من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
اعرف جيدا ان مصير رسالتي هذه سيكون سلة المهملات لأنك لاتحب هذا النوع من الرسائل.. ومع ذلك فاني اكتبها لك عسي ان يستفيد بها بعض الزوجات والازواج.
فانا سيدة في الاربعين من العمر تزوجت منذ 12 عاما, وقد تأخرت في الزواج لاني شغلت بعملي المرموق وصممت آذاني عن عبارات الحب والاعجاب والهيام بحياتي, إلي أن اشتد الحاح أبي وأمي علي للحاق بقطار الزواج قبل ان يفوتني, فقبلت شابا يعمل عملا مهنيا محترما وتزوجته ووجدته بعد الزواج انسانا طيبا وحنونا و عرفت انني المرأة الأولي في حياته ومضت بنا السنوات وانجبت طفلين
وشيئا فشيئا حل الفتور بيننا واصبحت حياتنا كالمياه الراكدة لايحركها تيار .. ولايغير من مللها شيء وازداد اهتمامه بعمله .. ورجعت انا للعمل الذي كنت قد انقطعت عنه عند الانجاب, ومنذ ثلاث سنوات ذهبت إلي عيادة طبيب اسنان شاب لعلاج اسناني فابدي اعجابه واهتمامه الفائقين بي, وبعد عدة جلسات حاول ان يعبر عن حبه لي لكني افهمته انني سيدة متزوجة, وان زوجي هو الرجل الأول والأخير في حياتي فالتزم حدوده معي وواصلت بعد ذلك زيارته كلما احتجت للعلاج,
وفي احدي هذه الزيارات صارحني بأنه يحبني للغاية ويتمني لو كنت غير متزوجة كي يفوز بي دون الآخرين, فإذا سألتني الآن لماذا واصلت التردد علي عيادته بعد ان صارحني بذلك, ولماذا لم اذهب لعيادة طبيب آخر, سيكون جوابي هو انني قد اعتدت ان اسمع كلمات الاعجاب من الآخرين دون ان تؤثر علي التزامي كما ان هذا الطبيب قد التزم بالحد الذي اوقفته عنده لكنه لم يتوقف بالرغم من ذلك عن ادارة اسطوانة الغزل وكلمات المديح والاعجاب الشديد بجمالي وأخلاقي وأدبي واحترامي لنفسي ورشاقتي.. الخ.
وشيئا فشيئا وجدتني احب سماع هذا الكلام منه, بل ووجدتني ايضا اتعمد الذهاب لعيادته وانا في كامل اناقتي وجمالي واسعد باهتمامه بي حين يستقبلي علي باب غرفة الكشف بابتسامة عريضة ولأنني كنت محرومة من سماع كلمات الغزل من زوجي فقد وجدتني استعذب سماع هذه الكلمات من هذا الطبيب, ومنذ عام اكتشفت أن زوجي يعبث في اوراقي كأنما يحاول ان يكتشف فيها شيئا لايعرفه عني.. وضقت بشكه في خاصة حين عرفت انه كان يفعل ذلك طوال السنوات الماضية, وانفجرت فيه لأول مرة منذ تزوجنا.
وحاول هو ان يهدئ من روعي وطلب مني أن أخفض صوتي العالي دون جدوي, فاذا به يرفع يده إلي اقصي مدي ثم يهوي بها علي وجهي ليسكتني, فنزلت صفعته علي وجهي كالصاعقة, وكففت عن الصراخ واحسست ان جدارا سميكا قد قام فجأة بيني وبينه وغادرت بيت الزوجية عائدة إلي بيت إبي وبعد فترة قصيرة ذهبت إلي عيادة هذا الطبيب للعلاج ووجدتني اتحدث معه عن مشكلتي مع زوجي, فكان ينبوعا للحنان وحاول ان يخفف عني ولم يحاول ان يستغل الظروف لاستثارتي ضد زوجي بل قال لي ان من حقه ان يعرف عن زوجته كل شئ لانه ليست هناك خصوصية بين الازواج, فزادني هذا الموقف اقترابا منه,
واستمررت في الاقامة في بيت أبي ورفضت محاولات زوجي للصلح حتي ضاق بي أبي وانذرني انني إذا حصلت علي الطلاق فلامكان لي في بيته لان بناته لايعرفن الطلاق, فانتقلت للاقامة في شقة أخي المسافر للخارج. وبعد فترة من الوحدة والملل وجدتني ارجع إلي بيت الزوجية وحدي دون ضغط من أحد.. ومضت فترة طويلة دون أن ترجع علاقتي بزوجي إلي طبيعتها السابقة لأن صورته وهو يهوي بيده علي وجهي كانت تقف حائلا بيني وبينه.. ثم اشتعلت الخلافات بيننا من جديد لأن زوجي لم يتفهم حالتي النفسية ولم يتحملني وطالت فترات الخصام بيننا..
