من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
قرأت رسالة الميزانية لوالد المدرس الذي يشكو من ضعف مرتب ولده وعجزه عن اعداد ميزانية شهرية معقولة.. ولست أزعم أن لدي الحل المناسب للمشكلة, لكني أعتقد أن في تجربتي الحالية مايمكن أن يفيد صاحب المشكلة والآخرين.
فأنا شاب أعزب في الثلاثين من عمري, والابن الأكبر لأبي, ولي شقيق أصغرمني وقد تخرجنا والحمد لله, وأبي وأمي يعملان في وظائف مرموقة, والأسرة متوسطة الحال, وأعمل والحمد لله في إحدي الجهات الحكومية الذي توفر متوسط دخل يحتل ترتيبا لا بأس به بين باقي متوسطات الأجور الحكومية وإن كان بالطبع أقل بكثير من حجم المهام أو بالمقارنة بما يظنه الناس بامتيازاتها, وفي هذه الوظيفة توجد فرص قليلة جدا للتقدم المادي مثل السفر في بعثة أو العمل بأحد الأفرع القليلة الذي تتوافر بها مزايا مادية إضافية.
وفي شهر رمضان قبل الماضي فتح الله علي وألهمني أن أكون من كافلي اليتيم لأضمن لنفسي مكانا في الجنة مع رسولنا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم, وبمجرد أن صدقت النية بدأت في هذا الموضوع أول شهر يناير, وذلك بأن أخرجت مبلغا شهريا يوازي سدس مرتبي, فما أن فعلت ذلك حتي جاءتني البشري بأنني مرشح للانتقال إلي مكان متميز, وبعد ستة أشهر من الالتزام بيني وبين ربي انتقلت فعلا لهذا المكان
واكتشفت أنه متميز في عدة أشياء, منها الناحية المادية وتضاعف مرتبي الشهري بفضل الله رب العرش الكريم, فقررت شكرا لله أن أزيد هذا المبلغ بمقدار50%, وفي رمضان التالي قررت بفضل من الله وتوفيقه أن أزيد هذا المبلغ الشهري إلي ضعف مبلغ السنة الأولي, فإذا بالرزاق الرحيم يرسل لي فورا بعثة أكرمني فيها ربي بمبلغ لم أكن أحلم بالحصول عليه خلال تلك الفترة, وهو مبلغ لو ادخرته في الظروف الطبيعية لاحتجت إلي أربع سنوات, وموضوع ضبط الميزانية شأنه شأن باقي أمور الحياة لكي يتحقق له النجاح لابد له من شقين متلازمين: مادي وروحي.
المادي هو الاجتهاد في اتخاذ الأسباب المادية مثل التسجيل الدقيق لأوجه الصرف من أجل التحديد الدقيق لأكثر الأشياء التي نستهلكها ومحاولة البحث عن بدائل رخيصة عند الشراء ومحاولة تغيير الوظيفة.. إلخ وهذه الأسباب لا حصر لها وقد لاتتوافر أيها أو معظمها لدي الكثيرين, ولكن المقصود منها أن يستوفي الانسان كل الطرق والوسائل التي في مقدوره حتي يستطيع أن يدعو الله ولسان حاله يقول: يارب أنا لست عبدا كسولا, فقد أعطيتني الفرصة فلم أهملها, ولم أقصر فيها. ولقد بذلت كل ما في وسعي ولم يتبق إلا الالتجاء إليك يا من بيدك ملكوت كل شئ.
أما الثاني فهو يبدأ بتحري الرزق الحلال: والإخلاص في العمل واستغلال كل دقيقة في العمل لصالحه, وعدم استخدام أدوات أو مهمات العمل في أغراض شخصية, بل ولا مانع من شراء بعض الأشياء البسيطة لاستخدامها في صالح العمل تكفيرا عن بعض ما فرط فيه الإنسان في حق العمل الذي يعمل به.
قد يقول بعض القراء مال هذا الشاب الأعزب يتكلم عن ميزانيات البيوت وهو لايزال علي الشاطئ ولم يدخل دنيا بعد. وأقول لهم إنني أراهن علي نجاح هذه الطريقة بعد الزواج بشرط واحد أساسي ومهم وهو أن أجد الزوجة الصالحة التي تؤمن بكل ما أومن به أي بنظرية الاستثمار المضمون الذي لايضيع أبدا, والزوجة التي لاتخرج لله ما يتبقي من مصروف البيت آخر الشهر وإنما تدفعه عن طيب خاطر أول الشهر قبل باقي الالتزامات وكلها ثقة في أن الله لن يخذلها أبدا.
لقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم( فيما معناه) أن أحد الصحابة ذبح شاة وتصدق بالربع فقال: تصدقت بالربع وبقيت الثلاثة أرباع, فرد رسول الله صلي الله عليه وسلم بل بقي الربع.. والمهم في الصدقات( في رأيي الشخصي) هو أن تكسر حاجز الخوف من قلة المبلغ المتبقي, وأن نضع ثقتنا في الله تعالي الذي رزقنا المرتب الأصلي من الاساس.
وفي النهاية فإن الرزق قسمه الله لكل عباده وقدره لهم لحكمة لايعلمها إلا هو, ولقد يعيش البعض منا في بحبوحة من العيش بعض أو كل الوقت, ولقد يعيش البعض منا في حال بسيط بعض أو كل الوقت أو الرضا لمن يرضي.
ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
لاعجب فيما تقول ياصديقي ــ فقد جاء في الأثر عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: استنزلوا الرزق بالصدقة وجاء فيه أيضا داوو مرضاكم بالصدقة.
ولقد كان الفضيل بن عياض يقول: لايكتمل المعروف إلا بأن تري المنة لأخيك عليك إذا أخذ منك شيئا, لأنه لولا أخذه منك ما حصل لك الثواب, ولأنه خصك بالسؤال ورجا فيك الخير دون غيرك! وكان الحسن البصري حين يعطي سائلا محروما يرفع رأسه إلي السماء ويقول: اللهم أن هذا يسألنا القوت ونحن نسألك المغفرة, وأنت بالمغفرة أجود منا بالعطية.
ولقد تلقيت رسائل عديدة تعليقا علي رسالة الميزانية بعضها ساخر وبعضها ساخط وبعضها جاد.. لكن رسالتك هذه هي أجمل ما تلقيت من الرسائل تعليقا عليها.. ولهذا اخترتها للنشر مكتفيا بها دون غيرها.. وأرجو لك كل السعادة والتوفيق في حياتك باذن الله.
لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …