من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أكتب إليك وأنا أواجه اختيارا صعبا ..أحتاج معه إلى من يشير علي بالرأي فيه .. فأنا يا سيدي شاب في الأربعين من عمري نشأت في أسرة عادية. وكان أبى موظفا حكوميا مكافحا ونقيم في حي الحلمية, ثم التحقت بكلية الحقوق .. وخلال سنوات دراستي الجامعية كانت هناك في الحي فتاة جميلة مزهوة بنفسها تدرس بكلية التربية الرياضية, وكان معظم شباب الحي يعجبون بها ويرون فيها فتاة أحلامهم ..
وكانت هي تتيه فخارا بذلك, ثم شاءت الظروف أن أتعرف عليها في بيتنا حين أصبحت صديقة لأختي وجاءت لزيارتها.وفى هذا اليوم تحدثت إليها لأول مرة فأعجبت بها وتمنيتها لنفسي, لكني لم أجسر على إعلان أمنيتي لكثرة المعجبين حولها. وتكررت الزيارات فوجدتها ذات يوم تفاتحني بأنها تجدني شابا مختلفا عن الذين يلاحقونها بالتنهدات ومحاولات التعرض لها.. وأنها تأمل أن تتزوج ذات يوم من شاب مهذب مثلي ..
فانهارت مقاومتي واعترفت لها بأني أحبها, فسعدت بذلك وشجعتني, وأصبحنا نتلاقى من حين لآخر.. وقدمتني لزميلاتها بالكلية على أنى خطيبها, وفاتحت أبي وأمي برغبتي في خطبتها فوافقا , بشرط أن أؤجل أي خطوات للزواج إلى ما بعد زواج شقيقتي الكبرى ..
واصطحبت أسرتي ذات يوم إلى بيت أبيها الموظف الصغير بأحد الأندية الرياضية وقرأنا الفاتحة .. وتفرغت لامتحان الليسانس وكل أملى أن أحصل على تقدير عال يرشحني للعمل فى القضاء لأن خطيبتي كانت تتمنى أن تتزوج من وكيل نيابة له هيبته! وكافحت لتحقيق أمنيتها وحصلت على تقدير جيد ..
لكن القدر لم يشأ لي أن أعمل بالقضاء, وعينت بوظيفة قانونية في إحدى الوزارات, وصدمت حبيبتي في ذلك, لكنها لم تتمسك طويلا بهذا الأمل, وبدأت أدخر معظم راتبي لتوفير متطلبات الزواج .. ورحت أعمل أعمالا إضافية لأكسب أكبر قدر ممكن من النقود, حتى أصبحت أعمل طوال ساعات اليوم, وكلما توفر لي مبلغ أعطيته لأبي ليكون جزءاً من المهر, وفى قمة انشغالي بذلك لاحظت على خطيبتي فتورا فى علاقتها بي .. فسألتها عن سره فلم تفدني بشئ وفسرته لنفسي بكثرة انشغالي عنها.
وقررت أن أكثر من فترات خروجنا معا .. فاعتذرت عن العمل الإضافي ذات يوم ودعوتها للخروج فوافقت بعد إلحاح مني, وكنا نذهب فى نزهاتنا معا إلى كازينو صغير على النيل أمام مستشفى القصر العيني, ونجلس أمام مائدة تطل على فرع النهر, فاصطحبتها إليه .. وجلسنا في نفس المكان وأنا أحس بأن ظلا ثقيلا يخيم على المكان وأحاول أن أطرد هواجسي ..
فرحت أتحدث عما جمعت من المهر وعن خطوات الزواج المقبلة, فسألتني متى تستطيع أن تدبر المهر والشقة ! فأجبتها أنني أستطيع أن أدفع المهر وأن نعقد قراننا بعد شهرين أو ثلاثة .. وأنني أستطيع أن أجمع مبلغ خلو الرجل في فترة عامين أو ثلاثة فنتزوج على الفور, ففوجئت بها تقول لي أن الطريق طويل والعمر يجري ..
ثم تختم هذه المقدمة الفلسفية بأنه من الأفضل لكل منا أن يبحث عن حياته في طريق آخر .. وصدمت وحاولت أن أثنيها عن أفكارها هذه .. وترافعت مرافعة طويلة عن حبنا وشبابنا وحقنا في الحب والزواج, فلم تتحرك عن موقفها, وأصرت على أن نفترق على باب الكازينو, وأن يذهب كل منا إلى طريق مختلف ..