وفي هذه الفترة رجعت للتردد من جديد علي عيادة طبيب الأسنان الشاب بعد انقطاع 9 شهور.. وكنت هذه المرة في حالة نفسية سيئة وعلي استعداد لقبول غزله وإعجابه, وذات يوم وقعت مشاجرة عنيفة بيني وبين زوجي هجرت بيت الزوجية علي اثرها ورجعت للإقامة في شقة أخي فذهبت إلي عيادة هذا الطبيب وجلست علي كرسي الأسنان استعدادا للعلاج وجلس هو إلي جواري وسألني عما بي, فلم أجب لكني تنهدت تنهيدة عميقة فأمسك بيدي وضغط عليها بحنان ولم أعترض.. فرفعها إلي فمه وقبلها ولم يتحرك لي ساكن وخلال لحظات انتهي كل شيء, ورجعت إلي بيتي وأنا ذاهلة..
وفي غرفتي وجدتني أبكي بمرارة وأنظر إلي نفسي في المرآة باحتقار ثم أبصق عليها وبعد أيام جاءني صوته يحاول أن يقنعني بأن ما حدث بيننا لم يكن لأحدنا يد فيه إلخ.. ودارت رأسي بكلامه المعسول وغزله الرقيق مرة أخري.. وعرفت منه لأول مرة أنه متزوج وعنده أطفال.. وبالرغم من ذلك فقد تكرر الخطأ بيننا مرة ثانية في المكان نفسه.. ومرة ثالثة أيضا, وبعد هذه المرة الثالثة لم يتصل كما كان يفعل من قبل, وطال تجاهله لي لفترة, وحين اتصلت به ولمته علي ذلك تعلل بمشغولياته العديدة, فأصبحت أنا التي ألاحقه وهو الذي يتعلل بالانشغال والمسئوليات وضيق الوقت إلخ.
وبدأت أفيق مما أوقعت نفسي فيه وذهبت إليه في العيادة وأنا عاتبة عليه لتجاهله لي ففوجئت به يكشر لي عن أنيابه ويسقط عن وجهه قناع الرقة والحنان ويحتد علي في النقاش إلي حد أن دفعني بيده في كتفي وهو في قمة الانفعال, وخرجت من عنده وأنا لا أصدق ما فعلت بنفسي وكرامتي .. وشرفي ولم يغمض لي جفن طوال الليل وعشت الأيام التالية وأنا في أسوأ حال أسأل نفسي كيف انحدرت فجأة من قمة الوقار والاحترام إلي مستنقع السقوط والخطيئة, وأين ذهب عقلي وأنا أتخلي عن التزاماتي ومسئولياتي كزوجة وأم, وضاعف من عذابي وحيرتي أن زوجي قد ظهر بعد هذه المحنة نادما علي ما حدث بيننا من خلافات ومشاجرات طوال العام الأخير وراغبا في استمرار الحياة بيننا بأية شروط أضعها لأنه متمسك بي ويقدر في طيبتي وتسامحي معه..
