أجمل رسائل بريد الجمعة

النظرات المحرومة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أتابع قراءة بابك باهتمام.. ليس فقط لمجرد الاستفادة بتجارب الآخرين وخبرتهم, وإنما أيضا علي أمل أن أقرأ فيه مشكلة مشابهة لمشكلتي..

فأستفيد بردك عليها في حل مشكلتي بغير أن أضطر للكتابة.. عما يحرجني الإشارة إليه وأتكتمه عن الجميع .. لكني لم أجد للأسف حالة مشابهة لحالتي, ولم يعد أمامي مفر من الكتابة ومعاناة الحرج, فأنا سيدة في السابعة والعشرين من عمري, حباني الله سبحانه وتعالي بنعمة الجمال والذكاء, وتفوقت في دراستي والتحقت بإحدي كليات القمة.. وتلقيت خلال دراستي الجامعية عروضا كثيرة بالزواج من زملاء يكبرونني في السن ومن معيدين بالكلية.. ولم استجب لأي منها..

ولاحظت خلال مرحلة الدراسة أن هناك زميلا منطويا على نفسه وقليل الأصدقاء يلاحقني بنظراته المحرومة الصامتة دون أن يقترب مني أو يحاول الحديث معي, وظل هذا الزميل يركز علي نظراته هذه حتي بدأت أشعر بأنها تراقبني طوال الوقت, وفي السنة النهائية تشجع زميلي وصارحني بحبه وقال لي إنه لن يقوى على مواصلة الحياة بدوني, وبلا تردد وجدتني أنجذب إليه وأشعر بأهميتي بالنسبة له.. واستشعر صدق مشاعره, وبدأ ارتباطنا في السنة الأخيرة من دراستنا الجامعية, وبالرغم من ظروفنا المادية الصعبة عقب التخرج فلقد تزوجنا على الفور ..

ولم تؤثر بساطة الشقة التي أقمنا بها ولا صعوبة الحالة المعيشية في البداية على إحساسنا بالسعادة واجتماع الشمل. شيء واحد فقط أثار قلقي وتساؤلاتي.. هو أن زوجي راح ومنذ الليلة الأولى لنا معا كزوجين يبيت وحيدا على الأريكة الموضوعة في الصالة, وبعد يوم طويل نتبادل فيه الحب والاحترام والمعاملة الطيبة الرقيقة والاهتمام يعانقني زوجي معانقة أخوية ويتركني لأنام ثم أستيقظ في الصباح فأجده نائما فوق الأريكة.. ولا أدري ما السبب ..

ولا أجرؤ على سؤاله عنه ويمنعني حيائي من معاتبته بهذا الشأن, وبعد عدة شهور استجمعت شجاعتي وافتعلت معه مشكلة تافهة, ثم تعاتبنا بعدها فواجهته بما يحيرني فيه, وفوجئت به يرتبك ويتضرج وجهه بالإحمرار حتى ندمت على إحراجه وأشفقت عليه.. ثم راح يعتذر لي عما أزعجني.. ويعدني بأن يتجنبه. وسعدت بذلك واعتبرت معاناتي قد انتهت وبدأ زوجي بالفعل يهجر الأريكة وينام إلى جواري, ولكن كما ينام الصغير بين أحضان أمه.. في وداعة وبراءة وإحساس بالأمان ولا شيء آخر.

وحاولت أن أبحث في طفولة زوجي الحبيب عن تفسير لذلك بالرغم من أنه قد نشأ في أسرة متماسكة مترابطة ومتحابة, وبحذر شديد وحرص علي ألا أجرح مشاعر زوجي أو كرامته, بدأت أسأل والدته أمامه عن أحواله وهو طفل صغير لعلي أجد خيطا يمكن البدء به في طريق العلاج.. فلم أجد فيما سمعته منها أي شيء يسهم في حل المشكلة.

رائج :   تحطيم الأغلال ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

فكتمت سري عن الجميع وتعلقت بالأمل في المستقبل, ورضيت من الحياة بالعشرة الطيبة والمعاملة الرقيقة وطوفان الحب الذي يغرقني به زوجي, وبتعلقه الشديد بي كالطفل الذي يتعلق بأمه ولا يقوى علي فراقها, وشعرت بأنني أمه بالفعل ولست زوجته بالرغم من أنه يكبرني بثلاث سنوات ومضي العام الأول والثاني من الزواج ونحن علي هذه الحالة.. وألححت علي زوجي في عرض نفسه علي الطبيب النفسي عسى أن يساعدنا علي تجاوز المشكلة, فرفض هو في البداية إلى أن هددته بالانفصال عنه, وذهبنا معا إلي الطبيب..