وصافحتني بيد باردة وأعطتني ظهرها ومشت مبتعدة عني إلى الكوبري الصغير بجوار الكازينو, وأنا أرقبها وهي تبتعد وإحساس مؤلم بالقهر والعجز يملأ كياني, ثم انصرفت بعدها حزينا وعدت لبيتي, فأبلغت أسرتي بأن خطيبتي قد فسخت الخطبة لأني فقير ولا أستطيع تدبير متطلبات الزواج بالسرعة الكافية, وثارت أمي وبكت شقيقتي الكبرى من أجلي وحزن أبي وإخوتي الصغار وتحملت أقداري صابرا ..
وبعد أسابيع سمعت من أصدقائي في الحي أن فتاتي خطبت لشاب يأتي إلى بيتها في سيارة شيفروليه كبيرة, وأنها تخرج معه سعيدة ومزهوه كعادتها. واكتشفت أن أسرتي تعرف الخبر وقد حجبته عني حرصا على مشاعري .. وبعد أيام كنت واقفا على محطة الأتوبيس للذهاب إلى عملي ..
فإذا بخطيبتي تمر أمامي فى سيارة خطيبها الجديد وهما يضحكان في سعادة والتقت عيوننا في لحظة خاطفة فإذا بها تنظر إلي بثبات ثم تتحدث مع خطيبها فيلتفت وينظر إلي من الخلف بعد أن غادرتني السيارة وفى عينيه نظرة تشف غريبة تألمت لها .. وحدست أنها ربما قالت له أنى خطيبها السابق أو أحد الذين تمنوا خطبتها, وجاء الأتوبيس فركبته, وشاء حظي أن يتكرر نفس المشهد فى شارع محمد على المزدحم بالمرور وأن يمر الأتوبيس إلى جوار السيارة الفارهة فيراني الخطيب السعيد معلقاً فى سلم الأتوبيس وينظر إلي نفس النظرة الغريبة .. بينما راحت فتاتي تتأملني بإمعان كأنما تقول لنفسها أنها لو ارتبطت بى لكان مصيرها التشعلق معي بالأتوبيس كما أفعل الآن .. وأحسست بغصة جديدة في حلقي وتمنيت لهما السعادة.
ثم توالت الأنباء بعد ذلك فعرفت أنهما تزوجا وأقاما حفلا سعيدا فى فندق كبير , وأنها انتقلت بعد تخرجها من الكلية إلى مدينة زوجها الساحلية, وتزوجت فيها, وعينت مدرسة بمدرسة ثانوية للبنات .. وانقطعت عني أخبارها 5 سنوات شفيت خلالها من حبها ومن آلامه النفسية. ثم رأيتها فجأة فى شرفة بيتها القديم خيالا أو كالخيال وقد اختفى رونقها. ولاحظت أنها مريضة .. فإذا بحبها القديم يتحرك فى قلبي ووجدت نفسي أتلهف على معرفة أخبارها .. فسألت عنها شقيقتي وعرفت أنها عادت إلى بيتها غضبى من زوجها منذ فترة.
وأنها ذاقت معه الأمرين من أول أيام زواجهما بعد أن اكتشفت انه مدمن للخمر , وأنه يشرب كل يوم حتى يفقد وعيه, ثم يضربها أو يطردها في الليل, وعرفت أنه عولج مرات من إدمان الخمر, لكنه ينتكس في كل مرة, وأن أهله قد نفضوا يدهم منه وأبعدوه عن عملهم التجاري, ويخصصون لها مبلغا كل شهر يسلمونه لها لكي تنفق منه على طفليها وعلى نفسها,
ويرفضون إعطاءه قرشا واحدا فيتعدى عليها ليأخذ منها النقود وتألمت لما سمعت, وعشت أياما وأنا حزين من أجلها, وتعمدت أن أمر أمام بيتها لأكثر من مرة لأراها ثم استقر رأيي على قرار استجمعت إرادتي على أن أنفذه, فأسررت به إلى شقيقتي ورجوتها أن تنفذه بلا معارضة, وكلفتها بأن تذهب إليها وتبلغها باستعدادي للزواج منها ورعاية طفليها إذا رأت أن تطلق من زوجها الآن ..
وذهبت شقيقتي إليها وفاتحتها فلم تجبها بلا أو نعم, وأبدت رغبتها فى أن تلقاني وتسمع منى ذلك شخصيا وطلبت أن يكون اللقاء فى مكان عملي لكيلا تجلس معي فى مكان عام. وجاءتني فى العمل وروت لى ما تعانيه من زوجها .. ثم سألتني: أمازلت تحبني؟ فأجبتها بالإيجاب ..
فسكتت ساهمة ثم ودعتني وانصرفت, وانتظرت قرارها على أحر من الجمر, وأرسلت إليها شقيقتي مرة أخرى , فعادت تقول لى انها فكرت طويلا فى الأمر وأنها ترى أن حملها ثقيل, وأني لن أستطيع تحمله .. لهذا فهي تعتذر وتشكرني .. وصدمت صدمتي الثانية فيها, وعادت بعدها بأيام إلى زوجها وعدت أنا إلى حياتي ويئست منها مرة أخرى .. فتزوجت من فتاة طيبة رشحتها لى أسرتي ..
ووجدتها هادئة ومهذبة ومتطلعة للسعادة .. فرضيت بها ورضيت بى, وتزوجنا وأنجبنا طفلين وعشت معها حياة هادئة ليس فيها حرقة الحب .. ولا عذاب المعاناة .. ورضيت بذلك .. ورضيت على زوجتي وأدبها وحسن معاشرتها لي, وشغلت بطفلي وبمتاعبهما اللذيذة, وتحسنت أحوالي المالية بعض الشئ ..
ثم فوجئت ذات يوم بجرس تليفون الترنك الطويل فى مكتبي وبصوت فتاتي القديمة تقول لي أنها تحتاج إلى مشورتي القانونية في بعض أمورها, وأنها ستزورني فى عملي بعد يومين, وانتظرتها باهتمام لا أنكره .. ثم جاءت فإذا بها ترتدي السواد وقد ازدادت نحولا وتجعدت بشرتها وظهرت بعض الشعيرات البيضاء في شعرها, وإن كان جمالها القديم ما زال متوهجا .. وأبلغتني أن زوجها قد مات فى حادث سيارة وهو مخمور ..
وأنها تواجه بعض المتاعب القضائية بسبب التركة, وتحتاج إلى مساعدتي وطلبت منى أن أتولى أمورها مع المحامى الذي يباشرها .. وأبديت استعدادي وقدمت لها النصيحة المخلصة وسافرت .. وبعد أيام طلبت منى أن أسافر إليها فى مدينتها لإنهاء بعض الأمور فسافرت .. وعدت فى نفس اليوم. وباشرت معها كل مشاكلها حتى انتهى معظمها وظفرت بنصيبها كاملا من التركة, فقامت بنقل أطفالها الذين أصبحوا ثلاثة إلى مدارس القاهرة وعادت للإقامة فى بيتهم القديم .. وطلبت مني البحث لها عن شقة مناسبة وأديت المهمة بأمانة وأشرفت على انتقالها للشقة الجديدة.
وتكرر اللقاء بيننا لمثل هذه الشئون إلى أن قالت لى فجأة: أمازلت تحبني؟ .. فأطرقت برأسي ولم أجب .. فقالت في ارتياح : أنت مازلت تحبني .. أعرف ذلك تمام .. فماذا تنتظر؟ وفهمت أنها تطالبني بأن أتزوجها .. وأعترف لك بأني اهتززت لهذه الفكرة رغم أنها لم تخطر لي, ووجدت نفسي أفكر فيها طويلا ..
ولاحظت زوجتي انشغال فكرى وسهومى .. وحاولت أن تعرف ما يشغلني فلم أساطع البوح لها به .. وكان أكثر ما شغلني هو أني لاحظت على فتاتي القديمة أنها قد أصبحت شديدة العصبية ودائمة التوتر بطريقة مرضية, وسألتها عن سر ذلك فصارحتني بأنها لا تنام بغير الأقراص المهدئة, وأنها تتناولها بانتظام ..
