أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

صورة تذكارية .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب لك يا سيدي في إحدى مناسباتي العائلية لأحكي قصتي .فمنذ سنوات طويلة كان أبي موظفا بسيطا بالحكومة تزوج من أمي وأنجب منها ابنتين وولدا هو أنا , وقبل أن أتم عامي الثاني رحلت أمي عن عالمنا فتزوج أبي بعد فترة من سيدة ريفية بسيطة أنجبت له 5 بنات في 5 بنين

وهكذا وجدت نفسي حين بلغت سن الصبا ولدا وحيدا علي سبع بنات ووجدت أسرتي المكونة من عشرة أفراد تعيش في شقة صغيرة من حجرتين وصالة تغالب قسوة الظروف وقلة الدخل , وحين تزوجت أختي الكبرى كادت الأسرة تتوقف عن الحياة من التقشف ووطأة التكاليف , ثم أحيل أبي إلي المعاش بعدها بعام واحد فانخفض الدخل إلي حوالي النصف وأصبحت الحياة أشد مرارة.

     ورغم قلة الدخل وكثرة الأعباء فلقد كان أبي مصمما علي تعليم أبنائه ليجدوا لأنفسهم موطئ قدم في زحام الحياة , ولم تكن ظروفنا تسمح لنا بترف الرسوب في المدرسة فواصلنا تعليمنا تحت ضغط ظروف لا ترحم حتى حصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير رشحني للالتحاق بكلية الطب , وهنا توقفت قليلا لأفكر ..

كلية الطب ؟ ومن أين لي بنفقات الكتب والدروس الخصوصية فيها. وهل أستطيع أن أعتمد فيها علي نفسي وحدها كما اعتمدت عليها في المراحل السابقة , وأقنعت نفسي بعد جهد بأني أستطيع ذلك فعلا فالتحقت بكلية الطب في مدينتي الساحلية , لكني اكتشفت بعد قليل كذب أوهامي , فلم أستطع الحصول علي بعض الكتب حتى نهاية السنة.. وتعذرت عليّ متابعة بعض العلوم بدون مساعدة خارجية ,

ولم أجد مليما واحدا لأدفعه ثمنا لدرس خصوصي فضلا عما وجدت نفسي فيه من غربة داخل مجتمع الكلية بمظهري البائس وبملابسي التي يرجع تاريخ بعضها إلي المرحلة الإعدادية , وهكذا رسبت في أول سنة لي فيها رسوبا فاحشا , وانطويت علي نفسي حزينا لمدة ثلاثة أيام أشفق خلالها أبي وأخوتي عليّ فلم يلمني أحد ,

وبعد تفكير طويل وجدت أنني احتاج لكي أنجح في الدراسة إلي العمل لكي أوفر لنفسي ثمن الكتب وبحيث لا يؤثر عملي علي دراستي فبدأت من شهور الصيف أعمل وأستذكر دروسي معا , وكان العمل الذي اخترته بسيطا للغاية وقد بدأ بثلاثة جنيهات اقترضتها من أبي , فصحوت ذات يوم في الفجر وذهبت إلي منطقة الملاحات واشتريت من الصيادين “شروة” سمك بساريا وضعتها في كيس كبير ورحت أطوف علي بيوت الأحياء القريبة لأبيعها بالقطاعي للأسر لتستخدمها كطعام للبط والدجاج ولم يسفر اليوم الأول عن ربح يذكر,

وفي اليوم الثاني شكوت للصياد الذي اشتريت منه بالأمس ذلك وشرحت له ظروفي فقال لي متألما أنه ظن أني أشتريت السمك لأسرتي فأعطاني السمك بسعر المستهلك , لكني ما دمت أشتريه كوسيلة للرزق فسوف يخفض لي السعر ويوصي زملاءه أيضا بذلك , وأعطاني في هذا اليوم السمك بنصف سعر الأمس تقريبا ,

وهكذا بدأت رحلتي “كتاجر” سمك صغير علي باب الله وبعد أسبوع رددت لأبي القرض الذي اقترضته منه وبعد شهرين آخرين بدأت أمد أسرتي ببعض القروش الصغيرة , وجاء العام الدراسي وانتظمت في الدراسة ولم يتغير في نظامي شئ سوي أن أعود للبيت في الصباح لأبدل ملابس بائع السمك بملابس طالب الطب وان كانت لا تكاد تفترق كثيرا عنها ! ثم أذهب إلي الكلية.. ونجحت في السنة الإعدادية بصعوبة ,

وفشلت في السنة الأولي ثم نجحت في العام التالي ولحقت بي إحدى شقيقاتي في نفس الكلية وأنا مازلت في السنة الثانية , ووجدت عائد المهنة لا يسعفني كثيرا فضلا عن طول المشوار إلي الملاحات في الفجر وقررت أن أبحث عن عمل آخر أكثر إيرادا , وذات يوم كنت عائدا من مشواري الصباحي فوجدت أمامي مخزنا لأنابيب البوتاجاز والعمال يضعون الأنابيب علي عربات تروللي صغيرة وينصرفون بها ,

وبلا تفكير وجدت نفسي أتقدم إلي صاحب المخزن وأسأله عما إذا كان يريد عاملا جديدا فتفحصني برهة ثم قال لي : من أنت يا ابني ؟ فعرفته بنفسي وأخرجت له بطاقتي الشخصية وبطاقة الكلية فتفحصها باستغراب ثم قال لي انه لا يستخدم إلا من يعرفه شخصيا من العمال لأنه يسلم كلا منهم عربة تروللي وبضع أنابيب لذلك فهو يخاطر إذا فعل ذلك معي , لكنه رغم ذلك يتوسم في الأمانة وسوف يستخدمني ابتداء من الغد  “ورزقي ورزقه علي الله”!.. فاندفعت أصافحه بشدة وأهز يده وأشكره من كل قلبي.

رائج :   الذكرى الغالية ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

     وفي صباح اليوم التالي كنت أقف أمام باب المخزن أنتظره حتى جاء,  وجاءت عربة البوتاجاز ووزع علي كل منا نصيبه ورحت أدفع التروللي أمامي وأطوف علي البيوت بعد أن حدد لي المنطقة التي أعمل بها فأدخل أول عمارة وأطرق بالمفك علي الأنابيب , فتفتح أبواب الشقق ويجئ النداء فأحمل الأنبوبة علي كتفي وأصعد للشقة وأتولى فك الأنبوبة الفارغة وتركيب الجديدة وأقبض الثمن وأنزل وتفرغ حمولة حمولة التروللي فأعود مسرعا إلي المخزن لأحضر حمولة جديدة وهكذا واستمررت في هذا العمل أربع سنوات تحسنت خلالها ظروفي وظروف الأسرة قليلا فاشتريت الكتب لكن مظهري لم يتحسن بل ربما ساء رغم إني كنت احرص علي ارتداء الأفرول فوق ملابسي في المخزن.

     ولأن للجسم طاقة لا يستطيع تجاوزها , فكثيرا ما كنت أبدو خلال الدروس العملية بالكلية التي تمتد أحيانا إلي ما بعد الظهر منهكا فاقد الحيوية واستلفت ذلك نظر زميلة لي في الكلية رقيقة وجميلة ومهذبة فوجدتها ذات يوم تقول لي : ” مالك مبهدل ونايم علي نفسك دائما هكذا ؟”

ثم أحسست بالخجل مما قالت وحاولت الاعتذار فهونت عليها الأمر ووجدت في سؤالها رغم قسوته نوعا من الاهتمام بي سعدت به , ولست في حاجة لأن أقول لك أنني حتي هذه اللحظة كنت في السنة الرابعة من الكلية لم أكن قد تنبهت بعد إلي ان في الكلية زميلات , أو أن في الحياة فتيات عدا أخواتي , فأنا مشغول بعملي الشاق وبدراستي وبظروف حياتي عن مثل هذا الترف فسعدت جدا باهتمام هذه الزميلة واطمأننت إليه وأصبحت كلما لقيتها أحييها وأتبادل معها الحديث..

وازدادت ثقة صاحب المخزن فيّ فأصبح يعطيني عربة بأربع عجلات تتسع لحوالي عشرين أنبوبة وخصص لي صبيا صغيرا يخرج معي ليحرص العربة حين أحمل الأنابيب إلي الأدوار العليا ولم يعد يضايقني شئ في هذا العمل سوي تحكم بعض بوابي العمارات وإصرارهم علي عدم السماح لي بحمل الأنابيب بالمصعد وتمسكهم بأن يكون التسليم ولو للدور العاشر عن طريق السلم المرهق.

     وذات صباح حملت أنبوبة بوتاجاز إلي شقة الدور الخامس في عمارة فاخرة جديدة أضافها صاحب المخزن إلي منطقتي بعد أن تركها أحد العمال وسافر للعراق فدخلت إلي المطبخ وفككت الأنبوبة الفارغة وركبت الجديدة وأجريت لها الاختبار التقليدي وغادرت الشقة بسلام وحملت الأنبوبة الفارغة علي ظهري ومددت يدي إلي ربة البيت لأتسلم الأجرة فوجدت إلي جوارها فجأة زميلتي بالكلية إياها والتقت عيناي بعينيها في لمحة خاطفة.. فتأكدت من أنها عرفتني رغم الأفرول المشحم والمنديل الذي أربط به رأسي ,

لكنها لم تبد أي انفعال وأسرعت أنا أهرول علي السلالم.. وأنا لا أكاد أري طريقي من الضيق والهم ووقفت علي باب العمارة لحظات حتي تهدأ أنفاسي , ثم ساعدت الصبي في دفع العربة وأنا شبة غائب عن الوعي والخواطر تتدافع داخلي ماذا ستفعل ؟.. هل ستذيع سري في الكلية ويتغامز الطلبة عليّ.. وهل سترحب بصداقتي بعد ذلك أم ستراني غير جدير بها ؟.

     وأمضيت في البيت ثلاثة أيام لا أذهب خلالها إلي الكلية ولا أكاد أنام.. وبعد يومين سألت نفسي لماذا كل هذا الضيق وأنا لا أخجل من ظروفي أمام أحد؟ ووجدت الإجابة واضحة كالشمس أمامي.. لأني غارق بغير أن أدري في حب هذه الزميلة الفاضلة حبا صامتا يملك علي عقلي وكياني وأتطلع إلي مستقبل أفضل أتغلب فيه علي صعوباتي وأصبح فيه جديرا بها وما حدث قد هدم هذه الأحلام !

رائج :   لعنة الوضع الوسط || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

     وبقوة الألم وحدها شققت طريقي إلي الكلية في اليوم الرابع وأنا أتحسب لكل نظرة من زميل أو زميلة فوجدت العيون خالية من أي تعبير ثم جاءت هي بنفس النظرة الهادئة المهذبة التي عهدتها فيها من أول يوم وقالت لي بلهفة : أين أنت؟ أريد أن أتحدث معك ! وانتحت بي جانبا من الكلية وسألتني باهتمام عن قصتي فوجدت نفسي أحكي لها كل شئ , وعندما انتهيت كانت نظرة الاحترام تطل من عينيها وهي تؤكد لي أنني شاب مكافح شريف وأنها تتمني لنفسها إنسانا مكافحا أمينا مثلي , وإنها لا تعترض علي عمل البوتاجاز في شئ إلا في انه مرهق ويسلبني معظم قدرتي علي الدراسة والاستذكار لذلك فهي تفضل أن أبحث لنفسي عن عمل أقل مشقة.. واختتمت حديثها قائلة : وسوف نبحث عن هذا العمل معا!.

     يا إلهي لماذا لا تأتي السعادة غالبا إلا بعد مكابدة العذاب ؟!! لقد عشت ثلاثة أيام في الجحيم.. فإذا بكل آلامي تذوب فجأة وأنا أسمع هذه الكلمات السحرية وأقبلت علي الحياة من جديد وواصلت العمل في البوتاجاز لمدة شهرين فقط بدأت بعدهما أعمل كمدرس خصوصي لطلبة الإعدادي في المنازل والمساجد , ورغم انخفاض الدخل فلقد كان ما يأتي به هذا العمل خير معين لأسرتي ولي ,

وساعدني بالفعل علي إعطاء جهد أكبر لدراستي , وتخرجت فتاتي في الكلية قبلي بعام ولم تنقطع عنها ولاعني وتقدم لها خطاب كثيرون رفضتهم جميعا وشجعتني علي إنهاء دراستي وتخرجت بالفعل وعادت فشجعتني علي التقدم لأسرتها وأنا مشفق من ظروفي ومن الرفض لكني استجبت لها وتقدمت وليتني ما فعلت , فقد سمعت كلاما كوي جسمي وقلبي بالنار,

وخرجت مهزوما مدحورا ولم أشأ أن احملها ما لا طاقة لها به, فانسحبت من حياتها ومن المدينة كلها وطلبت نقل سنة الامتياز الخاصة بي إلي احد المستشفيات في أقصي الصعيد , وحملت ملابسي القليلة وسافرت إلي هناك ومضت الشهور ثقيلة مريرة وأنا أتابع أخبارها عن طريق شقيقتي طالبة الطب , وانتهت سنة الامتياز وبدأت سنة التكليف في الصعيد وأفرغت كل طاقتي في العمل وفي رعاية أسرتي علي البعد.

     ووجدت في هذه المدينة الصغيرة البعيدة سلواي عن فتاتي التي لم أحب سواها وافتتحت بعد بضع سنوات عيادة صغيرة جعلت منها مسكني وعملي , وعرفت وأنا هناك أن فتاتي قد أرغمت علي الزواج من رجل أعمال “من بتوع اليومين دول” وإنها غير موفقة معه , وحياتها جحيم لا يختلف عن جحيم حياتي..

ومضي عام آخر ونفسي لا تسلوها ولا تغيب عني صورتها وفي الساعة الرابعة من مساء ذات يوم كنت جالسا في غرفة الكشف بالعيادة استعد لاستقبال المرضي حين فتح الباب ودخلت سيدة فرفعت رأسي إليها فإذا بها فتاتي بلحمها وشحمها , وقفزت أرحب بها وجلست تروي لي بدموعها قصتها , فقالت لي إنها حصلت علي الطلاق بعد حياة مريرة وزوج غصبت عليه تحت ضغط الأهل ,

وإنها بحثت عني بعد الطلاق في كل مكان من المدينة فلم تجدني إلي أن عرفت أخيرا مقري , وأقنعت أهلها بأن يعطوها حريتها في اختيار شريك حياتها وركبت القطار في الفجر لتراني.. وتسألني هل مازلت راغبا فيها , ثم ترجع بنفس القطار بعد ساعة , فوجدت نفسي أقول لها علي الفور:

لن تعودي إلي مدينتك إلا وأنت زوجة لي علي سنة الله ورسوله وتركتها في العيادة وخرجت وعدت بعد نصف ساعة ومعي مأذون البلدة وصاحب البيت الذي أقيم فيه وطبيب بالمستشفي الحكومي.. وعقد القران.. وشهد صاحب البيت والصديق الطبيب علي العقد وطلبت منها أن تنهض لتلحق بالقطار , فقال لي الحاج صاحب البيت ولماذا تعود كل هذا الطريق في الليل وهي زوجتك أمام الله والناس..

تعاليا معي إلي شقتي لنخاطب أسرتها في التليفون ونبلغها بالخبر السعيد ونستأذنها في بقائها معك إلي أن تنزلا بعد أيام في أجازة,  وسأعد لكما الشربات وعشاء الزفاف علي بركة الله.. وفي مسكنه تم الاتصال التليفوني ووزع الشربات , وأطلقت احدي السيدات زغرودة فتساقطت معها دموعي ودموع زوجتي واحتفت بنا أسرته إلي أن نزلنا إلي مسكننا لنرتشف السعادة التي حرمنا منها طويلا ونهجع إلي السكينة بعد طول عذاب.

