فن الادارة ..قصص وعبرقضايا وأراءوعي

ماليزيا .. موهبة الإعتماد على الذات || الجزء الثاني

بقلم الكاتب : أحمد كامل

النهضة التى بدأت علاماتها فى الظهور منذ وصول مهاتير محمد إلى رئاسة الوزراء لم يكن قبيل الصدفة .. الرجل كان عبقرياً بحق و استطاع هو و فريق عمله فى إعداد برنامج ممتاز فى شتى المجالات مستعيناً بجهود من سبقوه فى سدة الحكم .. و قد تم إيضاح النقاط الرئيسية لبرنامج مهاتير محمد التعليمى فى الجزء الأول .. الآن نتحدث عن باقى النقاط ..

النهضة الصحية :

منذ اليوم الأول لحكومة السيد عبد الرازق حسن عام 1970 و وصولاً لحكومة السيد مهاتير محمد و هدف الرعاية الصحية للشعب الماليزي كان نصب أعينهم .. بالطبع كانت الوتيرة بطيئة نسبياً فى البداية بحكم تواضع الإمكانات و لكنها أتت ثمارها مع الوقت حيث قامت على عدة أسس :

  • – الدعم الحكومى لثمن الأدوية التى يحتاجها الفقراء بإستمرار خاصة الأدوية المنقذة للحياة
  • – تشجيع القطاع الخاص على الإستثمار فى القطاع الطبى و بناء المستشفيات و المراكز الصحية
  • – المساعدة فى إنشاء العيادات الخارجية المتنقلة و وصولها إلى مناطق الريف التى كانت مهملة سابقاً مع تقديمها لخدماتها مجاناً خاصة فى مجال الصحة الإنجابية
  • – تتكفل الحكومة الماليزية الآن بتغطية تكاليف الرعاية الصحية و نفقات العلاج بنسبة 98 % و ذلك يشمل كل من يعيش على أرض ماليزيا سواء مواطن أو مغترب و بغض النظر عن مدى شرعية إقامته و تخصص لذلك 4.8 % من ناتجها القومى الإجمالى
  • – آثار التطور الذى حدث فى القطاع الصحى الماليزى وصل إلى حصول المستشفيات الماليزية على شهادة الأيزو 9002 ما أهلها لأن تكون مستشفيات دولية و محل إقبال عالمى
  • – أثر ذلك تُرجم لأرقام ممتازة حيث ارتفع متوسط العمر المأمول من 69 عام إلى 75 عام و انخفض معدل احتمالية وفاة المواليد و حتى خمس سنوات إلى 6 حالات من كل 1000 مولود 

مكافحة الفقر :

الوضع فى البداية كان مآساوياً .. الفقر كان منتشر فى كل مكان تقريباً .. بالكاد يجد الشعب قوت يومه .. القضاء على الفقر فى أسرع وقت ممكن كان إجبارياً ولم يدخل فى نطاق الرفاهية .. فى سبيل ذلك قررت الحكومة مساعدة المؤسسات غير الحكومية فى أكثر من برنامج لدعم الفقراء أبرزها :

1 – برنامج التنمية للأسر الأشد فقراً :

ساهم فى تقديم فرص عمل جديدة وزيادة الخدمات الموجهة للمناطق الفقيرة ذات الأولوية بالإضافة لإنشاء الكثير من المساكن و تأهيل و ترميم القديم منها و تحسين ظروف سكن تلك الطبقة من المجتمع عن طريق مد خطوط المياه النقية و توصيل الكهرباء و الصرف الصحى .. برنامج عبقرى فى مجال توفير الحياة الكريمة للفقراء ..

