قضايا وأراء

صالح كامل … رحيل صاحب الرؤية الذي لم يعش في جلباب أبيه!

في 18 مايو 2020، رحل عن عالمنا واحد من أعظم رواد الأعمال والمستثمرين السعوديين، واحد من بين أهم أصحاب الرؤية، والتي تمكن بفضلها من تكوين امبراطورية قوية يبلغ قوامها استثمارات في 300 شركة، بالإضافة إلى ثروة شخصية بلغت 2.3 مليار دولار.

لم يتوقف دور الشيخ “صالح” على مجرد إنشاء وإدارة مجموعة “دلة البركة” الاستثمارية العملاقة، ولكن لطالما شكلت مسيرته الطويلة في عالم البيزنس مصدر إلهام لكافة رواد الأعمال الشباب من السعودية والعالم العربي، خاصة مع الدروس الملهمة التي تركها خلفه، والتي نعتبرها الإرث الحقيقي لهذا الاستثماري العملاق الراحل، وستظل باقية معنا لتذكرنا بتاريخه المُذهل، فما هي تلك الدروس؟!
لا تعش في جلباب أبيك:

جميعنا نعرف رواية “لن أعيش في جلباب أبي” للأديب الكبير إحسان عبدالقدوس، والتي تتحدث عن رجل أعمال عصامي بنى نفسه بنفسه “من تحت الصفر” عبر العمل في تجارة الخردة، فيما رفض إبنه في البداية العمل معه وخلافته في تولي شؤون تلك الإمبراطورية العملاقة التي بناها لرغبته في أن يكون له طريقه الخاص.

في الحقيقة، يمكن أن نقول أن قصة صالح كامل شبيهة بذلك بصورة كبيرة، كيف ذلك؟!

في عام 1941، ولد صالح بمكة المكرمة لعائلة تعمل في مجال الطوافة، وهو مجال يقوم المشتغل فيه بإرشاد الحجاج لشؤون حجهم وتوفير كافة ما يحتاجونه منذ أن يحطوا بأرجلهم في الأراضي المقدسة وحتى انتهائهم من مناسك الحج.

ورغم أن صالح كامل عمل عقب تخرجه من الجامعة في هذا المجال، إلا أنه لم يجد نفسه فيه، وبالتالي قرر خلع عباءة والده والاتجاه إلى المجال الذي وجد فيه شغفه الحقيقي… التجارة.

بالفعل، فحينما كان طفلًا، بدأ “صالح” في ممارسة التجارة عبر تصنيع نوع من الألعاب الشعبية في السعودية تدعى “الكبوش” وبيعها لزملاؤه.

وطوال نشأته استمر شغفه بالتجارة معه، حيث استغل كونه أول رئيس لكشافة في السعودية حينما كان في مرحلة الثانوية، واقترض 3 ألاف ريـال سعودي من والده ليشتري مجموعة من المعدات الرياضية التي لم تكن منتشرة بصورة كبيرة في المدارس السعودية وتربح منها عبر بيعها للمدارس في الحقيقة، لم يفضل صالح كامل الاستقرار الذي سيوفره له مجال العمل العائلي، وفضل تكوين طريق خاص به عبر العمل في التجارة ويبدو بالفعل أن قراره كان صحيحًا في النهاية، خاصة مع النجاحات والإمبراطورية العملاقة التي تركها خلفه.

رائج :   العراق ومصر قطبي قوة أمتنا

قد يكون الأمان مطلوبًا أحيانًا:

عقب تخرجه وتركه مجال الطوافة، كان الشيخ صالح يعلم جيدًا أن مجال إدارة الأعمال ملئ بالمخاطرة، وبالتالي أدرك أنه وفي البداية على الأقل يحتاج إلى تحقيق شرطين للنجاح:

الاستقرار المالي:

عبر اتجاهه للعمل الحكومي في وزارتي العمل والمالية، والذي وفر له مصدر دخل ثابت مكنه من المخاطرة في مجال البيزنس بأريحية كبيرة.

الخبرة :

كان لهذا العمل الحكومي، والذي استمر به حتى نجح وتوسع في مجال البيزنس، الفضل في إكسابه الخبرة اللازمة، عبر تمكينه من التعرف بعمق على متطلبات السوق السعودي وبالتالي استكشاف الفرص الجديدة السانحة التي يمكن الاستثمار بها بنجاح.

يعتقد الكثير من رواد الأعمال اليوم أن العمل في دوام ثابت قد يعوقهم عن إدارة مشاريعهم وبالتالي فشلهم في مجال البيزنس، قد يكون هذا الجانب صحيحًا أحيانًا ولكن في الحقيقة، لا يتعلق الأمر بهذا العمل الثابت بقدر تعلقه بعدم القدرة على تنظيم الوقت للقيام بالأمرين في نفس الوقت، وهو ما يبدو أن الشيخ صالح تمكن من تحقيقه.

رائج :   الأنسة فاطمة التى حولتها السينما إلى الأنسة حنفى

خذ بزمام المبادرة:

لطالما عُرف عن الشيخ صالح إقدامه على اكتشاف جوانب استثمارية جديدة في المجالات المختلفة، وقد ظهر ذلك جليًا منذ بداية مسيرته في عالم البيزنس!

فحينما كان شابًا،كان من بين الأوائل الذين بادروا في الاستثمار بمجال المطاعم في السعودية عبر تأسيس مطعمه الخاص، بخلاف تكوينه لمطبعة متخصصة لطباعة المذكرات، وبعدما وجد حاجة طلاب المدارس والجامعات لهذا النوع من المنتجات.

كما تمثلت بداية تعملق الشيخ صالح في مجال الأعمال حينما كان من بين الأوائل الذين استثمروا في مجال البريد، خاصة بعدما جمع كل ما حققه في استثماراته المختلفة وأسس مشروعه العملاق لطواف البريد، والذي نجح بصورة كبيرة على مدار أكثر من 15 عامًا.

وحين نتحدث عن صالح كامل فلا يمكن إغفال الدور المذهل الذي لعبه في تطور الإعلام العربي والرياضي، حيث كان من أوائل المستثمرين في شبكة قنوات “MBC” رفقة رائد الأعمال السعودي وليد الإبراهيم، و كذلك أول سعودي يؤسس شبكة قنوات خاصة، وذلك عبر مجموعة “ART” العملاقة والتي وصلت لذروة النجاح عبر وصول عدد مشتركيها إلى 1.2 مليون مشاهد “باع مجموعة القنوات الرياضية فقط في 2009 مقابل 2.7 مليار دولار”.

يظهر من معنى كلمة رائد الأعمال أنه لكي يكون ناجحًا يجب أن يبتعد عن تتبع خطوات منافسيه وأن يكون رائدًا في المجال الذي يعمل به عبر الأخذ دائمًا بزمام المبادرة… وقد كانت تلك واحدة من أبرز الصفات التي تحلى بها الشيخ صالح كامل، فقد امتلك دائمًا عينًا ترى الفرص الاستثمارية الناجحة وتستغلها.

رائج :   تولستوي ..

تنوع دائمًا :

رغم أنه بدأ مسيرته في التجارة بمجال الأدوات الرياضية، إلا أن الشيخ صالح وجد طريق النجاح في ريادة الأعمال عبر التحلي بالتنوع، ويظهر هذا في طبيعة مشاريعه، حيث اتجه بداية للاستثمار في مطعم ومطبعة ومحل أزياء، بالإضافة لمشروع طواف البريد الناجح التابع له.

ومع كبر حجم موارده المالية، فقد ساعده ذلك على تنويع استثماراته بصورة أكبر عبر دخوله مجال الإعلام والاستثمار العقاري والسياحي والبنوك، وحتى أصبحت مجموعة “دلة الخير” والتي أسسها في 1969، تضم بين طياتها استثمارات في 300 مؤسسة مختلفة وفي أكثر من 45 دولة حول العالم.

في الحقيقة فإنه بخلاف الدروس الـ4 الماضية، علمنا الشيخ صالح كامل الدرس الأسمى حينما تحلى بالشجاعة المحسوبة في قراره بالتخلي عن عمل عائلته بالطوافة للسير وراء شغفه، وحتى جنى في النهاية ثمار تلك الشجاعة… رحمة الله على الشجاع صاحب الرؤية الذي ستظل بصمته لامعة في تاريخ ريادة الأعمال العربية.

Related Articles