قصص وعبر

مواء في منتصف الليل .. قصة قصيرة

استيقظت على صوت مواء قطة بالشرفة المطلة على المطبخ،خشيت أن توقظ تلك الأصوات الطفلين النائمين بالفراش المجاور لفراشها فهي تخشى عليهما من الظلام فتنام بجوارهما فمازلا صغيرين يحتاجان الاحتضان والحنان ليعوضا فقدان الأب ،مازالت الأصوات تتصاعد ياااه!!!! لقد دخلت القطة المطبخ،

استلت عصا ودخلت المطبخ حتى تبعدها خارج المنزل ،لكن عندما رأتها اشفقت عليها، القطة تحتضن صغيرتها وترتجف بينما تبحث الصغيرة عن ثدي أمها مغمضة العينين ،فجأة ظهر الوحش الذي اخافهما ،أنه قط كبير الحجم ،قفز للشرفة يحاول دخول المطبخ ،اسرعت وخبطت خبطات متتالية على سور الشرفة فعاد كما أتى وهو يموء بصوت أجش مخيف،

أغلقت الشباك وذهبت لإحضار لبن للقطتين وتركتهما في نفس المكان فقد فهمت سبب هروب القطة ولجوئها لمنزلها فالقط سيؤذي صغيرتها حتى يحصل على الأم ؛والأم ككل أم- حتى لو كانت حيوان – همها الوحيد حماية صغارها تحملهم وتقفز بهم للأمان،ذهبت لتطمئن على طفليها فوجدتهما نائمين كملاكين احتضنتهما ولكن النوم ذهب بلا رجعة واستيقظ الأرق ليسامرها حتى بزوغ الفجر ويجدد آلامها ،

تناديه بصوت خافت وكأنه ينام بجوارها يسمعها أين أنت يا حبيبي اشتقت إليك أموال العالم لا تساوي غيابك لحظة واحدة أقضيها بدونك ،فجأة تراءت لها صورة القطة المسكينة وهي ترتجف خشية هجوم القط عليها وعلى صغيرتها لتتذكر كم من الرجال الذين حاولوا استغلال فرصة غياب زوجها وسفره للخارج ،أولهم أعز اصدقائه حاول دخول حياتها والتودد لها عن طريق إبداء رغبته في مساعدتها أثناء غياب الصديق ،

لكن المرأة تستطيع فهم تلك النظرات وتستشف المعاني المستترة خلف هذا الصوت الدافىء الحنون الذي يشبه صوت فحيح الثعابين فما كان منها إلا أن رفضت المساعدة وأغلقت الباب في وجهه،لم تنسى هذا الحبيب القديم الذي تخلى عنها حينما لمحت له أنها لا ترضى إلا بالزواج والعلاقات الشريفة وأن يدخل من الباب والآن عاد عندما علم بسفر زوجها ليدق الهاتف ويطلب منها السماح ويغدق عليها بكلمات الحب ولكنه لم يجد منها سوى إغلاق الهاتف وتغير ” الشريحة ”

أما الأخير فهو أحد الأقارب تودد للصغيرين بينما يلقي بكلماته على مسامعها كما يلقي الصياد الشبكة بالبحر عله يحظى بصيد وفير ولكن خاب أمله عندما فهمت مغزى كلماته فأغلقت باب بيتها أمامه وأمام زوجته ورفضت تلك الزيارات المسمومة وجعلت بيتها محرابا لا يدخله إلا حماتها وأمها وأخواتها وأغلقت غرفتهما حتى يعود ساكنها الوحيد وسكنت بجوار طفليها ترعاهما وتختزن مشاعرها لحين عودته ،

تمر الأيام وألفت القطة حياتها معهم وأصبحت هي وصغيرتها من أفراد الأسرة حتى أرسل الزوج رسالة بموعد عودته من السفر ،تهيأت لاستقباله وجعلت من المنزل جنة ،أخرجت الثوب المفضل له وتلك المساحيق المهملة فوق التسريحة ؛لتتزين له وأسدلت ذلك الشعر الذي ظل طويلا مكبلا بالجدائل لينسدل فوق ظهرها كشلال ،

أعدت له كل أصناف الطعام التي يحبها ولأن الساعة تجاوزت الثانية عشر ،أرخت جسدها المتعب على الأريكة في مواجهة الساعة وعينيها مصلوبتان عليها،الوقت يمر ببطء شديد ،فجاة سمعت صوت دق جرس الباب، أسرعت بفتحه ودقات قلبها تسابق قدميها ويداها مستعدتان لضمه ولكنها ما إن فتحت الباب حتى وجدت الى جواره امرأة أخرى، سألته من هذه المرأة ؟فأجاب بمنتهى البرود زوجتي.

لم تستطع منع نفسها من الصراخ كقطة مزعورة ولكن هيهات لا يصدر لصراخها صوت فسقطت مغشي عليها ،مع دقات الساعة الواحدة دق جرس الباب فأفاقت على صوته ،وإذا بها تكتشف أنه حلم ولكن ماذا ان كان حقيقة؟ ماذا لو فتحت الباب ولم تجده وحده ماذا لو تزوج لأنه لم يحتمل الغربه وحده ؟استمر دق الجرس ذهبت بخطوات متثاقلة متحفزة لتفتح الباب على حذر وعينيها تنظر حوله بخوف وترقب؛ لكنه وحده مبتسم احتضنها بشوق

فاجهشت بالبكاء في شبه انهيار،وبصوت متقطع قالت :اشتقت إليك، دخلا وجلسا على نفس الأريكة مسح دموعها وسألها ماذا بها؟ فحكت له عن حلمها ومخاوفها فابتسم واحتضنها وقال من يجد امرأة مثلك تحفظ غيبته وترعى أولاده وتعيش من أجله يضعها تاجا فوق رأسه ولا يجد لها بديلا؛ فلا توجد من هي مثلك يا حبيبتي ،دخل يطمئن على أطفاله ثم فتح باب الغرفة المغلقة منذ غيابه.
النهاية

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || رفقا بهم

Related Articles