دين و دنيا

سيرة سيف الله المسلول خالد بن الوليد (رضي الله عنه) || الجزء الأول

قريش .. جزيرة العرب .. قبل هجرة محمد رسول الله ﷺ بحوالى 30 سنة .. الوليد بن المغيرة سيد قريش يقف سعيداً بين الناس يبشرهم بقدوم مولوده الجديد من زوجته لبابة بنت الحارث ..

– ولد يومها طفلاً سيترعرع فى كنف أعظم سادات قريش وأكثرهم سطوة و نفوذاً .. طفلاً ذو حسب و نسب و مال و جاه و سلطان .. طفلاً سيصير شاباً ثم يصير بعدها قائداً يفتح الله على يديه بلاداً كان مجرد المرور منها حلماً لأهل الجزيرة العربية .. يومها ولد سيفاً سله الله على المشركين و المنافقين .. يومها ولد خالد بن الوليد بن المغيرة ..

ولد خالد للوليد بن المغيرة .. سيد بنى مخزوم أحد بطون قريش الثلاث و لتفهم أكثر فقريش كانت لها ثلاث بطون أى ثلاث أصول للأنساب منها يأتي زعماء قريش وزعماء الجزيرة العربية كلها و هم كالآتى :

  • بنو هاشم و الذين منهم محمد رسول الله ﷺ ..
  • بنو عبد الدار و الذين منهم الصحابي مصعب بن عمير ..
  • بنو مخزوم و الذين منهم الوليد بن المغيرة ..

بنو مخزوم كانت أغنى بطون قريش و أغناهم على الإطلاق كان الوليد أبو خالد .. كانوا تجاراً يسيرون قوافلهم بين مكة و الأصقاع المجاورة .. قريش كانت تقسم المهام بين بطونها الثلاث

وكان نصيب بنو مخزوم قيادة الجيوش و تعلم فنون القتال والفروسية والمبارزة فمنهم يأتى أفضل الفرسان و أفضل الرماة و أبناءهم يحظون بالرعاية الصحية و يؤهلون من صغرهم ليكونوا قادة لجيش قريش لاحقاً .. من هنا بدأت خطوات خالد الأولى مع فنون القتال .. من هنا بدأ تجهيز قائد المستقبل ..

كانت العادة فى ذلك الوقت أن يرسل أشراف قريش أطفالهم ليتربوا على يد مرضعات فى قلب الصحراء ما يؤثر على بنيتهم الجسدية لاحقاً .. خالد أمضى 6 سنوات تقريباً فى الصحراء عاد بعدها ليتربى فى بيت والده ..

تربى على أن يكون فارساً شجاعاً مقداماً و أظهر نبوغاً منذ سنواته الأولى فى كافة الأمور المتعلقة بالحروب .. هذا كان مؤشراً لما سيحدث لاحقاً .. كل من عرف خالد توقع له مستقبلاً باهراً .. لكنه تخطى حتى أكثر التوقعات تفاؤلاً .. خالد كان عبقرياً بحق ..

فى سن الثامنة والعشرون سمع خالد عن محمد بن عبد الله ﷺ الذي كان قد جهر بدعوته و أعلن لسادة مكة وأشرافها أنه رسولٌ من الله إلى العالمين .. و منذ الجهر بتلك الدعوة بدأت صناديد قريش بالتصدي لها وكان على رأسهم أربعة هم كانوا الأكثر كراهية لها :

  • أبو سفيان صخر بن حرب زعيم بنو أمية ..
  • أبو لهب بن العزة بن عبد المطلب سيد من سادات بنو هاشم و عم النبى ..
  • أبو الحكم عمرو بن هشام سيد من سادات بنو مخزوم ..
  • الوليد بن المغيرة سيد وزعيم بنو مخزوم ..

رائج :   فرانك سيناترا … فنان غير عادي .. مواقف غير عادية

فى ظل تلك الأجواء التى تربى بها خالد و بحكم إحتكاكه الدائم بوالده صار كارهاً لمحمد و دعوته ناقماً عليه و على من اتبعه .. ورث كراهيته من والده .. سمع العجب عن هذا الرجل الذى لا يريد مالاً و لا مُلكاً و لا جاهاً .. سمع عن ضغوط هؤلاء السادة على أبو طالب عم النبى كى يجعله يتراجع عن أمر رسالته .. سمع بلقاء والده الوليد بن المغيرة مع أبو طالب لمبادلة إبنه عمارة بن الوليد بمحمد ﷺ حينها سمع رد أبي طالب عليهم حين قال :

( و الله لا أظن هذا عدلاً .. تعطوني ابنكم اطعمة و أربيه وأعطيكم ابني لتقتلوه )

نحن هنا نتحدث عن شاب رأى والده على إستعداد للتنازل عن أخيه مقابل أن يملك أمر محمد ليقتله .. كيف بعدها لا يكرهه و حتى تكتمل لدينا الصورة فلنترك خالداً لبرهة و نتكلم أكثر عن أبيه الوليد صاحب بذرة الكراهية فى قلب خالد ..

بخلاف أنه سيد بنو مخزوم و سيد قريش و الأكثر مالاً و ولداً و مكانة و خبرة فى أمور الحرب كان أعلم أهل زمانه بالشعر و النثر و أصول اللغة العربية .. كل تلك الصفات دعت قومه لتلقيبه بالوحيد 

حيث أنه الوحيد بين أقرانه فى ذلك الزمان من توفرت له كل تلك الإمكانيات فى وقت واحد .. كان يرفض أن توقد ناراً غير ناره لاطعام الناس فى مواسم الحج .. كانت قريش كلها تكسو الكعبة عاماً و يكسوها الوليد وحده عاماً أخر ..

