موقف ملوك وأمراء المسلمين من سقوط غرناطة:
1)موقف سلاطين بني مرين:
كان مسلمو الأندلس كلما اشتد بهم الأمر استنجدوا بملوك المغرب ، لا سيما ملوك بني مرين الذين ساروا على نهج المرابطين ، والموحدين الذين كانوا ينهضون للتدخل لحماية الأندلس كلما ضاق الأمر بأهلها .
فالسلطان المريني أبو يوسف المنصور (815 هـ/1286م) مثلا ، عبر إلى الأندلس أربع مرات لإغاثة أهلها، ووصلت جيوشه إلى طليطلة ، وقرطبة .
بل إلى مدريد وهي قريبة من آخر معقل وصل إليه الإسلام في الأندلس، فساهم بذلك في إنقاذ غرناطة من الانهيار السريع أمام ضربات ملوك قشتالة وأرغون.
لكن رغم الجهود التي بذلها بنو مرين لحماية الأندلس ، فإنهم لم يتمكنوا من تحقيق انتصارات ساحـقة ، كتلك التي حققها المرابطون في معركة الزلاقة ، والموحدون في معركة الأرك . والسبب في ذلك يرجع إلى أن المرينيين كانوا يقاتلون بإمكانياتهم الذاتية فقط، بينما كان المرابطون والموحدون يقاتلون بإمكانيات المغرب العربي كله .
ومهما يكن من أمر ، فإن بني مرين ساهموا في دور فعال في حماية الأندلس قبل أن يدخلوا في دوامة من الفوضى والاضطراب، والحروب الداخلية ضد منافسيهم من جهة، وضد جيرانهم من جهة ثانية،بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المزرية التي كان يمر بها المغرب في هذه الفترة من تاريخه على وجه الخصوص ، والتي حالت دون تمكن المرينين، أو الوطاسيين من إنقاذ الأندلس، بل جعلتهم عاجزين حتى عن حماية سواحلهم من الاحتلال الإسباني والبرتغالي .
يقول المؤرخ الأندلسي المجهول الذي عاصر مأساة غرناطة :«…إن إخواننا المسلمين من أهل عدوة المغرب بعثنا إليهم ، فلم يأتنا أحد منهم ، ولا عرج على نصرتنا وإغاثتنا ، وعدونا قد بنى علينا وسكن ، وهو يزداد قوة ، ونحن نزداد ضعفا، والمدد يأتيه من بلاده ، ونحن لا مـدد لـنا …»
2)موقف السلاطين الحفصيين:
وكما كان أهل الأندلس يستغيثون بملوك المغرب ، فإنهم كانوا يلجئون إلى ملوك بني حفص، خصوصا عندما لا يجدون من ملوك المغرب أذانا صاغية، فمن ذلك أنه عندما سقطت بلنسية ، أرسل أهلها إلى أبي زكريا الحفصي يستمدون منه النجدة والمدد، وجعلوا على رأس بعثتهم شاعرهم ابن الأبَّار القُضاعي الذي ألقى بين يديه قصيدته الشهيرة التي مطلعها :
ولم تكن بلنسية وحدها هي التي بايعت أبا زكريا الحفصي ، وطلبت منه المدد، بل قد بايعه كذلك أهل إشبيلية، وأهل المريَّـة، إلا أن موقف أبي زكريا الحفصي من استنجاد أهل الأندلس لم يكن يتناسب مع خطورة الوضع، ذلك لأنه لم يكن يملك القوة الكافية التي تمكنه من إنقاذ الأندلس التي كانت ظروفها تقتضي اقتحام الحفصيين للأندلس، والقضاء على رؤوس الفتنة من ملوك الطوائف، وهو ما لم يكن يقدر عليه أبو زكريا الحفصي، ولذلك اكتفى بإرسال أسطول مشحون بالطعام والسلاح والمال، لكن هذا المدد لم يصل إلى المحصورين في بلنسية، كما أرسل بمدد آخر أثناء حصار إشبيلية ، لكن المدد استولى عليه العدو ، كما استولى على إشبيلية فيما بعد.
3) موقف ملوك الدولة الزيانية:
لم تكن أحداث الأندلس بعيدة عن اهتمامات ملوك بني زيان . ذلك لأن أهل الأندلس كانوا يلجئون إلى الزيانيين مستنجدين بهم عندما تضيق بهم السبل . فمن ذلك أنه عندما ضيق الإسبان الخناق على غرناطة أستصرخ ملكها أبو عبد الله بأبي حمو الزياني ، بقصيدة من نظم الشيخ الفقيه أبي البركات محمد بن أبي إبراهيم البلفيقي مطلعها :
وكما كانت أوضاع الحفصيين ، والمرينيين ، ثم الوطاسيين لا تؤهلهم للدفاع عن بلادهم ، فضلا عن إنقاذ الأندلس ، كانت المملكة الزيانية تعيش نفس الظروف المتدهورة . ولذلك تعذر على ملوكها تقديم أي دعم جدي لأهل غرناطة أو غيرها . وسوف يتبين لنا لاحقا أن المملكة الزيانية كانت أضعف من أن تساهم في إنقاذ الأندلس.
4) موقف سلاطين دولة المماليك في مصر:
في سنة 1487 وصل مبعوثي أبو عبد الله الصغير ملك غرناطة، إلي القاهرة لمقابلة سلطان مصر المملوكي الأشرف قايتباي وقد حمل هؤلاء السفراء رسالة إستغاثه بالسلطان تطلب منه تجهيز حمله كبري لصد الخطر الصليبي المحدق بمملكة غرناطة وبيان أنها قد أشرفت علي السقوط.
ربما تكون هذه هي الأسباب العامه وراء غياب دور مصر المملوكيه في حادثة سقوط الأندلس و هذا الموقف الضعيف لم يكن سوي إنعكاس لمظاهر كثيره عجلت بمغيب شمس هذه الدوله كما كانت إنعكاس لتغيرات جذريه في موازين القوي و العلاقات الإسلاميه – الإسلاميه في شرق المتوسط .
5) موقف سلاطين الدولة العثمانية:
موقف السلطان محمد الفاتح:
أرسل أهل غرناطة في منتصف سنة 1477 – أي قبل سقوط غرناطة بأربعة عشر عاما – سفارة على إستانبول ، وجهوا فيه نظر السلطان محمد الفاتح إلى تدهور أوضاع المسلمين في الأندلس ، وناشدوه التدخل لإنقاذهم .
لكن كان في حكم المستحيل أن يستجيب السلطان الفاتح لهذه الاستغاثة ، لأنه كان هو الآخر مضطرا إلى مواجهة تحالف صليبي ضم البابا سكست الرابع TX. Sixte (1471-1484 ) ، وجنوة ، ونابولي ، والمجر ، وترانسلفانيا ، وفرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس ، وعددا من الزعماء الألبان الذين كانوا يضمرون عداء شديدا للدولة العثمانية .
موقف السلطان بايزيد الثاني:
ثم استنجد الأندلسيون مرة أخرى بعد وفاة الفاتح بابنه السلطان بايزيد الثاني ( 1480-1511 ) ، حيث أرسلوا إليه رسالة مع الشاعر أبي البقاء صالح بن شريف الرندي الذي ألقى بين يدي السلطان قصيدته مرثية الأندلس الشهيرة ، والتي مطلعها :
لكن رغم الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية في هذه الفترة الحرجة من تاريخها ، فإن السلطان بايزيد لم يهمل استغاثة أهل الأندلس ، بل حاول أن يقدم لهم ما يستطيعه من أوجه الدعم والمساندة .فأرسل إلى البابا رسولا يعلمه بأنه سوف يعامل المسيحيين في إستانبول ، وسائر مملكته بنفس المعاملة إذا أصر ملك قشتالة على الاستمرار في محاصرة المسلمين في غرناطة ،والتضييق عليهم . وبالفعل أرسل أسطولا بحريا بقيادة كمال رئيس إلى الشواطئ الإسبانية سنة 1486.
فقام هذا الأخير بإحراق وتخريب السواحل الإسبانية والإيطالية ومالطا ونقل أولى قوافل المهاجرين المسلمين واليهود إلى تركيا . وحسب رواية أخرى- لم نتمكن من التأكد من صحتها – فإن السلطان الحفصي عبد المؤمن بعد نجاح وساطته في عقد صلح بين الدولة العثمانية ودولة المماليك ، تم عقد اتفاق آخر على تحالف بين الحفصيين والعثمانيين والمماليك لدعم مسلمي الأندلس . وكان الاتفاق يقضي بأن يرسل العثمانيون أسطولا إلى سواحل إيطاليا تكون مهمته إلهاء الإسبان ؛ بينما يستغل الفرصة ويقوم المماليك بإرسال قوات تنطلق من شمال إفريقيا إلى الأندلس لنجدة المسلمين هناك .
وهكذا بسبب المشاكل الداخلية والخارجية التي كانت تعيشها الدولة العثمانية ، لم يتمكن العثمانيون في عصر بايزيد ، وقبل ذلك في عصر الفاتح من إغاثة مسلمي الأندلس ، كما أن التهديدات ، والغارات التي شنها كمال رئيس على السواحل الإسبانية لم تثن الملكين الإسبانيين عن قرار إنهاء الوجود الإسلامي من إسبانيا المسيحية. وبهذه المواقف التي رأيناها يتضح لنا أن سقوط غرناطة وضياع الفردوس المفقود ارتبط بعدد من الأسباب التي كان يمر بها العالم الإسلامي وقتها . وضياع غرناطة ، وما تبعه من طرد المسلمين كان نتيجة متوقعة في ضوء الأحداث التي مرت بها الأمة .
قد يهمك:
كيف تسببت حرب اكتوبر في واحدة من اكبر الازمات الاقتصادية العالمية فى تاريخ الاقتصاد الحديث ؟