نُشر في: 14 يوليو 2012
تضايقني دومًا عادة انتحال عبارات ونسبتها لمشاهير لم يقولوها.. هذه عادة قديمة جدًا ويبدو أن الناس لن تتخلى عنها بسهولة، ولعل أقدم مثال يرد لذهني هو عبارة “لماذا يتظاهرون من أجل الخبز؟.. لم لا يأكلون البسكويت ؟”. هذه العبارة المنسوبة لماري أنطوانيت لم تقلها قط.. لكن من المستحيل أن تثبت العكس.
الفكرة هنا هي أن المرء يحاول أن يعطي أهمية مطلقة لكلامه فينسبه لشخص مشهور.. وهكذا تولد عبارات غريبة جدًا؛ مثلاً هناك على النت مقولة تقول “لو كان جيشي من المصريين لحكمت العالم – أدولف هتلر” . كامل احترامي للجندي المصري الباسل، ولكن لم أسمع قط أن هتلر قالها، وهي لا تتفق مع تفكيره العنصري. هو بنفسه قال في كتاب كفاحي إن كل سكان أفريقيا قردة هبطت من الأشجار، أي أن تفكيره الضيق لا يمكن أن يقبل توجيه المدح لجنس غير آري.
شكسبير يصلح كسلة مهملات تلقي فيها أي عبارة تروق لك.. هناك طن من المقولات المنسوبة لشكسبير، على غرار: “الشرطة في خدمة الشعب” .. “القناعة كنز لا يفنى”.. “الفيسبوك هو ملتقى الأفكار”… “لولا الآي باد لما كتبت مسرحية ماكبث”.. إلخ..
هناك حشد من الأقوال ينسب لنيوتن، وحشد من الأقوال ينسب لجنكيز خان مثل “لو كان جيشي يعرف الزبادي (اليوجورت) لحكم العالم”.. أي بيت شعر لا تعرف قائله يتم إلقاؤه في سلة المتنبي وهناك احتمال 80% أن تكون على حق. المتنبي قال الكثير جدًا من الشعر الجيد، ومعظمه يصلح أمثالاً لعدة أجيال قادمة، لهذا فالخطأ ليس فادحًا على الأرجح..
الأمثلة كثيرة جدًا، مثل “نعيب زماننا والعيب فينا”، وهو ليس من تأليف المتنبي كما يحب الناس أن يعتقدوا. عندما يكون الشعر بالعامية المصرية يسهل أن تنسبه لصلاح جاهين، فإذا امتلأ بالشتائم وكان جريئًا جدًا سهل أن تنسبه لأحمد فؤاد نجم. والنت تمتلئ بأشعار بذيئة عامية منسوبة للرجل.. لكن المرء يلاحظ انعدام الموهبة والسماجة في بعضها فيدرك أنها منسوبة للرجل وليست له.
هذه اللعبة لا تفشل على كل حال. اكتب قصة رديئة وقل إنها بقلم نجيب محفوظ، ولسوف يطالعها الناس جميعًا في شغف.. وقد لعب الأديب المصري الساخر أحمد رجب هذه اللعبة قديمًا، حيث كتب مسرحية وصفها هو نفسه بأنها “كلام فارغ” وأطلق عليها اسم “الهواء الأسود”، ثم نشرها على أنها نص مفقود للكاتب العالمي دورنمارت. النتيجة أن النقاد تسابقوا على قراءتها، وكتبوا كثيرًا عن عبقرية دورنمارت وبراعته التي تجلت في هذه المسرحية. طبعًا عندما تبين الأمر كانت فضيحة..
مؤخرًا قام شاب ظريف من مدمني النت بتطبيق هذه القاعدة حرفيًا.. قام بتأليف مجموعة ممتازة من العبارات ونسبها لمشاهير.. مثلاً يقول أرشميدس: خف تعوم.. يقول دوكنز فيلسوف الإلحاد البريطاني: رأيت إلحادًا بلا ملحدين، ورأيت ملحدين بلا إلحاد. ويقول غاندي: ما تقفش قدام المروحة وانت طالع من الحمام. بعض التعليقات غير قابل للنشر هنا لكنه ظريف جدًا..
أما عن تأليف الأمثال الشعبية فعمل غير أخلاقي آخر، لكنه شائع. يقول صديقي: على رأي المثل.. مكتوب في كل كتاب.. العصفورة للغراب. أو يقول: هزي الشعور يا أم الضفاير.. ده أبوكي خرمان سجاير. أنظر له في شك، ثم أبحث في موسوعة الأمثال عن هذا الكلام فلا أجد.. لكنه يؤكد أن جدته كانت تردد هذه العبارات وهي تخبز في دارهم الريفية..
طبعًا يسهل أن تفهم ما يحدث. هو يعبر عن رأيه الخاص لكنه يعطيه هذه الصبغة التراثية الفولكلورية حتى تصغي أنت باحترام. ولنفس الأسباب دعني أؤكد لك أن هذا المقال ليس من تأليفي أنا، بل هو مخطوطة منسية وجدوها في درج الأديب الأميركي الساخر العظيم مارك توين، ودوري هو أنني ترجمتها لك.. هل تجرؤ على أن تشك في كلامي؟