قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || صديقتها

هي مشكلة المشاكل في حياتي كلها .. 
فهي صديقتها ..
صديقة زوجتي ..
وهذه المشكلة لم تبدأ بعد زواجنا ؛ وإنما قبل هـــــذا بكثير ، فهي صديقة زوجتي منذ طفولتهما وصبــــــاهما ..
وهى ـ كالمعتاد ـ نديمة أحلامها وكاتمة أسرارها..
وهذا هو المزعج في الأمر..

فمنذ خطبتنا لاحظت أن زوجتي ( خطيبتي آنذاك ) شديدة التعلُق بصديقتها ( كوثر ) ، وأنهما تتزاوران أكثر مما ينبغي ـ من وجهــــة نظري ـ ولكنني لم أُولِ هذا الأمر اهتماماً شديدًا ، في أيام الخطبة ، لأن ظروف عملي لم تكن تسمح لي إلا بأوقات قليلة ، أقضيها مع خطيبتي أسبوعيًا ، وكان من المستحيل بالطبع أن نقضى هذه الأوقات القليلة في مناقشة أمر كهذا ، إذ كان لا يكاد يكفيــــــنا لنختلس سويعات من الحديث الهامس العاشق …
ولكن، وفي المرات القليلة ، التي التقي فيها بـ ( كوثر ) ، في أثناء
فترة الخطوبة ، لاحظتُ أمراً لم يَرُقْ لي أبدًا ..
لاحظت أن ( كوثر) تعرف عنى كل شيء تقريباً ..
أو بمعنى أدق ، تعرف كل ما أرويه لـ ( فاتن ) ـ خطيبتي ـ عن نفسي ..
وكان هذا يعنى أن (فاتن ) تروى لـ (كوثر ) كل شيء .. 
حتى ما أرويه لها ..

وكان هذا يضايقني كثيراً، بل وربما يشعرني أحياناً بالحرج والحنق ، وبأنني أشبه بشخص خاضع لمراقبة دقيقة ، فلا يملُك حتى الاحتفاظ بلحظات شخصيه وخاصة ..
ولكنني ـ للأسف ـ لم أعترض حينذاك

وتزوجنا ..
تزوجتُ ( فاتن ) ، وأنا أعلم أنني في الواقع تزوجتهما معًا ..
أو فقدتهما معًا ….

فمُنذُ أول صباح لنا لعنت هذا الهاتف ، الذي ظلتا تتبادلان الحديث عبره لساعة كاملة ، قبل أن أُقنع ( فاتن ) بضرورة إنهاء المحادثة ، لمنح باقي المهنئين فرصه الاتصال بنا ..

رائج :   القصاصة مازالت في جيبي || د : أحمد خالد توفيق

وبعد أشهر قليلة بدأت المحادثات تتخذ طابعًا مُخيفًا .. 
طابـــــــع الهمس ..

كانت ( كوثر ) تزورنا كثيرًا ، بمعدل لايفل عن مرتين يوميًا ، وعلى

الرغم من هذا ، فقد كانت تتحدث مع ( فاتن ) لمدة ساعة ونصف يومياً عبر أسلاك الهاتف ..
وفور ظهوري يتحول حديثهما إلى الهمس الحذر ، وكأنني ضيف غير مرغوب فيه ، أو كأنني عدو شرير لا ينبغي له معرفة ما يدور بين الأصدقاء ..

وكنت واثقاً أن ( فاتن ) تفعل ما كانت تفعله أيام خطبتنا .. 
كانت تروى لها أسرارنا ..
وهنا شعرت بخطورة هذه الصداقة ، وضرورة العمل على إنهائها بأي ثمن ..

ولكن كيف ؟! 
هذا هو السؤال ..

في البداية لجأت إلى الأسلوب البسيط ، وصارحت ( فاتن ) بكل ما يضايقني بشأن علاقتها بـ ( كوثر ) ، وطالبنها بتخفيف صداقتها بها ، ولكنني فوجئت بـ (فاتن ) تواجهني فى عدوانية عجيبة ، وهي تقول:
ـ ولماذا لا تقطع أنت علاقتك بأصدقائك ؟

قلتُ في دهشة : 
ـ وما شأن أصدقائي بالأمر ؟ .. إن صداقتي بهم لم تمس يوماً حياتنا الزوجية .. إنكِ حتى لا تعرفينهم ، وهم غير معتادين على زيارتنا .

قالت في صرامة : 
ـ هذا شأنهم .. أما صداقتي بـ (كوثر ) فهي صداقة متينة لا تنفصم أبدً ..

هتفتُ في غضب : 
ـ ولكن ليس من حقك نقل أسرارنا إليها ..