والتمست لها العذر فيما لقيته من عذاب مع زوجها. وبدأت أسأل نفسي لماذا لا أتزوجها فأحقق حلمي القديم, ويكون لى حق دخول مسكنها بلا حرج فأعوضها عن معاناتها .. وأعوض نفسي عن آلامي القديمة وأواصل حياتي الزوجية كما كانت .. وذات يوم سوف تعرف زوجتي .. وربما تلتمس لى العذر وتصفح عني ونستمر فى حياتنا الهادئة كالماء الفاتر ..
واسترحت إلى هذا الخاطر أو إلى أنى سوغته لنفسي لأنه أرضاني, وطرحت الفكرة عليها فإذا بها تفاجئني بثورة عصبية شديدة وتطلب منى أن أطلق زوجتي قبل كل شئ .. وحاولت مناقشتها فإذا بها تسد كل أبواب المناقشة بعصبية شديدة .. وتقول لى أنها لم تتزوج من قبل وأن زوجها كان يبيت بالأيام بعيدا عن بيته ..
وأنها لا تريد زوجا لنصف الوقت .. وإنما تريد زوجا كاملا .. ثم تصرخ بهستيرية وها قد جاءتك الفرصة التي تنتظرها منذ 15 عاما فماذا تنتظر .. وماذا تمثل زوجتك فى حياتك؟ .. فلفت نظرها إلى أطفالي الذين أصبحوا ثلاثة .. صاحت بعصبية أشد: وهل مات أبوهم كما مات أبو أطفالي؟ ..
سترعاهم وسيتربون كما سيتربى أطفالي بعد موت أبيهم؟ .. ووجدت أنه لا فائدة من المناقشة فتوقفت وانصرفت .. وراجعت نفسي فى تفكيري وقررت أن أصرف النظر عن الموضوع كله .. لكنها لم ترحمني يا سيدي فكلما بدا لي أنى أتماثل للشفاء تقفز إلى حياتي مرة أخرى وتسألني ماذا تنتظر؟
ستضيع حياتك مرة أخرى وحياتي .. فأعود للتفكير فى أمرها ثم أنظر إلى زوجتي الراضية بحياتها .. والمستسلمة لأقدارها .. والطيبة دائما والتي لا أعانى معها أية انفعالات حادة لا بالحب ولا بالغضب أو بالكراهية فألوم نفسي على انقيادي لأفكاري.
ثم بلغت المشكلة ذروتها حين فوجئت برجل طويل عريض فخم يدخل إلى مكتبي ويقدم نفسه لى كرجل أعمال ويقول لى أنه يريد أن يتقدم لخطبة فلانة هانم .. وأنه تحدث إليها فطلبت منه أن يلتقي بى قبل أن تبدى رأيها لأني ” إبن خالتها” وأتولى شئونها وتحترم رأيي .. وسوف تسترشد برأيي الحكيم فى قرارها .. وانتهى اللقاء العصيب وأدركت أنها شوكة جديدة منها لكي أحزم أمري وأتصرف معها .. فماذا أفعل يا سيدي .. هل أستجيب لشرطها القاسي وأحقق معها حلمي القديم .. أم أواصل حياتي كما هي بلا مشاكل .. بماذا تشير على؟
ولكـاتب هذه الرسـالـة أقول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
أشير عليك يا صديقي بالرأي الوحيد الجائز فى مثل ظروفك فأقول لك بلا تردد .. لا تبحث عن المتاعب وارض بحياتك المستقرة الهادئة التي قد تراها أحيانا خالية حقا من حدة العواطف .. لكنها بالتأكيد خالية أيضا من حدة العواصف والبراكين التى ستقيم عشك فى مهبها وتحت فوهتها إذا استسلمت لرغبة فتاتك المدمرة ..
وهدمت أسرتك وشردت أبناءك من أجلها .. فمعها قد تنعم ببعض العواطف اللاذعة التى تفتقدها فى حياتك الهادئة, لكن المؤكد أيضا أن براكينها المتقلبة سوف تصب عليك من حممها من حين لآخر ما ينسيك كل ما لقيته معها من فترات النعيم العابرة.