رائج :   بدايات غزو اليابان للصين أثناء الحرب العالمية الثانية ونشأة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية

     ثم سافرنا بعد يومين واسترضينا الأهل وباركوا زواجنا وسعدت به أسرتي وعدنا إلي البلدة الطيبة ونقلت زوجتي إليها , ووجدنا بعد شهور شقة أخري لسكننا , وابتسمت لنا الدنيا أخيرا وتخففت من كثير من الأعباء فتخرجت شقيقاتي وأصبح لكل منهن حياتها , وكانت المناسبة العائلية التي أوحت إلي بالكتابة إليك الآن هو عيد الميلاد الثالث الذي احتفلنا به أمس لطفلتنا الوحيدة ثمرة الحب والعذاب “وفاء” فلقد وقفت مع زوجتي وبيننا طفلتنا لنلتقط صورة تذكارية لنا فوجدتني فجأة استعرض شريط حياتي ابتداء من “شروة السمك في الفجر إلي سنوات البوتاجاز إلي سنوات الحب اليائس إلي الهزيمة والاندحار.. إلي عودة الحب الذي توجناه بالارتباط وبالطفلة التي اخترنا لها اسم وفاء!”.

     وقررنا أن نكتب إليك هذه الرسالة لعل البعض يجدون فيها ما يساعدهم علي تحمل ظروفهم وما يحفزهم علي ألا يفقدوا الأمل دائما في غد أفضل يتحقق بالكفاح والإرادة والحب فنحن مازلنا نكافح لتحسين ظروفنا , لكن الكفاح في ظلال الحب أهون كثيرا منه في ظل الشقاء والتعاسة وهذا ما أردت أن أقوله لقرائك والسلام..

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

     سعدت بنشر رسالتك هذه رغم أنها لا تحمل مشكلة ولا تطلب رأيا.. لأن فيها فعلا ما يفيد الآخرين ويهدئ المشاعر ويبعث الأمل في النفوس , فليس برسائل المعذبين وحدها نتعلم الحكمة وإنما برسائل السعداء أيضا نثري تجاربنا الإنسانية ونفهم أسرار الحياة , ولو سطر كل إنسان تجربته في الحياة علي الورق سعيدة كانت أم شقية لأضافت بكل تأكيد إلي معرفة الآخرين بالنفس البشرية الكثير.. وفي الحق انه ليست هناك دائما تجارب شقية أو تجارب سعيدة من البداية إلي النهاية, لأن الحياة مزيج عجيب من الاثنين ولا بأس بذلك لأنه سنة الحياة , ولأن المهم هو أن يسقط المطر وينبت الخير في النهاية لمن بذر الحب والوفاء والعطاء للآخرين كما فعلت. 

     بل ولا عجب أيضا في أن يعود إليك نصفك الغائب حتي ولو ضل الطريق إليك ثلاث سنوات , لأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ولأن الله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!. 

إن أجمل ما في رسالتك يا صديقي هي أنها تخلو من نغمة الرثاء للنفس التي تسود رسائل كثيرين من القراء ربما لم يكابدوا بعض ما كابدته أنت في حياتك من كفاح ومعاناة , وأروع ما فيها هي إنها تقول للآخرين بالتجربة الصادقة أن الإنسان قادر دائما علي أن يحقق لنفسه بعض ما تصبو إليه بالكفاح والإرادة والصبر,

فلقد استطاع الإنسان أن يتغلب علي كوارث الطبيعة ويروض الوحوش ويستأنس الجوارح بقدرته علي الكفاح والتكيف وتلمس أسباب السعادة في أبسط الأشياء , في حين عجز الديناصور الذي تفوق قوته قوة الإنسان عشرات المرات , عن أن يغالب ظروفه ويتكيف معها فانقرض واندثر وبقي الإنسان ينسج كل يوم قصص حبه وكفاحه ويبني أعشاشه كل يوم وإلي أبد الآبدين. 

     لقد كانت رسالتك هذه يا صديقي نسمة رقيقة تنسجها وسط “الأنين” الذي ينبعث من مئات الرسائل الأخرى.. لكن لماذا يا ربي لا تخلو حتى رسائل السعداء مما يثير الشجن؟ ولماذا تخفق قلوبنا معهم وهم يتحدثون عن معاناتهم حتي إذا ما وصلوا إلي لحظة السعادة والتنوير التي يتبدد فيها الظلام ويجتمع الشمل.. وجدنا العين تندي معهم في أفراحهم كأنه لابد دائما مما يثير الأحزان ولو في لحظات السعادة !  

  • من أرشيف جريدة الأهرام
  •  نشرت سنة 2003

مقالات ذات صلة