من هنا وهناكوعي

تطور الكتابة الإنجليزية على مدار الألف عام الماضية

الإنجليزية بدأت كلهجة فرعية دارجة من لغات القبائل الچرمانية، وهم قبائل متقاربة ثقافيًا ولغويًا ولكنهم أيضـًا متناحرين سياسيًا وعسكريًا، أصولهم تعود لمنطقة سكندنافيا (الدنمارك والسويد،) وكانت قبائل دائمة الترحال والغزو ومن ثم موزعين جغرافيًا على نطاق واسع جدًا نتيجة للإستكشاف المستمر (من ضمنهم الفايكنجز،) وأسم ألمانيا منسوب لهم وليس العكس لكونها أحد المناطق الواقعة ضمن مجال هيمنتهم العسكرية والثقافية،

أشتهروا بإغارتهم الدائمة، وصداماتهم الملحمية مع أكبر ممالك العالم القديم، لا سيما الإمبراطورية الرومانية حيث كانوا هم من أوقفوا إمتدادها للأبد شرق نهر الراين (أو عند حدود فرنسا) في معركة غابة توتوبرج الحاسمة التي ألحقوا فيها هزيمة ساحقة للرومان تحت إمرة القائد “أرمينيوس” أو “هيرمان الألماني” وهو عمره 27 عامًا فقط، وينتمي لعشيرة الشيروسكيون،

كذلك قبائل الفرانكيين (أو الفرنجة) الچرمان (والمنسوب لهم أسم فرنسا) هم من أوقفوا وعكسوا الزحف الإسلامي في أوروبا في معركة “بلاط الشهداء” في القرن الثامن الميلادي، تحت قيادة “شارل مارتل” جد أشهر ملك وربما أهم ملك أوروبي “شارلمان،” وتؤرخ لهذه المعركة بداية حروب الإسترداد Reconquista، سلسلة من الحروب على مدار 7 قرون لتحرير باقي المناطق الأوروبية، بالأخص اسبانيا والبرتغال، من وطأة الإحتلال الإسلامي (وفقـًا لمنظورهم.)

الإنجليزية كانت لغة احدى تلك القبائل الچرمانية وتدعى الأنجلو-ساكسون، وهؤلاء بدورهم فيلق فرعي من قبائل الساكسون، وعرفوا لأنهم من هاجروا من أوروبا القارية إلى الجزر البريطانية وأستقروا هناك في القرن السادس الميلادي، وفي البداية في حقبة الإنجليزي القديم كانت شأنها شأن باقي اللغات الچرمانية جميعًا تكتب برموز runes وليس بالأبجدية المعروفة حاليًا (في مثال الold English في الصورة هنا المفترض أن يستخدم الكلام تلك الرموز ولكن أجريت عليها عملية تسمى “حورفة” transliteration أو إستبدال حرفي للأبجدية الحالية لتسهيل القراءة.)

الأبجدية الحالية ABC تعرف بأسم الأبجدية اللاتينية وهذه أبجدية لغة الإمبراطورية الرومانية وهي مصنوعة عن طريق تعديل أبجدية تسمى الإتروسكانية التي بدورها منحدرة من الأبجدية اليونانية وهذه منحدرة من الأبجدية الفينيقية التي بدورها مستوحاة من الهيروغليفية الفرعونية أو تحديدًا الأبجدية السينائية الأولية التي كانت بمثابة تبسيط للهيروغليفية المعقدة جدًا، وهي أول أبجدية وسلف جميع الأبجديات.

واللغة اللاتينية برغم إنتمائها مثل أغلب اللغات الأوروبية لنفس العائلة الكبيرة مع اللغات الچرمانية (العائلة التي تعرف بأسم اللغات الهندو-أوروبية) إلا أنها فرع مختلف تمامًا.

