أطول رحلة في تاريخ الطيران ليست الرحلة الـ12,900 كيلومتر من دبي لسان فرانسيسكو من، ولا الـ14,500 كيلومتر من الدوحة لأوكلاند ولا حتى تلك المرة التي سافرت فيها طائرة باكستانية من هونج للندن بالعكس، ولا تلك المرة التي قام فيها طيار بالدوران حول الأرض (من مدينة كانزاس لمدينة كانزاس مرة أخرى بلا توقف) عام 2005 ولا تلك الرحلة التي قام بها نفس الطيار عام 2006 من مدينة فلوريدا للندن بعد الدوران حول العالم!
أطول رحلة طيران في التاريخ كانت عام 1958 واستمرت لمدة 64 يوم كاملة بلا توقف (في الحقيقة أنها بدأت 1958 وانتهت في 1959!!!)
أصل الحكاية
عام 1956 فتح فندق Hacienda أبوابه في لاس فيجاس ولكن كان الفندق يعاني من مشكلة قاتلة… موقعه. الفندق كان بعيد عن جميع الكازينوهات ذات الشعبية بأكثر من ميل ولذلك كان يحتاج لحيلة إعلانية مميزة لكي يبرز نفسه ويحفر أسمه في أذهان الناس،
عندها أقترح أحد الميكانيكيين أو خبراء صناعة وإصلاح آلة القمار Robert Timm أنه سيكسر الرقم القياسي في الطيران وقتها (46 يوم بلا توقف) بطائرة مكتوب عليها أسم الفندق مقابل أن الفندق يمول رحلته بالكامل.
أعطاه الفندق 100,000 دولار، وبالمبلغ أشترى Robert طائرة Cessna 172 وعمل عليها بعض التعديلات (إضافة تانك إضافي سعته 95 جالون، وأيضـًا غير خطوط التموين لكي يمكنه التمويل في الهواء ونزع كل شيء من الداخل باستثناء كرسي الطيار فقط، وحتى المحرك غيره بمحرك جديد تمامًا) وفورما أنتهى من التعديلات وأصبح جاهزًا للرحلة، تلقى بعض الأنباء السيئة وهي أن الطيارين Jim Heath و Bill Burkhart للتو هبطوا بطائرتهم وكسروا الرقم القياسي في رحلة قوامها 50 يومًا واصبح الرقم القياسي أطول بـ4 أيام كاملة. !!!
لحسن حظ Robert عثر على فني وميكانيكي طيران وطيار بارع أيضـًا يُدعى John Cook ليشاركه الرحلة وشدوا الترحال في اليوم القومي للـCookies (يوم 4 ديسمبر) وجهتهم ومقصدهم الأخير هو كتب الأرقام القياسية.
في البضعة أيام الأولى استمروا في الطواف فوق فيجاس ليجدوا مطارًا يهبطوا فيه في حالة حدوث أي مشكلة طارئة ولكن بعدها بدأوا يخرجوا لصحراء كاليفورنيا وأريزونا.
بالطبع لابد وأن ذهنك يلح عليه سؤال مهم جدًا الآن ألا وهو “كيف قاموا بتموين الطائرة؟!!” طريقة التموين لم تكن من طائرة أخرى مثل الطائرات الحديثة ولم تكن طائرتهم تسير بالطاقة الشمسية ولا أي شيء هذا القبيل وإنما كانوا يمونوا عن طريق إبطاء سرعة الطائرة لتتناسب مع سرعة سيارة نقل على الأرض يُخفضوا لها خرطوم للتموين والسيارة تزودهم بالطعام والمؤن اللازمة عن طريق حبل وكانت هذه العملية تستغرق 3 دقائق وتحدث مرتين في اليوم وكانوا يتناوبون على قيادة الطائرة، كل منهم 4 ساعات وينام الـ4 التالية وهكذا.
على الرغم من أن الطائرة ضيقة جدًا وصوتها عالي جدًا ومزعج جدًا جدًا وليست مكان مناسب للمكوث لبضعة ساعات حتى ناهيك عن بضعة أيام، ناهيك عن كل هذه المدة العملاقة، إلا أن الطيارين ثبتوا وتحملوا كل الإرهاق والمعاناة، وفي اليوم الـ36 تفادوا كارثة كادت تودي بحياتهم، حينما كان John في نوبة نومه، وفي نفس لوقت Robert أغمى عليه من الإرهاق إلا أن الـautopilot أنقذهم وتولى مسئولية الطائرة لمدة ساعة كاملة بدون متابعة أي منهم.
في اليوم الـ50 وبعد كسرهم للرقم القياسي، كان مازال الثنائي عندهم ما يكفي من الثبات والحماسة والسداد لإطالة رقمهم القياسي وزيادة مدته، ولكن في اليوم الـ60 محرك الطائرة بدأ يضعف ويتلف (وخاصة من الانسداد الكربوني في غرف الاحتراق) ولم تصبح الطائرة قادرة حتى على زيادة ارتفاعها ولذلك اضطروا للهبوط في اليوم الـ64 في ساحة McCarren Field بعد رحلة أسطورية وشاقة قوامه 150,000 ميل (241,000 كيلومتر) بعدما استسلمت الطائرة قبل أن يستسلم قادتها!
