أجمل رسائل بريد الجمعة

دورة الأيام ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا رجل أبلغ من العمر 56 عاماً وأعمل منذ فترة طويلة بإحدى الدول العربية ولى ابن وابنة انتهيا والحمد لله من دراستيهما الجامعية ويعملان معى الآن فى نفس البلد الذى أعمل به.

وقد مضت رحلة حياتى دون تحويلات عنيفة أو منغصات كبيرة..غير أننى أواجه الآن موقفاً يثير تأملاتي .. ويدفعني لأن أستشيرك بشأنه. فمنذ ثلاثين عاماً ارتبطت عاطفياً بفتاة أحببتها للغاية ورغبت بشدة فى أن أتزوجها , إلا أنها كانت تكبرني بأربع سنوات, ووقفت هذا الفارق عائقاً صلباً دون موافقة أهلي على زواجي منها, وحاولت بشتى الطرق إقناعهم بها, إلا أنهم أصروا على موقفهم للنهاية, ولأننى بار بأبي وأمي, فلقد استجبت لهما على غير رغبة مني وصارحت الفتاة بالحقيقة ونصحتها بأن تبحث عن مستقبلها وألا تنتظرني , وانقطعت عن رؤيتها بعد ذلك , لكننى لم أنسها ولم يمض وقت طويل حتى كانت قد تزوجت وشغلت بحياتها الجديدة.

أما أنا فقد رشح لى أبى وأمى عروساً مناسبة, وسرعان ما تزوجتها واصطحبتها معى إلى الدولة العربية التى عملت بها .. وكلما رجعت إلى مصر فى أجازة تذكرت فتاتى الأولى واستفسرت عن طريق الأصدقاء عن أخبارها..

ومضت حياتى هادئة وبلا منغصات, والحق أنني وجدت فى زوجتي سيدة فاضلة تبذل كل ما فى وسعها لإسعادي كما أنها صانتني وحمتني من مغريات الشباب, ونشأت أبناءنا على الخلق الحميد والحمد لله على ذلك كثيراً, لكن الحياة مضت بى بالرغم من ذلك دون أن أشعر بحرارة الحب التى كنت أستشعرها مع فتاتي الأولى.

أما الموقف الذى أواجهه الآن ويثير تأملاتي فهو أن ابني يحب إحدى زميلات أخته فى العمل حباً كبيراً ويرغب فى الزواج منها..

رائج :   السلاح السري ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وأنا ووالدته نعارضه فى هذا الارتباط لغير شئ سوى لأنها تكبره بخمس سنوات! .. وهو يصر على الزواج منها ويحاول إقناعنا بها بشتى الطرق .. ووالدته ترفض بشدة وأنا أشاركها الرفض بدافع من خوفى عليه كأب فى بعض الأحيان .. وأتذكر موقفي من أبى وأمى حين رفضا زواجي ممن أردتها لنفس السبب فى أحيان أخرى. فيرق قلبى له وأتمنى لو أحقق أمنيته لكيلا يحرم ممن يحبها.

وقد زاد من حيرتي أن تقدم لابنتي شاب يصغرها بثلاث سنوات .. وابنتى توافق عليه وترحب به, وزوجتى ترفضه بشدة كما ترفض فتاة ابنها التى تكبره .

وأنا بالرغم من عدم موافقتي على اختيار ابني ولا على من تقبل به ابنتي وليس فيهما أيه عيوبجوهرية سوى فارق السن, وحاولت إقناع زوجتي بقبولهما .. لكنها ترفض رفضاً تاما ً.. ونحن فى غربة والشباب المصري المقيم هنا يرجعون إلى بلدهم فى الأجازات فيتزوجون من أقاربهم ومعارفهم فيها, ونحن لا نرجع إلى بلدنا إلا لمدة شهر واحد كل عام, وبسبب طول الاغترابفإن صلتنا بالأقارب والمعارف فى مصر محدودة, وأخاف على أبنائي من ضياع الفرص المناسبة .. ومن غربتهم فى بيتهم, حيث أن كلا منهما الآن يسكن حجرته ولا يكلم أحداً.كما يثير شجوني أن ما حدث لى فى الماضي وشكوت منه يتكرر الآن بنفس تفاصيله مع أبنائي, فما رأيك فى ذلك وبماذا تشير علىّ؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

دورة الأيام قد ترينا من أمرنا عجبا ! والحق أن مشكلة تفاوت السن بين شريكي الحياة
ينبغي أن تكون دائماً فى حدود الأمان .. أى فى الحدود التى تسمح لهما بتقارب الاهتمامات والميول والمزاج النفسي بشكل عام ..

رائج :   الرهان الخاسر ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

فإذا كان المبدأ العام هو تفضيل أن يكبر الفتى الفتاة التى يرتبط بها ببضعة أعوام للاعتبارات المعروفة, فليس مما يخرج أيضاً عن حدود الأمان فى بعض الحالات الاستثنائية أن تماثل الفتاة فتاها فى السن أو أن تكبره بسنوات قليلة .. والاستثناء دائماً خروج عن القاعدة لابد أن يكون له ما يبرره, لأن قوانين الحياة الطبيعية هى الأولى بالإتباع فى الظروف العادية, وأقوى دوافع الاستثناء من القاعدة فى أمور الزواج هو الارتباط العاطفي القاهر الذى يعوّض أو يبرر عدم الالتزام ببعض بنود القاعدة العامة لدى أصحابه.

وإذا كان هذا الاختيار العاطفي القوي لا يتعارض مع أحكام العقل فى النواحى الأخرى, كاعتبارات الكفاءة العائلية والاجتماعية والسمات الأخلاقية والنفسية والعقلية , فلقد يجوز التغاضي عن فارق السن لغير صالح الفتاة فى بعض الحالات, كما يجيز البعض الفقهاء إمامة المفضول مع وجود الأفضل أحياناً! والأفضل دائماً هو أن يكبر الفتى فتاته ببضع سنوات ليكون قادراً على الإمساك بدفة القيادة فى أسرته الصغيرة بالمشاورة والتعاون مع شريكته. والمهم فى كل الأحوال هو أن يعى كل طرف فى العلاقة الزوجية حقيقة دوره ويكون قادراُ على النهوض به بغير التنازل عنه للطرف الآخر وبغيرتطلع طرف لأداء دور ليس مؤهلاً بحكم الطبيعية وقوانين الأشياء للقيام به نيابة عن شريكه.

ومقاومة الأهل للاختيار العاطفي للأبناء إذا لم يتعارض هذا الاختيار مع أحكام العقل بشكل صارخ, كثيراُ ما يدفع الأبناء للتمسك به ويستثير لديهم الميل للتحدي لإثبات سلامة اختيارهم حتى ولو دفعهم ذلك أحياناً إلى التغاضي عن بعض المحاذير والعيوب , فى حين قد يساعدهم تحرز الأهل فى رفض اختياراتهم,ومبادرتهم بعدم اتخاذ موقف قاطع بالرفض لها ,واعتبار الأمر قابلاً للمناقشة والتفكير فيه, على ممارستهم هم أنفسهم للتفكير النقدى لهذه الاختبارات..والتفكير النقدى هو التفكير الذى يتسم بالموضوعية ولا يقبل الأشياء قبولاً مطلقاً, ولا يرفضها أيضاً رفضاً مطلقاَ, وإنما يرى فيها المزايا والعيوب ويوازن بينها ويتخذ صاحبه قراره على أساس ترجيح كفه هذا على ذاك .. 
وفترة الخطبة فى الأصل هى فترة اختبار للمشاعر وتوافق الميول والرؤي لدى الخطيبين .. ولا بأس بأن “يختبر” ابنك صدق مشاعره وعمق توافق ميوله مع ميول فتاته خلال فترة ملائمة للخطبة قد تسمح له بتقدير الأمور تقديراً أكثر موضوعية منه وهو واقع تحت ضغط الرفض المطلق لاختياره من جانب أبويه, وما يثيره لديه ذلك من تحد قد يغمض العين معه عما فى وجهه نظرهما من استشراف للمستقبل وحرص على مصالحه ..

رائج :   الجانب السييء ! .. رسالة من بريد الجمعة

فإذا جاءت نتيجة الاختبار لصالح فتاته فلا شئ يمنع استكمال المشوار معها, وتسليم الأهل له برغبته, لأن هدفهم فى البداية والنهاية هو سعادته وصلاح أمره, وإذا لم تجئ النتيجة لصالحها كان قراره نابعاً من تجربته وليس مفروضاً عليه بالقهر من أبويه,فلا يندم على فوات الفرصة ولا يأسى عليها.

ونفس المنطق يمكن التعامل به مع ابنتك بغير قهر لإرادتها, فماذا يمنعك أنت وزوجتك يا سيدى من منح ابنك وابنتك حق التجربة المشروعة فى الإطار العائلي مادام إختيارهما لا يعيبه شئ جوهري_كما تقول_ سوى فارق السن؟

Related Articles