من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
دفعني للكتابة إليك قراءتي لرسالة المتمردة للسيدة التي تمردت على زوجها بسبب غرورها بجمالها ثم رسالة الحياة اللامعة.. التي كتبتها سيدة أخري تعليقا عليها, فأنا سيدة في الثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة وكان ترتيبي الثالثة بين أخوتي, وقد نشأت مدللة بين أفراد أسرتي ومحط أنظار الآخرين لجمالي وكثرة الخطاب الذين طلبوا ودي,
وتخرجت في كليتي وعملت بإحدى الهيئات.. وفي العمل تعرفت بزميل لي أبدي اهتمامه بي فبدأت أميل إليه.. لكنه لم يتخذ أية خطوة في طريق الارتباط بي.. وبرر لي ذلك بأن ظروفه لا تسمح له بالزواج في الوقت الحاضر.. ثم تقدم لي خاطب آخر رأي أبي وأمي وكل أخوتي أنه لا يمكن رفضه لتوافر كل الشروط المطلوبة فيه وطلبوا مني قبوله,
فأسرعت إلى زميلي في العمل أنبئه بالخبر واستحثه لكي يتخذ الخطوة المناسبة, لكنه راح يختلق المبررات والأعذار لعدم التقدم لي ويطلب مني انتظاره إلى أجل غير مسمي حتى تتحسن ظروفه, فانصرفت عنه يائسة وجاء الآخر يزورنا ورأيته لأول مرة فوجدته شابا متدينا وسيما هادئا وخريجا لإحدى كليات القمة,
وتكررت زياراته لنا وبدأت أشعر بقبولي النفسي له بالرغم من قلة كلامه وطول فترات صمته.. وتمت خطبتنا ولاحظت في زياراته لي أنه يصمت فجأة ونحن نتبادل الحديث ثم يتمتم بكلمات غير مسموعة.. وأنه يكرر ذلك في كل زيارة.. فشعرت بشيء من الإهانة لانصرافه عني وأنا الجميلة التي يرغبها الكثيرون وسألته عن السبب في غضب فأجابني مندهشا:
أنه يقطع الحوار علي حين يستمع إلي الأذان لأنه من الأدب مع الله أن نصمت حين نسمعه أو أن نردد كلماته بصوت خفيض.. فأضفت ذلك إلى ما كنت قد لاحظته وتبرمت منه وهو معظم حديثه معي عن الدين والأخلاق, وليس فيما يتحدث فيه الشبان مع خطيباتهم.. ومع أنني كنت قد أعجبت به في البداية فلقد بدأت أشعر ببعض الملل من هذا الأسلوب وأتخوف مما ينذر به من تشدد وتزمت ديني,
وأيد ذلك عندي أنه كان قد مضي ستة شهور على خطبتنا ولم يحاول خلالها أن يدعوني للخروج معه وحدنا أو انتهاز أي فرصة للاختلاء بي, ورغم إعجاب الأسرة به فقد بدأ أخي الأصغر يقلده في بعض عباراته ويسخر من تزمته.. وازداد تخوفي منه. وحين اقترب موعد الزفاف أعلنت رفضي له وخلعت الدبلة وأكدت أنني لن أتزوجه. وقلت لأبي وأمي إنني أريد زوجا وحبيبا وعشيقا يشعرني بأنوثتي ويذهب معي إلى المصيف.. وإلى النزهات والرحلات وليس واعظا دينيا.
وعارضتني أسرتي بشدة.. ولم آبه لمعارضتها وذهبت إلى زميلي في العمل وطلبت منه أن يتقدم لخطبتي لينقذني من الارتباط بهذا الرجل وأكدت له أنني سأسانده لدى أسرتي وأذلل له كل الصعاب لكنه خذلني للمرة الثانية بدعوى أنه غير قادر على تكاليف الزواج.
ولم أستطع الصمود لضغط أسرتي علي أكثر من ذلك وتم الزفاف وذهبت إلى بيت زوجي دامعة العين..
ولاحظ زوجي في بداية حياتنا الزوجية عدم حماسي لحياتي الجديدة وميلي للحزن كلما خلوت إلى نفسي.. وفسر ذلك بإبتعادي عن أهلي لأول مرة في حياتي.. وراح يسري عني.. بمحاولة إرضائي بكل الوسائل, ومضت بنا الحياة رتيبة فاترة يذهب زوجي إلى عمله صباحا ويرجع في الظهر ويستريح بعد الغداء ويخرج للعمل في السادسة ويرجع بعد التاسعة بقليل.
فيلزم البيت ويؤدي الفروض في أوقاتها وينهض قبل صلاة الفجر فيقرأ القرآن لبعض الوقت ثم يؤدي الصلاة ويعود للنوم ساعة أو أكثر.. ويتعامل معي برفق ولا يطلب مني شيئا إلا الالتزام بالصلاة والحجاب الملابس الطويلة المحتشمة, وجاء الابن الأول ثم الثاني.. ولم تحدث بيني وبينه أية مشاكل سوى حول الالتزام بالصلاة فلقد كنت أحاول جاهدة الانتظام فيها فأنجح أحيانا وأتكاسل في أحيان أخرى فيلومني وفجأة وجدتني أضيق بهذه الحياة الرتيبة المملة وساءلت نفسي لماذا أدفن جمالي في هذه الملابس الطويلة ولا أرتدي أحدث الأزياء, ولا أصفف شعري وفقا لأحدث التسريحات كما تفعل كثيرات غيري..
ولماذا لا أكون محط أنظار الرجال والنساء وحسدهم كما كنت من قبل.. وبدأت المشاجرات بيني وبينه ومعظمها لأسباب مفتعلة من جانبي وزوجي يتحملني ويصبر علي, وكلما أغضبته انصرف عني وراح يتوضأ ليصلي, وينصحني بأن أفعل مثله لأن ذلك يخمد الغضب ويذهب الشيطان عن الإنسان, فأستجيب أحيانا.. وأتمادى في إغضابه في معظم الأحيان..
حتى لقد تعمدت كثيرا ألا أطهو له شيئا لطعام غدائه فلا يجد حين يرجع مرهقا من العمل ما يتناوله.. ويكظم غيظه ويأكل أي شيء يجده في المطبخ ويدخل إلى غرفة النوم.. بل إنني في إحدى المرات تجاوزت معه كل الحدود وقذفته في ذروة غضبي بطبق كان في يدي فأصابه في جبهته وسال منها الدم.. فغادرني صامتا إلى عيادة قريبة لخياطة الجرح وتكتم سببه حين سئل عنه فزعم أنه قد تعثر علي السلالم فى العمل وقال لي إنه قد سامحني فيما فعلت ولكن علي ألا أرجع إليها مرة أخري.
واستمرت الحياة بيننا علي هذا النحو عدة سنوات تتناوبني فيها أوقات أراجع فيها نفسي وألومها على ما أفعله مع زوجي وأعتزم تعويضه عما تسببت له فيه وأوقات أخري يستبد بي فيها شيطان الحمق والغضب فأستسلم لإحساس الضيق والنفور والثورة وأواصل افتعال المشاكل والمشاجرات, إلى أن جاء يوم في الصيف وطلبت أن تذهب إلى الإسكندرية للتصييف فطلب مني إمهاله بعض الوقت لأن ظروف العمل لا تسمح الآن,
فانفجرت فيه وأعلنته بأنني قد كرهت هذه الحياة الجافة المملة معه وسببته بأقذع أنواع السباب وتملكني الجنون فأمسكت بعصا كانت بجواري لأقذفه بها أو أضربه فأمسك بيدي بقوة.. وهو يقول لي إنه لن يسمح لي بتكرار الخطأ ثم تحول الرجل الهادئ الصبور الذي لم يثر علي منذ تزوجته مرة واحدة فجأة إلى نمر كاسر وانهال علي ضربا وركلا فقلت له في ثورة الغضب: طلقني, فأجابني علي الفور: أنت طالق!
وذهلت لدى سماعي لكلمة الطلاق.. ونزلت علي كالصاعقة.. ولم أدر ماذا أفعل.. وعدت إلى أسرتي فقلت لهم إن زوجي قد طلقني ولا أعرف سببا لذلك وتدخل بيننا الوسطاء لإعادة المياه إلى مجاريها بيننا.. فإذا به يرفض بإصرار إعادتي إلى عصمته قائلا إنه يكفيه ما تحمله مني طوال السنوات الماضية.
وتلفت حولي فوجدتني وحيدة في بيت أهلي والطفلان يقيمان مع أبيهما في رعاية جدتهما ويزورانني بانتظام لكنهما يرفضان الإقامة معي ويزداد ارتباطهما بجدتهما يوما بعد يوم..
وكرد فعل لخيبة أملي في زوجي السابق الذي ظننت أنه لن يستطيع أبدا الاستغناء عني.. مهما فعلت بدأت أقنع نفسي بأني قد تحررت من سجن التزمت والحياة الرتيبة الفاترة الذي كنت فيه, وأنه قد آن الأوان للتحرر من القيود والخروج للحياة الواسعة التي حرمت منها. فخلعت الملابس الطويلة وارتديت الملابس الملونة والقصيرة.. واهتممت بنفسي ومظهري وجمالي ووجدت زميلي في العمل الذي أردت الارتباط به في البداية, يتقرب إلي من جديد وكان قد تزوج خلال زواجي وفشل في زيجته, فسعدت باقترابه مني..
وشجعته مرة ثالثة على التقدم إلي بعد أن زالت كل العقبات.. ورحت أحلم معه بالحياة الجديدة المنطلقة التي أريدها.. بلا تزمت ولا أحاديث دينية في كل مناسبة.. ولا رتابة.. وتقدم هو إلي بالفعل بعد قليل ورحبت به وتزوجته بعد تقديم تنازلات كثيرة لتسهيل الارتباط واسترحت من اللوم علي عدم الانتظام في الصلاة لأنه لا يصلي بل ولا يصوم أيضا, واسترحت من الملاحظات الكئيبة علي مظهري وماكياجي لأنه متفتح ولا يتوقف أمام هذه المسائل الصغيرة,
وانزعجت بعض الشيء حين شممت رائحة الكحول في أنفاسه في بعض الأمسيات.. لكني رفضت أن أثير مشكلة حول ذلك.. وقلت لنفسي إنه أمر لا يعنيني مادام لا يفعل ذلك في البيت ولا يؤثر علي حياتنا, وتغاضيت كذلك عن سهره في الخارج وتأخره في العودة حتى بعد أن قال لي بعض الزملاء أنه يلعب القمار أحيانا مع بعض أصدقائه.. لكنه شهرا بعد شهر بدأت سهراته تتوالى وتمتد إلى الفجر وبدأ يقبض يده عن الإنفاق على البيت نهائيا ويعتمد علي اعتمادا كاملا في ميزانية الأسرة وكل ما يتعلق بي.. ثم بدأت أشم في ملابسه رائحة عطر أنثوي.. وأجد بعض الشعيرات النسائية فيها..
وبدأت أقضي ليالي مسهدة يجفوني النوم لشكي في أنه قد يكون في نفس الوقت في أحضان امرأة أخرى, وبحت بهواجسي لبعض زميلاتي فصارحنني بأنه كثير العلاقات النسائية من قبل زواجي ومن بعده, وبدأت المشاكل تنشب بيننا وكلما اختلفنا علي أي شيء ولو كان تافها انفجرت براكين عصبيته وانهال علي سبا بأقذع الشتائم وضربا وركلا, حتى أصبح ضربه لي كل حين من أمور حياتنا العادية!
ورجع ذات ليلة في الفجر مخمورا وفزعت من نومي على حركته في غرفة النوم, وتأملته وهو يخلع ملابسه لينام دون أن يهتم حتى بإبداء أي عذر لي عن تأخره فوجدتني أتذكر زوجي السابق الذي كان ينهض في مثل هذا الوقت من الليل من نومه ليقرأ القرآن ويصلي الفجر وكان يلزم بيته وأطفاله وزوجته من قبل العاشرة مساء كل يوم وينفق علي وعلى بيته بكرم.. ويتحملني ويصبر علي ولم يسبني بكلمة نابية واحدة طوال زواجنا ولم يمد يده بأذى إلا حين هممت أنا بضربه للمرة الثانية, فسالت دموعي ولمحها زوجي فنفخ وزفر وأسمعني كلمات قارصة عن النكد وسعيي إليه إلخ.
واستمر هذا الحال سنة كاملة ذقت فيها الأمرين وكرهت زوجي الذي كنت قد تمنيته من قبل وكرهت نفسي التي أوقعتني في هذا الشقاء وتم الطلاق بيننا.. وحدثت مشاكل كثيرة خلال الطلاق, على عكس ما جري عند طلاقي من زوجي الأول ورجعت إلى بيت أهلي للمرة الثانية منهزمة ومحسورة.. وبدأت ألملم شتات نفسي, وأراجع شريط حياتي, وأدرك كم كنت جاهلة وحمقاء ومغرورة حين تمردت على زوجي الأول وكرهت حياتي معه ووصفتها بالرتابة وكم كنت جاحدة لنعمة ربي حين تماديت في الإساءة إليه واستنفاد حلمه علي وصبره حتى فقدهما في النهاية.
ووجدت نفسي بعد قليل أفتقد تلك الحياة الرتيبة التي تبطرت عليها من قبل, وأتحسر على الرجل الذي أضعته من بين يدي وقد كان حريصا علي ورفيقا بي وأمينا معي.
ونهضت من نومي ذات يوم فوجدتني ألقي بكل ملابسي القصيرة والملونة جانبا وأخرج ملابسي المحتشمة السابقة وأرتديها, وأبحث عن الطرحة لأستعيد حجابي مرة أخرى, وشعرت برغبة قوية في الصلاة وتعويض ما فاتني منها, فانتظمت في الصلاة وأصبحت أصلي كثيرا وأقرأ القرآن, وأحاول تقليد بعض عادات زوجي الأول التي استنكرتها من قبل أو سخرت منها كالصمت خلال الآذان, وكثرة الحمد في كل حين.. إلخ.
ومازال أبنائي يزورانني ويرويان كيف يصليان العشاء وراء أبيهما فيخفق قلبي تأثرا وكلما سمعت من أحد ثناء على أبيهما وعلى طيبته وتقواه, شعرت بسكين تغوص في صدري..
ولقد توسط لديه الكثيرون لإعادة الحياة بيننا من جديد لكنه يرفض كل وساطة ويعتذر عن عدم قبولها بأدب, مع أنه لم يتزوج بعد طلاقي خوفا على ولديه من ألا يسعدا مع زوجة أب غير أمهما.
وقد رحلت أمي عن الحياة فازددت إحساسا بالوحدة والدهشة وافتقاد السعادة, ولقد كتبت لك قصتي لتستفيد بها غيري من الفتيات فلا يغتررن بجمالهن لأنه لا يدوم, ولا يتبطرن على من يحرصون عليهن لأنهم قد يفيض بهم الكيل ذات يوم فينصرفون عنهم, كما فعل زوجي, كما كتبتها أيضا لكي تكتب إليه كلمة تستحثه فيها وهو من قرائك المنتظمين على أن يستردني ويعفو عني والعفو من شيم الكرام كما يقولون لكي أعوضه عن سنوات الشقاء التي قضاها معي.. وأعوض نفسي عن التعاسة التي عانيتها من بعده بسبب حمقي وجهالتي.. وأحتضن الطفلين.. وأحنو عليهما كما أتمني.. فهل تفعل ؟
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
من المؤسف حقا أننا نحتاج في كثير من الأحيان, لأن نقنع بعض الناس بالسعادة التي يجهلونها وقد يكونون متمتعين بها بالفعل بغير أن يشعروا بذلك.
فهذه الحياة الرتيبة التي ضقت بها مع زوجك الأول فأسأت عشرته حتى استنفدت حلمه عليك ودفعته دفعا لإنهائها وحرمانك منها.. هي نفسها الحياة الفاضلة الآمنة التي تتطلع إليها كل ذات قلب حكيم, وهي الحياة التي يحنو فيها زوج يرعى حدود ربه علي زوجته وأسرته وأطفاله ويتحمل بشرف أمانة المسئولية عنهم ويحيا معهم في إطار من الإيمان بالله.. والعيش وفقا لتعاليمه ونواهيه.
وهي أيضا حياة حافلة بالمسرات الزوجية والعائلية البريئة لأن دائرة المباح في الدين الصحيح عريضة للغاية ودائرة المحرمات ضيقة أشد الضيق ولا يشعر أبدا أهل الفضل بحرمانهم من شيء له قيمة حقيقية منها. حتى ليقول العادل الحكيم عمر بن الخطاب عن مثل ذلك ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي.. أي في الأنس والمرح والبساطة والتمتع بكل ما أحل الله من طيبات.. فإذا كان في القوم كان رجلا!
كما أنها أيضا الحياة التي يحتكم فيها المرء إلي دستور السماء في التعامل مع زوجته فإذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها, كما يقول لنا مضمون الحديث الشريف للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.. فكيف لذات عقل ودين أن تكره مثل هذه الحياة ؟ وكيف لمثلك أن تقول إنها بعد أن دمرتها وخاب ظنها في قدرة زوجها على عدم الاستغناء عنها أنها قد تحررت من سجنها..
وآن لها أن ترجع للاهتمام بنفسها ومظهرها وجمالها وأن تكون محط أنظار الرجال والنساء وموضع طمعهم وغيرتهن كما كانت قبل الزواج ؟ وما هو وجه التعارض بين الحياة الفاضلة والعيش في إطار من تعاليم الدين السمح وبين الاهتمام بالنفس والمظهر والجمال ؟
ولماذا لا يتحقق الاهتمام بالنفس والمظهر إلا بخلع الملابس المحتشمة وارتداء الملابس القصيرة التي تغري الرجال بصاحبتها ؟ وأين الفوز في أن تكون محط أنظارهم ومصدر إغراء لهم ؟
إن مشكلتك الحقيقية مع زوجك الأول لم تكن في تدينه.. لأنه تدين سمح لم يحرمك من متع الحياة البريئة وما أكثرها ولم يحرمك من الاهتمام بنفسك ومظهرك كما لم يمنعك من العمل أو الخروج من البيت أو التمتع بشيء من الطيبات بل إن هذا التدين نفسه كان على العكس من ذلك هو الذي أطال عمر زواجك الأول بضع سنين وحماه من الانهيار المبكر عندما أسأت عشرته واجترأت عليه بأذى اللسان مرارا وبأذى اليد ذات مرة,
وأعانه على الصبر عليك وبذل كل ما في الوسع للإصلاح بينكما طلبا لسكينة القلب واستشعارا للمسئولية عن سعادة الطفلين, وإنما كانت مشكلتك الحقيقية معه هي أنك قد ارتبطت به علي غير اقتناع كامل من جانبك بشخصيته ومنهجه في الحياة وبدافع اليأس أساسا من زميلك السابق في العمل.
وزواج لا يقوم علي الاقتناع الكامل بشخصية شريك الحياة بل ولا على قدر كاف أيضا من الإعجاب به.. أو يقوم على اليأس من الارتباط بمن هو أفضل منه من وجهة نظر الزوجة, أو حتى بدافع الانتقام ممن تخلي عنها أو خذلها, لا يمكن أن يثمر غالبا إلا حياة مضطربة غير سوية.. تشهد من أوقات السخط أكثر مما تشهد من أوقات الصفاء.. وتحركها عوامل الرفض الداخلي أكثر مما تحميها عوامل الرضا عنها والاستعداد النفسي للابتهاج بها.
وهذا ما حدث في زواجك الأول الذي بدأت خطواته الأساسية على غير أساس من الاقتناع التام به وبندم حسير علي عدم الارتباط بزميلك في العمل, وقد ما يبغض الخير ويحب الشر أحيانا كما قال صادقا أبو بكر الصديق
وهكذا واصلت بغير وعي دفع صخرة زواجك الأول إلي حافة الهاوية حتى إذا سقطت فيها.. روعت بسقوطها كأنما كان يدفعها إليها شخص آخر!
وحين تحقق لك ما كانت تهفو إليك نفسك منذ البداية وتزوجت من زميلك في العمل, إذا بكل ما كنت تحلمين به وتأملين في أن تجديه مع زوجك الثاني يتكشف أمامك عن نقائص أخلاقية خطيرة تحول حياتك معه إلي جحيم.. وإذا بكل ما أنكرته علي زوجك الأول وضقت به يتكشف لك عن فضائل فيه تفقدينها الآن بشدة بعد فوات الأوان وتتحسرين عليها..
ولا عجب في ذلك فالتفتح المزعوم في عقلية زوجك الثاني لم يكن في الحقيقة سوى غطاء للاستهتار الأخلاقي بالقيم وبحق الزوجة عليه, وخيانة لعهدها.. وإهمال لشأنها.. وتخل عن تحمل المسئولية المادية عنها. والتساهل في طبعه الذي أغراك به لم يكن سوي تفريط في الفروض الدينية واقتراف للمحرمات ونكوص عن النهوض بالمسئولية العائلية, والتحرر من الملابس المحتشمة.. الذي توهمت فيه السعادة الموعودة لم يكن في الحقيقة سوي تحرر من الاحترام الذي أراده لك زوجك الأول تقديرا لشأنك واعتزازا بك وحرصا عليك ؟
فأما الجمال الذي رجعت للاهتمام به فإنه لم يكن كافيا أيضا كما ظننت لأن يخلص لك زوجك الثاني ويكتفي بك دون غيرك من النساء.. ولأنه كما يقول الشاعر العربي:
وما الحسن في وجه الفتي شرفا له .. إذا لم يكن في فعله والخلائق
فلقد دام حسن زوجك الأول وتبدت ملامحه الحقيقية الآن في مخيلتك بعد كل ما جرى لأنه كان في فعله والخلائق في حين تطاير في الهواء حسن الآخر لأنه لم يكن إلا سرابا موهوما غير أن الإنسان لا يتعلم دروس الحياة غالبا إلا بالثمن الباهظ من سعادته وأيامه..
ولا شك أنك قد أدركت الآن الكثير مما كان غائبا عنك من حقائق الحياة وعرفت ما يستحق أن يحرص عليه المرء ويعض عليه بالنواجذ وما لا يستحق عناء السعي إليه أو الندم عليه واني لأرجو أن يستشعر والد طفليك في كلمات رسالتك هذه التغيرات الإيجابية التي طرأت علي شخصيتك وأفكارك وأسلوبك في الحياة, وأن يمتحن صدق هذه التغيرات بكل ما يعد له من وسائل عسي أن يكون ذلك بداية جديدة لمرحلة رشيدة من حياتكما وحياة طفليكما علي أسس متينة.. وفاضلة.. إذا رغب في ذلك.