2 – برنامج أمانة أسهم البوميبترا :

البوميبترا هم عرق المالاى و السكان الأصليين و بحكم أنهم كانوا الفئات الأفقر فى المجتمع فقد أصبح دعمهم أمراً ضرورياً فقام البرنامج بتقديم قروض حسنة بدون فوائد و بفترات سماح تصل إلى أربع سنوات مع ميزة رائعة وهي إمكانية إستثمار تلك القروض فى شراء أسهم بواسطة المؤسسة نفسها .. بمعنى أخر المواطن الذي لم يكن يجد قوت يومه أصبح له رأس مال لا يدفع أقساطه إلا بعد أربع سنوات وهو بالأساس بدون فوائد و إضافة لذلك فأمواله تم استثمارها فى شراء أسهم تدر عليه أرباحاً فى نهاية فترة القرض .. نظاماً عبقرياً لإنتشال الطبقة الفقيرة من فقرها ..

رائج :   بيزنس التعليم بيختار زباينه .. لا لمقابلات المدارس

3 – برنامج أمانة إختيار ماليزيا :

برنامج غير حكومى نفذته مجموعة من المنظمات الأهلية الماليزية و ساهم فى زيادة مداخيل الأسر الفقيرة مع تقديم قروض بدون فوائد للفقراء بشرط أن تكون مرتبطة بمجال الزراعة أو أحد المشروعات متناهية الصغر و كانت تلك المنظمات توفر مبالغ القروض إما من المنح الخارجية أو عن طريق قروض بدون فائدة أيضاً تقدمها لها الحكومة .. برنامج عبقرى أخر ساهم فى زيادة الرقعة الزراعية بالإضافة إلى زيادة عدد المشروعات الصغيرة و متناهية الصغر .. فقر أقل و غذاء أكثر .. 

4 – برامج الدعم المباشر :

قامت الحكومة بدعم الفقراء عن طريق تقديم إعانة شهرية تراوحت بين 130 : 260 دولاراً أمريكياً لمن يعول أسرة و هو معوق أو غير قادر على العمل بسبب الشيخوخة ..

5 – برامج القروض الميسرة :

قامت الحكومة بتقديم قروض بدون فوائد لشراء مساكن قليلة التكلفة للفقراء فى المناطق الحضرية و قامت بتأسيس صندوقاً لدعم المتأثرين بأزمة العملات الآسيوية فى 1997 على الرغم من تقليل إنفاق الحكومة بعد تلك الأزمة ..

6 – الاهتمام بالبنية التحتية :

توفير كل مرافق البنية التحتية الأساسية للفقراء فى المناطق الريفية و أحياء الفقراء فى المناطق الحضرية بدءاً من المدارس و المستشفيات و المياه و الكهرباء و الطرق و الكبارى و الإتصالات السلكية و اللاسلكية ضمن خطة مهاتير محمد التى أطلق عليها رؤية 2020 ..

7 – الارتقاء بالمرأة الماليزية :

المساهمة فى تعليم المرأة الماليزية و تطوير مستواها عن طريق إقامة المدارس الدينية التى تم إنشاؤها بالعون الشعبى إذ ساهمت تلك المدارس فى توسيع قاعدة المتعلمين بين الفتيات و النساء ..

8 – حصر معدلات الفقر :

بحلول منتصف التسعينات كانت مؤشرات الفقر قد تراجعت لمعدلات قياسية فقد تراجع معدل الفقر فى المناطق الحضرية إلى حدود 9 % و 13.2 % فى المناطق الريفية مع تراجع معدل الفقر المدقع إلى 2.1 % فقط ..

النهضة الإقتصادية :

( 1 ) الصناعة :

فى بداية فترة حكم مهاتير محمد لجأ كسابقيه إلى الاعتماد على الزراعة كأساس لنهضته بحكم توفر الأراضى الزراعية و بغرض استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل و لكن الزراعة وحدها لم تكفى ففكر فى أكثر مجال يستوعب الأيدى العاملة ليضرب عصفورين بحجر واحد ( تحقيق أرباح + تخفيض البطالة ) فوقع اختياره على صناعة ( الرقائق الإلكترونية ) و تبعها بصناعة الكمبيوتر و التلفزيون و التكييف و الفيديو و أجهزة الصوت و هو ثمرة التعاون مع الشركات اليابانية فى عهده

رائج :   فراسة .. || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

حيث كانت اليابان الدولة الداعمة الأولى لنهضة ماليزيا و ذلك لم يكن ليتم لولا جهود مهاتير محمد مع الحكومة اليابانية والذي جاهد كثيراً لإقناعها ببرنامجه الطموح مع إغرائهم بعديد المزايا التي سيجنونها من دخولهم السوق الماليزية فأعطى لهم إعفاءات ضريبية وصلت إلى 10 سنوات للشركات العاملة فى المجالات التكنولوجية إذا ما أنتجوا تلك الأجهزة بمكونات محلية بنسبة 80 % و فى حالة تصدير 80 % على الأقل و قدم قروض لتلك الشركات و تسهيلات فى السداد و أنشأ لهم المناطق الصناعية و إهتم بالبنية التحتية حتى باتت ماليزيا الآن من أشهر دول العالم فى تلك الصناعات و لم يهدر حق باقى الصناعات فعلى مدار فترة ولايته ساهمت سياسته فى إنشاء أكثر من 15000 مشروع برأس مال قدر ب 220 مليار دولار يخص الإستثمار الأجنبى منها 54 % ..

( 2 ) السياحة :

فى بداية عهده كانت السياحة صناعة راكدة ففكر فى كيفية تنميتها و وضع خطة تنمية تعد عبقرية فى استغلال أوضاع بلاده وقتها .. قرر تحويل كل معسكرات اليابانيين فى الحرب العالمية الثانية إلى منتجعات سياحية و منشآت رياضية ترفيهية و مراكز علاجية و حدد 10 سنوات لإختبار نتيجة ذلك التطوير فى البنية التحتية السياحية فتحولت ماليزيا إلى أحد أكبر المزارات السياحية و مركزاً لإقامة أكبر بطولات سباق السيارات وسباقات الخيول و الألعاب المائية فارتفع بذلك إيراد السياحة من 90 مليون دولار عام 1981 إلى 22.6 مليار دولار عام 2014 ..

( 3 ) النهضة الإنشائية :

النهضة الإقتصادية و الوفرة المالية التي نتجت من عمل سنين طوال ساهمت في ظهور ثورة إنشائية هائلة فى عموم البلاد و لكن من الممكن تلخيصها فى بعض الإنشاءات التي تعد علامات لماليزيا الحديثة اليوم مثل :

  1. – البرج التوأم ( بتروناس )
  2. – مطار كوالالمبور الدولى
  3. – الطريق السريع بين الشمال و الجنوب
  4. – حلبة سيبانج الدولية
  5. – ممر الوسائط المتعددة الخارق
  6. – سد باكون الكهرومائى
  7. – العاصمة الإدارية الاتحادية الجديدة ( بوتراجايا )

( 4 ) تخطى الأزمة الاقتصادية الآسيوية :

 أكبر أزمة إقتصادية قابلت السيد مهاتير كانت الأزمة المالية الأسيوية عام 1997 و تأثرت بسببها ماليزيا كباقى الدول الأسيوية و إن كان بصورة أقل من نظرائها فلم يسبقها حينها إلا الاقتصاد السنغافوري .. تأثرت وقتها العملة المحلية ( الرينجت ) بسبب المضاربات و معها حاول اللجوء لصندوق النقد الدولي للتفاوض على قرض ليعينه على مواجهة الأزمة إلا أنه إكتشف مع المفاوضات أنه سيكون مكبل بالقيود و ستعاني ماليزيا من سلب الإرادة وعدم الاستقلالية في اتخاذ القرار بالإضافة لتكبيل الأجيال القادمة بديون و فوائد سيؤدى سدادها إلى تباطؤ فى معدلات نموهم

فقرر الإعتماد على نفسه وعلى شعبه و اتخذ قرارات صارمة و لكنها كانت مفيدة فى نفس الوقت و معها نجح فى تخطى الأزمة وساعده فى ذلك إرتفاع معدلات التصدير فى مجال الإليكترونيات .. بسبب تلك القرارات أصبحت ماليزيا من قلائل الدول التى استطاعت أن تبنى نهضتها بعيداً عن تسلط صندوق النقد الدولى .. أبرز تلك القرارات :

  • – جعل التعامل بالعملة الوطنية داخلياً فقط و عدم قابليتها للتحويل
  • – إعادة هيكلة 11 بنك محلي 
  • – تثبيت سعر الدولار عند 3.8 رينجت لكل دولار مع منع تحويلها إلا فى المطارات و الموانئ فقط
  • – إنشاء مجلس العمل الاقتصادى الوطنى تحت إشرافه شخصياً 
  • – فرض قيود لمنع بيع الشركات الوطنية
  • – جذب الإستثمارات الأجنبية للقطاع الخاص خصوصاً من اليابان و سنغافورة
  • – شراء كافة الديون المعدومة للشركات التي تأثرت بالأزمة
  • – إعادة هيكلة الديون المتاح تحصيلها مع دعم غير محدود للبنوك الوطنية

رائج :   كيف تصطاد العميل المحتمل ؟

أخيراً :

التجربة الماليزية تجربة تستحق الإحترام بحق و يحق لماليزيا حكومة و شعباً الفخر بما حققوه على مدار 52 عاماً فى ظل صعوبات تمثل عائقاً لأى نمو مستقبلي بداية من صغر مساحتها – 330 ألف كيلو متر – و تنوعها العرقى المقسم بين مالاى و صينيين وهنود بخلاف نسبة أخرى من المهاجرين و تنوعها الديني بين الإسلام و المسيحية و بعض العقائد الأخرى مثل الهندوسية و عدد السكان الكبير مقارنة بظروفهم وقتها – 9.5 مليون نسمة في بداية نهضتهم – بالإضافة لجو مشحون بالتوترات العرقية و الطائفية و فقر و جهل و مرض إلا أنه و رغم كل تلك الصعوبات و على يد أبنائها وعلى رأسهم صانع نهضتها مهاتير محمد استطاعت ماليزيا تجاوزها و وضع نفسها على خارطة الصناعة العالمية ..

استطاعت ماليزيا أن تتحول من مجرد دولة زراعية تنتج المطاط وزيت النخيل والشاي كمحاصيل أساسية بالإضافة لإنتاج القصدير و تصديره كمنتج أولى إلى دولة صناعية و خدمية كبرى حيث يمثل القطاعان معاً 90 % من الناتج القومي لها .. طال التطور كل أرجاء ماليزيا حتى إن من بين كل 10 سيارات تسير فى شوارع ماليزيا هناك 8 منهم صنعوا محلياً .. استطاعت بنهضتها التغلب على غول البطالة حتى وصل معدل البطالة إلى 3 % من إجمالي القوى العاملة و انخفض معدل الفقر لأقل من 5 % بعدما كان 71 % وقت التأسيس و 51 % بداية فترة مهاتير محمد ..

إقتصاد ماليزيا الآن رقم 38 على العالم بناتج محلي إجمالي 302.7 مليار دولار عام 2016 مع معدل صادرات أكثر من رائع 184 مليار دولار يضعها فى المركز 20 عالمياً و معدل واردات ممتاز 156 مليار دولار يضعها فى المركز 32 عالمياً محققة فائضاً فى ميزانها التجاري يقدر ب 28 مليار دولار مع معدل نمو 4.2 % فى 2016 و معدل تضخم قليل للغاية 2.12 % .. 

ماليزيا بلا شك نجحت .. نأمل أن نرى نموذجاً مشابهاً فى مصر ..

مقالات ذات صلة