“بهدلوني، حرقوا البيت، ودخلوا جابونى من جوه، ورموني قدام البيت، وخلعوني هدومي زي ما ولدتنى أمي.. مخلوش حاجة حتى ملابسى الداخلية، وأنا بصرخ وأبكي.. وبعدين ربنا خلصنى من إيدهم.. وناس خدونى جوه بيتهم، أخدت جلابية قديمة ولبستها.. وبعدين جت الناس تسأل عليَّ.. فرد أهل البيت وقالوا ليهم مش موجودة.”
– ده نص شكوى السيدة سعاد ثابت، المواطنة المصرية المسيحية المعروفة بسيدة الكرم، نسبة لقرية الكرم في مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا، إحدى أبرز ضحايا الاعتداءات الطائفية على منازل المسيحيين في القرية في ٢٠ مايو ٢٠١٦.
– محكمة النقض حكمت من أيام بتثبيت حكم محكمة الجنايات في المنيا ببراءة المتهمين الثلاثة، إسحاق أحمد وأولاده نظير وعبد المنعم، بالاعتداء على السيدة سعاد وهتك عرضها عبر تعريتها وسحلها أمام منزلها ضمن الاعتداءات الطائفية اللي وقعت في اليوم ده.
– ربما تكون هناك ملابسات قانونية دفعت محكمة النقض لإصدار هذا الحكم، لكن الحكم يكشف عن عوار شديد في بنيتنا القانونية والقضائية والشرطية.
– العوار ده بيمثل تصريح بالاعتداءات الطائفية اللي بتصل لحد الجرائم ضد الإنسانية وبتهدد المجتمع ككل، علشان كده لازم نقلق بشدة من الحكم ده، ولازم نقف عنده وقفة كبيرة ونطالب بإنه يكون نقطة تحول لاستعادة حق سيدة الكرم أولا، ولإنقاذ المجتمع المصري وكل مواطن فيه من مصير خطير.
قد يهمك: ملخص قضية سد النهضة الاثيوبي والكارثة الكبرى المنتظرة لمصر
قصة تعرية سيدة الكرم
– نشأ التوتر الطائفي في القرية بسبب إشاعة عن علاقة بين رجل مسيحي وسيدة مسلمة، وأدى التوتر ده إلى دعوات بالتجمع بعد صلاة الجمعة يوم ٢٠ مايو ٢٠١٦ للانتقام من الأقباط وطردهم من القرية.
– لما ده حصل، الرجل المسيحي ده أخد أسرته، زوجته وأولاده، وسابوا القرية، لكن فضل في البيت والده ووالدته المسنين وأسرة أخوه، فراح والده لمركز الشرطة وحرر محضر بالتهديدات ومخاوفهم من تنفيذها.
– اللي حصل إن مركز الشرطة مأخدش أي خطوة لحماية المواطنين المهددين دول ومنازلهم، وبالفعل في اليوم التالي، تجمهر مئات من سكان القرية المسلمين على رأسهم عائلة السيدة المسلمة وعائلة زوجها، وراحوا أشعلوا النار في بيوت خمسة من المواطنين الأقباط منهم بيت الرجل المسيحي ده، واللي كان فيه وقته والده ووالدته وأسرة أخوه.
– المعتدين ماكتفوش بكده وإنما عملوا اللي وصفته سيدة الكرم في الكلام اللي نقلناه، دخلوا جابوا السيدة من جوه وزوجة ابنها التاني، وعروهم وسحلوهم أمام منزلهم.
– بعد الاعتداءات، فيه ٢٥ متهم تم القبض عليهم في قضية حرق المنازل والاعتداء على المواطنين الأقباط واستعراض القوة، لكن كلهم أخلي سبيلهم ما عدا واحد.
– لما راحت سيدة الكرم تحرر محضر بالاعتداء اللي حصل ضدها، رفض ضابط الشرطة في المركز تحرير المحضر، فمطرانية المنيا أصدرت بيان باللي حصل يوم ٢٥ مايو، اضطر بعدها مركز الشرطة لتحرير المحضر لسيدة الكرم.
– الاتهام في واقعة التعدي اتوجه للأشخاص التلاتة اللي اتكلمنا عنهم، لكن بعدها النيابة قفلت القضية لعدم كفاية الأدلة وأخلت سبيلهم.
– وقتها محامي السيدة تظلم من قرار النيابة، فبالفعل غرفة المشورة قررت تحويل المتهمين لمحكمة الجنايات، وبالفعل تمت محاكمة المتهمين وصدر ضدهم حكم غيابي بالسجن عشر سنوات.
– لكن المتهمين طالبوا بإعادة المحاكمة لأنها تمت غيابيا، رغم إنهم هما اللي رفضوا الحضور، وبعد شوية دائرة أبو قرقاص في محكمة المنيا تنحت عن القضية، وانتقلت القضية لدائرة سمالوط اللي حكمت بالبراءة. وأخيرا الطعن على الحكم اللي تقدمت به المجني عليها أمام محكمة النقض تم رفضه وتثبيت حكم البراءة.
مشكلة الطائفية
– كتير بنتكلم عن مرض الطائفية الخبيث اللي بيصيب بعض القطاعات في مجتمعنا، وبننسى نتكلم عن إن المرض ده بيصيب مؤسساتنا نفسها كمان.
– اللي إحنا حكيناه ده مليان بأسباب تفشي الطائفية في مجتمعاتنا. من أول نوع الاتهامات اللي تم توجيهها للمتهمين اللي بتدل على إن قوانيننا مفيهاش توصيف خاص للجرائم الطائفية والعنصرية، بمعنى إن فيه فرق بين إن واحد ضرب التاني في الشارع بسبب إنهم اختلفوا على فلوس وبين إنه ضربه لأنه أسود أو مسيحي أو شيعي أو لأنها امرأة. في الحالة التانية الجريمة مش مجرد جريمة ضرب، دي جريمة ضرب واضطهاد عنصري أو طائفي يستلزم عقوبة أردع ومواجهة أكثر حسما.
– مش بس القانون قاصر، لكن أداء الشرطة في القضية دي كان لازم أصلا يكون موضوع لتحقيق موسع. إزاي راجل يروح يستغيث بإنه مهدد هو وأهله، وبعدين الشرطة تستنى يوم كامل يتم فيه الاعتداء عليه هو وأهله وجيرانه بدون تدخل. دي في حد ذاتها جريمة تواطؤ تستدعي محاسبة القائمين على مركز الشرطة في الوقت ده.
– مش بس كده، ده وصل التواطؤ لرفض إعطاء سيدة الكرم حقها الأساسي والمبدئي تماما في شكوى المعتدين عليها بتحرير محضر ضدهم، وعدم تحرير المحضر إلا بضغوط بعد أيام من الاعتداء تكفل إخفاء الأدلة، وبرده ده يعدي بدون أي محاسبة للمسئول.
– بعد كده بنشوف تخبط غريب في أداء المؤسسة القضائية في الموضوع، في الأول النيابة تقفل الملف، لكن غرفة المشورة في محكمة الجنايات تشوف إن قرار النيابة مش في محله، وتحول القضية للمحكمة، فالمحكمة تفضل تأجل القضية لشهور طويلة وسنوات بسبب تغيب متعمد من المتهمين اللي هو نفسه يستلزم محاكمة المتهمين في اتهام مستقل متعلق بتعطيلهم العدالة من خلال تعمد التغيب عن المحاكمة.
– وبعدين بعد كل التأجيل ده لما يصدر حكم من الجنايات ضد المتهمين، تتعاد المحاكمة بسبب تغيب المتهمين المتعمد، وبعدين بعد الإعادة تتنحى المحكمة، فتروح القضية لدائرة تانية.
– كل ده بيحصل في وقت المتهمين دول فيه أحرار طلقاء بدون أي نوع من الحبس الاحتياطي اللي بنشوف سجناء الرأي خاضعين له لسنوات بدون أي مبرر. بينما في الحالة دي، المتهمين ساكنين في نفس البلد مع المجني عليهم، وفيه اضطهاد طائفي بيعانيه المجني عليهم، يعني القضية برمتها مهددة بالتلاعب وباضطهاد المجني عليه، وكمان المتهمين مش راضيين يحضروا جلسات المحاكمة، لكن القضاء مشافش داعي لحبس المتهمين دول احتياطيا.
– مفيش غياب للعدالة ممكن يكون أوضح وأخطر من كده، وده يستدعي تدخل فوري من البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للشرطة وفتح تحقيقات وتشكيل لجان لإصلاح المؤسسات دي لضمان تحقيق العدالة وضمان حماية المواطنين على مختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية من الاضطهاد، ولضمان تحقيق العدالة الناجزة.
قد يهمك: اجندات سياسية…لماذا يحاولون فرض المثلية علينا؟
المجالس العرفية أداة لتحقيق العدالة أم لإبطالها
– المجالس العرفية وكل أشكال التدخل الاجتماعي البعيد عن المؤسسات الرسمية ده شيء خطير، خاصة في قضايا ذات أبعاد اجتماعية وثقافية مركبة وخطيرة زي القضايا الطائفية.
– لكن في نفس الوقت، المجالس دي سلاح ذو حدين، ممكن تكون أداة لضمان عدم تكرار الجرائم دي من خلال التوعية والإلزام بالتعويض المادي والمعنوي والضغط الاجتماعي لتنفيذ القانون وتوفير الدعم للمجني عليه، وممكن للأسف تتحول لأداة لإبطال الحق من خلال إخضاع الطرف الأضعف لضغط اجتماعي وتهديد مبطن علشان يتنازل عن حقه لصالح المجرم اللي اعتدى عليه.
– للأسف ده اللي بنشوفه بيحصل كتير في القضايا الطائفية في الصعيد، ومن ضمنها القضية دي، اللي تم فيها عقد صلح عرفي قام بعض المجني عليهم بناء عليه بتغيير أقوالهم لتبرئة المتهمين المعتدين.
– هنا القضاء نفسه ومؤسسات الدولة والقانون مطلوب يتدخلوا لإنقاذ المجني عليهم من الضغوط وفرض حكم القانون وإخضاع المجرمين للعقوبة حماية للمجتمع وتحقيقا للردع.
– لكن للأسف الأولوية لدى الدولة والمسئولين عندنا، وأحيانا حتى أطراف مجتمعية، هو تغطية الجرح الطائفي ده والتهوين من الجريمة خوفا من دعم الدعايا الطائفية، لكن اللي احنا بنقوله دايما ثابت، وهو إن حكم القانون وفرضه على الجميع هو أكبر ضمان وأكبر تأكيد لأن مفيش طائفية وإن الكل بيخضع لنفس القانون، وده اللي يحمي سمعة مصر وتماسك مجتمعها فعلا.
– أما تغطية الجرائم بالصلح العرفي فمابيعملش غير إنه يولد جرائم جديدة، بيشجع المجرم على تكرار جرمه والإقدام عليه، وبيخلي المجني عليه شاعر بالمظلومية ومتحفز ضد اللي بيضطهدوه، وبيظهر فيه كأن الدولة منحازة لطرف على حساب التاني.
تحية لسيدة الكرم ومطالبة بحقها
– سيدة الكرم وزوجها هم مثل عظيم على الإنسان المتمسك بحقه اللي رفض كل الضغوط وتحمل مصاعب مادية ومعنوية هائلة في سبيل التمسك بحقه وانتظار إنصاف القانون له.
– رفضوا الصلح العرفي، ورفضوا اليأس أمام تواطؤ الشرطة والقضاء وقصور القانون، وأصروا على متابعة المطالبة بحقوقهم.
– الخذلان الي تتعرض له سيدة زي دي هو خذلان لكل مواطن مؤمن بالقانون والعدالة ومؤمن بإمكان تحقيقهم من خلال الدولة في مصر، علشان كده القضية دي مش قضية سيدة الكرم، وإنما قضية كل مواطن.
– وعلشان كده بنطالب أعلى مستوى في سلطات الدولة المصرية، السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية، بالتدخل فورا لإعادة المحاكمة وفتح تحقيق موسع في القضية دي في كل أشكال التواطؤ والضغط على المجني عليهم، لإنصاف الضحية ومعاقبة الجاني وضرب المثل في سيادة القانون.
– لازم كمان تطوير مؤسساتنا التشريعية والقضائية والشرطية لضمان تحقيق العدالة بدون تلكؤ أو تواطؤ.
– كل التحية لسيدة الكرم الي بنشعر بالكسوف أمامها بعد ما المجتمع كله عجز عن حمايتها، عن حماية سيدة مسنة من الاعتداء الجسدي ومن التعرية، وكل الألم من غياب العدالة.