فكر و ثقافةقصص وعبركتابات د : أحمد خالد توفيق

بالمقلوب || د : أحمد خالد توفيق

نُشر في: 17 أغسطس 2013

هُناك فيلم غربي سخيف – وبذيء جدًا بالمناسبة – اسمه يعني (بلا رجعة). معقد جدًا ولفترة طويلة لا تفهم شيئًا على الإطلاق، ثم تدرك أنه فيلم عن فتاة تم اغتصابها فيقرر حبيبها أن ينتقم ويبحث عن الفاعل ويقتله.. يبدو أن المخرج جرب مشاهدة الفيلم بعد ما فرغ منه، فوجده سخيفًا، هكذا قرر أن يقطع الفيلم بطريقة مختلفة بالعكس. هكذا يبدو الفيلم عميقًا غامضًا: رجل لا نعرفه يُقتل بوحشية..

1ـ مطاردة في الحانات..

2ـ بطلة الفيلم (.. ) تبكي.

3ـ مشهد اغتصاب طويل..

4ـ بطلة الفيلم سعيدة في الحب..

هكذا بدا الفيلم عميقًا وذا أسلوب متميز وراق لنقاد كثيرين، بينما هو في الواقع أتفه قصة يمكن تخيلها.. ماذا لو استطاع المرء أن يعيش حياته بالمقلوب؟.. ألن تبدو وقتها أكثر عمقًا وغموضًا؟ أنا جثة متحللة تحت الأرض. أشعر بالاختناق ورهبة الأماكن المغلقة، ثم أبدأ في الحفر لأخرج.. أمشي مثل أفلام الرعب. المشكلة أنني عجوز مهدم لا أقدر على المشي.. لكن المشي يجعلني أتحسن مع الوقت.. أشعر بأنني أزداد شبابًا ونشاطًا.. عظامي تزداد قوة..

لا أفعل أي شيء لكني أتقاضى معاشًا لسبب لا أعرفه.. أذهب للسينما وأتنزه، عالمًا أن هناك من ينفق عليَّ طيلة الوقت. فجأة أبدأ في العمل.. أجلس في حفل يبكي فيه الجميع تأثرًا، ويحكي كل منهم عن حياته معي في الشركة، وكيف أنه سيفتقدني. يقدمون لي الهدايا.

صحيح أن صحتي تتحسن يومًا بعد يوم لكني كذلك أهبط في السلم الوظيفي بلا توقف.. كنت مديرًا ثم صرت نائب المدير ثم صرت موظفًا صغيرًا لا قيمة له.. هناك مشكلة أخرى هي تلك السيدة التي تشاركني فراشي، وعلى الرغم من هذا أقابلها في العمل كل يوم.. لا أحب هذه العلاقات المنحلة بطبعي.. لكن يأتي اليوم الذي أتزوجها فيه.. لا تنس أننا نعيش بالمقلوب.. لقد كانت زوجتي هي زميلة عملي منذ البداية .. بعد هذا أقابلها لأول مرة ونقع في الحب!.. جميل أن تحب زوجتك بعد ما تزوجتها بأعوام..

صرت أصغر وأصغر..

حان الوقت كي يطردوني من العمل، لأنني صرت عابثًا مستهترًا.. لا أقوم بما يطلب مني، وأسرح كثيرًا، وأضيع وقتي في سماع الأغاني الصاخبة، وبالطبع أعاكس زميلات العمل الحسناوات.. هكذا أدخل المدرسة.. أقضي وقتي في الاستذكار.. هذه تجربة غريبة..

أن تنجح في الصف السادس فتنتقل للصف الخامس ثم الرابع.. وهكذا.. المشكلة الأخرى هي أن مخي يزداد سذاجة.. في البداية كنت أستطيع ضرب الأقواس، ثم لم أعد قادرًا، وبعد ذلك كنت أحفظ جدول الضرب، وبعدها نسيت طبعًا.. بعد هذا يصير المرء طفلًا لاهيًا لا يبالي بشيء.. طفلًا يلعب طيلة الوقت، ويدس أصبعه في أنفه، ويمزق الأوراق والكتب، ويشد ذيول القطط.

أخيرًا لا يعود بوسعي أن أمضغ أو آكل.. تصير الطريقة الوحيدة لتغذيتي هي الرضعات عن طريق زجاجة بلاستيكية صغيرة.. كيف لم أفطن إلى أن اللبن لذيذ بهذا الشكل من قبل؟، والأهم هو أنني ما زلت مصابًا بتلك العادة السيئة: الانتفاخ .

بسهولة أتحول إلى بالون موشك على الانفجار، وأبكي إلى أن يرضعوني مشروب الينسون. الفضيحة الحقيقية هي أنني أبلل ثيابي، والكافولة تتسخ.. هذا شيء قاسٍ جدًا على شخص مثلي استغنى عن قصرية الأطفال منذ 51 سنة، واليوم يعود لها من جديد..

أواصل الانكماش لأجد نفسي سابحًا في مياه دافئة في غرفة مخملية.. أقاوم الصدمات مهما كانت عنيفة، وأركل الجدار المخملي من وقت لآخر.. ألعب ألعابًا خبيثة مع أمي مثل أن أتوقف عن الحركة أيامًا فتبكي وتتشاءم، ثم أعود لأركل..

فجأة أنا منقسم .. نصفي في خلية أبي ونصفي في خلية أمي.. لم يعد هناك شيء اسمه أنا..

بالفعل تبدو حياتي بهذه الطريقة أعمق وأكثر طرافة، على الرغم من أنك لو عكست هذه الصورة المقلوبة لوجدتها حياة تافهة جدًا. نصيحتي لك هي أن تقلب كل شيء ليبدو أفضل..

رائج :   معنى الحياة .. رسالة من بريد الجمعة

مقالات ذات صلة