرا وان أجد حلا أحب معه او به كل أولادي بنفس الدرجة وأتقبل مجرد تقبل زوجي بعد كل هذه السنوات الطويلة معه واشعر بأنني المرأة وهو الرجل . ألا من سبيل إلى ذلك , وهل سيعاقب الله أولادي من الفريق الذى لا أحبه عقاب عقوق الوالدين بسبب مشاعرهم نحوى لأنني لم افعل بهم ما يوصلهم لدرجة ( الكفر ) وعقوق الأم ؟ ولكن هذه مشاعري ولا حيلة لى فيها !
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
هناك قلة من النساء يراودهن دائما إحساس عجيب بأنهن ( ثروة نفيسة من الجمال ) لم يكن ليستحقها أزواجهن .. ولم يكن لها أن توضع بين أيديهم , فيدفعهن هذا الإحساس غير السوي إلى عدم الاقتناع بأزواجهن مهما قدموا لهن من عطاء , ومهما حاول هؤلاء الأزواج استمالتهن ونيل رضاهن خلال رحلة العمر معهم .
والواقع يا سيدتى إن إحساسك القديم بأنك ( آية فى الجمال ) قد رافقك معظم سنوات الرحلة مع زوجك , ووقف حائلا بينك وبينه وساهم فى ذلك انك قد تزوجتيه عن غير حب وعاشرتيه 32 سنة وأنجبت منه عددا من الأبناء وأنت لا تطوين له إلا على المشاعر الحيادية التى لا تنبض بالحب ولا تحمل الكراهية .
ومع تسليمي بأن المشاعر لا تصدر بشأنها قرارات إرادية , إلا أن النفس الراضية تستطيع دائما ان لم تنبعث فى أعماقها شرارة الحب لمن تشاركه رحلة الحياة , أن تحسن عشرته .. وتقدر له عطاءه ومزاياه , وذلك ان المرأة كالرجل فى هذا المبدأ الأخلاقي العادل الذي نبهنا اليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه , حين أوصى بقبول من نرضى دينه وخلقه لأنه
( إذا أحب زوجته أكرمها وإذا لم يحبها لم يظلمها )
لكنك لم تتعاملي مع زوجك على ضوء هذا المبدأ العادل , ليس لأنك لم تحملي له مشاعر الحب طوال 32 عاما ولكن لأنك تظلميه بإساءة عشرته وعدم احترامك له وعدم التحفظ فى إشعار أولادك منه بذلك , وبعدم رضاك عنه أو اقتناعك به , وبإنكارك عليه كل مزية يراها فيه الآخرون وتعمى عنها بصيرتك مع انه بإجماعهم طيب القلب وحنون ومع انه باعترافك أيضا لا يعصى لك أمرا وتسيرينه كيفما تشائين .
فأي ظلم أبشع من هذا الظلم ؟! بل وأي بطر أوضح من هذا البطر خاصة انك لا تحبينه ولا تحسنين عشرته ولا ترغبين فى نفس الوقت فى الانفصال عنه !
إن ما تنكرينه عليه هو انه يحب عمله ويعمل دائما حتى لو كان فى أسوأ حالاته الصحية , كأنما لا يطيق البقاء معك فى البيت , وانه كما تقولين بلا مشاعر ولا أحاسيس ولم يقل لك كلمة حب واحدة ولم يشعرك بلمسة رقيقة ! ولهذا فهو ليس الزوج الذى كنت تتمنينه ولا الزوج الذى تحبين الجلوس معه طويلا !
ولست أنكر أهمية المشاعر والأحاسيس واللفتات العاطفية فى العلاقة الزوجية مهما طال بها الزمن .. لكن كل ما تنكرينه عليه لا يبرر أبدا ألا تحترميه أمام أولاده أو أن تنغصي عليه حياته حتى ليقسم لك أبناؤك من الفريق المكروه بأن الله لن يغفر لك ما تفعلينه بابيهم , كما لا يبرر لك أن تجعلي منه موضوعا أساسيا للشكوى إلى الأبناء من أبيهم .. بما يشرخهم نفسيا ويقسمهم إلى فريقين احدهما يتعاطف معك والآخر ينكر عليك ما تفعلين ..
فالرجل فى النهاية لا يسئ عشرتك ولا معاملتك ولا يقصر فى أداء واجباته الزوجية والتزاماته العائلية تجاهك وتجاه أبنائك .. ولا يطعنك فى كرامتك بخيانته لك مع امرأة أخرى , ولا يصب عليك جام غضبه كل يوم أو ينهال عليك ضربا وركلا لإساءتك عشرته وتعريضك به لدى أبنائك على هذا النحو المزري , واغلب الظن انه قد انبهر فى بداية الزواج انبهارا شديدا ( بآية الجمال ) التى اهدتها له المقادير وغمرها بحبه ومشاعره وكل أنواع اللفتات العاطفية والرومانسية فلم يجد منها فى المقابل سوى السخط والنفور والجفاء بل واستخسار النفس فيه أيضا , فكف عن التعبير عن مشاعره التى لا يجد لها اى صدى لدى شريكة حياته , ورضي من الحياة بأقداره وتفادى المشاكل معك بالاستجابة لكل رغباتك وتنفيذ كل أوامرك بغير تذمر
فماذا تريدين منه أكثر من ذلك يا سيدتى ؟ وهل كنت تتوقعين منه ومع ما تبدينه اتجاهه من جفاء ونفور واستخسار لجمالك فيه ان يفعل معك ما كان يفعله المحب فى اسبانيا القديمة حين كان يستأجر فريقا موسيقيا صغيرا ليغنى تحت شباك حبيبته ( سيرنادا ) الحب والهيام كل مساء !؟
إن الرجل لا تغيب عنه فى أحيان كثيرة مشاعر زوجته الحقيقية تجاهه , مهما كان نوع العلاقة بينهما . والمؤكد ان زوجك قد أدرك منذ فترة طويلة انك لا تحبينه ولا تنطوين له إلا على المشاعر السلبية , فكف أو يئس من استجداء مشاعرك بعد طول العناء وعوض ما يشعر به من تعاسة وحرمان عاطفي فى الانهماك فى العمل , ولم يرفع راية العصيان فى وجهك ولم يتوقف عن تنفيذ أوامرك .
انك تعترفين بجرأة عجيبة انك لا تحبين بعض أبنائك لأنهم مثل أبيهم ويدافعون عنه , وبأنك تميزين بعض أبنائك على البعض الأخر , ومن عجب انك تحاولين تبرير ذلك بأن سيدنا يوسف كما تقولين كان يفضل بعض أبنائه على البعض الآخر !
والواضح انك تقصدين بذلك عطف يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف وهو طفل صغير مما أثار حفيظة إخوته الكبار عليه , وردى على هذا التبرير العجيب إن عطف يعقوب عليه السلام على يوسف لم يكن تفضيلا له على إخوته أو تفريقا فى المعاملة بينه وبينهم وحاشا لنبي من أنبياء الله ان يرتكب هذا الإثم وإنما كان عطفا إنسانيا طبيعيا من أب على اصغر أبنائه حتى يشتد عوده تحقيقا للمبدأ التربوي الحكيم الذى يقول :
إن أحب أبناء الأب إليه هو الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود ,
وهذا تفاضل مؤقت بالزيادة فى درجة الحب والعطف الذين ينبض بهما قلب الأم والأب لبعض الأبناء مراعاة لظروفهم وليس غمرا لأحد الأبناء بالحب دون إخوته او بعضهم دون البعض الآخر .. او تمييزهم فى المعاملة والحقوق كما تفعلين أنت الآن باعترافك مع بعض أبنائك فإذا كنت تسألينني هل يعاقبك الله حقا على ذلك فجوابي نعم لان الله قد أمرنا بأن نسوى بين أبنائنا ولو فى القلب
فإذا حملت نفس احدنا لأحد الأبناء حبا اكبر من حبنا لباقي إخوته فان الرحمة بكل الأبناء تفرض عليه أن لا يظهر اثر هذا الحب الزائد له أو تفضيله لهذا الابن على إخوته فى شئ ولو كان تافها كقبلة على جبينه أما عن سؤالك الغريب الآخر عن حساب الله لأبنائك من الفريق المنبوذ على عقوقهم لامهم , فجوابي عليه إن إثم العقوق سوف يقع فى البداية عليك لأنك لم تعينيهم على البر بك , بالمساواة بينهم وبين إخوتهم ولأنك قد دعوتيهم إلى مجافاتك كما تجافينهم , وكرهك كما تكرهينهم لكن ذلك لا ينفى من ناحية أخرى أن من واجبهم تجاه ربهم وليس تجاهك أن يتفادوا عقابه , بالإحسان إليك مهما لاقوه منك , ومفهوم الإحسان هنا لا يعنى الحب بالمعنى الشائع لان النفس لا تستطيع مهما جاهدها المرء أن تحب من يكرهها , ويعلن له عن كراهيته بوضوح , وإنما يعنى فقط ألا يبادل الابن الأم أو الأب كرها بكره وجفاء بجفاء وألا يقصر فى حقوق كل منهما عليه , وان يحسن معاملتهما مهما لقي منهما محتسبا صبره عليهما عند ربه .
وختاما , فإني أقول لك يا سيدتي إن من يطلب حب الآخرين عليه أن يبدأ هوبحبهم , ويمهد أرضه لغرس بذور الحب بينه وبينهم , فتطرح ثمارها بعد حين ويتعاون الجميع على رعايتها .
أما أن يجاهر بكراهية البعض ثم يتعجب بعد ذلك من بعدهم عنه او جفائهم له , فهذا هو الغرور الذى يصور للمرء أحيانا أن من واجب الجميع أن يرتلوا تراتيل الحب والهيام تحت أقدامه دائما , وليس من واجبه هو ان يبادلهم بعض هذا الحب , وظني انك قد عاملتي زوجك بهذا المنطق الفاسد معظم سنوات حياتك معه , وانك تعاملين به الآن أولادك المنبوذين , وتتعجبين بعد ذلك من جمود مشاعر الزوج , وسلبية أحاسيس هؤلاء الأبناء تجاهك ..
فإذا أردت أن تخرجي من هذه الدائرة المغلقة , فابدئي بالرضا عن حياتك وزوجك وكل أبنائك , واعترفي لنفسك بأنك إنسانة عادية ولست آية من الآيات النادرة التى لا يجود بمثلها الزمان على احد , وقدمي العطف والحب لمن تعيشين بينهم تصفو لك قلوبهم ومشاعرهم , وتستريحين من كل هذا العناء .
واحسب فى النهاية أن زيارة الطبيب النفسي قد تفيدك حقا فى تصحيح بعض مفاهيمك الخاطئة عن الحياة والنفس البشرية واستجابتها الغريزية لحب الآخرين او كراهيتهم .. فضلا عما سيفيدك به من مواجهة هذه المرحلة المضطربة من حياتك , والتى احسب انها ترتبط الآن بشكل او بآخر بما تشعرين به من فزع وخوف لبعض التغيرات البيولوجية التى طرأت عليك مؤخرا ..
ونبهتك الى انك تدخلي مرحلة جديدة من حياتك فتوقفت ( تراجعين ) ( وتتسائلين ) ( وتتذكرين ) ( وتندمين ) على شئ فاتك التمسك به قبل اكثر من 32 سنة ! وكل ذلك من أعراض هذه الأزمة المعروفة فى هذه المرحلة من العمر , ومن المفيد بالفعل أن تستعيني عليها ببعض المطمئنات النفسية .. وتعديل الأفكار الخاطئة .. وشكراً .
لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …