دين و دنيا

سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) || الجزء الأول

  • الزمان : أحد أيام عام 582 م .. عام 40 قبل الهجرة ..
  • المكان : شبه الجزيرة العربية .. تهامة .. مكة … منزل  الخطاب بن نفيل بن عبد العزى الذى يقع على جبل العاقر وسط منازل بنو عدى بن كعب ..

يومها رزق الخطاب بولد من زوجته حنتمه بنت هاشم بن المغيرة و قد اختار له إسم عمر .. فكان عمر بن الخطاب

 فى مجتمع يموج بالكفر وعبادة الأصنام و إرتكاب الكثير و الكثير من المعاصى و فى بيت الخطاب تحديداً كان من الصعب على الفتى الصغير ألا يكون قاسي الطباع فوالده الخطاب كان رجلاً فظاً يعامل أقرب الناس إليه بقسوة و إضافة لذلك الطبيعة الجبلية التي نشأ فيها الصبى الصغير جعلت طباعه خشنة نسبياً ..

كان صعباً على الفتى أن يكون غير ذلك بالتأكيد .. لم يكن الخطاب من أصحاب النفوذ و لا الرئاسة .. بنو عدي كلهم لم يكونوا من أصحاب النفوذ فهم لم يكونوا بطناً كبيراً من بطون مكة مثل بنو هاشم أو بنو عبد الدار أو بنو مخزوم و بناءاً عليه كانت توكل إليهم أمور السفارة بين قريش و جيرانها من القبائل وهي مهمة تعد بسيطة نوعاً ما كون قريشاً كانت أكبر قبائل جزيرة العرب ولم تكن تجرؤ القبائل الأخرى على قتالها ..

عاش عمر طفولته فى فقر و عانى شظف العيش فكان يرعى إبلاً لوالده و لبعض خالاته من بنو مخزوم و لكنه عوض أمر فقره المادي بتعلمه القراءة فتميز عن بقية الفتيان فى عمره و أيضاً تعلم المصارعة مع الوقت حيث كان شاباً طويلاً قوى البنية لم يكن يضاهيه فى قوته إلا شاباً أخر هو خالد بن الوليد بن المغيرة .. تعلم أيضاً الفروسية و كتابة الشعر ..

إذاً نحن هنا أمام شاباً قوياً متعلماً تميز عن أغلب أقرانه بقوته البدنيه و خبرته بالمصارعة و الفروسية و الشعر .. بعبارة أخرى نحن أمام شاباً ترعرع فى مجتمع طبقى لأسوأ حد فأراد التمرد على واقعه و إبراز إسمه وسط باقى جيله من الشباب .. نحن أمام شاباً إتسم بعزة النفس و الكبرياء و الطموح أيضاً ..

رائج :   مهاتير محمد … شخصية اسلامية معاصرة تستحق الانتباه

طموح عمر جعله يبحث دائماً عن الرفعة و الثراء فهاهم أخواله بنو مخزوم فيهم الوليد بن المغيرة أغنى أغنياء جزيرة العرب .. الوليد الذى كان يرفض أن يتكفل غيره بإطعام الحجيج فى موسم الحج .. الوليد الذي كان يكسو الكعبة وحده عاماً و تكسوها قريش كلها فى العام الذى يليه ..

بنو مخزوم التى كان منها إبن خاله خالد بن الوليد و الذى كان صديقاً له و منافساً أيضاً فى أمور الرياضة و الفروسية و لكن خالد كان يتفوق بالمال و العز و الثراء .. تلك الأمور كانت دائماً فى نفس الشاب الطموح فقرر الإشتغال بالتجارة كونها كانت الوسيلة الأبرز فى الحصول على المال فبدأ فى حضور أسواق العرب الشهيرة مثل سوق عكاظ و سوق مجنة و سوق ذي المجاز و تعلم التجارة و فنونها

حتى صار أحد أبرز تجار قريش و هو ما عاد عليه بالثروة بلا شك فقبل أن يتم عامه الثلاثين كان بالفعل تحصل على الكثير من المال فجمع بين المال و القوة و الكبرياء و السمعة الواسعة بين الناس حيث كان يتسم بالشدة بل و الفظاظة إن شئنا الدقة فكان يهابه الجميع بسبب امتلاكه لكل تلك العوامل .. من كان يجرؤ على مجابهة عمر وقتها نفر قليل فى جزيرة العرب ..

عند وصول عمر سن التاسعة والعشرين كان قد مر على رسالة محمد ﷺ ثلاث سنوات قضاها كلها فى الدعوة لدين الله سراً و لم يكن يعلم أحد بتلك الدعوة حتى أتى أمر الله لنبيه بإعلان الدعوة والجهر بها .. فى ذلك الوقت كان عمر يجلس بالقرب من الأصنام والمشركين يذبحون الذبائح قرباناً لآلهتهم فإذا به يغلبه النعاس فرأى فيما يرى النائم أن منادياً يصرخ بصوتٍ عال و يقول :

يا جليح ( أى أيها المكافح بالعداوة ) ..   رجل مليح ( المقصود رسول الله ﷺ ) .. – بلسان فصيح .. – يقول لا إله إلا الله ..

ففزع عمر مما سمعه وما لبث الناس إلا أن سمعوا بأمر دعوة التوحيد التي جهر بها محمد ﷺ و بالرغم من تأثر عمر بما سمعه إلا أنه ومنذ وقتها بدأت عداوة بينه وبين ذلك الدين الجديد .. عداوة زادت وتيرتها بالتدريج حتى كادت تصل إلى المواجهة المباشرة بين عمر و بين رسول الله ﷺ ..

رائج :   تولستوي ..

بدأ عمر – مثل غيره – فى مراقبة أمر ذلك الدين الجديد .. ماذا يريد محمد ؟ أيريد أن يغير نظامنا القبلي بالكامل .. يريد أن يساوي بين السادة و العبيد .. يريد أن تتساوى الرؤوس .. و ماذا عن طموح عمر و اجتهاده و تجارته و حسبه و نسبه الذى شرع فى رفعته و بناءه من جديد .. ماذا عن تنافسه مع سادة شباب قريش .. أكل هذا يذهب سدى ؟ ..

لا و الله .. ليكونن عمر أشد الناس على هذا الدين .. ليكونن عمر أحد و أمضى السيوف على رقاب بنو عدى و لا يَجرُؤن أحداً منهم بإتباع محمد .. فها هى جارية بنى المؤمل أحد أحياء بنو عدى كان يعذبها منذ الصباح إلى المساء لكى تعود عن أمر إسلامها و لا يترك أمر تعذيبها إلا مللاً منها .. و ها هو يمشى فى الأسواق محذراً الناس من إتباع محمد و إلا سيلقى منه أشد العذاب ..

وصل به الأمر إلى تفكيره فى قتل رسول الله و تقديم نفسه لبنو هاشم ليقتلوه فداءاً له لتخليص قريش من تلك الدعوة التى تفرق بين المرء و أبيه .. الدعوة التى تفرق بين إخوة الدم و الدين .. كان عمر حازماً صارماً شديداً فى أمر الإسلام و المسلمين بلا أدنى شك ..

مرت سنتان على الجهر بالرسالة ولم يؤمن إلا قلة قليلة أغلبهم من المستضعفين الذين آمنوا على خوف من سادة قريش و رسول الله يمشي بين الناس يدعوهم إلى الله ويحذرهم من عذاب يوم القيامة .. كان يمكن أن تتغير نظرة عمر لمحمد ﷺ لو أنه رأى دعم بنو هاشم له إلا أن أعمامه و على رأسهم أبو لهب و هم أقرب الناس إليه كانوا يسبونه و ينهرونه و يقللون من أمر رسالته و يتآمرون عليه و يؤذونه و لم يكن لرسول الله بعد الله سبحانه و تعالى إلا زوجته خديجة و عمه أبو طالب و صاحبه أبو بكر و قلة من المستضعفين الذين آمنوا برسالته ..

رائج :   الامام ” ابن تيمية ” المفترى عليه .. الحقائق الغير منقوصة

عمر مثل غيره كان يرى تمسك المسلمين بذلك الدين رغم كل ما عانوه من تعذيب ..

رأى بلال بن رباح و الحجر على صدره و رمل الصحراء يغطيه و لا يزال يقول أحدٌ أحد ..

رأى أبو بكر الصديق يدافع عن رسول الله لما خنقه عتبه بن أبى معيط فقامت قريش بضرب أبى بكر حتى دمى جسده كله و هو يقول : ( ويلكم .. أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله )

رأى عبد الله بن مسعود يجاهر بقراءة القرآن و المشركين يضربونه حتى قام أبو جهل بلطمه فشق أذنه ..

رأى خباب بن الأرت و هو يُجر على رمل الصحراء المحرقة بعد أن قام المشركين بتعريته ..

رأى آل ياسر يعذبون فيموت الوالد ياسر من شدة التعذيب و تموت الأم سمية بعد أن واجهت أبى جهل فطعنها بالحربة و يعذب الإبن ياسر أشد العذاب حتى يذكر محمداً بسوء أو يذكر آلهتهم بخير ..

كل هؤلاء و أكثر رآهم عمر – مثلما رآهم أخرين – و بدأ يسأل نفسه عن ماهية هذا الدين الذي يتحمل من أجله هؤلاء الناس كل هذا العذاب و الهوان .. نعم بدأ عقل عمر يفكر إلا أن قلبه كان ممتلئ بالحقد تجاه محمد ودينه الجديد .. عمر الآن فى منتصف الطريق تقريباً ..

  • فترة قصيرة حتى يلين قلب عمر ..
  • فترة قصيرة حتى يعلم بأمر إسلام أخته و زوجها ..
  • فترة قصيرة حتى يقرأ كلام الله ..
  • ثم فترة أقصر حتى يقع على ركبتيه أمام رسول الله ..

– و لكن .. تلك قصة أخرى ..

مقالات ذات صلة