كان رجلاً صاحب هيبة و صاحب عقل و كرم و جود .. كل تلك العوامل جعلت النبى يطمع فى إسلامه .. إن أسلم الوليد أسلمت وراءه قريشاً كلها .. كان ذلك قريباً جداً لولا رجلاً من بنى مخزوم أيضاً .. رجلاً قال عنه رسول الله حين قُتل فى بدر ( هلك فرعون هذه الأمة ) .. أبو الحكم عمرو بن هشام أو كما لُقب لاحقاً بــ أبو جهل ..

رائج :   قصة أصحاب الأيكة ” قوم مدين “

مع الوقت وبعد جهر محمد برسالته بدأ الدين الجديد يكتسب أتباعاً جدد حتى وصل الأمر إلى إسلام أبناء بعض سادة قريش .. مصعب بن عمير .. الزبير بن العوام .. عثمان بن عفان .. طلحة بن عبيد الله .. سعد بن أبى وقاص ..

اشتد الأمر على هؤلاء السادة ما دعى الوليد للذهاب للقاء محمد ﷺ عسى يجد بين كلامه ثغرة ينال عن طريقها من أمر دعوته .. كان لقائهم لمدة ساعة أو أقل سمع فيها ما نزل على محمد فأثرت فيه الآيات و رق قلبه و تكررت اللقاءات بعدها ..

زرع محمد ﷺ بذرة الدين فى قلب الوليد .. كان يمنعه عن الإسلام نظرة قومه إليه .. بدأ أشراف قريش يقلقون من أثر تلك الزيارات و لكنهم لا يستطيعون منع الوليد من لقاء محمد و هو أعلى منهم مكانة و شأناً .. كلهم صمتوا إلا واحداً إستخدم الحيلة لمنعه .. أبو جهل شيطان ذلك الزمان ..

دخل أبو جهل على الوليد فى بيته و هو عمه و دار بينهم ذلك الحوار :

يا عم .. إن قومك يريدون أن يجمعوا مالاً ليعطوك إياه ..

إستعجب الوليد و هو أغنى أغنياء العرب و قال .. و لمَ ؟

قال : ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله ..

( أى تزوره بخلاً منك لتصيب من طعامه .. دخل إليه من باب المكانة و الكرم و الجود و هى أهم صفات الوليد )

قال : قد علمت قريش أنى من أكثرها مالاً ؟

قال : لا أدرى يا عم لكنهم لا يرون فى ذهابك إلى محمد إلا أن تكون بخيلاً أو أن تكون تابعاً له ..

قال : أنا أذهب لأستمع لكلامه فقط ..

قال : لا أرى سوى أن قومك بدأوا بالطعن فيك و لن يكف ألسنتهم عنك إلا أن تقول فى محمد قولاً منكراً ..

قال : وماذا أقول .. فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار منى و لا أعلم برجزه و لا بقصيده و لا بأشعار الجن منى .. و الله ما يشبه الذى يقول شيئاً من هذا ..

ثم قال قولته الشهيرة :

( و الله إن لقوله الذى يقوله لحلاوة .. و إن عليه لطلاوة .. و إنه لمثمر أعلاه .. مغدق أسفله .. و إنه ليعلو و لا يُعلى عليه .. و إنه ليحطم ما تحته )

رائج :   “نصائح لنفسي لو عاد بي التاريخ” 29 نصيحة للشباب من الدكتور طارق السويدان

إغتاظ أبو جهل و قال : و الله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قولاً منكراً ..

فقال له الوليد : فدعنى حتى أفكر ..

ظل الرجلين صامتين و ظل الوليد ينظر لأعلى و لأسفل و يفكر حتى أعياه التفكير .. هو قبل غيره يعلم أنه ليس شعراً و لا سحراً و لا كهانة و لكن إن كان يجب أن يقول شيئاً ليخرس الألسنة التى تتكلم عليه بالسوء فأقرب ما يقول فى قول محمد أنه سحر .. بلغ عنى يا أبا الحكم أنه سحر يؤثر و أن محمداً جاء بسحره ليفسد علينا معيشتنا ..

خرج أبو جهل سعيداً مسروراً يبلغ القوم بما قاله الوليد بن المغيرة .. الآن انقطعت صلة الوليد بمحمد ﷺ و لن تتكرر لقاءاتهم .. الآن ضمن أبو جهل أن يعود حليفه الأهم لصفوف المناوئين لدعوة محمد .. بعدها نزلت الآيات من سورة المدثر فى الوليد بن المغيرة رداً على ما ادعاه على نبى الله :

( ذرنى و من خلقت وحيدا * و جعلت له مالاً ممدودا * و بنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * و ما أدراك ما سقر * لا تبقى و لا تذر * لواحة للبشر )

هذا هو والد خالد .. و هذه هى البيئة التى تربى بها خالد .. بيئة كان طبيعياً أن تصد خالد عن اتباع هذا الدين الجديد .. خلال فترة سيشتد اضطهاد قريش لمحمد ( ص ) و أتباعه و معها يحزم أمره بالهجرة إلى يثرب لحاقاً بمن سبقه من المهاجرين الأوائل .. إن هى إلا أشهر قليلة حتى يتوفى الوليد بن المغيرة و يرث خالد منه ثروة عظيمة و ينشغل بالتجارة و ينسى أمر محمد و دعوته لفترة ..

  • فترة و ستُهزم قريش فى معركة بدر و سيقع 70 من أشرافها فى الأسر ..
  • فترة و يكون خالد على رأس جيش المشركين فى أُحد ..
  • فترة حتى يعلم أكثر عن الإسلام و المسلمين ..
  • ثم فترة و يقع الحدث الذى سيكون سبباً فى لقاء خالد برسول الله ..

– و لكن تلك قصة أخرى ..

Related Articles