أجمل رسائل بريد الجمعةقضايا وأراء

المقدمات الخاطئة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

تعودت أن أقرأ في بريد الجمعة هموم الآخرين فتهون إلي جوارها مشاكلي.. لكني قد بلغت اليوم الحد الذي أجد نفسي معه في أشد البلاء والظلم.

فأنا سيدة شابة, كنت قد تعرفت خلال دراستي بالجامعة على شاب يكبرني بعامين وبعد أن تخرجنا تمت خطبتنا.. وتزوجنا بعد ذلك بثلاث سنوات.. ولن أكذب فأقول لك إننا قد تزوجنا بعد قصة حب رائعة كما تقول سيدات كثيرات في رسائلهن ولا أن فترة خطبتنا كانت أسعد أيام العمر..

لأن ما حدث كان على عكس ذلك تماما, فكانت فترة التعارف مليئة بالعذاب والمعاناة, وقررت خلالها أكثر من مرة الانفصال عنه, وفي كل مرة كان يرجع إلي ونبدأ قصتنا معا من جديد, ولا أعرف حتى الآن لماذا كنت أصدقه في كل مرة.. وأتوسم فيه أنه سيكون إنسانا مختلفا.. وقد استمر الحال علي ما هو عليه خلال فترة الخطبة فلم تكن أقل معاناة من فترة الحب والتعارف.. لأنه قد أضيفت إلى طباع خطيبي الصعبة خلالها مشاكل الشقة والجهاز وخلافات العائلتين, لكني كنت أقول لنفسي دائما إنه يحبني وأنا أحبه وأنه بمجرد أن يجمعنا بيت واحد ستزول كل الخلافات والعقبات وسنصبح أسعد زوجين في العالم..

وهكذا احتملت فترة الخطبة, التي دامت ثلاث سنوات.. كانت معاملته لي خلالها في غاية السوء.. ووصلت علاقتنا خلالها إلي حافة الانهيار عدة مرات.. وفي كل مرة كنت أفقد فيها صبري وأطلب إنهاء الخطبة, كان يتحول الى حمل وديع..ويعدني بأنه سوف يغير طريقة تعامله معي.. فأتراجع ونستمر في خطبتنا ثم لا يلبث أن يرجع سيرته الأولي من جديد.

وأخيرا تزوجنا وحاولنا خلال الفترة الأولى من الزواج أن نسعد بحياتنا وننسي كل ماجري بيننا خلال فترتي الجامعة والخطبة, فلم تمض عدة شهور فقط حتى بدأت الخلافات بيننا من جديد, وكان من الممكن ان تكون هذه الخلافات عادية ومما يحدث بين أي زوجين إلا أن ما أصبح يرافقها من سب وإهانة وضرب إلى حد أن يتورم منه جسمي قد دخل بي في مرحلة جديدة من المعاناة لم آلفها في حياتي وأنا التي نشأت في أسرة هادئة ومحترمة لم أر فيها سوي المعاملة الهادئة المحترمة والمودة والرحمة بين الزوجين.

وفي كل مرة كنت ألتمس له العذر فيما يفعل وأبرره لنفسي بأنه حين يتخلص من الضغوط والأعباء الواقعة عليه في عمله أو مع اسرته فلسوف يرجع الى رشده, لكني وبعد ثلاث سنوات من الزواج أنجبت خلالها طفلة أرى سوء معاملته لي يتصاعد كالخط البياني الذي يتجه دائما إلي أعلى, ويتدرج من السب واللعن إلى الضرب .. إلي تحطيم الفازات وتحف المنزل إلى استخدام الشبشب, ومبرره دائما في ذلك هو أنني قد أخطأت في حقه او عاندته, والحق أنني وبعد أن تحملت كثيرا لم أعد أطيق السكوت وأصبحت أرد عليه وألعن اليوم الذي رأيته فيه في محاولة من جانبي لمعادلة إحساسي بأنني متهورة أو مغلوبة علي أمري..

رائج :   المشروع ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

والمشكلة هي ان زوجي يؤمن بأن من واجبه كرجل ان يربي زوجته ويعاقبها بما يعن له من عقوبات كالسب والضرب.. والحرمان من الخروج والحبس في غرفة من غرف البيت يطلب مني ألا أغادرها طوال يوم التكدير, حتى ولو إلى الحمام, أما الزوجة فليس لها إلا أن تطيع زوجها وإذا رفضت القبول بالعقوبة فلايدعني أنام إلا وأنا كالقتيلة من الضرب, وكل جسمي يؤلمني.

ولقد فكرت كثيرا في الطلاق لكني أخشي على ابنتي من عواقب الانفصال إلى جانب أنني قد فقدت الثقة في نفسي.. ولست علىيقين من أنني استطيع مواجهة الحياة وحدي.. كما أن زوجي العزيز يرى أنني لا أصلح لشيء فلا أنا ناجحة في نظره كزوجة ولا كأم ولا كسيدة لأنني غبية ومستهترة وشخصيتي ضعيفة ومهزوزة إلخ, والحق أنني أشعر بأن بداخلي شيئا مكسورا بالفعل حتى أنني لا أقوى على محادثة أي صديقة لي لشعوري بأنني لست امرأة لها كيانها.. وإنما أنا أقل من كل السيدات اللاتي أعرفهن من ناحية الشخصية والكيان وليس من ناحية الشكل أو المادة.

ولا يهون علي بعض ما أعانيه مع زوجي إلا إحساسي الداخلي بأن الله يعاقبني بذنبي لأنني قد أغضبت أبي وأمي وتحديتهما وأصررت على الارتباط بزوجي وإتمام زواجي منه بالرغم من أنهما قد اكتشفا عيوبه ونصحاني كثيرا بعدم الزواج منه, فتزوجته رغما عنهما وأنا أعلم أنهما غير راضيين عني.. ولهذا فإني أعتبر نفسي الأبنة العاقة التي لم تطع أبويها فأذلها الله بزوج يفتري عليها وليس أمامها إلا ن تطيعه وتتحمله ..

والمفارقة هي أن زوجي يعتبر نفسه طيب القلب وحنونا ويراعي الله في بيته وزوجته, ولا يفوته فرض من الفروض الدينية, لكنه إذا خاصم فجر لقد قررت ألا أنجب ثانية حتى لا يصاب أبنائي بالعقد النفسية بسبب هذا الأب الظالم المستبد.. وأنا الآن في صراع بين هل أربي ابنتي في هذه البيئة غير الصالحة نفسيا وتربويا لتنشئة أطفال أسوياء, أم أنفصل عن زوجي وتتحمل ابنتي عواقب هذا الانفصال, وإذا كنت أنا استحق هذا العقاب لأنني أغضبت أبي وأمي, فما ذنب طفلتي ؟

رائج :   ألمانيا .. معجزة إقتصادية لا تتكرر || الجزء الأول

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

المقدمات الخاطئة لابد أن تؤدي الي نتائج مماثلة يا سيدتي, وأنت قد لمست خلال فترة التعارف الأولي وطوال فترة الخطبة التي استغرقت ثلاث سنوات كل سلبيات شخصية زوجك التي حذرك منها أبواك كثيرا, وبالرغم من ذلك فلقد تجاهلت النذر الخطيرة وتمسكت بالأمل الواهي الذي يتعلق به آخرون في مثل ظروفك في أن ينجح الحب في النهاية في احتواء السلبيات واستكمال المسيرة في أمان.

ولقد قلنا مرارا إنه إذا كان للحب قلبا غفورا, فإنه لا يكفي وحده لتهيئة الظروف الطبيعية لاستمرار الحياة الزوجية, لأن العنصر الأساسي في ذلك هو حسن المعاشرة والاحترام المتبادل بين الطرفين واعتدال المزاج النفسي لكل من الزوجين وتقارب رؤيتهما للحياة, وتوصلهما معا إلي حل مرض لهما معا للمشاكل الأساسية كالانجاب والعمل.. ومستوي المعيشة والدخل الخ.

أما الاعتماد علي الحب وحده كقاسم مشترك أوحد بين طرفين لا يربط بينهما بعد ذلك أي جامع آخر فإنه لا يؤدي غالبا إلا إلي الفشل والمعاناة بعد فترة تطول أو تقصر.

وسلبيات شخصية زوجك كما فهمتها من سطور رسالتك هي الحدة العصبية.. وصغر السن, حيث لا يزيد فارق العمر بينكما على عامين, ومفهومه الخاطيء عن حق الرجل في تربية زوجته بالسب والضرب والحبس والحرمان من أي شيء يراه مناسبا للحال.

