الموت على الرغم من كونه حقيقة، إلا أن في ناس قدرت تسيب ذكرى في الدنيا من خلال البراندات اللي صنعتها وسابتها تخدم الشعوب والمجتمعات في العالم كله، فعندك مثلاً “الكولنل ساندرز” مؤسس “كنتاكي” أو “أكيو موريتا” مؤسس “سوني” وناس تانية كثير صنعت براندات غيرت التاريخ، وهو ده اللي قدر يحققه مؤسس “إيكيا” “إنجفار كامبراد” اللي توفى في منزله عن عمر يناهز 91 سنة يوم 27 يناير2018 بعد ما صنع أكبر سلسلة محلات لبيع الأثاث في العالم، واللي يخليك تقف وتتأمل قصة الراجل ده هو مش أنه بس قدر يعمل براند عالمي أو فكرة مبتكرة، لأ اللي يخليك تقف عنده هي الظروف اللي قدر يتغلب عليها ووصل من خلالها لكل ده.
ولد إنجفار سنة 1926 في قرية صغيرة في جنوب السويد، وكان طفل كسول وبينام كثير لحد ما جاتله الهدية اللي غيرت مجرى حياته وهي عبارة عن منبه أهداه له والده بمناسبة عيد ميلاده، وبفضل الهدية دي قدر إنجفار أنه يغير من أسلوب حياته تماماً لأسلوب أكثر نظاماً وساعده على اكتشاف شغفه بالتجارة.
بدأ إنجفار أول تجاربه مع التجارة وهو عنده 15 سنة فاشترى أعواد كبريت بكميات كبيرة من العاصمة ستوكهولم، وأعاد بيعها في مدينته بسعر أغلى يعود عليه بربح بسيط وتوسع أكثر في تجارته وبدأ يشتغل في تجارة السمك والحبوب وأدوات الزينة، وبدأ بنفس الأسلوب اللي اعتمد عليه في تجارة الكبريت وهو الشراء بالجملة والبيع القطاعي، وفي سنة 1943 حصل إنجفار على مكافأة من والده بسبب أدائه في المدرسة وبسبب المكافأة دي تغيرت حياة أنجفار 180 درجة، وده لأن إنجفار مفكرش التفكير التقليدي في أنه يصرف الفلوس دي على نفسه، بل قرر أنه يستثمرها في تأسيس أول شركة رسمية ليه وكل ده وهو عنده 17 سنة.
بالفلوس اللي حصل عليها من والده والفلوس اللي حوشها أسس إنجفار شركة إيكيا، واختار الاسم ده لأنه كل حرف منه هو الحرف الأول من اسم منزل عائلته “Kamprad Elmtaryd Agunnaryd Ingvar” وبسبب الشركة دي أزداد شغف إنجفار بالتجارة فتوسع وتاجر في المحافظ والساعات والمجوهرات والأقلام الرصاص، وفي سنة 1948 توسع أكتر واشترى مصنع مهجور واستخدمه لتصنيع الأثاث المنزلي وطبع أول كتالوج لمنتجاته بيوضح فيه كل شيء بيبيعه من منتجات الأثاث المنزلي، وبالمناسبة الكتالوج ده بيعتبر من أهم أسباب شهرة إيكيا في العالم بسبب التشكيلة الواسعة اللي بيغطيها من المنتجات اللي بيكون متوضح فيه كل تفاصيلها، نجاح انجفار في الأثاث خلاه يوقف كل نشاطاته التجارية ويركز على صناعة الأثاث فقط.
وفي سنة 1958 تم افتتاح أول معرض لمنتجات إيكيا بالشكل المتعارف عليه الآن، ومن وقتها كان تركيز إيكيا منصب على التطوير المستمر والإدارة الفريدة تحت شعار “إيكيا وجدت لتجعل كل يوم أفضل من السابق لأكبر عدد من الناس”، أسلوب أنجفار الفريد والمختلف وملامح شخصيته هما اللي خلوا البراند بتاعه ينجح النجاح الساحق ده وخلاه يتفوق على باقي المنافسين.
