أجمل رسائل بريد الجمعة

بذور الحب ! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

لست أدري بماذا أبدأ رسالتي‏..‏
أنا شاب مهندس كافح كثيرا حتي حصل علي بكالوريوس الهندسة‏,‏ وكنت أظن أنه بمجرد تخرجي قد انتهت كل مشاكلي لكنني رأيتها قد بدأت‏.‏
لن أتطرق لموضوعات جانبية حتي لا يضيع مني الموضوع الأصلي الذي من أجله كتبت تلك الرسالة‏,‏ فأنا شاب في الثامنة والعشرين من العمر من إحدي محافظات شمال الصعيد وكان لي أخ وصديق ورفيق عمر كامل وإن شئت فقل توءم للروح‏,‏ كنا دائما معا منذ تفتحت أعيننا علي الدنيا‏,‏ سلكنا طريقا واحدا وكان هدفنا واحدا‏.‏

كان كل منا صورة للآخر يري فيها نفسه وكان هو ابن خالي وكان ذلك يتيح لي فرصة الذهاب له في أي وقت صباحا أو مساء لأن كل من في المنزل إخوة لي لأنني تربيت ونشأت مع أخيهم‏,‏ وشاءت الأقدار أن تحرمني من رفيقي هذا في فلقد توفي في حادث سيارة في أثناء عودته من عمله في القاهرة بمدينة السادس من أكتوبر

ولا تتخيل عمق الكارثة التي حلت علينا وقتها‏,‏ فلقد كان صديقي هذا أكبر إخوته وهو الأب والأخ والصديق لباقي إخوته‏.‏ ولصديقي هذا أخت أنهت مرحلة التعليم المتوسط‏,‏ كان أخوها هو كل شيء في حياتها لحنانه وعطفه وبعد وقوع الحادث المؤلم شعرت بأن من واجبي أن أكون دائما مع أسرتي الثانية هذه فلقد كان وجودي بينهم يخفف عنهم الكثير وأيضا يخفف عني حزني‏.‏ فكل منا يحتاج للآخر ليري فيه مفقوده‏.‏

ونشأت بيننا عاطفة لم تكن موجودة من قبل‏.‏ فهم ينتظرونني حتي أعود من عملي وهو نفس المكان الذي كان يعمل فيه صديقي‏.‏ وأنا أيضا أحس باللهفة علي أن أراهم عند عودتي للمدينة وأجد نفسي دائما مشغولا بهم وبأحوالهم كما وجدت نفسي أيضا أقترب من ابنة خالي وأخت صديقي فهي أكثر إنسانة كنت أري فيها روح صديقي الذي فقدته في لحظة وتركني وحدي في طريق لا أدري ما النهاية له وهي أيضا كانت تجد في أخاها ومحبته وحنانه لها‏..‏ وبالرغم من أننا كنا من قبل أخا وأختا فإنني قد وجدت أن المشاعر والعواطف قد اتخذت شكلا آخر‏,‏ فكل منا يفكر في الآخر ويأخذ هذا التفكير حيزا كبيرا من حياته‏,‏ ولا تظن أن اقترابنا هذا كان من منطلق السعادة فربما جمعنا بكاء عميق وشوق ولهفة علي أخينا الذي فقدناه في لحظة‏.‏

رائج :   الرحيل ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولقد مر علي وقوع الحادث ما يقرب من عام‏.‏ وأصبحت الآن الشخص الذي تري فيه هذه الفتاة حنان أخيها‏.‏ كما نالت هي أيضا من حبي نصيبا وغير أن الأهل والاصدقاء بدأوا يعترضون علي الزواج من ابنة خالي هذه لأنني أولي الناس بها وهي وأخوتها في احتياج لأن أكون بينهم دائما ولست أدري ماذا حدث لي وقتها فلقد أفكر في نوع الحب الذي أحسه تجاهها وهل هو حب حقيقي أم هو حب صنعته الظروف التي مرت بنا‏,‏ فأنا أحبها بالفعل وأحبهم لكني لا أشعر بأن هذا هو الحب الذي يجمع بين الرجل وشريكة حياته‏.‏

فلقد كانت لي فتاة أحلام في خيالي ولها صورة في ذهني لا أجدها في ابنة خالي هذه‏.‏ إذن فماذا يكون هذا الحب الذي يجمع بيننا؟ إنني أخشي أن يكون ما يجمعنا هو حب احتياج كل واحد منا للآخر ليري فيه مفقوده‏.‏ ولقد صارحت ابنة خالي بذلك الكلام‏.‏ وقلت لها إن لها لدي مكانة لم تصل لها إنسانة من قبل‏,‏ لكن هذا الحب لا أستطيع أن اتخذ بناء عليه قرارا بالارتباط بها‏.‏ وهي صارحتني أنني بعد وفاة أخيها أصبحت كل شيء في حياتها لما لمسته في من عطف وحنان عوضها عن فقد أخيها‏,‏ وأنا الآن في حيرة شديدة‏.‏

رائج :   الاعتراف ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

أخاف أن اتخذ قرارا بالارتباط بها‏.‏ لاني لم أفكر في ذلك من قبل ولي مواصفات في فتاة أحلامي مختلفة عنها وفي نفس الوقت لا أستطيع الابتعاد عنها لأن من واجبي أن أظل بينهم وهي لها عندي الآن مكانة كبيرة‏,‏ لكني لا أستطيع أن أقرر الارتباط بها خوفا أن تكون مشاعري هذه مشاعر أخ تجاه أخت في حاجة إليه‏..‏ أنا في حيرة شديدة مثلها‏.‏ وأتمني أن أسمع نصيحتك فماذا تقول لي؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

الحب دائما تصنعه الظروف‏,‏ فما وجه العجب في أن يكون الحب الذي يجمع بينك وبين هذه الفتاة وليدا للظروف الانسانية التي قاربت بينكما وأشعرت كلا منكما باحتياجه إلي الآخر؟

إن الحب ليس قرارا إراديا يتخذه الإنسان في لحظة تجل‏,‏ ولا هو كذلك من اختياره الحر‏..‏ وإنما هي مشاعر تلد نفسها بنفسها دون تدخل إرادي من صاحبها أو من الطرف الآخر‏,‏ فاذا وجدت من الظروف المحيطة ما يساعد علي نمو بذورها‏..‏ نمت وترعرعت وأزهرت زهورها الفواحة‏..‏ وإذا هاجمتها الآفات والظروف المعاكسة فقد تقتلها في أرضها‏..‏

رائج :   النظرات الخفية .. رسالة من بريد الجمعة

وكل الظروف المحيطة بك الآن صالحة لانبات هذه البذور‏..‏ ومد جذورها في الارض فلماذا تنكص عن رعايتها وخدمتها إلي أن تورق‏..‏ وتثمر ثمارها الطيبة بالارتباط بهذه الفتاة؟
إن شكك في أن تكون المشاعر التي تجمع بينك وبين هذه الفتاة من أثر الظروف التي قربت بينكما‏,‏ لا معني لها بالفعل كذلك بغير أن ينفض ذلك من عمقها وصدقها‏..‏

كما أن شكك في أن تكون مجرد احتياج نفسي من جانب كل منكما للآخر في هذه الظروف الانسانية لا معني له كذلك‏,‏ لأن الحب دائما احتياج نفسي للآخر بغض النظر عن الظروف التي أشعلت شرارته‏,‏ ومحك الاختبار الصحيح لعمق هذه المشاعر وجديتها في قصتك هو أن يستمر هذا الاحتياج النفسي لكل منكما للآخر بالرغم من بعد الذكري التي قاربت بينكما في البداية‏..‏

أما حكاية مواصفات فتاة الأحلام في خيالك والتي تتعارض مع واقع شقيقة صديقك فهي ليست سببا جادا للتفريط في الحب الحقيقي الذي تمثله هذه الفتاة في حياتك‏..‏ لأن الواقع مختلف دائما عن الخيال ولأن هذه المواصفات ليس سوي صورة مثالية لفتاة لم تلتق بها بعد ولم تختبر قبولك لها أو قبولها لك‏,‏ ولقد تلتقي بمن تتجسد فيها هذه المواصفات فلا ينبض قلبك لها ولا ينبض قلبها لك‏..‏ فلماذا نضيع الحب الحقيقي من بين أيدينا جريا وراء خيال لم نلتق به بعد وقد نلتقي به فلا تقرب بيننا الظروف وقد لا نلتقي به ذات يوم؟

Related Articles