ولم يتوصل الطبيب بعد جلسات عديدة للسبب الحقيقي لمشكلة زوجي .. حتى سلمت أنا شخصيا باليأس, وبدأت أحاول التكيف مع حياتي على ما هي عليه وفكرت كوسيلة للتشاغل عن أفكاري وأحزاني في أن أعمل, وعملت بإحدى الشركات فوجدت نظرات الإعجاب تلاحقني.. ثم ظهر مدير الشركة في الصورة وأبدي اهتماما خاصا بي, وراح يشعرني برغبته في الارتباط بي ويبدي إعجابه بالقدر الكبير من الحنان الذي يستشعره في شخصيتي.. وأزعجتني كلمة الحنان هذه أكثر مما أزعجتني محاولاته معي لأنني أثق في نفسي بالرغم من معاناتي, وتساءلت: ماذا في شخصيتي يشعر الآخرين بالحنان الأمومي هذا مع أنني لم أنجب ولم أعرف الأمومة ؟

ولولا نشأتي في بيت أقيم على دعائم الإيمان والتقوى وخشية الله لضعفت واستجبت لمحاولات من حولي, في النهاية اضطررت إلي ترك العمل بهذه الشركة, لكي أسد علي الآخرين الطريق الخاطيء, وانتقلت للعمل في شركةأخرى فلم يتغير الحال كثيرا.

والآن يا سيدي فقد مضت ست سنوات على زواجي ومازلت أعيش حياتي الزوجية البريئة.. منذ ليلتها الأولى ومازلت أحب زوجي للغاية, وأحب حبه لي, وفي كثير من الأحيان يتعلق زوجي برقبتي ويبكي كالأطفال ويقول لي إنني لو ابتعدت عنه أو تركته فإنه سيموت لا محالة, وأنه لا يفكر في شيء وهو في عمله سوي في العودة لأحضاني الدافئة.. وأنا لا أرغب في هجره ولا في تركه لأنني أحبه, لكني بت أخشى علي نفسي من الفتنة ولم أعد قادرة على مواصلة الاحتمال وأريد أن أصبح أما حقيقية لطفل من لحمي ودمي..

فهل أتركه وأطلب الطلاق مع ما سيكون لذلك من عواقب وخيمة على زوجي الحبيب.. أم هل أترك نفسي للتيار يجرفني إلي ما يغضب ربي وأنا التي حرصت العمر كله علي إرضائه, أم هل أصبر إلى نهاية العمر واسلم أمري إلي الله.
إنني أرغب في الاختيار الأخير لكن كيف السبيل إليه.. وماذا تقول لي وهل هناك حل آخر لمشكلتي ؟

رائج :   الليالي المظلمة .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

أشاركك الحرج ياسيدتي في الحديث عن هذه المشكلة الشائكة, لكنه ليس من الحكمة أن نتجاهل بعض مشاكلنا تحرجا من حساسيتها, ولا أن ندفن رءوسنا في الرمال ظنا منا أن من لانراه لايرانا كما يتعامل البعض مع مشاكلهم. والحق أن المشكلة التي تثيرينها من أعقد المشاكل الإنسانية وأكثرها تأثيرا على الأسرة والعلاقات العائلية.. ولهذا فإني أعتقد أنك وزوجك لم تتعاملا معها بالجدية الكافية حتى الآن, فإذا كنت ألتمس لك بعض العذر في ذلك من حياتك وتحرجك من الإلحاح عليه بالتعامل الجاد معها, فإن زوجك لا عذر له ـ بالرغم من إشفاقي على ظروفه المؤلمة.. في ألا يتعامل مع مشكلته بالاهتمامالكافي وهو الرجل الذي لا يعيبه طلب العلاج لمشكلة يعانيها وإنما يعيبه بالتأكيد أن يتراخى في ذلك أو يتقاعس عنه.

وعلي أية حال فإن الأمر يتطلب أن تبدآ من جديد البداية السليمة لطلب العلاج لهذه المشكلة.. على أن تكون الخطوة الأولي على طريقه هي استشارة طبيب متخصص في أمراض الذكورة, فإذا أثبتت الفحوص أنه ليست هناك أسباب عضوية لحالة زوجك فإن الخطوة الثانية هي استشارة الطبيب النفسي من جديد والصبر علي طول العلاج وجلسات التحليل النفسي مهما تعددت, ذلك أن لانعدام الرغبة الحسية أو نقصها أسبابا نفسية عديدة..

منها وقد يكون ما يراه عالم النفس الشهير فرويد من أن الرجل قد يفشل أحيانا في الجمع بين مشاعر الحب ومشاعر الرغبة تجاه نفس المرأة, ومنها في حالات أخرى القلق المزمن والاكتئاب وشعور المرء بالدونية تجاه شريكته أو شعوره بأنه غير مرغوب منها.. وفي بعض الحالات الأخرى قد يكون انعدام الرغبة تعبيرا عن العداء النفسي للشريك, أو الخوف منه, أو العجز عن حل الصراع الأوديبي حسب تعبير فرويد بين تقديس المرأة التي تمثل للرجل رمز الأم.. وبين الرغبة الحسية فيها..

وفي كل الأحوال فلابد من الصبر على العلاج النفسي الطويل إلى أن يؤتي ثماره المرجوة, فإذا استعصت الحالة بعد ذلك على العلاج فلا مفر من مواجهة الحقيقة في النهاية مهما تكن مرارة العواقب والقاعدة الشرعية هي دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر, والضرر الأكبر هنا هو خطر تعرضك للفتنة وإنهيار مقاومتك وسقوطك لا قدر الله في بئر الخطيئة.. أما الضرر الأصغر فهو تكبد زوجك لألم فراقك ومعاناتك أنت آلام هذا الفراق بعض الوقت.

وآلام البتر في بعض الأحيان تنقذ بقية الجسم من الهلاك, ومرارة الانفصال بالنسبة لزوجك العاشق, أهون في النهاية من أن يكابد العذاب الأكبر إذا ضعفت مقاومتك ذات يوم وغلبك التيار علي أمرك.. وقديما قال أحد الحكماء إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك .. وعجز أحد طرفي العلاقة الزوجية عن تلبية احتياجات الطرف الآخر العاطفية والنفسية نوع من عدم الموافقة وضرب من العذاب المرير يذكرنا بعذاب فرانشيسكا وحبيبها في الكوميديا الإيطالية للشاعر الإيطالي العظيم دانتي,

رائج :   الزيارة المفاجئة‏ !! .. رسالة من بريد الجمعة

فلقد صور دانتي في أحد منازل الجحيم فرنشيسكا العاشقة هذه وحبيها وقد تواجها وكل منهما يشتهي أن يقبل الآخر فتتلاعب بهما رياح الجحيم وتقربهما من بعضهما البعض, فإذا خيل إليهما أنهما قد أوشكا في النهاية علي أن ينالا القبلة المحرمة باعدت بينهما الرياح. ثم رجعت وقربت بينهما من جديد, وتكرر الأمل في الارتواء وتكرر الحرمان منه في اللحظة الأخيرة وهكذا إلي ما لا نهاية ولا هما ينالان مايشتهيان ولا هما ييأسان من الأمل المحروم أبدا.

أية حياة هذه ياسيدتي تستطيعين احتمالها إلي نهاية العمر وأنت في أوج شبابك وجمالك ونظرات الإعجاب ونداءات الإغراء تحيط بك من كل جانب.
وهبك استطعت الصبر علي نفسك بضعة شهور أخري, فمن يضمن لك القدر علي الصبر علي مكابدة الحرمان بقية العمر.. والقدرة علي الصمود في وجه الإغراء والغواية إلي النهاية ؟ لقد شبه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه هذا الحال, معلقا على فارق السن الكبير بين الزوجين بقوله ما معناه: ـ النار تندلع… والماء ينقطع!

بمعني ان نار الرغبة تندلع عند الشباب.. فلا يسعفها المشيب بإطفاء الحريق بسبب انقطاع الماء عنده. وكل ذلك مما يعرض المحروم للفتنة ويفتح أمامه أبواب الغواية.

إنني أقدر لك حبك لزوجك وإخلاصك له ومحافظتك علي كرامته ومشاعره وتمسكك بقيمك الدينية والأخلاقية بالرغم من حرمانك المؤلم.. وأتفهم كذلك معاناة هذا الشاب الطيب أعانه الله علي ظروفه, وحبه لك.. وتعلقه الأوديبي الشديد بك, لكنه ليس من العدل أن تضعي نفسك بين خيارين كلاهما مر هما الحرمان أو تنكب الطريق القويم, والانجراف إلي هاوية الخطيئة.

فابدآي علي الفور العلاج بجدية وحماس من جديد لإبراء الذمة قبل اتخاذ القرار المصيري.. ثم اتخذي في حالة فشل العلاج وانقطاع الأمل فيه قرارك بشأن حياتك ومستقبلك بلا تردد مهما يكن هذا القرار مؤلما للطرفين أو قاسيا خاصة أنك لم تنجبي حتي الآن, ولن يكون لهذا القرار من ضحايا إلا زوجك المحكوم بأقداره المحزنة للأسف.. فضلا عن أنه من حقك في النهاية ان تمارسي الأمومة الحقيقية ذات يوم إذا فشلت كل الجهود ولم يعد هناك مفر من آلام الجراحة.


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

Related Articles