قالت في حدة : 
ـ لا تُلقِ التُهم جُزافًا .. ألديك دليل واحد على ما تقول ؟

رائج :   أخر أيام أمي …

أجبتها في مرارة : 
ـ لسنا هنا في محاكمة لتطالبيني بالدليل ..

صاحت : 
ـ ولسنا هنا في سجن لتطلب منى قطع علاقتي بأفضل صديقة لدىَّ ..

وأدركت أن هذه الوسيلة فاشلة تمامًا ، وأن (فاتن ) لن تقطع علاقتها أبدًا بـ (كوثر ) إكرامًا لي .. 
وكان علىَّ أن أجد وسيلة أُخرى ….

وبدأت في مُعاملة ( كوثر ) بشيء من التجاهُل ، والبرود عسى أن تشعر أنها ضيف غير مرغوب فيه فتكُف عن زيارتنا .. 
ولكن (كوثر) لم تنقطع أبداً عن زيارتنا .. 
كل ما حدث هو أن زوجتي أصبحت تستقبلها عند الباب وتنتقل معها مباشرةً إلى حجرة الصالون ، وهناك تنهمكان في حديث هامس ، من المؤكد أنني وأسلوبي محوره الأول ..

وبدأت ( فاتن ) تعاملني في جفاء مماثل ، وكأنها تنتقم لصديقتها منى ..
وأدركت أن هذا الأُسلوب أيضاً قد فشل ..
وأخذت أبحث عن أسلوب آخر …

وفجأة قفزت تلك الفكرة إلى رأسي ..
وكانت فكره جهنمية بحق .. 
وعبقرية ..

وفى أول زيارة لـ (كوثر ) ، كُنتُ مُستعدًا تمامًا ، فارتديتُ أفخر ثيابي وأكثرها أناقة ، وحلقت ذقني في عناية ، وصففت شعري جيدًا ، وأضفت لمسه من عطر رجالي فاخر ، ثم أسرعت أُسابق زوجتي وأستقبل ( كوثر ) بابتسامه عريضة ..

وفى هذا اليوم كانت دهشتهما كبيرة ـ (كوثر ) و( فاتن ) ـ عندما بالغت في الاحتفاء بـ ( كوثر ) وتبادلت معها حديثًاً وديًا باسمًا ، وتصورت زوجتي أن هذه هي طريقتي في الاعتذار عن معاملاتي السابقة الجافة مع صديقة عمرها ..
ولكنها لم تفهم ما اعتزمته ..

رائج :   حكاية وسيلة || ج2

كانت هذه هي البداية .. 
مجرد البداية ..

وفى الأيام التالية رُحت ألعب دور العاشق الولهان ، فأعود كل يوم إلى المنزل ومعي زهرة حمراء ، وشريط من شرائط أغنيات( عبد الحليم ) وأظل طيلة الوقت استمع إلى الأُغنيات في هيام ، وأنا أرفع الزهرة إلى أنفى كل دقيقة ..

رحت أسأل في لهفة عن مواعيد زيارات( كوثر ) ، وأحرص على استقبالها بكل أناقة ، بل على إحضار بعض الحلوى الأنيقة اللذيذة ، كلما حضرت لزيارتنا ….

وبعد أسبوع واحد ألقيت طُعمًا جديدًا ، عندما خاطبتُ زوجتي باسم ( كوثر ) وأنا أتظاهر بالشرود ..

وبدأت زوجتي تضيق بزيارات ( كوثر ) بعد أن كانت تنتظرها في لهفة ، في حين ضاعفت أنا من تظاهري باللهفة لتلك الزيارات ، ومن حفاوتي الزائدة بـ ( كوثر ) عند قدومها ..

ولأول مرة منذ حداثتهما بدأت بعض المُشاحنات البسيطة تنشأ بين ( فاتن ) و (كوثر ) وفى كل مرة كنت أقف إلى جانب ( كوثر ) في حماس ، حتى لم تعد زوجتي تطيق زيارات ( كوثر ) ، أو حتى سماع اسمها ..

ثُم كانت المُشاجرة الكُبرى بينهما ..
وبعدها انقطعت ( كوثر ) عن زيارتنا تمامًا …
ومنذ ذلك اليوم أصبحت زوجتي تثور ، كلما سألتها عن ( كوثر ) وعن سر غيابها الطويل ، وأدركت أنني قد توصلت إلى ما أبتغيه باستخدام أقوى سلاح ضد المرآة ..

الغيرة ..

تلك الغيرة التي جعلت زوجتي تخسر صداقة عمر بأكمله ..
والتي جعلتني أربح سعادتي وارتياحي في منزلي دون تدخل منها ..

من صديقتها ..

—————-
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ نداء الأعماق)

Related Articles