من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا رجل أبلغ من العمر71 عاما ومتزوج منذ47 عاما من ابنة عمتي وهي في مثل عمري ولم تكن حياتنا الزوجية مستقرة إلا أننا رزقنا بثلاث بنات, عكفت على تربيتهن وتهذيبهن خلقيا ودينيا وتحملت الكثير من مضايقات هذه الزوجة وشتائمها لي ولوالدتي حتى بعد وفاتها, إلى أن أديت رسالتي نحو بناتي بإتمام تعليمهن الجامعي وزواجهن من رجال أكفاء وإنجابهن لحفدة أعزاء وصل بعضهم إلى نهاية التعليم الجامعي بعون من الله وفضله.
ومنذ نحو ثلاث سنوات ونظرا لما كابدته من نفور من زوجتي وجدت نفسي عاجزا عن الاتصال الحميم بها, مما دعاني للابتعاد عن مخدعها والنوم في حجرة أخرى, وبمرور الأيام وجدتني أفقد توازني العاطفي والشخصي وأتغير في تعاملي مع الناس عموما, فحاولت العلاج بالأدوية المقوية ولكنها لم تأت بنتيجة مما زاد من همومي وانطوائي, وفي هذه الأثناء وضعت الأقدار في طريقي آنسة في نحو الثلاثين من عمرها رأيت فيها ما قد يعيد لي ما فقدته,
فعرضت عليها الزواج وقبلت بعد تريث وتفكير, وأتممنا الزواج عند المأذون ودخلت بها في أمان الله وكانت إرادة الله أن تحمل ولكن لم يدم الحمل طويلا, فتألمت كثيرا ثم صبرت واحتسبت. ومرت تسعة أشهر ونحن نتقابل مرة واحدة في الأسبوع حفاظا على شعور الزوجة الأولى, ومدعيا على غير الحقيقة وجودي في أماكن أخرى,
وفي مساء أحد الأيام منذ أسبوعين إذا بزوجتي الأولى تباغتني بعد عودتي من لقائي بزوجتي الثانية بسؤالها أين كنت؟ وتصر إصرارا عجيبا على معرفة الإجابة مما اضطرني لأن أصرح لها بالحقيقة المرة التي لم تتوقعها, فهاجت وماجت واستدعت إخوتي واكبرهم يصغرني بنحو 14 سنة لتعرض عليهم الأمر واعتبرتهم أهلها, مما أساء لمشاعري بصفتي الأخ الأكبر لهم وعميد أسرتهم. وطلبت الطلاق مع إحتفاظها بالشقة والإقامة فيها وعدم وجودي فيها أيضا إلا إذا طلقت الثانية..وإنني الآن اسألك ؟
هل أنا مخطئ بزواجي الثاني مع وضع الظروف التي ألجأتني لذلك الزواج في الاعتبار؟ وهل من حقها الاحتفاظ بالشقة وأخذ حقوقها المادية كاملة أيضا؟ وهل من العدل تطليق زوجتي الثانية إرضاء للزوجة الأولى وبناتها الثلاث المتزوجات؟
وهل إذا تم طلاق الزوجة الثانية ستستقيم الأمور وتنصلح حالتي النفسية وكأن شيئا لم يكن؟ أم سأعود للهموم والإنطواء مرة أخري؟..
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
الزواج للمرة الثانية في هذه المرحلة من العمر وممن تصغرك بأكثر من 40 عاما ليس مما يتفق مع طبيعة المرحلة.. ولا مع المكانة التي يحرص أب مثلك على أن تكون له بين بناته وأزواجهن وأصهارهن, ناهيك عن الأهل والإخوة الذين يصغره أكبرهم بـ14 عاما.. لهذا فلقد كان الأجدر بك وقد صبرت ـ كما تقول ـ على حياتك الزوجية 47 عاما أن تحتمل ما بقي من العمر المقدور للإنسان,
بغير الإقدام على مثل هذه المغامرة التي تهدد الحياة العائلية بالاضطراب والقلاقل في سن الجلال والاحترام. إن لم يكن رعاية للزوجة والأم التي رافقتك ما يقرب من نصف قرن, ورعاية على الأقل للبنات المتزوجات وحرصا علي تجنيبهن الحرج مع أزواجهن وأصهارهن, وتفاديا لتكدير حياتهن بمشكلة تتعلق بأمهن وتفرض عليهن كل الظروف أن يتعاطفن معها فيها وينحزن إلى جانبها ضدك مع ما يترتب على ذلك من حرج معك,
أو كدر في العلاقة بينك وبينهن, ولقد كن في غنى عن كل ذلك لو كان أبوهن قد وضعهن في اعتباره بعض الشئ وهو يقدم على هذه الزيجة الثانية, كما أن الانسان لا يكتسب ما يستحقه من مكانة لدى أبنائه وأخوته وأهله بضعفه أمام رغائبه وانحصار تفكيره فيما يحقق له وحده المتعة دون النظر إلى أي شئ آخر..
وإنما بترفعه عما لا يليق به ولا بالمرحلة التي يجتازها من العمر وبصبره على بعض النواقص في حياته, بغير أن ينزلق إلى ما يخدش جلاله واحترامه لدى من يهمهم أمره, وقديما قالت الحكمة البوذية إن العظمة الحقيقية هي في الصبر على المكاره, وليس العكس, ولهذا فلن اناقش معك قانونية حق زوجتك الأولى في الانفراد بمسكن الزوجية دونك إذا رفضت أنت إنهاء هذه التجربة العارضة في حياتك, لأن الأمر هنا لا يتعلق بالحقوق ولا بنصوص القانون,
وإنما يتعلق بما يليق بالفضلاء أن يفعلوه وما لا يليق .. وما يليق بالفضلاء هو أنه إذا استجاب أحدهم لأهوائه وأقدم على ما أقدمت عليه أنت وأصرت زوجته على أن يطلق الأخرى أو تنفصل عنه بعد عشرة47 عاما, فإنه لا يجد مفرا أمامه من أنهاء هذه التجربة العارضة.. وتعويض بطلتها ماديا عن ذلك إرضاء لنفسها ولأن الإغراءات المادية كانت بالضرورة أحد أسباب قبولها لها, ثم العودة إلى الزوجة الأولى ومحاولة بعث الحياة في علاقته بها أو الرضا بحياته معها دون تطلع إلى ما ينقصه فيها,
فإن لم يفعل ذلك وأصر على الاستمرار في التجربة العارضة إلى آخر مدى, فلا مفر أمامه في هذه الحالة من الاستجابة لمطلب زوجته الاولى بالانفصال.. وترك مسكن الزوجية لها رعاية لعشرة نصف قرن من الزمان أيا كانت تحفظاته عليها.. وإكراما لأبنائه الذين يشقون باضطراب حياة أمهم في مثل هذه المرحلة من العمر, ويزعجهم كثيرا أن تفقد أمهم استقرار حياتها وأمانها في أواخر العمر, وذلك كله بغض النظر عن حق الزوجة في الشقة أو عدم أحقيتها فيها, فهل تفعل ما يفعله الفضلاء في مثل هذه الظروف؟!