أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

المظهر الفخيم ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

منذ سنوات كنت طالبة بكلية الزراعة .. فتعرفت على شاب من رجال الأعمال كان يتردد على الكلية لاستشارة بعض أساتذتها في شئون مزرعته للدواجن أو لشراء بعض المواد اللازمة لها من مزرعة الكلية .. فأعجب بي وراح يتردد على الكلية بكثرة ، كما أعجبت به وبمظهره الفخيم ومخايل العظمة التي تبدو عليه كأنه مسئول كبير أو وزير خطير ..

وتقدم لأبي طالبًا منه يدي ، فوافقت عليه رغم تحذير أبي لي من أنه لا يحمل أية شهادة ومن أنه لا يرتاح للغة المال التي يتحدث بها والتي يؤكد بها دائمًا قدرته على الحصول على أي شيء وتنفيذ أي رغبة عن طريق المال لكني لم أتراجع عن قبوله بل وسعدت بخطبته لي وبالفخامة والثراء اللذين يحيطان به .. وبدأنا الإعداد للزواج فازداد ذهولي لما أراه من إنفاق للمال بسهولة لم أكن أتخيل وجودها في الحياة

وأقيم حفل الزفاف في أكبر فنادق القاهرة وشهدته شخصيات لم نكن نحلم بأن نراها عن قرب أو نصافحها ، وغادرنا الحفل إلى الفيللا الصغيرة الجميلة التي يعيش فيها فتركني وحيدة بملابس الزفاف وانتقل إلى جناح بعيد ليستقبل بعض أصدقائه ! ..

ودُهشت لذلك فتلصصت عليه لأعرف ماذا يبعد زوجًا عن عروسه في ليلة الزفاف، فإذا بي أكتشف أنه من أصحاب المزاج وأنه يجلس مع 3 أشخاص ويتعاطون المخدرات ويحتسون الخمر

وظل هذا الوضع العجيب حتى الفجر فتأزمت نفسيًا منه ، وأصابتني عقدة الخوف من اقترابه مني واستمرت معي بعد ذلك حتى بدأ يضربني كلما أراد أن ينالني وتكشَّف المظهر الفخيم عن شخص فظ غليظ سوقي الألفاظ والتصرفات ويؤمن بأنه اشتراني بماله فهجرت البيت واحتميت بأبي وطلبت منه أن يطلقني منه لكني اكتشفت للأسف أني قد صرت حاملاً وبكيت من القهر حين عرفت هذه الحقيقة المرة وضغطت عليَّ أسرتي لكي أتنازل عن طلب الطلاق رفقًا بهذا الجنين الذي لم يولد بعد وأراد زوجي إرضائي فقبل أن أبقى في بيت أسرتي حتى الولادة

وبقيت بالفعل بضعة شهور أغدق خلالها عليَّ وعلى الأسرة كلها بالهدايا ثم وضعت طفلتي فأقام حفلاً كبيرًا ابتهاجًا بالمناسبة ووزع الهدايا على كل سكان الشارع الذي تقيم فيه أسرتي حتى لهج الجميع بشكره والثناء على كرمه وأريحيته وتعجبوا من رفضي العودة إليه .. ولم أعرف كيف أجيبهم لكني لم أجد مبررًا لاستمرار بقائي فعدت حاملة طفلتي وكلي أمل في أن تتغير الأحوال ، فلم تمضِ أيام حتى عاد زوجي إلى سيرتها لأولى مع المخدرات والخمر وأصدقاء السوء ، وزاد على ذلك أن حبسني في البيت فلا خروج ولا زيارات ولا شيء سوى الفظاظة والطبع الحاد السوقي والضرب والإهانة وسب أسرتي “أسرة الشحاتين” على حد قوله – سامحه الله – ولم أجد ما أفعله سوى الصبر وانتظار عدالة السماء ..

ثم مات أبي رحمه الله فعدت إلى بيت أسرتي للعزاء ورفضت بإصرار العودة لبيت زوجي وأقمت دعوى لطلب الطلاق لاستحالة العشرة بيننا وخسرتها للأسف وزاد من أسفي وهمي أن عرفت أني حامل للمرة الثانية ثم جاء زوجي يبكي لأمي ويقسم لها بكل يمين أنه قد تغير وأنه لن يعود إلى سيرته الأولى ويطلب عودتي فعدت إلى البيت وأنجبت طفلتي الثانية وبعد قليل رحلت أمي عن الحياة فاستسلمت لليأس وقررت ألا أهجر بيتي مرة أخرى وأن أعيش حياتي خادمة للطفلتين وأترك أمر زوجي لخالقه ليحكم فيه بعدله ورزقت بالمولود الثالث وكان طفلاً جميلاً فاستبشرت بأن يكون مولده بداية لانصلاح أحوال زوجي وبعده عما يغضب ربه ..

لكنه لم ينصلح بل تعقدت الحياة أكثر وأكثر .. فلقد صُدمت بعد مولد طفلي بشهور بحقيقة مفزعة هي أن زوجي ليس فقط شابًا مستهترًا يتعاطى المخدرات والخمور ويسئ عشرتي .. وإنما هو أيضًا تاجر لهذه السموم وأن ما نعيش فيه من ثراء ومظهر فخيم كله من مال حرام وليس من عمله أو أعماله في مزرعة الدواجن كما كنت أتصور بغفلتي .. فتولاني رعب شديد وأصبحت أعيش في خوف دائم فإذا دقَّ جرس الباب تصورت أن الشرطة سوف تقتحم المكان وتفزع أطفالي وإذا سمعت صوت سيارة تتوقف أمام البيت تجمد الدم في عروقي وعشت لحظات رهيبة قبل أن يعود إليَّ الاطمئنان ..

ولم أستطع تحمل هذه المعاناة الجديدة فاصطحبت أطفالي ولجأت إلى شقيقي وصرحت له بكل شيء وجاء زوجي يبحث عني فواجهه شقيقي بكل صراحة وطالبه بإيجاد شقة منفصلة لي بجوار مسكن الأسرة لأعيش فيها مع أطفالي وأرعاهم بعيدًا عن الحياة الموبوءة والمحفوفة بالخطر التي يعيشها ، وطالبه بطلاقي فرفض بإصرار .. فقبل أخي أن أستمر زوجة له وأن يكون من حقه أن يرى أولاده كيفما شاء ولكن بشرط ألا يبيت في شقتي وألا تقوم أية علاقة زوجية بيني وبينه بناءً على رغبتي وألا يزوره خلال زيارته لأولاده أحد من عالمه الأسود أو من أصدقاء السوء ليكون مسكني بعيدًا تمامًا عن حياته المحرمة

ورضخ زوجي لكل الشروط وقام بإيجاد شقة صغيرة قريبة من مسكن أسرتي واستقللت بحياتي عنه وعشت مع أطفالي أخدمهم وأقوم بكل شئون شقتي وأسرتي الصغيرة وأحسست بالراحة والأمان لأول مرة منذ تزوجته ومنذ عرفت الحياة في الفيللا الفخيمة ذات الخدم والحشم ..

وبدأ زوجي يزور الشقة من حين إلى آخر ليرى أطفالنا فأقابله بتحفظ وأؤدي له واجب الضيافة كأي ضيف غريب وهو يكظم غيظه وينتظر الفرصة المناسبة لكي يفرض عليَّ سطوته كما كان من قبل لكن عدالة الله كانت أسبق من تدبيره فلقد انكشف أمره وسقط زوجي في يد الشرطة مع أفراد شبكة كبيرة لتجارة المخدرات وحكم عليه بالسجن 15 عامًا

وطُلقت منه بحكم القانون وعشت لأولادي وعملت موظفة بأجر بسيط ويساعدني شقيقي ماليًا على مواجهة أعباء الحياة وبعد خمس سنوات من الوحدة ساق لي القدر رجلاً في الخمسين من عمره تُوفيت زوجته وله ابنتان وهو جار لنا ومشهود له بالتقوى والصلاح ويعمل مديرًا بإحدى شركات القطاع العام فطلب الزواج مني ورفضت أسرتي كلها لكني قبلت الزواج منه

وتم الزواج وعرفت معه الحب والتفاهم والإخلاص والحياة الفاضلة الآمنة المطمئنة لأول مرة وأدينا معًا الحج والعمرة في العام الماضي وأعيش الآن معه سعيدة راضية بحياتي لكني أواجه مشكلة صعبة يا سيدي هي أطفالي ! فلقد ضمتهم أم مطلقي لها بمجرد زواجي وترفض أسرة مطلقي بإصرار السماح لي برؤيتهم ويهددونني إذا حاولت ضمهم أو رؤيتهم بإيذاء ابنتيْ زوجي وإثارة المتاعب له في عمله وحياته وهم قادرون على ذلك بالرغم من أنهم يعتبرون من تجار المخدرات حيث أن لهم معارف في كل جهة ولهم نفوذ وسلطان !

وقد قابلت أم مطلقي وتوسلت إليها أن تسمح لي بتربية الأطفال إلى أن يبلغوا السن القانونية ثم تضمهم إليها أو تأذن لي برؤيتهم من حين لآخر وقبلت قدمها باكية ليرق قلبها .. فلم يرق يا سيدي وتمسكت بألا تسمح لي بذلك إلا إذا طُلقت من زوجي وبشرط أن أقيم مع أسرة أبيهم حتى تنتهي فترة سجنه بعد تسع سنوات . وأنا الآن يا سيدي لا أنام ووجوه أولادي الثلاثة لا تفارق مخيلتي ..

ولا أريد أن أتسبب في إثارة أية متاعب للرجل الوحيد الذي شعرت معه أني أنثى وسيدة محترمة وعرفت معه الحياة الطبيعية الفاضلة من متعة مشروعة لا يعقبها أي إحساس بالذنب ومن صلاة وصيام وتقوى وصلاح وإحساس بالسكينة والأمان لكني من ناحية أخرى لا أقوى على احتمال بعد أطفالي عني إلى الأبد … فهل أستجيب لما تريد جدتهم أن تكرهني عليه وأطلب الطلاق من زوجي الطيب الفاضل وأعود لخدمة أطفالي وأنهي حياتي خادمة لهم مع العلم بأني مازلت في الخامسة والثلاثين من عمري ؟ أم ماذا أفعل ؟

لقد فاتحت زوجي بكل ما يثقل على صدري فكان كعهده دائمًا رجلاً متزنًا وعادلاً فلم يغضب بل قدَّر معاناتي واغتم لغمي وأشفق عليَّ ونصحني بأن أفكر طويلاً قبل أن أتخذ أي قرار وبأن أستشير في أمري وأستعين برأي غيري فيه لأنه صعب وقد اتفقنا بعد تفكير طويل على أن نستشيرك في ذلك وأن نؤكد لك أنه على هدي نصيحتك سوف نتوكل على الله الحي الذي لا يموت ونتخذ قرارنا في هذه المشكلة فأرجو أن تعيننا على الاختيار وأدعو الله أن يهيدك إلى الرشاد في أمرنا كما أدعوه أن تكون رحيمًا بي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

رائج :   نقطة الضوء ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

أقسى اختيار يواجهه الإنسان هو أن يختار بين أمرين كلاهما حق وعدل وله أسبابه المنطقية المشروعة وهذا للأسف هو ما تواجهينه الآن فأنتِ يا سيدتي إذا اخترتِ أطفالكِ وضحيتِ بزوجك وسعادتك وأمانك فإنما تختارين عدلاً بلا رحمة ، وأنت من ناحية أخرى إذا اخترت حقك المشروع كإنسانة في السعادة والحياة مع زوج تجدين معه كل ما حُرمت منه في تجربتك الأولى المريرة لم تتعدِّ الحق المشروع .

ولا لوم عليك في كلا الاختيارين وإنما اللوم كل اللوم على من جعلوا من كل منهما بديلاً للآخر وما كان أسهل عليهم لو التزموا الحق والعدل أن يسلموا لك بحقك المشروع في الزواج وبحقك العادل في رؤية أطفالك ورعايتهم حتى وهم في كفالة أسرة زوجك إن عز عليهم أن يسلموا لك بحضانتهم حتى يبلغوا السن القانونية .
وحين يواجه الإنسان مثل هذا الاختيار المرير فإن أفضل ما يفعله هو أن يستعين بعقله وعقول الآخرين معه على أمره ولقد قيل ذات يوم لعمرو بن العاص: ما العقل ؟ فأجاب : الإصابة بالظن ومعرفة ما سيكون بما قد كان ! فإذا كان ذلك صحيحًا فدعينا نحاول استشراف ما سوف يكون اهتداءً بما قد كان من سيرة زوجك وتجربتك معه .

إنك يا سيدتي إن ضحيت بزواجك وعدت للإقامة مع أسرة زوجك السابق فقد يستقر جانبك بقربك من أطفالك ولكن إلى متى ؟ وبأي ثمن ؟ إن وجودك في محيط الأسرة سوف يجعلك هدفًا لضغط نفسي واجتماعي من جانبه للعودة إليه مرة أخرى فهل أنت على استعداد لذلك ! وهل تنبئ تجربتك الماضية معك ومع الحياة بأمل كبير في انصلاح أحواله في المستقبل وحتى إذا استطعتِ الصمود لمحاولات العودة وعشت لأطفالك فقط كما كان حالك قبل الطلاق فهل أنت قادرة على مواجهة الحياة وحيدة طوال العمر ..

إنك وحدك من تقرر هل تستطيعين الاستغناء عن الزواج إلى النهاية أم لا لكن الزواج من ناحية أخرى فريضة وواجبًا على من يستطيعه ويرغبه بشدة ويخشى على نفسه من الزلل إن حرم منه لأن إعفاف النفس بالزواج أمر مشروع ومطلوب أيضًا وأغلب ظني أن تجربتك الفاشلة الأولى قد ضاعفت من حاجتك للزواج الصحيح الذي يطمئن به القلب وتسكن فيه النفس إلى من يشاركها رحلة الحياة .

ورغم شدة تحفظي على استسهال ترجيح السعادة الشخصية على مصلحة الأبناء فإني أتنازل عن هذا التحفظ في حالات استثنائية قليلة كألا تكون الزوجة هي التي سعت إلى تدمير حياتها العائلية جريًا وراء سعادتها بغير وضع مصلحة الأبناء في الاعتبار ، وكأن تكون قد اضطرت إلى الانفصال عن زوجها في ظروف خاصة كظروف زوجك ففي مثل هذه الحالات الخاصة لا يستطيع المرء أن يطالب أمًّا بأن تضحي بنفسها إلى الأبد ما لم تكن راغبة في ذلك عن اختيار تلقائي لا يطرح نفسه للمناقشة

ومن حقك إذًا أن تختاري ألا تعيشي هدفًا لمحاولات زوجك السابق لاستئناف الحياة الزوجية معه وأنت لا ترغبين في ذلك وليس في ماضيه وحاضره ما يرشحه لآمال كبيرة في انصلاح أحواله ومن حقك أن تحاولي التوفيق بين حاجتك الإنسانية إلى أطفالك وحاجتك الإنسانية أيضًا إلى زوجك الذي لم تعرفي الأمان والسلام إلا معه كما أنه من حقك بكل تأكيد أن تتعلقي دائمًا بالأمل في أن تلين القلوب المتحجرة الآن أو غدًا أو بعد غد فتسمح لك برؤية أطفالك وباستمرار العلاقة الإنسانية المشروعة بينك وبينهم سواء أكنت زوجة لغير أبيهم أم لا …

فأنت أمهم في كل الأحوال وهؤلاء الأطفال الصغار سوف يشبون عن الطوق إن آجلاً أو عاجلاً وسوف يسعون إليك كما تسعين إليهم … ولن تنجح مؤثرات الأسرة في منع التواصل الفطري الإنساني بينك وبينهم ولست أفضل أن تستعيني بالقانون على تمكينك من رؤية أطفالك حفاظًا على ما بقي من شعرة العلاقة الإنسانية بينك وبين أسرة زوجك السابق لكنك إن فعلت فلا لوم عليك .

لهذا كله فإني قد أستخير ربي وأنصحك ربما للمرة الأولى بألا تضحي بحياتك المستقرة مع زوجك وأنصحك بألا تكفي عن محاولاتك السلمية لرؤية أطفالك وبأن تكتبي إلى زوجك السابق لتستعيني به على أسرته لتسمح لك بذلك فلعل كروب الحياة وراء القضبان قد علمته ألا يظلم غيره عسى أن يفرج الله كربه ولا شك أن أسرته إنما تنفذ أوامره بحرمانك من أطفالك فإذا خاطبت قلبه كأب فمن يدري فلربما لان وكفَّر عما ارتكب في حقك وفي حق الحياة بألا يزيد من آثامه بهذا الظلم البين لك ولأطفاله معًا فهو لا يحرمك منهم فقط وإنما يحرمهم أيضًا منك وحاجتهم إليك تزيد على حاجتك إليهم فلماذا يعاقب أبناءه بما فعل هو بحياته… ولماذا لا يتقرب إلى ربه بالتخلي عن هذه القسوة اللا إنسانية ؟

قد لا يكون الأمل كبيرًا في استجابته لنداء الرحمة والحق والدين وقد يكون الأمل واهيًا … لكنه قائم دائمًا وسيظل قائمًا للأبد ذلك أن كل إنسان مهما كان طريقه في الحياة لا يخلو من جوانب إنسانية وجوانب رحمة كامنة في أعماق النفس فإذا عرفنا كيف نمس أوتارها فقد يفاجئنا بأكثر مما كنا نحلم به من عدل وشهامة . وما ضاع حق مشروع وراءه مطالب يتمسك بالأمل في عدالة السماء … ورحمة البشر .

 

مقالات ذات صلة