إنه (سيد حبارة).. الاسم وهمي طبعًا لكنك سوف تعرفه بالتأكيد .. تراه في كل مكان .. تعرفه من شاربه والنظرة الخبيثة على وجهه، والطاقية البيضاء التي لا ينزعها عن رأسه أبدًا لأنها (من الحجاز).. تعرفه من الدراجة التي يصر على أن يركبها عكس اتجاه المرور.. ينظر راكب السيارة لليسار، متحينًا بكل حواسه فرصة يخطفها كالقط وسط سيل السيارات المنهمر ..
عندما تحين الفرصة يثب بالسيارة، ليفاجأ بسيد حبارة مندفعًا كالسهم على دراجته قادمًا من اليمين .. فليجرب أحد راكبي السيارات أن يلمس حبارة في هذه اللحظة، ولسوف تنهمر عليه قائمة فريدة من الشتائم تتعلق بنشاطات أمه الجنسية. إن حبارة يحمل حقدًا هائلاً نحو راكبي السيارات، وفي أول ثورة أو انتفاضة أو شغب سوف يحرق سيارتين أو ثلاثًا قبل أن يعرف سبب الشغب !!!
سوف تعرف حبارة وهو يركب دراجته في الأيام المطيرة وقد أدخل سروال البذلة في الجورب حتى لا يتسخ، وهو يطلق على هذا لفظ (التقفيز) وقد تعلمه من أيام الجيش، ويحمل في يده عصا (غلية) لا تعرف الغرض منها لكنه مصر على حملها .. يلبس كل ثيابه ويلف حول عنقه كوفية صوفية كأنه في سيبيريا لأنه يؤمن أن البرد هو منبع كل الأمراض ..
ولسبب ما يصر على أن يلبس بدلة كاملة في أيام المطر هذه .. سوف يتطاير عليه بعض الوحل من سيارة تمر بجواره، فيتوقف على الفور ويطلق سبة بذيئة ويلتقط قالب طوب من على الأرض ليقذفه في الزجاج الخلفي للسيارة .. من أهم مزايا (سيد حبارة) أنه لا يملك نفسه ساعة الغضب، ولا تهمه العواقب ما دام سيفش غله لحظيًا
ـ(حبارة) عامل في مصنع او موظف في إدارة حكومية ما ، وهو لا يمارس أي عمل تقريبًا سوى نقل القيل والقال وكيف إن (الملاحظ / المفتش / رئيس القسم) رجل مسخرة ديوث تلعب به زوجته كما تشاء .. يتبادل الدعابات الجنسية مع زملائه خاصة ما يتعلق منها بليلة الخميس والكوارع وضعف الرُكب والجمبري .. يرى جريدة مع واحد من رفاقه فينظر لها نظرة زائغة لا ترى و يقول : “بلد بايظة”.. هكذا بلا أية تفسيرات، هنا يطلب منهم رئيسهم مهمة ما فيثور ويختلق مشكلة ويقف لساعات صائحًا: مش منفذ .. لو الوزير نفسه جه دلوقتي مش منفذ
تنتهي هذه الضوضاء عند أول شخطة حقيقية من (الملاحظ / المفتش / رئيس القسم)، فينفذ لكن حقده يتزايد، ومعه يؤلف المزيد من الحكايات البذيئة عن المفتش ذي الميول الشاذة جنسيًا أو الملحد
إنه مظلوم دائمًا في نظر نفسه .. غير قادر على الحياة لكنه غير قادر كذلك على الإحتجاج
ـ(سيد حبارة) قد أيد كل العصور في مصر لكنه يكره الحكام كراهية عمياء .. لا يوجد تناقض هنا .. إنه يكره عبد الناصر بشدة لسبب لا يذكره، لكنه يرى صورته في فيلم أو مسلسل فيصفق له بحماس .. كان يكره السادات ثم مر موكب السادات أمامه فوجد نفسه يصرخ هاتفًا: بالروح .. بالدم . نفديك يا سادات
منذ أعوام طويلة جاءت مذيعة تلفزيون تسأله عن الشيء الذي لا يروق له في برامج التلفزيون، فقال العبارة التي أعدها وحفظها وسمعها لنفسه عدة مرات: التلفزيون مش بيقدم وعي اشتراكي للناس .. عبارة لا يفهمها لكنه يحفظها ويشعر بأنها عميقة. بعد أعوام قابلته مذيعة أخرى وسألته عما لا يروق له فقال في حماس واللعاب يتطاير من فمه: التلفزيون ما قدمش حاجة تناسب 6 أكتوبر.
منذ عام جاءت مذيعة أخرى تسأله عن رأيه فقال : التلفزيون بيقدم مناظر عريانة، برغم هذا هو لا يفوت منظرًا واحدًا من تلك المناظر على الفضائيات التي تأتيه بـ (الوصلة).. يتابع المنظر بعين جاحظة حمراء توشك على الخروج من محجرها .. وهذه الشهوة تتحول إلى حقد والحقد يتخذ طابع الورع المشمئز الغاضب .. هو يشتهي الفنانات جدًا إلى درجة المقت .. وهو يتمنى بالفعل أن يراهن يغتصبن ويمزقن ..
وأسعد لحظة في حياته هي عندما يسمع عن القبض على واحدة منهن في قضية آداب .. “هؤلاء القوم يملكون الثروة والجمال والنفوذ لكنهم يفتقرون إلى الدين والأخلاق ويعيشون كالخنازير، ورجالهم يفتقرون إلى الدم الحامي والنخوة، لهذا نحن أفضل منهم”ـ
من الناحية الدينية (سيد حبارة) لا يمارس الشعائر بأنواعها، لكنه مستعد لأن يتحول إلى أسد مفترس ويمزق أي واحد لو سمع مثلاً أن أقراص لعبة (بوكيمون) تكتب عند حرقها عبارة (سيد لا .. كعبة لا) أو أن عبارة (كوكا كولا) لو رأيتها في المرآة تكتب شيئًا مماثلاً.. إنه متعصب بلا حدود باعتبار التعصب من شروط التدين الصحيح، وهو غير مستعد البتة لقبول الآخر .. مستعد لتصديق أي شيء يسمعه ..
رسام الكاريكاتور الدانمركي الذي أهان الإسلام وجدوه ميتًا بصاعقة .. السبراي الذي يرسم شكل الصليب على ثياب المنقبات .. الخ .. تعصب بلا حدود من دون أن يفعل شيئًا واحدًا يثبت به أنه مسلم فعلاً كما أراد له الرسول (صلى الله عليه و سلم).. لهذا من السهل جدًا أن تحشد سيد حبارة في أية مظاهرة بشرط أن يكون لها سبب ديني
كنت أكلم صديقي عن مستقبل المفاعلات النووية في مصر، ثم توقفنا وقد أفزعتنا فكرة أن المفاعل سوف ينشئه المهندس الصيني (وانج هاو تشين) أو الألماني (فرانتس هوفمان) أو الروسي (ميخائيل سولوفيتش)، لكن إجراءات السلامة في النهاية سوف تقع على عاتق (سيد حبارة) !.. يمكنك تخيل منظر المفاعل الموشك على الانفجار، بينما (سيد حبارة) يؤكد أنه سلم العهدة وأن دفتر 118 ليس معه، وأن المفتاح مع النوبتجي المناوب، وأن الملاحظ خصم له ثلاثة أيام دون وجه حق .. الخ
في كل الاستفتاءات والانتخابات يعتبر سيد حبارة مخزونًا استراتيجيًا للحكومة ..حتى من دون تزوير أو تلاعب في أوراق التصويت، يصدر (الملاحظ / المفتش / رئيس القلم) أمرًا للعاملين بالتوجه إلى اللجان، ويتم شحن (حبارة) هو ورفاقه من (السيدات حبارة) في أتوبيسات إلى لجان الانتخاب وهم يهتفون مؤيدين شيئًا ما .. ثم ينزلون إلى اللجان ليصوتوا بـ (نعم) ويرفعوا عريضة مكتوبة بالدم – دم الدجاج غالبًا – تؤيد أي شيء حتى لو كان قانونًا لمنع التنفس أو منع دخول دورة المياه ..
عند الظهيرة يطير فرحًا بذلك الكيس الورقي الذي يحوي علبة عصير و (شاندوتش) .. سيد حبارة لعب دورًا مهمًا في التصويت على التعديل الدستوري الأخير، ونحن نعرف ما سيحدث بالضبط يوم التصويت على التوريث القادم .. سوف تخرج عشرات الأتوبيسات تحمل لافتات التأييد والمبايعة والموافقة .. الكثير من الهتاف .. عريضة بالدم تبايع الابن على طريق الأب .. وهكذا تفيق لتجد أن أسوأ كوابيسك قد تحقق وأن هناك إجماعًا ساحقًا لدى الشعب المصري على التوريث ..لا يوجد تزوير هنا .. سيد حبارة هو من قال نعم
هذا ما يقدر على عمله (سيد حبارة) .. إنه بالتأكيد أكثر تأثيرًا وأعلى صوتًا مما يقدر على عمله عشرون أفنديًا بالنظارات يقفون هاتفين على سلالم نقابة الصحفيين، بينما تحيط بهم ثلاثون عربة بوكس خضراء
الآن أنت تعرف من هو (سيد حبارة).. (سيد حبارة) هو المصري العادي الذي يملأ الشوارع .. من قال إن الإنسان المصري ما زال كما كان ؟.. لقد تغير كثيرًا جدًا .. إنه نتيجة بائسة لسنوات من القهر والجهل والتخلف، لكنه برغم هذا قوي جدًا بحكم العدد ويمكنه بالتأكيد أن يحدد مصير هذا البلد لأعوام قادمة .. لقد صنعته حكومات متعاقبة وظروف اقتصادية وسياسية تفوق الوصف، لكن (سيد حبارة) هو من يفرز الحكومات لأن الشعب يستحق الحكومة التي تحكمه .. وهكذا .. دائرة شيطانية لا تنتهي .. المزيد من سيد حبارة .. المزيد من التأييد .. المزيد من الحكومات الفاسدة .. المزيد من سيد حبارة .. وهكذا
من يقدر على كسر هذه الدائرة ؟.. ليس أنا بالتأكيد .. لا تنس أنني مواطن مصري وبالتأكيد أحمل الكثير من (سيد حبارة) في أعماقي، إن لم أكن أنا هو فعلاً، حتى لو كنت لا أركب الدراجة ولا أضع طاقية بيضاء على رأسي..