قضايا وأراء

كواليس … ما يحدث في المملكة العربية السعودية ؟

في بدايات شهر سبتمبر حصلت موجة تطهيرات في السعودية أتسجن فيها عشرات المعارضين لمحمد بن سلمان والحكومة السعودية من أطياف فكرية مختلفة، منهم شيخ أسمه سلمان العودة عنده 14 مليون فولورز على تويتر، وباحث كبير في جامعة الملك فهد أسمه مصطفى الحسن ورجال أعمال من أسر قوية وكبيرة، الرابط ما بينهم هو نقد لسياسات مختلفة في رؤية بن سلمان، وبالأخص هي سياساته في اليمن وعزله لقطر. وطبعًا قبل كدا دول في شهر يوليو وأهم منهم جميعًا تنحيتهم (هو وابوه) لابن عمه محمد بن نايف وزير الداخلية (واحدة من الهيئات الأمنية الثلاثة الكبيرة، الآخرين هم وزارة الدفاع اللي بالفعل محمد بن سلمان ماسكها، والأخيرة هي وزارة الحرس الوطني.)

الأمس بدأت الموجة الثانية من التطهيرات أتعزل/أتسجن فيها 19 أمير و38 وزير ونائب وزير حاليين وسابقين، من بين هذه الأسماء الوليد بن طلال (وهو شيء غريب جدًا ومحتاج لمزيد من التوضيح سنراه مع الأيام القادمة، وهتسمع حاليًا الكثير من التفاسير ولكن أغلبها تأملات ومضاربات مفيش شيء فيها أكيد) وأيضًا متعب بن عبد وهو واحد من الأهداف الرئيسية ومربط الفرس لهذه التطهيرات، لأن قائد القوة الأمنية الثالثة الكبيرة (الحرس الوطني) وبهذا يكون بن سلمان أحكم قبضته على الجهات الأمنية الثلاثة الكبيرة، وزارة الدفاع تحت توجيهة المباشرة، والداخلية والحرس الوطني لها أكبر نفوذ وسطوة فيهم وغالبًا يديرهم دُمَى (جمع دمية) تدين بالولاء المطلق له، وأيضـًا لأن متعب هو الغريم الأساسي لمحمد على ولاية العهد والملكية المستقبلية ولذلك تحييده ضرورة.

لفهم أسباب التطهيرات لابد من فهم بعض العوامل أو الأبعاد، بعضها عام وبعضها خاص (يعني له علاقة بالطبيعة الثقافية والفكرية للسعودية وحكامها) أول بُعد متعلق بطبيعة أنظمة الحكم الديكتاتورية في العموم والـPower Politics هي أن أوضح من الشمس أن محمد بن سلمان متعطش للسلطة والقوة، وواضح جدًا أن كل هذه التطهيرات والخطوات مجرد إرهاصات أو تحضير لأنه يتسلم السلطة رسميًا من أبوه

رائج :   التجربة الآيسلندية || من إدمان المخدرات للوصول لكاس العالم

ولكن قبل إستلام السلطة لابد أن يُتِم ما يسمى بالـPower Consolidation أو بــَـسْط السيطرة وإحكام قبضته التامة على جميع مفاصل ومؤسسات الدولة (وطبعًا أهمها الأمنية كما سبق الذكر) وإخراس أي صوت معارض ملحوظ، وتأكد تمامًا أن محمد بن سلمان له نصيبه الكبير من المعارضين من جميع الطبقات الحاكمة والقوية في البلد،

صعوده للقوة في حد ذاته كان صاروخي وماكيافيلي لأبعد حد ممكن، أبوه سلمان ضرب بعرض الحائط القواعد اللي أرساها ابوه، بن سعود مؤسس الدولة، على عكس أغلب أنظمة الحكم الملكية اللي ماشية بنظام الـPrimogeniture (أو توريث الحكم للابن الأكبر للملك الحالي،) السعودية كان فيها نظام الـAgnatic Seniority (وهي إن بعد وفاة كل ملك من أولاد بن سعود، يتقلد الأخ الأكبر سنــًا الذي يليه في أولاد بن سعود الحكم،

يعني حكام السعودية حتى الآن كلهم إخوات وكله من أولاد بن سعود) وبعدها أنشأوا مجلس إستشاري لإختيار الحاكم الأصلح بعد إنقراض أولاد بن سعود المباشرين، ولكن الملك سلمان تخطى كل هذه القواعد ودفع ابنه للصفوف الأمامية والقيادة في لحظة متجاوزًا كل تلك القواعد والأعراف السابقة، فلك أن تتخيل اللغط وكم البلبلة وشعور الكثيرين من أفراد عائلة آل سعود والقيادات العليا للبلد في إلزامهم بإتباع أمير صغير اقل من نصف عمرهم ويرونه متهور وطائش.