فهذا هو الحال مع طبيعة فتاتك البركانية التي لن تسمح لك أبدا بأن تحيا معها فى هدوء .. وإنما ستكون حياتك معها دائما كحياة بعض من ابتلوا بمثيلاتها .. فترات قصيرة لاذعة المتعة وفترات طويلة لاذعة الشقاء والتعاسة ولا وسط بين الاثنين .. ولا هدوء ولا أمن ولا سلام, وإنما تقلبات متوالية بين السعادة والشقاء تتعاقب عليك كما يتعاقب الليل والنهار.
كل ذلك ولم أتحدث بعد عن زوجتك التي رضيت بك ورضيت بها وعاشرتك فأحسنت عشرتك وربطت بينك وبينها الأيام وذكريات الحياة المشتركة .. بل ولم أتحدث بعد عن أبنائك الذين تطالبك فتاتك بقسوة لا إنسانية بأن تدمر حياتهم بحجة أنهم ليسوا أفضل من أبنائها الذين رحل عن الدنيا أبوهم .. كأنك أنت المسئول عن ذلك أو كأن أطفالك هم المسئولون عن رحيل زوجها.
إنني أقولك لك إن مجرد زواجك منها حتى لو رضيت هى بالإبقاء على زوجتك وأولادك ظلم لهم جميعا لا يستحقونه منك .. ولا ترضى به طبيعة إنسان عادل شهم مثلك .. وما أظنك تقبل لهم أن يدفعوا هم ثمن طموح فتاتك وأنانيتها التي دفعتها للتخلي عن أحلامكما وأنتما فى سن الشباب.
أما تفكيرك فى الاستجابة لطلبها والتضحية بزوجتك وأطفالك إرضاء لها, فهو ليس ظلما لهم فقط .. وإنما هو جريمة أربأ بك أن تأثم بمجرد التفكير فيها .. كما أنه دليل جديد على أن فتاتك مازالت كعهدها شديدة الأنانية وشديدة الذاتية .. وشديدة الخيلاء رغم ما توالى عليها من خطوب ..
لقد رفضتك وأنت شاب فى سن الأحلام بسبب تطلعها إلى حياة أفضل .. ورفضتك وأنت تعرض عليها بشهامة أن تخلصها من معاناتها مع زوجها رغم ما فى ذلك من تضحية من جانبك, وتمسكت بمعاناتها ربما أملا فى ألا تخرج من عناء حياتها بلا عائد مادي يعوضها عنه .. أو ربما حرصا على صالح أبنائها وطلبا لحقوقهم ولا بأس فى ذلك, ولكن لماذا إذن تنكر عليك حقك فى أن ترجح مصلحة أبنائك وزوجتك ..
ولماذا تطالبك بهذه التضحية القاسية كأنك أنت من صنع مأساتها وليست هي .. بل ولماذا تعود لاقتحام حياتك مرة أخرى من الأصل .. وقد شق كل منكما حياته فى طريق آخر كما طلبت هي منك فى لقاء الكازينو المأساوي وكما فعلت حين كانت تمر بك فى سيارة خطيبها الفارهة وأنت متعلق بسيارة الأتوبيس وتنظر إليك بثبات!
يا صديقي لا تلق بنفسك فى الجحيم .. وأطو هذه الصفحة بأكملها من حياتك .. وأنظر إلى زوجتك بعين مختلفة .. وسوف تكتشف أن الأيام قد نسجت بينكما خيوطا حريرية متشابكة قد تبدو لك واهنة لكنها فى الواقع كثيفة وقوية وناعمة وفى منتهى الصلابة .. وقد اكتسبت قوتها من نسيج السنين والألفة والعشرة الطيبة وعشرات الأشياء الصغيرة التي قد لا تبدو واضحة للعين المجردة.
فكل ما يدور فى خاطرك الآن هو من تأثير عودة الأخرى إلى مجالك من جديد .. وإصرارها على أن تخزك بوخزات الشوك كل حين, لكي يظل اللهيب داخلك مستعرا .. فأحتم بعشك وسعادتك وزوجتك الطيبة وأبنائك من هذا الوخز المستمر.. ودعها لحياتها كما تركتك لحياتك من قبل .. ولتتزوج هى ممن تشاء وخطابها كثيرون .. أو فلتتفرغ لرعاية أطفالها كما تفعل كثيرات .. فقد فات الأوان لإصلاح الأخطاء .. واستقر النهر في مجراه وأصبح من المستحيل أن يغيره كوارث عديدة أنت فى غنى عنها.