الإنجليزية، كما سبق الذكر، بدأت كلغة چرمانية خالصة ومختلفة جذريًا عن شكلها الحالي ويستحيل تمييزها وفهمها من معرفة الإنجليزية الحالية، وقصة تحورها من شكلها الأصلي لشكلها الحالي بدأت بتسلل التأثير اللاتيني عليها في القرنين السادس والسابع نتيجة لتنصير الحضارات الچرمانية في ذلك الوقت

وبما أن اللغة اللاتينية هي اللغة الدينية lingua liturgica للكنيسة الكاثوليكية (مثل اللغة القبطية للكنيسة المصرية،) وبما أن الكاثوليكية هي الفصيلة المسيحية التي أجتاحت شمال أوروبا، فكان من المحتوم أن تجد بعض الكلمات اللاتينية طريقها إلى معاجم اللغات الجرمانية ويتم إعتمادها وإستخدامها، ولكن ظل هذا التاثير محدود للغاية وفي أغلب الأمر لم يغادر جدران دور العبادة وظل شبه مقتصر على الطقوس التعبدية، ولكن أبرز تطور حدث وقتها هو الإحلال التدريجي في معظم السياقات والإستخدام للرموز الچرمانية بحروف الأبجدية اللاتينية.

التغيير الكبير ال لم يبدأ على قدم وساق إلا عام 1066 مع حدث فارق في تاريخ بريطانيا يسمى الغزو النورماني، أول وأخر غزو ناجح لبريطانيا منذ تأسيسها مع إستقرار الأنجلوساكسون، وجذور الغزو تعود لخلاف سياسي موغل في التعقيد حيث زعم أمير فرنسي يدعى “ويليام الغازي” من منطقة في شمال فرنسا تسمى “نورماندي” أنه الوريث الشرعي لعرش إنجلترا وأنه لن يتنازل عن حقه أيًا كانت الأسباب وشن هجوم ناجح وفرض سلطانه على إنجلترا بتداعيات مصيرية على جميع جوانب الحياة في إنجلترا، في الهوية واللغة والأعراف، وكل شيء.

جلب ويليام معه حاشية من رجاله وأقام نظامًا هرميًا إقطاعيًا في إنجلترا يحكم فيه هؤلاء الصفوة باقي المجتمع ويملكون جميع الأراضي، ونتيجة لأن جميع هؤلاء الأغراب تقريبًا لا يتحدثوا الإنجليزية، فنشأ في إنجلترا وضع شيق يسمى إزدواجية اللغة diglossia حيث أمر ويليام أن تصبح الفرنسية هي اللغة الأكثر وجاهة المستخدمة في المحاكم والبيروقراطية ومناهج التدريس وباقي الرسميات والمقررات الحكومية، بينما الإنجليزية هي اللغة العامية المتواضعة للتواصل اليومي (يشبه جدًا الوضع اللغوي في مصر والدول العربية حاليًا ومكانة اللغة الفصحى مقابل مكانة اللغة الدارجة)

ونتيجة لهذا الوضع الطبقي المفصوم أيضـًا نمت عدة ظواهر شيقة للغاية في اللغة الإنجليزية مثل، على سبيل المثال لا الحصر، إختلاف أسماء لحوم الحيوانات عن الحيوانات نفسها، مثل cow/beef وsheep/mutton وpig/pork وchicken/poultry وdeer/venison ولذلك لأن الطبقة الحاكمة المستهلكة كانت تستخدم الكلمات الفرنسية للمنتج النهائي الذي يُقدّم لهم، بينما ظلت الطبقة العاملة المتواضعة تستخدم الكلمات الچرمانية على الحيوانات التي يتعاملون معها، وأيضـًا من ميراث تلك الحقبة أن الكلمات الإنجليزية الرسمية حتى يومنا هذا تختلف بشكل ملحوظ عن الكلمات اليومية الشائعة.

في ذلك العهد بدأت الإنجليزية تستعير من الفرنسية بشكل مفرط جدًا وبإلتحامهما ظهرت لغة جديد هجينة تسمى “الإنجليزي الوسيط” Middle English وأستمرت منذ نهائات القرن الحادي عشر حتى نهايات القرن الخامس عشر حيث بدأ الإنتقال لمرحلة الإنجليزي الحديث، جزئيًا بسبب نزعات قومية سعت لإضفاء هوية مميزة على اللغة الإنجليزي تفصلها عن الفرنسية، وجزئيًا بفعل عمليات التحور اللغوي المحتومة (وتتضمن مرحلة شكسبير وأشهر نسخة للكتاب المقدس “نسخة الملك جيمس”) وأستمرت هذه في الصقل والتشكل حتى وصلت للصورة الحالية.

تطور الكتابة الإنجليزية على مدار الألف عام الماضية.
تطور الكتابة الإنجليزية على مدار الألف عام الماضية.

رائج :   نابليون يبكي أمام أسوار عكا

رائج :   رحلة في آلة الزمن || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

مقالات ذات صلة