ولقد توقفت في رسالتك أمام الأثر النفسي السلبي الذي خلفه اعتياده معاقبتك بالضرب المبرح.. وهو افتقادك الثقة في النفس وإحساسك بالعجز عن مواجهة الحياة وحدك, وشعورك بالدونية تجاه غيرك من السيدات من ناحية الشخصية والكيان, فرأيتها كلها نتائج طبيعية للقهر وافتقاد الإحساس بالجدارة والكرامة الإنسانية والأمان.

ومن عجب أن هذه الآثار السلبية قد تدفع من يتعرض لها لزيادة الاعتماد على من يقهره ويسحق شخصيته بدلا من الثورة عليه في بعض الأحيان, تماما كما قد تتعلق الشعوب المقهورة في بعض المراحل بالطغاة الذين يحكمونها ليس حبا لهم.. وإنما خوفا من التغيير والمخاطرة لأنهم قد حطموا إرادتها بالقهر والإذلال وافقدوها الثقة في قدرتها علي امتلاك مصائرها.

وقديما قال أديب الإنجليزية الأعظم شكسبير على لسان كاسيوس في مسرحية يوليوس قيصر: لو لم يكن أهل روما وعولا.. لما أصبح قيصر أسدا وما ينطبق على الشعوب قد ينطبق في بعض الأحيان على الأشخاص في حياتهم الخاصة, وجزء كبير من احتمالك لسوء عشرة زوجك لك يرجع إلى تسليمك في أعماقك باعتباره عقابا سماويا لك علي تجاهلك للمقدمات الخاطئة وتحديك لإرادة أبويك بالمضي في مشروع الزواج بالرغم من كل النذر المحذرة.

رائج :   شقلبة في التجارة الالكترونية العالمية و المصرية .. رؤية عن قرب لما يحدث

غير أن لكل عقاب حده الأقصي يا سيدتي. 
ومن حقك على زوجك الذي مازلت بالرغم من كل شيء تحبينه وتتمسكين بالأمل فيه أن يحسن عشرتك ويتخلص من مفهومه الخاطيء عن واجب الرجل في تربية زوجته.
ويكف نهائيا عن مد يده بالأذى إليك مهما تكن أسبابه ومبرراته, ومن واجبكما أن تتوصلا معا إلى كلمة سواء يستجيب عندها كل طرف منكما إلي مطالب الآخر منه لكي تتفاديا أسباب الاحتكاك والصدام.
فإذا كان المثل الإنجليزي يقول إنه يحتاج الأمر إلى شخصية لكي تقع مشاجرة, وأنه لا يمكن أن تقع مشاجرة بين طرف واحد ونفسه!

فإن ذلك يفرض على كل منكما أن يتفادي بقدر الإمكان استفزاز الآخر أو استثارته.. أو تجاوز خطوطه الحمراء التي يعلم علم اليقين أنه لا عائد لتجاوزها إلا الصدام والعراك.
وفي كل الأحوال فإن التزام الحدود المرعية في الخلاف كفيل بتجنب الشطط والانفلات والإيذاء البدني والمعنوي.

فأدعي زوجك يا سيدتي إلى فتح صفحة جديدة في حياتكما معا لا يكون فيها أي مجال للإكراه البدني والإهانات الجارحة واشعريه بعزمك على عدم قبول الإهانة والإيذاء بعد ذلك ولو أدي الأمر إلي التسليم بفشل التجربة وتحمل تبعات الفشل أيا كانت, ولا بأس إذا اقتضت الضرورة وبعد ان تستنفدي معه كل الحيل في أن تستعيني عليه بأهله أولا ثم أهلك ثانيا, وذكريه في كل حين بأن طيبة قلبه و حنانه و رعايته لحدود ربه في بيته وأسرته لا تكتمل إلا بأن يتأسي بالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في حسن معاملته لزوجته وهو القائل خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم,.

فإن لم تجد كل الحيل في النهاية فلا مفر من الاعتراف لنفسك بخطأ الاختيار وتصحيحه بنفس القدرة التي استطعت بها من قبل تجاهل كل علامات التحذير.. وتحدي الأبوين وتحمل غضبهما عليك.. والاستمرار في مشروع الزواج الذي لم يرضيا عنه وحذرا منه منذ البداية!


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة