من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا شاب في الثلاثين من العمر . دفعني إلي الكتابة إليك حرصي على الشباب من الانحراف . فأنا من أسرة متوسطة الحال أبي وأمي يعملان في المجال التعليمي وقد أحسنا تربيتي أنا وأخوتي منذ الصغر, ولكني عندما وصلت للمرحلة الجامعية وقعت في هوة أصدقاء السوء وبدأت في تعاطي المخدرات بجميع أنواعها وتغير مسار حياتي تماما, فبعد أن كنت الابن البار الهاديء أصبحت الابن العاق الذي لا يبالي إلا بنفسه.
حتى لقد جعلت من أسرتي أسرة تعيسة جدا لما يحدث مني في البيت وبين الجيران وفي الشارع من تصرفات مجنونة حتى أصبح أبي يسير في الشارع مطأطأ الرأس وكيف لا وهو الأستاذ الذي علم مئات بل آلافا من التلاميذ الذين أصبحوا شبابا صالحا بعد ذلك ..
ولقد حاولت أسرتي علاجي بشتى الطرق بالرغم من إمكاناتها المتوسطة إلا أنني كنت أهرب دائما من المستشفي وأذهب إلى شلة السوء ليعاد تخديري .
وأريد أن أعترف هنا بأنني سرقت من جميع أفراد أسرتي كل ما يمكن أن يباع لكي أنفق على المخدرات وأدخلت أبي أقسام الشرطة عدة مرات بسببي وهو الرجل المسالم, دائما وبالرغم من كل ذلك فلم تفقد أسرتي أبدا الأمل في تقويمي, ثم حدثت المفاجأة وأصيبت يدي بمرض خطير استدعى بترها حفاظا علي حياتي
ووافقت الأسرة على بتر اليد لتحافظ على حياتي مع أن حياتي هي المنغص الوحيد لحياتهم, وبالفعل تم بتر اليد التي كثيرا ما حقنت بالمخدرات وبإصرار أسرتي على العلاج استجبت له بعد فترة طويلة من المعاناة. وتحسنت حالتي وبدلا من أكون ناقما غاضبا لأني أصبحت بيد واحدة وجدتني مرتاح الضمير وأدركت أن الله سبحانه وتعالى قد بتر يدي لينقذني من الهلاك ويكون ذلك نقطة التحول في حياتي.
واتجهت إلى الله راجيا أن يغفر لي ما فعلت بنفسي وأسرتي ورجوت أسرتي أن يغفروا لي ويدعوا لي وكيف لا يغفرون بعد كل ما فعلوه لعلاجي, وبمساعدة أسرتي واجهت الحياة بيد واحدة وأكملت دراستي وساعدني أبي عن طريق صديق له يعمل في دولة عربية على إيجاد فرصة عمل ليبعدني عن طريق العودة للهلاك, وفعلا سافرت إلى هناك وبذلت مجهودا كبيرا في عملي وتقدمت فيه حتى أصبحت مثالا للموظف الكفء في الشركة ورؤسائي دائما يشيدون بي.
وقد تعلمت الكثير في الغربة منه ما تشاهده بين يديك الآن وهو إجادتي العمل علىالكمبيوتر الذي كتبت عليه هذه الرسالة بيدي الوحيدة, إنني أرجو أن تنشر هذه الرسالة اعترافا بجميل أسرتي علي لأني بحق فخور بكل أفرادها جدا وأتمنى أن يفخروا بي في يوم من الأيام.
ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
ليس العار هو أن نخطيء ذات مرة, لأن الجميع معرضون للوقوع في الأخطاء إلا من عصم ربك, لكن العار الحقيقي هو أن نتقاعس عن بذل كل ما نملك من قدرة وجهد للرجوع عن الخطأ وإصلاح ما أفسدناه في حياتنا وحياة الآخرين خلال جاهليتنا, وأنت أيها الشاب قد دفعت من حياتك وجسمك ثمنا غاليا للرجوع عن الخطأ وتطهرت منه بالثمن الغالي .. فإذا كنت قد فقدت يدا فلقد أنقذت بقية أعضاء جسمك من الهلاك ونجوت بحياتك من سوء المصير.
والإنسان مطالب دائما بالتكيف مع ظروفه وتقبل أقداره واستنهاض همته لتحويل أسباب ضعفه إلى أسباب للتميز والتفوق.
وفي كثير من الأحيان قد تقضي علينا ظروفنا بأن نكرر مثال عازف الكمان الشهير الذي كان يقيم حفلا موسيقيا في باريس ـ واحتشد الجمهور في القاعة لسماع عزفه المنفرد .. فإذا بأحد أوتار كمانه الأربعة ينقطع ويواجه العازف الشهير الحيرة..
هل يتوقف عن العزف ويفسد الليلة علي هذا الجمهور المحتشد أم ماذا يفعل؟ فيقرر بعد لحظة خاطفة من التفكير أن يواصل العزف علي الأوتار الثلاثة الباقية.. وينتهي من عزفه بعد جهد جهيد فينفجر الجمهور في التصفيق الحار ويكتب النقاد في الصحف بعد ذلك أنه قد بلغ في عزفه تلك الليلة قمة لم يبلغها من قبل,
وهكذا ينبغي أن يفعل الإنسان في حياته الشخصية إذا فقد وترا اعتمد علي أوتاره الباقية واستخرج منها أجمل النغمات, وهو نفس ما فعلته أنت يا صديقي بعد أن رجعت إلي الطريق القويم واكتشفت قدراتك الحقيقية وأحسنت استثمارها, فواصل طريقك الجاد في الحياة ولسوف تفخر بك أسرتك دائما بإذن الله.
لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …