من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
ترددت كثيرا في أن أكتب لك عن مشكلتي ولكن الذي دفعني إلي كتابتها هي قراءتي لمشكلة (الزيارة المفاجئة).
فأنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها, جميلة ومتدينة ومتزوجة منذ اثني عشر عاما ولي طفلان أحدهما في الحادية عشرة من عمره, والآخر في السابعة, وقد زففت إلى زوجي بعد أن تقدم لي بأربعين يوما فقط, لأنه كان عريسا جاهزا ولقطة من وجهة نظر أبي, ولم أستطع أن أرفض لأنني كنت قد فسخت خطبتي لعريس آخر بعد خطبة دامت ثلاثة أعوام, وكنت حينذاك في عامي الأول الجامعي, ومن وجهة نظر أهلي أنه عار أن أترك خطيبي مهما كانت الأسباب, وساوموني إما أن أعود إلي خطيبي السابق الذي يحبني, أو أتزوج عريس الغفلة هذا, فاخترت عريس الغفلة لأنه وافق على أن أكمل دراستي في الماجستير, وأنه طيب القلب ومتدين عكس الآخر.
وتزوجت رجلا لا أعرفه ولا أحبه وظننت أن الأيام ستجعلني أحبه, ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, فهو مع الأسف إنسان ضعيف الشخصية, ابن أمه وآخر العنقود وينفذ كل أوامرها دون جدال, لدرجة أنها حكمت عليه أن ينام في حجرة أخرى بعيدا عني بعد ولادة الطفل الأول, ونفذ أمرها دون جدال, وعندما كنا نخرج معا ونعود كانت تكدر عليه حياته حتى لا يخرج معي مرة أخرى,
كان علي أن أنظف لها منزلها وأطبخ لها في يوم إجازتي, وحتى بعد عودتي من عملي يجب علي أن أجلس معها وأغسل لها الأطباق وأطبخ لها يوميا لأنها لا تحب الأكل البايت, وانتظر عودته ثم نصعد معا إلى شقتنا ليأكل وينام ثم يصحو سريعا ويرتدي ملابسه وينزل إليها ويجلس عندها إلى ما بعد منتصف الليل, ويصعد إلى شقتنا أخيرا فيجدني قد نمت من شدة التعب وإرهاقي في خدمة الأولاد وخدمة حماتي ومذاكرة الماجستير, وكل هذا كان يدمر صحتي حتى مرضت بسبب الوقوف المتواصل, ولم ترحمني حماتي, بل قالت إنني أتمارض لكيلا أخدمها, فواصلت خدمتي لها برغم مرضي منعا للمشاكل.
مع العلم أن شقيق زوجي معنا في نفس العمارة وزوجته لا تعمل, ولكن الحكم كان علي أنا فقط, حتى عندما كبرت بنت ابنها الآخر وأصبحت مقيمة معها بعد تخرجها في الجامعة كنت أنزل وأنظف لها الشقة والكل يجلسون وينظرون إلي وكأنني الشغالة, وتحملت كل ذلك حتى حصلت على الدكتوراه بعد عناء شديد وأصبحت لا أستطيع الوقوف لفترات طويلة, فاضطررت لأؤجر من تنظف لي الشقة يوم الإجازة, ولم استطع أن أقوم بتنظيف شقة حماتي.
وكانت الطامة الكبرى, وقالت حماتي لزوجي أنني تكبرت عليه وعليهم بعد الدكتوراه, وتطاول شقيق زوجي علي بتحريض من زوجته دون أن أفعل له أي شئ سوى أنني طلبت من حماتي أن تقسم العمل بيني وبين ابنته وزوجته ولم يدافع عني زوجي, بل اتهمني بالكذب وتركني أذهب إلى بيت أهلي الذين لم يسمعوا مني أي شكوى منذ زواجي رغم ما كنت ألاقيه, وطبعا انهالت أمي عليه بالسب لأنه لم يستطع أن يدافع عن زوجته وهي تضرب وتسب أمامه, فغضب من أمي وتركني أنا وأولاده في بيت أهلي عاما كاملا دون أن يسأل عني أو عن أبنائه تنفيذا لأوامر الوالدة, وكان هذا الموقف كفيلا بأن يدمر كل ما بيننا, ولكني فكرت في أبنائي الذين لا ذنب لهم, فخضعت لتدخل بعض أفراد أسرته للصلح بيننا وعدت من أجل الأبناء فقط وأتحمل الحياة مع إنسان لا تجمعني به أي مشاعر حب أو ود أو حتى رحمة, وحياتي معه موت بطئ ولا يعطيني أي بصيص من النور في هذه الحياة المظلمة سوى أبنائي.
وخلال هذه الأحداث المؤلمة مررت بتجربة كان من الممكن أن تغير كل حياتي وتكون لي طوق النجاة.
فرئيسي في العمل رجل مثقف وذكي ورقيق جدا ويحترمني ويقدرني لأنني إنسانة محترمة ومجتهدة, وكل زملائي يحبونني.
وقد شعرت نحو هذا الرجل بمشاعر لا أستطيع أن أصفها لك فلم ينبض قلبي إلا له ولا أشعر بالسعادة إلا عندما أراه, وحين أنظر إليه أجد فيه الشخص الذي تمنيت الارتباط به, وعندما يضيق بي الحال أسرح في خيالي مع هذا الشخص وأحلم معه بالحب الذي لم أجده مع زوجي, وأعود من خيالي على أرض الواقع وأحمد الله على حالي وأجد في أبنائي عوضا عما حرمت منه من حب ومشاعر لم أجدها في الحلال وأبيتها في الحرام, فأنا إنسانة متدينة والحمد لله وأعلم أنني لا أستطيع أن أفعل ما يغضب الله مني,
ولكن ما يؤرقني ويعذب ضميري هو أنني أعشق في خيالي غير زوجي, وأسأل نفسي هل يحاسبني الله عما أشعر به, مع العلم أنني لا أظهر أي شئ لهذا الرجل سوى الاحترام لدرجة أنه تمر بي أيام كثيرة لا أذهب فيها لمكتبه حتى لا تزداد نار هذا الحب ولكي أعفي ضميري من شبح الخيانة, فضميري يقول لي إن تفكيري فيه خيانة لزوجي حتى ولو كان هذا التفكير يعوضني عن السعادة المفقودة, لكني مازلت حائرة, وأتساءل هل يحاسبنا الله عن المشاعر الدفينة؟, وهل يمكن أن تقع الخيانة في الخيال؟!
, وماذا تفعل إنسانة مثلي لا يشاركها زوجها في أي شئ لا في المسئولية ولا في المشاعر ولا في الحياة,؟ علما بأنني حاولت كثيرا ورجوته مرارا أن يعصمني من التفكير في غيره, فظن أنني أحتال عليه بذلك ليعطيني مساحة أكبر من وقته تاركا أمه المسنة, ولكني قلت له إني أحتاج إلى جزء منك ولها الباقي فأبي ذلك, فماذا أفعل وأنا إنسانة جميلة وشابة ورومانسية لأبعد الحدود وأحتاج لأن أشعر بأنوثتي بجوار أمومتي, فأحيانا أشعر بأنني مجرد خادمة أو جارية له, وهذا يقتلني ولا يداويني من هذا إلا هذا الخيال الجميل.. فماذا أفعل؟
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
من رحمة الله بنا أنه سبحانه وتعالى لا يحاسبنا عما يجول بداخلنا من خواطر وأفكار ومشاعر ما لم نترجمها إلى أفعال وتصرفات.. وفي الحديث الشريف الذي رواه الشيخان وآخرون إن الله قد تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
غير أن الإنسان مطالب دائما بأن يتجنب مواقع الشبهات التي يمكن أن تستدرجه رغما عنه للوقوع في الخطأ.
والمثل الغربي الذي يقول خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي, أولى بالإتباع في هذه الحالة, من الاقتراب من الحمى حتى ليوشك الإنسان أن يخالطه كما جاء في الحديث الشريف الآخر الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: إن من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالطه وأن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر!
وفي رواية أخرى: فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك, ومن اجترأ على ما شك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان .. وعاطفة الحب وإن كانت لا تخضع حقا لسيطرة الإنسان إلا أن لها مقدمات في مقدور المرء أن يتحكم فيها ويمنع تطورها إلي عاطفة قاهرة لا يملك إزاءها شيئا.
ومن هذه المقدمات اللقاء والاتصال والكلام والنظر والتراسل, وكل إنسان يستطيع أن يرد نفسه عن الاتصال أو الكلام أو النظر لمن يخشى تطور عاطفته نحوه, أما إذا ضعفت إرادته عن رد نفسه عن مثل هذه المقدمات برغم خطورتها ولم تجد عاطفته ما يكبحها فإنها تتعمق وتتطور وتخرج عن حدود قدرته علي السيطرة عليها ووأدها.. وهذه هي خطورة التساهل في مثل هذه المقدمات التي تبدو لنا بريئة وخالية من الإثم .. وهو أنها تقود إلى الوقوع في الحب المحرم الذي نصرخ شاكين من عجزنا عن صده لأننا لا نملك قلوبنا, وإنما يملكها خالقها سبحانه وتعالى, في حين أننا كنا نملك إرادتنا ونستطيع أن نرد أنفسنا عن المقدمات التي أدت إليه.
ولقد سئل أحد كبار الدعاة عن الحب أهو حلال أم حرام؟!, فأجاب إجابة طريفة وحكيمة في نفس الوقت, إذ قال إن الحب الحلال حلال, والحب الحرام حرام! بمعني أن الحب المشروع كحب الرجل لزوجته والزوجة لزوجها حلال لا شبهة فيه, والحب المحرم كحب الزوجة لغير زوجها وحب الرجل لزوجة آخر حرام لا مراء فيه.
وخطورة هذا الخيال الجميل الذي تستنيمين إليه الآن وتجدين فيه بعض ما يخفف عنك جفاف حياتك الزوجية وخلوها من العاطفة, هو أنه قد يدفعك خطوة بعد أخرى إلى الوقوع فيما لا يحل لك مما لا ترضاه الزوجة الفاضلة المتدينة لنفسها كالنظر والخلوة والتلامس, انتهاء ــ لا قدر الله ــ بالوقوع في الخطيئة.
لهذا فإن الأوفق هو أن تقاومي هذه المشاعر وهي في بدايتها لأنها سوف تستدرجك إلى الطريق المنحدر الذي ينتهي بما لا ترضين لنفسك, وأن تجاهدي نفسك ومشاعرك, وتحاولي بقدر الإمكان بعث الحرارة في علاقتك بزوجك والتجاوز عما يغضبك منه, وتستمري في تجنب الاقتراب من رئيسك أو التعامل معه أو الانفراد به, وحبذا لو انتقلت إلى موقع آخر في العمل يبعدك عنه ويبعده عنك.. فتموت عاطفتك تجاهه مع مرور الأيام, كما تخمد جذوة النار إن لم تتلق المزيد من قطع الخشب, ولابد أن يعينك ربك على ذلك إن صدقت نيتك على الإخلاص لزوجك ودعوت الله صادقة إن يجعلك من قاصرات الطرف اللاتي يقصرن طرفهن أي عيونهن وسمعهن علي أزواجهن حتى ولو شقين بحياتهن معهم.
أما إن عجزت عن مقاومة هذه العاطفة وإخمادها.. فاكتميها في صدرك ولا تعبري عنها بأية كلمة أو فعل أو إشارة, واعتبريها ابتلاء لك يختبر به الله سبحانه وتعالى صدق عفافك والتزامك بحدوده, واصبري عليها كما يصبر المرء على الابتلاء, فيكون لك من أجر الصابرين علي البلاء نصيب موفور بإذن الله.