فلو بصينا لأسلوب إدارته هنلاقي أنه اهتم بالآتي:
– التوفير على العملاء من خلال تقليل مصاريف التركيب، ففي إيكيا كل شيء بيتباع مفكك في علب والزبون هو اللي بيجمع كل القطع مع بعض من خلال اتباع تعليمات سهلة وبسيطة.
– التوفير على الشركة من خلال تقليل مصاريف العمالة، فإيكيا شغال بفكرة “اخدم نفسك بنفسك” لتقليل فترة الانتظار وزيادة السرعة في الأداء يعني مفيش حد بيساعدك جوه المحل بس في نفس الوقت انتشار اللافتات الإرشادية لتوجيه الزوار اللي بدوره قلل التكاليف.
– التركيز على زيادة المبيعات فإيكيا شغال بفكرة المسار الإجباري عشان يضمن أن العميل اللي بيخش لازم يمر على كل المنتجات الموجودة في المحل.
– توفير أكثر من منصة للبيع، فإيكيا موفرين امكانية الطلب من خلال التليفون أو الأيميل بعد مشاهدة المنتجات باستخدام الكتالوج.
– توفير كل ما يحتاجه العميل للشراء، فالمحل جواه مطعم عشان الزوار ما يحتاجوش يخرجوا بره عشان يجيبوا أكل وكمان مناطق لعب للأطفال عشان الأهالي يمضوا وقت أطول في المحلات.
– التسويق المختلف، تسويق إيكيا فريد من نوعه فمثلاً إيكيا عرضت في سنة 2005 على أول من يدخل المحل الجديد في مدينة أتلانتا الأمريكية الحصول على قسائم شراء مجانية بقيمة أربعة آلاف دولار اللي خلى أحد المواطنين يعسكر بخيمته قدام المحل لمدة أسبوع حتى وقت الافتتاح ونفس الشيء في مدينة جدة بالسعودية، لما عرضت 50 قسيمة شراء مجانية على أول 50 زائرا لمحلها الأول هناك، وكان المردود آلاف الزوار.
– الحفاظ على صحة الموظفين ففي الساعة الثالثة والنصف عصراً بياخد الموظفين فترة راحة لممارسة بعض التمارين الرياضية عشان يحافظوا على نشاطهم.
– الحفاظ على الهوية فكل المنتجات مكتوب عليها باللغة السويدية مما يدل على مدى اعتزاز أنجفار بلغة بلده.
ملامح شخصيته
أنجفار كان مؤمن بقوة التوفير في الحياة وأن الرفاهية المبالغ فيها ممكن تتسبب في فساد الشخص وده كان واضح في أن رحلاته كلها كانت في درجات الطيران الاقتصادية وأنه حتى لما كان بيسافر وبيبقى قاعد في فندق كان بيشتري مشروباته وأكله من محلات سوبر ماركت عادية عشان يوفر على نفسه تكاليف الفندق، بجانب أنه كان مؤمن بأهمية الفشل في حياة أي رجل أعمال عشان ينجح ومن أشهر مقولاته اللي بتأكد على كده هي ” النائمون فقط هم الذين لا يرتكبون الأخطاء”.
ومن المقولات اللي بتعبر عن وجهة نظرة في التوفير هي “تصميم مكتب خشبي ثمنه ألف دولار أمر سهل لكن تصميم مكتب خشبي عملي جيد ثمنه 50 دولار فهذا شيء لا يقدر عليها سوى القليل”، وقالت مجلة فوربس الأمريكية إنه ما بين سنة 2005 و2010، تم تصنيف إنجفار كواحد من أغنى 10 أشخاص في العالم بثروة تبلغ قيمتها 28 مليار دولار.
لو عايز تعرف أكثر عن أسلوب إنجفار في إدارة إيكيا ممكن ترجع لكتابه leading by design the ikea story اللي بيحكي فيه قصة تأسيسه لإيكيا والمشاكل والعقبات اللي واجهها، في النهاية لازم ناخد بالنا من الرسالة اللي الشخص ده سابهالنا وهي أن الاختلاف والتفرد والتوفير في تقديم الخدمة أو المنتج هما من أسباب النجاح.