البُعد الثاني هو بُعْد خاص بإدارة السعودية نفسها. فالشيء الآخر الواضح عن بن سلمان أنه فعلًا يرغب في إحداث إصلاحات وتحولات كبيرة جدًا في طبيعة وهوية السعودية، ولكن السعودية ليست دولة بالمعنى الحديث، بل شبه تكية أو عزبة،

يعني على سبيل المثال، من الأشياء الإلزامية في السعودية أن يكون لكل فرد في عائلة آل سعود وظيفة (وفي الغالب وظيفة كبيرة كمان مش أي وظيفة) وهو ما أدى بالسعودية أن يكون أكبر نسبة “سينيكيورز” Sinecures وهي عبارة عن إنك تتقلد وظيفة أو منصب (في حالتنا هنا كبير جدًا) ليس بحكم كفاءتك أو خبرتك، بل بحكم خلفيتك الأسرية والعائلية وبالتالي انت مش محتاج تتحمل أي شيء من أعباء مسئولية المنصب (بل وحتى مش محتاج تروح للوظيفة أو تعرف عنها أي شيء لسنوات أصلًا)

رائج :   الباب الحديدي !! .. رسالة من بريد الجمعة

والـSinecures تبعها كمية عملاقة جدًا جدًا من الفساد، يعني واحد مبيروحش منصب أساسًا ولا يعرف شيء عنه ولكن يستخدمه لغسيل أموال أو عمل معاملات تجارية مشبوهة وتكديس ثروات، إلخ. غير أن السعودية لا يوجد فيها دستور، ولا فيها نظام قانوني حديث حقيقي ولا محاكم بالمعنى المناسب للكلمة، إلخ.

يعني من أحد هذه الأمثلة أن “متعب بن عبدالله” وارث منصب الحرس القومي دا من أبوه (الملك السابق عبدالله!) تخيل بتاخد واحد من أكبر مناصب الدولة وأخطرها بالوارثة

وكملحوظة جانبية، الـSinecures والـNepotism أو المحاباة اللي ماشية بيها السعودية، هي أحد أكبر أسباب فشلها النسبي على الصعيد الأمني والحربي على الرغم من أنها تملك أحدث أسلحة في العالم وبتعمل أكبر صفقات سلاح، لأن أغلب قيادات الجيش من آل سعود من أردأ ما يكون وأغلبهم ملوش أي خبرة أو حنكة عسكرية، وموجودين في مناصبهم لمجرد الـSurname فقط، أنهم من آل سعود.

طبعًا بن سلمان كأمير (وملك مستقبلي) فاهم ان نظام العزبة دا لا يتسق أو يتماشى مع رؤيته الحداثية وان أصحاب المصالح الخاصة Special Interest Groups في العائلة والقيادات هيكونوا شوكة في حلقه وعقبة له في كل خطوة في الطريق

لأن غالبًا محاولات الإصلاحية سواء في الحكم أو مدنيـًا أو غيره هتلقى معارضة كبيرة منهم تآمر ودسائس منهم لإفشالها، ولذلك الوقاية خير من العلاج، يجب السيطرة على الموضوع من قبل أن يبدأ أو يفكر يعارضه أي منهم وتعليق الكرباج في الصالون لكي يراه أهل المنزل.

طبعًا الغالبية الساحقة من المقبوض عليهم (أو غالبًا كلهم بعيدًا عن بن طلال) ليهم تهم فساد وغسيل أموال وغيره وغيره، ولكن دا ليس السبب الأساسي للقبض عليهم، بل السبب هو توحيد وتكديس بن سلمان لكل القوة في ذاته، وغالبًا بعضهم كان غير مهم وغير مؤثر وغير ضروري القبض عليه ولكنه أتأخد في الرجلين أو Collateral Damage لكي تبدو عملية التطهير والتحييد وكأنها متجردة ومحايدة وليست موجهة ضد أهداف محددة جدًا بعينها. 

رائج :   لماذا أعتبر فيلم توم هانكس A Hologram for the King بمثابة “تعرية” للعرب

وأيضــًا مش مستبعد أن يكون الموضوع مجددًا له بُعْد تأثر من بن سلمان بدبي والإمارات، حيث أن As Far As Middle Eastern Monarchies Go، الإمارات تعتبر من الأقل فسادًا وفيها سيطرة على تصرفات حتى الحكام أنفسهم، طبعًا ليهم إسرافهم الفاحش وتجاوزهم للحدود ولكن الموضوع إلى حد كبير تحت السيطرة ومش سبهللة زي في السعودية.

من الأشياء الطريفة إن محمد بن سلمان وابوه لو فعلًا طبقوا تهم مكافحة الفساد دي بشكل محايد وحاسم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الملك نفسه، بالإسراف وإهدار المال العالم إللي بيعمله في زيارة واحدة من زياراته لأي بلد أو أي إجازة من اجازته كفيل أنه يدخل بيه السجن حتى تتحول السعودية لغابات خضراء مرة أخرى أو تدخل الأرض العصر الجليدي الكبير القادم أيهما أبعد،

دا غير إن آل سعود (وخاصة الفرع الأقوى فيها) مش حاطين أي فاصل ما بين أموال الدولة وما بين ثروتهم الشخصية (يعني الحاجتين Interchangeable، ممكن الملك يعتبر أموال الدولة كلها بتاعته!) دا غير إن أصلًا الغالبية العظمى من الفساد اللي هم بيعاقبوه دلوقتي دا كان بيتم بعلم تام وغض طرف من أبوه واخواته الملوك السابقة (وأحيانـًا بإشراف شخصي منهم!)

عامة التطهيرات والمكائد حاجة من أساسيات والأعمدة الراسخة لأي إنتقال سلطة في دولة أنظمة ديكتاتورية، وكانت حاجة متوقعة ومش غريبة ولسة دي الفصول الأولى ومازالت الباقي والأغلبية في الطريق، من أشهر التطهيرات في الأنظمة الديكتاتورية كان مثلًا “ليلة السكاكين الطويلة” اللي أقامها هتلر لإعدام بعض أكبر رفاقة السابقين وأقرب المقربين له بسبب تنافس وتناحر بين القيادات العليا وأسباب يطول شرحها،

Related Articles