ووجدتني أرفض العودة إليه بإصرار ليس كرها فيه ولكن خجلا من نفسي.. وكان جوابي علي توسله لي للعودة إلي هو أن هذا الحل لم يعد صالحا الآن للتنفيذ للأسف, دون إفصاح عن السبب, وفي لحظات الصدق مع نفسي اقتنعت بأن كل مشكلاتي مع زوجي في العام الأخير كانت من أثر تحول مشاعري عنه بسبب هذا الشيطان اللعين الذي غدر بي.. أما زوجي فهو كما هو منذ تزوجته ولم تكن العيوب والأخطاء التي أخذتها عليه سوي تبرير أقنع به نفسي لتحول مشاعري عنه.. وللأسف فإنني لا أستطيع مصارحته بالحقيقة ولا بسبب رفضي الحقيقي العودة إليه الآن بعد ما حدث..
فماذا أفعل مع نفسي لكي أنسي ما حدث وأمحو عن ثوبي الأبيض هذه البقعة القذرة, وماذا أفعل مع زوجي الذي يلح علي هو وكل الأهل في العودة إليه. إنني أكتب إليك لكي تقول لكل زوجة إن الرجل الذي يغازل سيدة متزوجة لا يكون شريف القصد, ولا يكون له سوي هدف واحد يسعي للوصول إليه, وبمجرد بلوغه هدفه تصبح هذه السيدة أرخص عنده من فردة الحذاء, وأقول لكل الأزواج إن قليلا من الاهتمام بالزوجات وشيئا من الرقة والحنان والذوق الذي يتعامل به مع الأخريات سيكون له مفعول السحر في نفس زوجته.. أما أنا فإني نادمة نادمة حتي النخاع.. والسلام.
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
هناك مثل فرنسى قديم يقول : لايعجب بفستان امرأة .. من يدفع ثمنه وإنما يعجب به دائما ويبرع فى التعبير عن هذا الإعجاب من لايكلفة إعجابه به سوى الكلمات السهلة التى لاتترتب عليها أى التزامات وقد يكون مفارقات الحياة التى تستحق التأمل أن من يعجب بفستان امرأة “أى يغفل فى الوقت نفسة عن إظهار اعجابه بفستان زوجته أو جمالها ومن هنا تاتى المفارقة التى تخدع أبصار البعض أحيانا حين تقارن الزوجة بين ندرة كلمات الغزل والإعجاب بجمالها التى تسمعها من زوجها وسخاء وشاعرية كلماتة الطرف الخارجى فى التعبير عن إعجابه بجمالها ورقتها وأناقتها الى أخر هذه المعزوفة الشيطانية التى تدير بعض الرؤوس .
ومع أن الأفضل والأمثل دائما هو أن يتبادل الزوجان التعبير عن الحب والإعجاب بالكلمات ةالأفعال وليس بالأفعال وحدها كما يفعل البعض ألا إكتفاء بعض الأزواج بالتعبير العملى الصامت عن الحب والإعجاب لايبرر للزوجة الاستنامة لكلمات الغزل والإعجاب ممن يحاولون غزو حصونها ولايجدون ثغرة ينفذون منها إليها إلا بمثل هذا الغزل الحقير
ولايبرر كذلك بخل بعض الزوجات بكلمات الحب على أزواجهن لهؤلاء الأزواج أن يطروبوا لكلمات الإعجاب الشاردة التى قد يسمعونها من الأخريات ويبنون عليها حساباتهم وعلاقاتهم مع الأطراف الخارجية . كما لايبرر عقم حديث بعض الأزواج وزوجاتهم واقتصاره على شئون الحياة اليومية والشئون الأسرية لأحد أن ينخدع بمثل هذه المقارنة الظالمة بين “رقة الأخرين ” و ” تحفظ الشركاء ” .. أو خلو أحادثهم من الكلمات الشاعرية لأنهم إنما يتعاملون مع الصورة الخارجية لهؤلاء الاخرين ولايتعاملون مع أعماقهم وسرائرهم وشخصياتهم الحقيقية .
