أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الطريق المظلم !! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

أنا رجل في الخامسة والأربعين من عمري متزوج ولي طفلان وأعمل مديرا بإحدي الشركات الكبري في إحدي الدول العربية‏,‏ وقد بدأت عملي في الغربة منذ‏15‏ عاما وعشت حياة سعيدة وهادئة مع زوجتي وهي سيدة فاضلة ومحافظة وترعي الله في علاقتها بي ولم تشهد حياتي معها أية منغصات جادة‏,‏ ولم أشك منها شيئا سوي بعض الغيرة التي قد تتخطي أحيانا الحدود المعقولة‏..‏ لكنها في النهاية غيرة الحب والرغبة في الحفاظ علي كيان البيت والأسرة‏,‏ ولهذا فلم أتطلع في أي يوم من الأيام لأن أعرف إمرأة غيرها لتديني وانشغالي بعملي وأسرتي‏.‏

ومنذ ثلاث سنوات أنضمت إلي شركتنا موظفة مصرية شابة في السابعة والعشرين من عمرها استطاعت بعد فترة وجيزة من عملها أن تجذب الاهتمام الي شخصيتها المتميزة‏,‏ فتوزع الزملاء بالنسبة لها بين معجب بها وساخط عليها‏,‏ أما بالنسبة لي فلم تكن سوي موظفة من موظفات الشركة أتعامل معها بطريقة عادية وعملية في نفس الوقت‏,‏ غير أن الأمور مضت فيما بعد إلي إتجاه آخر فلقد نشأ بيننا بعد عدة شهور مايشبه الألفة والاهتمام‏.‏ وبدأت أوجه إليها النصائح فيما يتعلق بالعمل وظروف الغربة خاصة بعد أن نشبت الخلافات بينها وبين بعض زميلاتها في العمل ثم صعدت زميلاتها هذه الخلافات إلي أصحاب الشركة وتقرر إنهاء عملها وعودتها لبلدها‏.‏ ولم أتدخل أنا في هذا الموضوع لا بالتأييد ولا بالرفض‏.‏

وقبل موعد سفرها بأيام فوجئت بها تطلب الحديث معي علي انفراد ولم أجد مانعا من ذلك خاصة وهي علي وشك المغادرة‏,‏ وقابلتها بالفعل في مكان عام فراحت تحدثني عن أنها قد أختارتني للحديث معي عن مشكلتها لمعرفتها بمدي قربي من أصحاب العمل وثقتهم في‏,‏ عسي أن استطيع نقل وجهة نظرها إليهم ولكيلا ترجع إلي بلدها دون أن يسمع أحد دفاعها عن نفسها‏,‏ وكشفت لي عن حقيقة لم أكن أعرفها وهي أنها ليست أنسة كما يتصورها الجميع وإنما هي سيدة مطلقة بعد تجربة زواج مريرة ولها طفلة أخذها والدها منها وهاجر بها للخارج وحرمها منها وتزوج في المهجر من أخري‏,‏ فعانت الكثير بعد الطلاق من نظرة المجتمع الشرقي للمطلقة ومن المسئولية المادية إلي أن جاءتها فرصة العمل في الغربة كحل لمشكلتها‏,‏ لكن عودتها منها بعد عدة شهور فقط سوف تثير حولها الأقاويل وسألتني في النهاية إذا كنت استطيع أن أفعل شيئا من أجلها عسي أن تستطيع الاستمرار في العمل لفترة مناسبة تجمع خلالها بعض المدخرات وتبدأ بها حياتها في بلدها‏!‏

تركتها دون وعد مني بشيء‏..‏ نظرا لأنني أعلم مسبقا أن مثل هذه الوساطات تفشل دائما مع أصحاب العمل‏..‏ وتثير ظنونهم تجاه من يتطوع بها‏..‏ وفي اليوم التالي مباشرة كنت أتحدث مع صاحب العمل فإذا بي أجدني أقول له دون سابق تدبير أن هذه الفتاة مظلومة فيما نقل إليه عنها من وشايات وأنها لم تقترف ماتستحق عليه الفصل‏,‏ ومن الأفضل منحها فرصة أخري حتي تتأكد من صلاحيتها للعمل‏.‏

رائج :   نبيذ وفحم .. || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

وكانت المفاجأة أن وافق صاحب العمل علي إعطائها هذه الفرصة الأخري وإلغاء إجراءات سفرها‏,‏ وطلبتها في مكتبها ورويت لها ماحدث فلم تتمالك نفسها من البكاء فرحا‏,‏ وعادت إلي عملها بالتزام شديد ونشاط أكبر وأقتصر حديثها مع الزملاء علي شئون العمل وحدها‏,‏ وبدأت بالفعل تكتسب ثقة الآخرين بمن فيهم أصحاب العمل أنفسهم‏,‏ ولاحظت خلال هذه الفترة كلما ألتقيت بها عرضا نظرة العرفان والشكر والاهتمام في عينيها‏,‏ وبدأت أسألها من حين لآخر عن أحوالها وشئون العمل وأساعدها بالمشورة الصادقة

وكان المفترض أن ينتهي كل شيء عند هذا الحد لكني وجدتها بغير وعي مني تسيطر علي تفكيري وأنا الإنسان الملتزم الذي لم تكن له في يوم من الأيام أية علاقات نسائية‏,‏ ولمست منها قبولا لتدخلي في شئونها الخاصة‏,‏ وبدأت ألبي لها حتي الطلبات الخارجة عن نطاق العمل كشراء بعض الأشياء أو إنهاء بعض الاجراءات المطلوبة في الغربة‏,‏ وبدأنا نلتقي خارج العمل في الأماكن العامة وصارح كل منا الآخر بحبه وتعمقت العلاقة بيننا حتي أصبحت هي كل شيء في حياتي‏,‏ وأصبحت أنا كذلك كل شيء في حياتها‏,‏ فكانت لي الحب والدفء والمتعة والإحساس بالذات وكنت لها ـ علي حد قولها ـ الحب والأمان والحماية والصداقة‏.‏

وبعد التورط الكامل في هذه العلاقة كان لابد لي من وقفة مع النفس لإيقاف الانزلاق الكامل نحو الهاوية التي تؤثر علي ديني ودنياي كما هو الحال دائما في هذا الطريق المظلم‏,‏ خاصة وأنني كنت غير مستريح الضمير ودائم الندم بيني وبين نفسي لكني غير قادر في نفس الوقت علي اتخاذ أي قرار نظرا لسيطرتها الكاملة علي مشاعري‏.‏

ثم اتخذت أخيرا قرار الإبتعاد عنها وبدأت في تنفيذه ونجحت في ذلك لعدة أيام‏,‏ فاستخدمت هي كل أسلحتها الأنثوية لاسترجاعي‏,‏ بما في ذلك الاستعطاف والإغراء وإثارة الذكريات‏,‏ وحين هددتها بضرورة الابتعاد عن طريقي هددتني بدورها بإفشاء سر هذه العلاقة لزوجتي بما تملكه من أشياء وأدلة تثبتها‏!‏ ففكرت في الزواج منها تكفيرا عن جريمتي وحتي استمتع بالحب معها في المستقبل دون إحساس بالذنب وقلت لنفسي خلال تفكيري في ذلك أن ظهور هذه العلاقة إلي النور بالزواج وبالرغم مما سوف يترتب علي ذلك من مشاكل وآثار سيئة علي أسرتي‏,‏ فهو أفضل من الخيانة الزوجية ومواصلة الانجراف إلي طريق الخطأ والغواية‏,‏ لكن فكرة الزواج لم تلبث أن اختفت وتغلب الجانب العقلاني بداخلي علي الجانب العاطفي‏.‏

ولجأت بعد ذلك إلي مخاطبة الجانب الديني فيها وكيف ان هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل الحتمي ذات يوم قريب أو بعيد‏,‏ واتفقنا علي إنهائها تدريجيا وأن تحصل هي علي أجازة لمدة شهرين وتسافر إلي بلدها‏,‏ فما أن ترجع حتي أسافر أنا في أجازة مماثلة فيطول ابتعادنا عن بعضنا البعض أربعة شهور كاملة‏,‏ ويسهل علينا بعد ذلك إنهاء العلاقة‏,‏ وسافرت بالفعل فلم تغب أكثر من أسبوعين ورجعت العلاقة أكثر عمقا وجرأة‏!‏

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الكنز

لقد دعوت الله كثيرا أن يخلصني من هذا البلاء وسافرت لأداء العمرة خصيصا من أجل ذلك‏..‏ وقد أصبح الحل الوحيد الباقي أمامي الآن هو الاستقالة وإنهاء عملي في الغربة والعودة لبلدي غير أنني اتشكك في جدوي هذا الحل فماذا أفعل وقد أصبحت الآن علي شفا حفرة من الجنون والضياع وأخشي أن أقابل ربي في أية لحظة وأنا مستمر في هذه الجريمة الفاحشة‏!‏

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

من لا يقدر علي نفسه‏..‏ لا يقدر علي الآخرين ياصديقي‏..‏ ولهذا فلسوف تظل هذه المشكلة قائمة في حياتك إلي أن تنجح في الانتصار علي نفسك‏..‏ والكف عن الاستمرار في هذه العلاقة الخطيرة التي تعدك بالقلاقل والاضطرابات في حياتك العائلية فضلا عما تفسد به سلامك النفسي بالإحساس المدمر بالذنب والإثم‏.‏
ولست أعتقد إن في الحياة كلها إغراء يستحق أن يتعذب الإنسان من أجله بمكابرة الإحساس المرير بالذنب والإثم ومعايشة الخوف من لقاء ربه وهو مكبل به‏,‏ فضلا عن الخوف من آثار هذا الإغراء المدمر علي استقرار حياته العائلية وجدارته بالاحترام والثقة من شريكة الحياة والأهل والآخرين‏.‏

ولهذا فإني أقول لك أن معركتك للتخلص من هذه العلاقة الآثمة‏,‏ هي في الأساس معركة داخلية تدور رحاها في أعماقك وحدك‏,‏ ولا أثر حقيقيا للطرف الآخر في استمرارها أو حسمها في الوقت الملائم‏,‏ مهما كانت مغرياته أو أسلحته أو تهديداته‏,‏ وحين تنتصر علي الخائن الصغير الذي ينطوي عليه صدرك ويجذبك الي هذه السيدة الشابة‏,‏ فلسوف تملك إرادتك معها وتنجح في وضع حد لقصتك معها مهما ارعدت بالوعيد والتهديد‏.‏

والحق أنني لا أفهم كيف يخشي رجل إمرأة يريد قطع علاقته غير المشروعة بها والعودة إلي الطريق القويم‏,‏ ولا كيف يمكن أن يخضع لتهديداتها بإفشاء سر علاقتها به فيتراجع عن قراره بقطعها ويرجع إلي النهل من معينها ذلك ان هذه التهديدات الجوفاء اذا نفذتها صاحبتها بالفعل إنما تصيب صاحبتها بالضرر بأكبر مما تصيب الطرف الآخر به اجتماعيا وعائليا وانسانيا ولاشك أن شريكتك في هذه العلاقة اذا وثقت من أنها لن تجني ثمرة حقيقية لفضح سرها معك لزوجتك كإرغامك أدبيا أو من باب الحرج الاجتماعي علي الزواج منها‏,‏ فإنها سوف تتردد ألف مرة في إفشاء هذا السر‏,‏ اللهم إلا إذا كانت قد تملكتها روح الانتقام الشريرة وتحول ماتزعمه من حب غير صادق لك إلي كراهية شعواء ورغبة عارمة في تدميرك وهذا ما لا يحدث أبدا في حالة الحب الحقيقي المبرأ من مثل هذه النزعات المدمرة‏..‏ استمرت العلاقة أو انقطعت‏.‏

ولقد لفت نظري في وصفك لما تمثله لك هذه السيدة الشابة قولك أنها قد أصبحت بالنسبة لك الحب والدفء والمتعة‏..‏ وإثبات الذات‏,‏ ووصفها هي لك بأنك قد أصبحت بالنسبة لها الحب والأمان والحماية والصداقة‏!‏
وتوقفت أمام ماتعنيه أو ما كانت تعنيه لك في بداية علاقتك بها من إثبات للذات‏!‏ وأحسب أنك كنت صادقا تماما في هذا التعبير لأن جزءا من اندفاعك نحوها كان يتمثل من حيث لا تدري في هذه العبارة‏..‏ إثبات الذات‏..‏ أي الإحساس بالزهو الداخلي لجدارة المرء برفقة إمرأة شابة جميلة لا يحل له نيلها بالطريق المشروع إلا عبر خطوات عائلية طويلة وأعباء جسيمة‏..‏

رائج :   الشخصية الفولاذية .. رسالة من بريد الجمعة

ولو ناقشت الأمر مع نفسك الآن بعد فورة الاندفاع العاطفي المبدئية لوجدت أنك لست في حاجة إلي إثبات ذاتك بمثل هذه العلاقة غير المشروعة‏..‏ ولا هو من الفخر والزهو في شيء أن يشعر الإنسان بجدارته عن طريق التورط في مثل هذه العلاقة الخطيرة‏..‏ لأن أي رجل عابث مهما صغر شأنه يستطيع أن يعثر علي من تتورط معه في علاقة مماثلة كما أن أي إمرأة غير متحفظة تستطيع كذلك لو أرادت أن تنشيء مثل هذه العلاقة مع طرف آخر في أي وقت‏,‏ ولا بطولة في ذلك ولا فخر وإنما البطولة الحقيقية هي في الالتزام الخلقي ومقاومة الإغراءات والاعتصام بالإخلاص والوفاء لمن ارتبطت به حياة الإنسان‏..‏

وكما لفتت نظري هذه العبارة التلقائية في رسالتك فلقد لفت نظري أيضا وصفها لما تمثله أنت لها من حب وأمان وحماية وصداقة ذلك أنه وصف لا يخلو من صدق في الحقيقة‏..‏ ولا يخلو في نفس الوقت من شيء من الاعتبارات العملية التي لا علاقة لها بالعاطفة‏.‏ فالأمان والحماية هنا ليس هما بالتأكيد الأمان والحماية العاطفيين اللذين تشعر بهما المرأة إلي جوار من تحب في الظروف العادية‏,‏ وإنما هما أمان وحماية يرتبطان بشكل أو بآخر بأوضاع هذه السيدة الشابة في الغربة ‏..‏ وحاجتها إلي حمايتك لها في العمل من مؤامرات الزميلات ووشايتهن بها‏,‏ ومن خطر الفصل من العمل والعودة إلي بلدها‏..‏ أي حاجتها في النهاية إليك كمدير بالشركة وشخص موثوق به من جانب أصحاب العمل لكي تأمن الفصل المفاجيء والطرد من العمل‏..‏ فأي شيء في ذلك يشعرك بإثبات الذات كرجل وإنسان ياسيدي ؟

إن بداية علاقتها بك ترجح هذا الاحتمال إلي حد كبير‏,‏ فلقد اقتربت منك لأول مرة لكي تستشفع بك لدي أصحاب العمل لوقف قرار فصلها‏,‏ وهي بداية مصلحية وليست عاطفية مجردة من الحسابات العملية بأي حال من الأحوال‏..‏

ولست أريد أن أحكم علي حقيقة مشاعرها تجاهك الآن إذ لا يحكم علي القلوب إلا خالقها سبحانه وتعالي‏,‏ لكني أريد أن أقول لك فقط انه بقليل من مغالبة النفس والحزم والإرادة تستطيع إيقاف تورطك في هذه العلاقة قبل أن تخرج آثارها السلبية المؤكدة علي حياتك العائلية‏.‏ عن نطاق السيطرة‏,‏ فتدفع ثمنا فادحا لعلاقة تسلم أنت في أعماقك بأنها سوف تصل إلي نهايتها المحتومة إن آجلا أو عاجلا‏.‏

فإذا كان من المتاح أن تنتهي هذه العلاقة بغير أن تخلف وراءها بصمات غائرة علي علاقتك بزوجتك أو بغير أن تدمر حياتك العائلية ووضعك الاجتماعي كرب أسرة‏,‏ فما وجه الحكمة في أن تنتهي نفس هذه العلاقة بعد حين وقد خلفت وراءها حطام أسرة صغيرة كانت سعيدة ومستقرة وآمنة قبل التورط فيها

Related Articles