ذلك أن العشق أسهل ألف مرة من الزواج كما كان يقول الأديب الفرنسى بلزاك لأنه يتطلب منك أن تكون لطيفا بعض الوقت .. أما الزواج فإنه يتطلب منك أنتكون لطيفا كل الوقت وفى كل الأحوال والظروف وهو مالايقدر عليه أحد فإذا اضطررنا للتعامل مع هؤلاء الأخرين ” كل هؤلاء الأخرين ” كل الوقت وعلى مستوى العمق وليس على المستوى السطح .. فلا أحد يضمن ألا يكون هذا اللطف قناعا مؤقتا يسقط عن وجوههم عند أول اختبار كما سقط قناع الرقة والحنان واللطف عن وجه طبيبك الشاب فاسفر عن قسوة وانانية وخسة فى التعامل لاتقارن بها كل أخطاء زوجك إذا كانت له أخطاء تستحق التوقف عندها .
وجوهر الخطأ فى قصتك هذه هو انك قد استمريت فى التردد على عيادة هذا الطبيب بعد أن غازلك غزلا صريحا مرددا على مسامعك أنشودة انه كان يتمنى لو كنت غير متزوجة لكى يفوز بك دون العالمين أما تبريرك لاستمرارك فى التردد عليه بعد أن غازلك بانك قد ألفت سماع كلمات الإعجاب بجمالك دون أن تدير رأسك وتنسيك التزاماتك كزوجة وأم فهو تبرير خادع وليس صادقا ..
لان المرأة المتزوجة التى ترغب حقا فى أن تناى بنفسها عن الأغراء والخطا هى التى تقطع صلتها بحسم بمن غازلها غزلا مكشوفا أو مستترا إذ إن استمرار هذه الصلة بينها وبينه بعد أعلان الإعجاب والهيام .. لايعنى لمن غازلها سوى أن مقاومتها قد بدأت تتأثر بالفعل بانشودة الغزل التى أنشدها لها وأن المسألة ليست فى النهاية سوى مسألة زمن يطول أو يقصر ثم تنهار حصونها ..
وقد تساعد ظروف طارئة فى حياتها على الإسراع بهذا الإنهيار كما حدث معك حين اشتدت خلافاتك مع زوجك ووجدت نفسك تطربين لسماع هذه الكلمات التى رفضتها فى البداية رفضا لينا يشجع على أستمرارها وليس توقفها ثم بدات تستمرين سماعها وتذهبين إلى عيادة هذا الطبيب وأنت فى كامل جمالك وأناقتك لكى تطلبى المزيد منها ولاعجب فى ذلك لأنك قد خطوت الخطوة الأولى على الطريق المنحدر حين رجعت لعيادة هذا الطبيب مرة ثانية بعد أن سمعت منه كلمات الغزل والهيام ولأن لللمديح والإطراء أثر السحر فى نفوس البشر مهما تصوروا فى أنفسهم القدرة على عدم التأثر بهما
ولقد قال حكيم عن أحد الأشخاص الذين يتظاهرون بالفضل .. أستطيع أن أحول هذا المغرور ألى مجنون خلال شهر واحد فقيل له : كيف ؟ فاجاب : بالمديح والتملق كما كان الأمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه يبكى إذا حدثه البعض عن افتتان الناس به ويقول : هذا استدراج . أى هذا استدراج من القائل له لكى يعجب بنفسه قيفقد بعض تواضعه ورشده
أما أنت ياسيدتى فلقد استسلمت لهذا “الاستدراج” حتى ضغفت مقاومتك تدريجيا وأنهارت حصونك وتكشفت لك الحقيقة المؤلمة فإذا كنت ترغبين حقا فى محو هذه البقعة السوداء من ثوبك فلا سبيل لذلك سوى بلوم النفس على ما اوردتك اليه من موارد التهلكة والندم الصادق على مافعلت والكف عنه وعقد النية على ألا ترجعى اليه ابدأ ومع كثرة الاستغفار والالتزام بالطريق القديم والتفكير الصادق عما حدث يتطهر الثوب تدريجيا مما علق به .. ويصح لك عندها التفكير فى مستقبل علاقتك بزوجك وشكر